أصبحت العلاقات بين تركيا وقطر في الآونة الأخيرة أكثر قوة وتماسك، حيث سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومنذ بداية الأزمة بين الدوحة والرياض التي أعلنت وبالاتفاق مع الإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية بقطر، بسبب دعمها للجماعات المتطرفة كـ(الإخوان والقاعدة وداعش)، وتأييدها لإيران في مواجهة دول الخليج، بالإضافة لعملها على زعزعة أمن هذه الدول وتحريض بعض المواطنين على حكوماتهم، كما في البحرين. الى الوقوف بجانب قطر ودعمها بشكل كبير، كما صدق البرلمان التركي على اتفاقية لإنشاء قاعدة عسكرية في قطر، بهدف تعزيز أمن واستقرار هذه الدولة الغنية، وهو ما اثار غضب الملكة العربية السعودية وباقي الحلفاء الذين سعوا الى تقديم طلبات خاصة لسلطات القطرية، من اجل إنهاء هذه الأزمة التي أصبحت اليوم وبحسب بعض المراقبين، اكثر تعقيدا بسبب رفض الدوحة وبتأيد من تركيا هذه المطالب.
ويبدو أن العلاقات السعودية التركية، بحسب بعض المصادر، قد بدأت تتأثر سلبا بالأزمة الخليجية الراهنة، أكثر من أي وقت مضى مع تصلب أنقرة في موقفها المنحاز لحليفها القطري. وكشف تسلسل الأحداث وتطور الموقف التركي من الأزمة الخليجية منذ انطلاقها وحتى حسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اصطفافه إلى جانب قطر، أن أنقرة كانت تعلم وتعي منذ البداية التبعات المتوقعة لهذا القرار الاستراتيجي على مستقبل علاقاتها مع المملكة العربية السعودية.
فحسب ما أكدت مصادر تركية مقربة من الحكومة فإن دوائر صنع القرار التركي اتفقت على ضرورة تجنب أي تصريح أو تصرف يمكن أن يوحي بالاصطفاف مع أحد الأطراف، وتطبيقاً لذلك اقتصرت تصريحات كبار المسؤولين في ذلك الوقت على الدعوات إلى التهدئة وعرض التوسط والمساعدة في حل الخلافات "عبر الحوار"، إلا أن هذا الوضع لم يطول، حتى أدركت تركيا أنها لابد من تحديد موقفها في أسرع وقت، خوفًا من أن يأتي الدور عليها، لذا فحسمت أمرها بدعم قطر، وفي ذات الوقت حاولت لعب دور الوسيط لحل الأزمة ولكن جميع المعطيات تؤكد أن النتيجة هو تدهور في العلاقات "السعودية- التركية"، لاسيما عقب رفض قطر تلبية مطالب الدول التي أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية معها ما يزيد اضطراب في الموقف التركي تجاه الخليج.
والخلافات بين السعودية وتركيا، جذورها قديمة وتعود إلى التنافس الإقليمي للبلدين، حيث يحاول توسيع كلا منهم نفوذه الاقليمي وفي المقابل يضيقان دائرة المناورة والتغلغل الاقليمي للطرف المقابل، لاسيما حول ملف الإخوان المسلمين، والتي كانت السبب الرئيسي للخلاف بين السعودية وتركيا، فعلى سبيل المثال دعمت اليوم تركيا قطر في الازمة الاخيرة وربما يكون احد اسباب هذا الامر بغض النظر عن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، هو علاقات الدوحة الجيدة مع الإخوان المسلمين وحركة حماس.
حيث أن تركيا لديها علاقات جيدة مع هذه الجماعات من الناحية الايديولوجية، وهذه النظرة لاتوجد لدى السعودية التي تركز على المصالح المشتركة أكثر من الايديولوجية، لذا من المتوقع أن تتوتر العلاقات أكثر ماهي، خاصة عقب إعلان تركيا مبادرة استقبال جماعة الإخوان الذين يعيشون في قطر. وترى بعض المصادر ان التحولات والصراعات المتفاقمة التي تشهدها المنطقة، يمكن ان تسهم في خلق تحالفات جديدة، فقد تحدثت وسائل إعلام مختلفة عن احتمال تشكل تحالف "تركي-إيراني-قطري" بدعم روسيا ليكون في مواجهة التحالف "المصري-السعودي-الإماراتي" المدعوم أمريكياً.
مطالب غير قانونية
وفي هذا الشأن رفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان دعوات لإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر ووصف قائمة قدمتها دول عربية وتضم مطالب أخرى إلى جانب هذا المطلب بأنها تدخل غير قانوني في سيادة الدولة الخليجية. وفي أقوى تصريحات له دعما لقطر منذ بدء الأزمة قال إردوغان إن الدعوة لسحب القوات التركية تنم عن عدم احترام وإن الدوحة التي وصفت المطالب بأنها غير معقولة تسير في الطريق الصحيح.
وقال إردوغان "نقر ونثمن الموقف القطري ضد قائمة المطالب... أسلوب المطالب الثلاثة عشر هذا يتعارض مع القانون الدولي لأنه لا يحق لك الهجوم أو التدخل في سيادة أي دولة". إلا أن وزير خارجية البحرين قال إن التدخل الخارجي لن يحل الأزمة. وفي تغريدة على تويتر قال الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة "تخطئ بعض القوى الإقليمية إن ظنت بأن تدخلها سيحل المسألة، فمن مصلحة تلك القوى أن تحترم النظام الإقليمي القائم والكفيل بحل أي مسألة طارئة".
ومن الواضح أن المطالب تهدف إلى تفكيك سياسة قطر الخارجية التي أثارت غضب دول عربية بسبب دعمها المزعوم لإسلاميين ترى فيهم هذه الدول خطرا على الأنظمة الحاكمة فيها. وأيدت قطر وتركيا الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل أن يتم عزله في 2013 عقب احتجاجات حاشدة على حكمه. وطالبت الدول العربية قطر بقطع أي صلات لها بالإخوان وجماعات أخرى تعتبرها "إرهابية" أو طائفية. بحسب رويترز.
ورفضت السعودية طلبا تركيا بإقامة قواعد عسكرية تركية على أراضيها، وقالت إن المملكة ليست في حاجة لذلك، وإن القوات السعودية في أفضل مستوى، وإنها تشارك في الخارج بما في ذلك قاعدة أنجيرليك التركية "لمكافحةالإرهاب". ونقلت وكالة الأناضول التركية أن أردوغان عرض على الملك سلمان بن عبد العزيز إنشاء قاعدة عسكرية تركية في المملكة. أعلنت السعودية أنها لن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها، وأنها ليست بحاجة لمثل هذه القواعد، وذلك ردا على عرض بهذا الخصوص تقدمت به أنقرة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) عن مصدر مسؤول أن المملكة "لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها وأضاف أن "المملكة ليست في حاجة إلى ذلك، وقواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، ولها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك قاعدة أنجيرليك في تركيا لمكافحة الارهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة". وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال إنه عرض على الملك سلمان بن عبدالعزيز إنشاء قاعدة عسكرية تركية في السعودية، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول. وأضاف أردوغان أن الملك سلمان تعهد بتقييم الأمر، وأن الرد لم يأت لغاية الآن.
القاعدة التركية في قطر
الى جانب ذلك استبعدت أنقرة والدوحة إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر نزولا عند طلب الدول المقاطعة لقطر التي فرضت عليها عقوبات واتهمتها بدعم "الارهاب" والتقارب مع إيران. وكانت الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر المقاطعة لقطر في صلب المباحثات بين وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في أنقرة مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو. وعرض الجانبان مطالب الدول المقاطعة لإنهاء الأزمة ومنها إغلاق قناة الجزيرة الفضائية وتقليص العلاقات مع إيران وغلق القاعدة التركية.
وقال تشاوش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك "نكرر أنه من غير المقبول أن يكون إغلاق القاعدة التركية جزءا من هذه المطالب". وقال وزير خارجية قطر "لن تتم مراجعة الاتفاقات التي وقعتها قطر طالما كانت في إطار القانون الدولي. ليس لاي بلد الحق في إثارة مسألة القاعدة التركية والتعاون العسكري بين قطر وتركيا طالما أن هذا التعاون يجري في إطار احترام القانون الدولي". بحسب رويترز.
وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني من جهة ثانية ان الاتهامات المُساقة ضد الدوحة "قائمة على فبركات إعلامية وليس على وقائع تبرر التدابير المتخذة ضد قطر". وأضاف "هذا الحصار مطبق منذ 40 يوما وهذه البلدان لم تقدم لقطر أي إثبات يؤيد مزاعمها بتأييد الإرهاب". وأيد تشاوش أوغلو موقف قطر قائلا "إذا ارتكبت أخطاء فيجب تقديم أدلة".
قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي تقف بلاده داعمة لقطر في مواجهتها مع جيرانها بمنطقة الخليج ينوي زيارة المنطقة قريبا لمناقشة جهود حل الأزمة. وقال تشاووش أوغلو "تتركز كافة جهودنا على الوصول إلى حل يتماشى مع العلاقات الأخوية". وانتقد إردوغان قائمة المطالب التي قدمتها الدول العربية الأربع إلى الدوحة لإنهاء العقوبات والتي كان من بينها إغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر. كما أرسلت تركيا 200 طائرة شحن تحمل إمدادات إلى قطر منذ إغلاق جيرانها العرب المجال الجوي والبحري أمامها. ولا تملك قطر حدودا برية سوى مع السعودية.
مزيد من القوات
في السياق ذاته قالت قطر إن مزيدا من القوات التركية وصلت إلى قاعدة عسكرية في الدوحة بعدما أسرعت أنقرة بإقرار تشريع من أجل إرسال مزيد من الجنود للانتشار هناك. وذكرت القوات المسلحة القطرية في بيان "أعلنت مديرية التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع عن وصول الدفعة الخامسة من القوات المسلحة التركية إلى دولة قطر". والتدريبات مستمرة في القاعدة منذ 19 يونيو حزيران. ويأتي نشر القوات التركية في القاعدة القطرية بموجب اتفاق وقعه البلدان في 2014.
وتساند أنقرة قطر بعدما قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدوحة هذا الشهر متهمة إياها بدعم الإرهاب. وتنفي قطر هذا الاتهام. وجاء في بيان القوات المسلحة القطرية "يأتي هذا التعاون الدفاعي بين الدوحة وأنقرة ضمن النظرة الدفاعية المشتركة لدعم جهود مكافحة الإرهاب والتطرف وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة". ولم يذكر البيان حجم القوات التركية المنتشرة حاليا في القاعدة العسكرية في الدوحة. بحسب رويترز.
وحضت تركيا على ضرورة "احترام حقوق قطر" غداة لقاء بين وزير الدفاع التركي فكري ايشيك ونظيره القطري خالد بن محمد العطية. وذكرت وكالة انباء الاناضول الرسمية ان ايشيك التقى العطية في وزارة الدفاع في انقرة. وقال ايشيك خلال اللقاء ان "القضايا الراهنة بين دول الخليج، وهم اشقاء، يجب ان تحل قريبا على اساس حوار صادق واحترام حقوق قطر". ويشار الى ان أنقرة تقوم أيضا بإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارة الخليجية ستمنح تركيا موطئ قدم جديدا في الخليج، مع إرسال أول دفعة من قواتها الى هناك.
اضف تعليق