تسعى بريطانيا كغير من دول العالم الاخرى، الى تأمين مصالحها مع دول الخليج العربي الغنية بالكثير من الثروات، وذلك من خلال بناء تحالفات اقتصادية وعسكرية كبيرة خصوصا وان هذه المنطقة، تعيش اليوم حالة من عدم الاستقرار الامني بسبب الحروب والصراعات وتفاقم خطر الجماعات الإسلامية المتشددة، يضاف الى ذلك الصراعات السياسية بين دول المنطقة، وعلى مدار أكثر من مائة وخمسين عامًا، من ١٨٢٠ وحتى انسحابها في ١٩٧١، كانت بريطانيا وكما نقلت بعض المصادر، هي القوة المهيمنة في منطقة الخليج.
ومثلما الحال مع غيرها من القوى الأوروبية الأخرى، لا سيما البرتغالية والفرنسية والهولندية، كان اهتمام بريطانيا في البداية بمنطقة الخليج، والذي انطلق في القرن السابع عشر، يهدف لتطوير المصالح التجارية. وقد بدأت طبيعة التَدخُّل البريطاني تتغير بعد أن تمكنت من توطيد وتوسيع ممتلكاتها الاستعمارية في الهند. وقد سعت بريطانيا ايضا الى الاستفادة من مخاوف وقلق دول الخليج العربي، من اتساع نفوذ ايران حيث اعلنت تريزا ماي، شاركت زعماء الخليج في محادثات تتعلق بالأمن والدفاع والعلاقات التجارية بين بريطانيا ودول المنطقة.
ويعد الخوف من التدخل الإيراني هو المصدر الأكبر للقلق بين دول الخليج التي اتهم بعضها إيران بالتدخل في شؤونها في السابق. ويسود الخلاف بين دول الخليج وإيران بشأن عدد من السياسيات في المنطقة بما فيها الموقف في اليمن وسوريا. وقالت ماي إن: "أمن الخليج الآن هو أمننا، ولذلك فنحن نستثمر هناك. ولا يتعلق الأمر بالقوة العسكرية فقط، إذ ينبغي علينا العمل معا للرد على التهديدات المتنوعة، ولذلك سنتوصل إلى اتفاقات تعاون جديدة لمنع التشدد، ومعالجة الإرهاب."
ويتهم منتقدون الحكومة البريطانية بأنها تركز على التحالف التجاري متجاهلة سجل دول الخليج في مجال حقوق الإنسان، الذي تعرض لانتقاد منظمات حقوق الإنسان، وتعتبر بريطانيا من أبرز الدول التي تدعم السعودية في حربها على اليمن، حيث تصاعدت مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية بشكل غير مسبوق، من 9 ملايين جنيه استرليني؛ لتصل إلى مليار، بارتفاع بنسبة 110%، خلال ثلاثة أشهر فقط في ظل الحرب، وبلغ إجمالى حجم صادرات بريطانيا من الأسلحة للسعودیة في العام الماضي فقط 3 مليارات جنيه استرليني.
و تتلاحق وتتسارع على بريطانيا، الشريك الأول للسعودية، ضغوط دولية حيث تواجه بريطانيا بين الحين والآخر انتقادات كبيرة وضغوطًا داخلية وخارجية؛ في محاولة لوقف تصدير أسلحتها إلى الرياض، التي تستخدمها في ارتكاب جرائم إنسانية في اليمن، لتسارع السعودية في محاولة لتهدئة الأوضاع؛ حتى لا تفقد شريكها الهام الذي تورط بهذه الصادرات في المستنقع اليمني.
ودعا نواب من البرلمان البريطاني عبر مسودة مشروع لتوقيف مبيعات الأسلحة للسعودية لحين اتخاذ الإجراءات اللازمة من طرف السعودية تجاه اليمن، وقالت اللجان البرلمانية إن الأسلحة استخدمت في انتهاك واضح للقوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان، وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية تلقت تأكيدات من الحكومة السعودية بعدم انتهاك القوانين الدولية، إلا أن اللجنة البرلمانية قالت إنها لا تكفي، ويجب وقف بيع الأسلحة لحين إجراء تحقيق دولي ومستقل يثبت الوقائع.
في الوقت نفسه رأى بعض المراقبين أن اللجان التي أعدت التقارير حول الانتهاكات التي نفذتها السعودية ضد اليمنيين تحتوي على أدلة كثيرة وضخمة على استخدام الرياض للأسلحة المصنوعة في المملكة المتحدة في إحداث جرائم حرب في اليمن، وأنه من الصعب جدًّا الاستمرار في دعم السعودية، فيما قالت لجنة العموم البريطانية، بشأن ضوابط تصدير الأسلحة في تقرير مسرب، إن حجم الأدلة على انتهاكات القانون الإنساني الدولي من قوات التحالف التي تقودها السعودية في اليمن ضخم جدًّا، بحيث يصعب مواصلة دعم السعودية مع الحفاظ على مصداقية تراخيص أسلحتنا للنظام السعودي.
تمويل التطرف
وفي هذا الشأن قالت الحكومة البريطانية إنها لن تنشر بشكل كامل تقريرها عن مصادر تمويل المتطرفين الإسلاميين في بريطانيا مما دفع المعارضة لاتهامها بمحاولة حماية حليفتها السعودية. وسلم التقرير، الذي أمر بإعداده رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون في نوفمبر تشرين الثاني 2015، للحكومة العام الماضي وتعرض وزراء لضغوط لنشر نتائجه عقب ثلاثة هجمات دامية في بريطانيا منذ مارس آذار قالت الحكومة إن متشددين إسلاميين مسؤولون عنها.
لكن وزيرة الداخلية أمبر راد قالت إنه رغم تلقي بعض المنظمات الإسلامية المتطرفة مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية، قررت عدم نشر التقرير بالكامل. وقالت الوزيرة في بيان مكتوب للبرلمان "هذا بسبب حجم المعلومات الشخصية التي يحتويها ولأسباب تتعلق بالأمن القومي". وأضافت راد أن المراجعة توصلت إلى أن أكثر المصادر دعما لهذه المنظمات هو تبرعات صغيرة مجهولة من أفراد مقيمين داخل بريطانيا.
لكن التقرير وجد أيضا أن التمويل الخارجي كان مصدرا مهما للدخل لعدد قليل من المنظمات. وجاء في بيان راد "الدعم الخارجي يسمح لأفراد بالدراسة في مؤسسات تدرس أشكالا محافظة للغاية من الإسلام وتقدم أدبا محافظا للغاية من الناحية الاجتماعية ووعاظا للمؤسسات الإسلامية في المملكة المتحدة". وأضاف "بعض هؤلاء الأفراد أصبحوا بعد ذلك مصدر قلق يتعلق بالتطرف".
ورأى معارضون أن الحكومة تسعى للتغطية على التقرير بهدف حماية السعودية الحليف الوثيق لبريطانيا وأكبر مصدر للنفط في العالم. وأصدرت وزارة الداخلية البريطانية في وقت لاحق بيانا ينفي ذلك. وقال البيان "خلافا للتلميحات من جانب بعض وسائل الإعلام.. لم تلعب العلاقات الدبلوماسية أي دور مطلقا في قرار عدم نشر التقرير كاملا". وقالت عضو البرلمان كارولين لوكاس الزعيمة المشاركة لحزب الخضر التي تضغط على الحكومة لنشر التقرير بالكامل إن بيان راد غير مقبول. وأضافت "لا يقدم البيان أي دليل على الإطلاق بشأن أي الدول ينبع منها التمويل الخارجي للتطرف- وهو ما يترك الحكومة عرضة لاتهامات أخرى برفض فضح دور الأموال السعودية في الإرهاب ببريطانيا".
وعبر حزب الديمقراطيون الأحرار وحزب العمال وهو حزب المعارضة الرئيسي عن نفس وجهة النظر. وقالت ديان ابوت المتحدثة باسم الشؤون الداخلية في حزب العمال "هناك شكوك قوية في أنه يتم منع نشر هذا التقرير لحماية الأولويات التجارية والدبلوماسية لهذه الحكومة بما في ذلك ما يتعلق بالسعودية". وكان مركز هنري جاكسون سوسايتي البريطاني للأبحاث نشر تقريرا ذكر أن التمويل الخارجي للتطرف الإسلامي في بريطانيا يأتي في الأساس من حكومات ومنظمات مرتبطة بحكومات في منطقة الخليج فضلا عن إيران. بحسب رويترز.
وقال التقرير "في مقدمة هؤلاء تأتي السعودية التي رعت منذ الستينيات جهودا بملايين الدولارات لتصدير الفكر الوهابي إلى العالم الإسلامي بما في ذلك المجتمعات المسلمة في الغرب". وطالبت الحكومة السعودية المركز بتقديم الأدلة على ادعاءاته وقالت إنها ملتزمة بمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف في الداخل وفي أرجاء العالم. وقال وزير الثقافة والإعلام عواد العواد إنه إذا كانت هناك قائمة بأسماء أفراد أو منظمات سعودية لهم صلات مؤكدة بالإرهاب في بريطانيا فيجب على المركز تقديمها وسوف تتعامل السعودية معها.
السلاح البريطاني
الى جانب ذلك قضت محكمة بريطانية بقانونية مبيعات الأسلحة البريطانية إلى المملكة العربية السعودية في انتكاسة لجهود نشطاء معارضين للحرب في اليمن. وقالت المحكمة إنه يحق للحكومة البريطانية الاستمرار في توريد السلاح إلى السعودية. وتعد السعودية أكبر زبون لبريطانيا في المجال العسكري ووصلت قيمة عقود الاسلحة والمعدات العسكرية بين البلدين منذ بدء السعودية حملتها العسكري في اليمن 2015 الى 3.3 مليارات جنيه استرليني ( 4 مليار دولار تقريبا).
وتتولى مؤسسة بريطانية مناهضة لتجارة السلاح الحملة لوقف تصدير الأسلحة للسعودية، وتطلق على نفسها "حملة مناهضة تجارة السلاح" إذ ترى أن السلاح البريطاني يُستخدم في عمليات عسكرية تنتهك القانون الدولي. ومن بين أهم مبيعات السلاح البريطاني إلى السعودية منذ انطلاق الحرب على اليمن في مارس/آذار 2015 طائرات مقاتلة وعمودية وطائرات بلا طيار بقيمة 2.2 مليار جنيه استرليني وذخائر وصواريخ وقنابل بقيمة 1.1 مليار جنيه وعربات مدرعة ودبابات بقيمة 430 مليون جنيه. بحسب رويترز.
وتقول الحملة إن أكثر من 80 شركة بريطانية حصلت على رخص لتصدير السلاح إلى السعودية وعلى رأسها ثالث اكبر شركة منتجة للأسلحة في العالم وهي شركة BAE التي تنتج مختلف انواع الأسلحة وعلى رأسها طائرات تورنيدو وتايفون المقاتلة. وهذه الشركة هي التي تعاقدت مع السعودية في صفقتي "اليمامة" و"السلام" التي تجاوزت قيمتهما المائة مليار جنيه استرليني وخضعت لتحقيقات طويلة في بريطانيا وغيرها بسبب تهم رشوة وفساد شابت الصفقتين.
وذكرت تقارير صحفية بريطانية ومنظمة العفو الدولية العام الماضي أن السعودية استخدمت قنابل عنقودية بريطانية الصنع في حملتها على اليمن وهو ما يشكل انتهاكا لالتزامات بريطانية التي وقعت على معاهدة منع إنتاج وتخزين وتجارة هذا النوع من الذخائر. وقد أقر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أواخر العام الماضي أمام مجلس العموم البريطاني بأن السعودية استخدمت هذه القنابل في اليمن.
من جانبها قالت صحيفة "إندبندنت" إنه يجب على بريطانيا إنهاء بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تتهم فيه البلاد بالذبح "واسع النطاق" للمدنيين في الحرب اليمنية، وبحسب الصحيفة البريطانية، تعتقد أغلبية ساحقة من الجمهور أنه من الخطأ بالنسبة لبريطانيا أن تقدم أسلحة بمليارات الجنيهات إلى المملكة. ويريد معظم الناس أيضاً من الحكومة الإفراج عن تقرير يشير إلى تمويل السعودية للتطرف "الإسلامي" في بريطانيا، حتى لو أضر بالعلاقات مع حليف رئيسي.
ويظهر استطلاع نشرته الصحيفة "عدم ارتياح الجمهور العميق للعلاقة الوثيقة بين بريطانيا وبين "الاستبداد" المتورط في حرب مدمرة في اليمن المجاور للسعودية". وقد اتهمت الأمم المتحدة ومراقبون آخرون السعودية بتفجير المستشفيات والمدارس وحفلات الزفاف، حيث تسعى إلى هزيمة "أنصار الله" الحوثيين.
وقد أعلنت الامم المتحدة أن اليمن يعيش "كارثة إنسانية" حيث دمرت شبكات الصرف الصحي وأصيب ما لا يقل عن 300 ألف شخص بالكوليرا. ويبدو أن المعارضة لمبيعات الأسلحة تمتد إلى الحكومة، حيث يُعتقد أن المحافظين يطالبون ببيع منتجات الأسلحة سرا. وقد وجد الاستطلاع الذي أجراه معهد "بي أم جي ريزارتش" أن 18٪ فقط من الناس يؤيدون هذه المبيعات "في حين تشارك السعودية في حرب أهلية في اليمن". وقال توم براك، وهو عضو في الحزب الليبرالي الديمقراطي، "هذا يدل فقط على سرعة تحرك المحافظين بعيداً عن الرأي العام". "وبدلا من الحسم مع السعوديين والحديث بصارمة، تقدم لهم الحكومة الأسلحة".
اضف تعليق