q

التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا بخصوص بعض الملفات المهمة، ومنها قضية الانتخابات الامريكية و الأزمة الأوكرانية والعقوبات المستمرة على موسكو والصراع في سوريا، ما تزال محط اهتمام واسع حيث تخشى البعض وفي ظل المواقف المتباينة وغياب الثقة بين الطرفين من تفاقم الأزمة الحالية، وعلى الرغم من الشعارات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بشأن إمكانية تحسين العلاقات مع روسيا، إلاّ أن الوقائع التي حصلت كما نقلت بعض المصادر، منذ دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الأول/يناير 2017 وحتى الآن بيّنت أن تسوية التوتر بين واشنطن وموسكو أعمق بكثير من مجرد إطلاق شعارات وتتطلب حلولاً جذرية وخطوات عملية لترجمتها على أرض الواقع.

الاحداث والتطورات الأخيرة التي يشهدها العالم، اسهمت بنشوب حرب باردة ثانية بين الطرفين لأسباب عديدة منها، إصرار واشنطن على اتهام موسكو بمحاولة توسيع نفوذها في أوروبا الشرقية وشمال البحر الأسود خصوصاً في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وما ترتب على ذلك من فرض عقوبات اقتصادية وسياسية من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي على روسيا. اتهام موسكو لواشنطن بعرقلة مساعيها للقضاء على الجماعات الإرهابية لاسيّما في سوريا.

اتهام موسكو لواشنطن بمحاولة توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا خصوصاً في منطقة بحر الصين الجنوبي. تفاقم التوتر بين الجانبين بسبب نشر أمريكا منظومة صواريخ حديثة في عدد من دول أوروبا الشرقية، الأمر الذي اعتبرته روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ما دعاها لنشر المنظومة الصاروخية المتطورة المعروفة باسم “اسكندر” لمواجهة هذا التهديد. يتهم الطرفان أحدهما الآخر بنقض تعهداته بشأن المعاهدة الخاصة بتدمير الصواريخ الباليستية المعروفة اختصاراً باسم (INF) والرامية إلى الحد من سباق التسلح بين الجانبين.

تصعيد جديد

وفي هذا الشأن شددت روسيا من لهجتها في خلاف مع الولايات المتحدة قائلة إنها تدرس سبل الرد على مصادرة بعض مبانيها الدبلوماسية في الولايات المتحدة وطرد دبلوماسييها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لوسائل الإعلام الروسية خلال زيارة "الوضع شائن". وأضاف في تعليقات نشرت على موقع الوزارة على الإنترنت "أعتقد أنه بالنسبة لبلد عظيم مثل الولايات المتحدة يدافع عن القانون الدولي فإن من العار ترك هذا الوضع معلقا. نفكر الآن في اتخاذ خطوات محددة". وتحدث لافروف خلال مؤتمر صحفي عُقد في بروكسل في وقت لاحق مع فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي عن "إجراءات انتقامية" ولكن امتنع عن الرد عندما سئل عما إذا كان يقصد أن روسيا ستطرد دبلوماسيين أمريكيين أو ستصادر مباني دبلوماسية.

ودعا واشنطن إلى الاستجابة لمطالب موسكو بإعادة العقارات الدبلوماسية. وقال "إذا لم يحدث ذلك وإذا رأينا أن هذه الخطوة لا يُنظر إليها على أنها أساسية في واشنطن فسنتخذ حينئذ بالطبع إجراءات انتقامية". وأضاف "هذا قانون الدبلوماسية ..قانون الشؤون الدولية..وهو أن المعاملة بالمثل هي أساس كل العلاقات". وقالت صحيفة إزفستيا نقلا عن مصدر دبلوماسي روسي إن روسيا تفكر في طرد نحو 30 دبلوماسيا أمريكيا ومصادرة مجمعين دبلوماسيين أمريكيين في موسكو وسان بطرسبرج.

وكانت الولايات المتحدة صادرت في ديسمبر كانون الأول مجمعين دبلوماسيين روسيين وأمر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت باراك أوباما بطرد 35 روسيا بسبب ما وصفه بتورطهم في عمليات اختراق إلكتروني للتدخل في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية. ونفت موسكو هذه الاتهامات وقالت في حينها إنها ستنتظر لترى ما إذا كانت العلاقات ستتحسن في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب.

وقالت إزفستيا إن الحكومة الروسية تشعر بخيبة أمل لعدم توصل الرئيس فلاديمير بوتين وترامب إلى حل لهذا الخلاف الدبلوماسي في أول اجتماع لهما على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورج. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية إنه تم إبلاغه بأن قضية المجمعين لم تُطرح خلال لقاء ترامب وبوتين. ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على طلب للتعليق على تصريحات لافروف.

وقال لافروف إن روسيا تتفهم جيدا تأثير استمرار "تحيز الكونجرس الأمريكي ضد روسيا" لا سيما بعد مرور فترة طويلة على تولي إدارة ترامب السلطة. وقال "ندرك أن قرار طرد دبلوماسيينا ومصادرة عقاراتنا الدبلوماسية اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما". وأضاف أن الإدارة السابقة استهدفت "تسميم العلاقات الأمريكية الروسية لأقصى درجة" ونصب "فخ" لترامب. وتلاحق ترامب ومساعديه اتهامات بالتواطؤ مع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي جرت العام الماضي. بحسب رويترز.

وقالت إزفستيا إن موسكو ما زالت تأمل في حل هذا الخلاف الدبلوماسي خلال لقاء بين سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي وتوماس شانون وكيل وزارة الخارجية الأمريكية. ولم توضح متى سيُعقد مثل هذا الاجتماع. وكانت موسكو قد ألغت فجأة اجتماعا سابقا كان من المزمع عقده بين ريابكوف وشانون في 23 يونيو حزيران ردا على توسيع العقوبات الأمريكية على روسيا.

الأمن الالكتروني

الى جانب ذلك قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدات إنه ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إنشاء وحدة للأمن الإلكتروني وهي فكرة لاقت انتقادات حادة من جمهوريين قالوا إن موسكو لا يمكن الوثوق بها بعد ما قيل عن تدخلها في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016. وفي تغريدات له على تويتر قال ترامب إن الوقت قد حان للعمل بشكل بناء مع موسكو مشيرا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا بدأ سريانه.

وأضاف في أعقاب محادثاتهما على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورج بألمانيا "أنا وبوتين بحثنا تشكيل وحدة منيعة لأمن الإنترنت لتفادي اختراق الانتخابات والعديد من الأمور السلبية الأخرى". وانتقد ثلاثة جمهوريين من أعضاء مجلس الشيوخ، وهم لينزي جراهام وماركو روبيو وجون مكين، الفكرة بلهجة حادة. وجراهام سناتور جمهوري مؤثر عن ولاية ساوث كارولاينا وعضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أما روبيو فهو سناتور عن ولاية فلوريدا وجون مكين عن أريزونا.

وقال جراهام لقناة تلفزيون (إن.بي.سي) "ليست أغبى فكرة سمعتها في حياتي لكنها أقرب ما يكون إلى ذلك" وأضاف أن استعداد ترامب الواضح "للتسامح والنسيان" قوى عزمه على إقرار تشريع يفرض عقوبات على روسيا. وقال مكين الذي يرأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ لمحطة تلفزيون (سي.بي.إس) "لم تكن هناك عقوبة... فلاديمير بوتين... أفلت من العقاب بمعنى الكلمة بعد أن حاول تغيير نتيجة .. انتخاباتنا". وأضاف "نعم.. حان الوقت للمضي قدما. لكن يجب أن يكون هناك ثمن يُدفع".

وقال روبيو على تويتر "على الرغم من أن الواقعية والعملية تتطلبان أن نتعامل مع فلاديمير بوتين لكنه لن يكون أبدا حليفا موثوقا به أو شريكا بناء يعتمد عليه". وأضاف "الدخول في شراكة مع بوتين بشأن وحدة لأمن الإنترنت مثل مشاركة (الرئيس السوري بشار) الأسد في وحدة للأسلحة الكيماوية". وروج ترامب خلال حملته الانتخابية إلى اتباع نهج جديد مع موسكو لكنه لم يتمكن من تنفيذ ذلك في ظل ملاحقة إدارته بتحقيقات عن مزاعم بتدخل روسيا في الانتخابات وصلات بحملته.

وتبحث التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر والعديد من لجان الكونجرس الأمريكي ما إذا كانت روسيا تدخلت في الانتخابات وتواطأت مع حملة ترامب. ويقول أعضاء في الكونجرس ومسؤولون بالمخابرات إن هذه التحقيقات تركز بشكل كامل تقريبا على تحركات موسكو، ولم تظهر أدلة تشير إلى تورط دول أخرى على الرغم من إشارة ترامب إلى ذلك الاحتمال.

وقال النائب آدم شيف أبرز ديمقراطي في لجنة المخابرات في مجلس النواب لقناة تلفزيون (سي.إن.إن) "لا أعتقد أننا يمكن أن نتوقع من الروس أن يكونوا شريكا نزيها بأي شكل في وحدة ما لأمن الإنترنت... إذا كان ذلك هو أفضل دفاع لنا عن الانتخابات فربما نرسل صناديق اقتراعنا أيضا إلى موسكو". وفي إطار منفصل ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن مسؤولين في الحكومة الأمريكية قالوا إن متسللين من الحكومة الروسية هم الذين اخترقوا في الآونة الأخيرة أنظمة عمل لمفاعلات طاقة نووية أمريكية وشركات أخرى في مجال الطاقة.

وقالت الصحيفة إن مسؤولين حكوميين وفي مجال الصناعة أكدوا أن تلك هي المرة الأولى التي يُعرف فيها أن متسللين إلكترونيين روسا اخترقوا شبكات في شركة طاقة نووية أمريكية. وقال ترامب إنه أثار مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي مع بوتين. وقال "ضغطت بقوة مرتين على الرئيس بوتين بشأن التدخل الروسي في انتخاباتنا. نفى ذلك بشدة. لقد أعطيت رأيي بالفعل...".

وتابع "تفاوضنا على اتفاق لوقف إطلاق النار في أجزاء من سوريا من شأنه أن ينقذ الأرواح. حان الوقت الآن للمضي قدما في العمل على نحو بناء مع روسيا!". وتوصلت الولايات المتحدة وروسيا والأردن لوقف لإطلاق النار واتفاق "لخفض التصعيد" في جنوب غرب سوريا فيما تجري إدارة ترامب أول محاولة لها في صنع السلام في البلد الذي يشهد حربا أهلية منذ أكثر من ست سنوات.

وفي تغريدة أخرى قال ترامب إن "العقوبات لم تناقش في اجتماعي مع الرئيس بوتين. لن يتم شيء قبل حل الأزمتين الأوكرانية والسورية". وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا لضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014. وبدا أن ترامب يناقض تصريحات أدلى بها وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي قال للصحفيين إن ترامب قال لبوتين إن نوابا أمريكيين يضغطون لفرض عقوبات إضافية على روسيا.

وأقر مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعا يحول تلك العقوبات إلى قانون، وهي عقوبات تشمل قطاع التعدين وصناعات أخرى كانت قد فُرضت بأوامر تنفيذيه أصدرها الرئيس السابق باراك أوباما. ويتعين أن يقر مجلس النواب مشروع القانون أولا قبل أن يُحال إلى البيت الأبيض ليوقعه ترامب أو يرفضه. وقال السناتور الجمهوري جراهام عن ترامب "إنه لا يعتزم أن يفعل أي شيء حيال الأمر وبالتالي يجعلني ذلك أكثر التزاما من أي وقت مضى بإيصال العقوبات التي تؤدب بوتين إلى مكتب الرئيس ترامب". بحسب رويترز.

وانتقد مكين تصريحات قال فيها تيلرسون عن سوريا "بدرجة كبيرة أهدافنا (أمريكا وروسيا) واحدة. نختلف في وجهات النظر عن كيفية تحقيقها. ربما لديهم النهج الصحيح فيما لدينا النهج الخاطئ". ودعمت روسيا وإيران الإبقاء على الأسد في السلطة. وركز ترامب مثل سلفه أوباما على قتال داعش تاركا مسألة مصير الأسد لوقت لاحق. وقال مكين "علم الروس أن بشار الأسد سيستخدم أسلحة كيماوية. ثم تقول إننا ربما نحن من ننتهج الأسلوب الخاطئ؟" ولدى سؤاله عما إذا كان يندم للتصويت لصالح تولي تيلرسون منصب وزير الخارجية رد مكين "أحيانا أشعر بذلك".

برلين قلقة

في السياق ذاته قال مسؤول ألماني كبير إن ألمانيا ترحب بعلامات تفاعل الولايات المتحدة مع روسيا بشأن أوكرانيا وسوريا لكنها تشعر بقلق من أن واشنطن ستواجه صعوبة في القيام بدور بناء طالما ظلت أهداف سياستها مشوشة وظل الغضب محتدما بشأن دور موسكو في الانتخابات الأمريكية. وأبدى المنسق الحكومي للعلاقات مع روسيا وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية جيرنوت إيرلر رضاه خلال مقابلة عن لقاء الرئيس دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورج.

كما أشاد بوقف إطلاق النار بجنوب غرب سوريا والذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا وتعيين السفير السابق بحلف شمال الأطلسي كورت فولكر مبعوثا لواشنطن بشأن أوكرانيا. لكن إيرلر قال إنه من غير الواضح إذا كانت إدارة ترامب ستستطيع التعامل مع الصراعات المعقدة والصعبة في أوكرانيا وسوريا في الوقت الذي ترسل فيه إشارات متناقضة بشأن سياستها مع روسيا وتصارع تسريبات مستمرة بشأن صلات حملة ترامب بروسيا.

وقال إيرلر "نرى موقفا غير حاسم في السياسة الأمريكية تجاه روسيا". وأضاف "ليس هناك اتجاه واضح وفوق كل هذا أصبح الأمر مرهونا بالنقاش الداخلي في أمريكا. هذا الوضع لن ينتهي قريبا". وعند تولي ترامب السلطة قبل ستة أشهر كانت إحدى أكبر مخاوف برلين أن يفي بوعده أثناء الحملة الانتخابية بتوطيد العلاقات مع بوتين ويرفع العقوبات عن روسيا من جانب واحد وربما يعترف بضمها القرم في 2014. بحسب رويترز.

لكن في الشهور الأخيرة تحولت المخاوف بشكل كامل إذ ازداد قلق المسؤولين الألمان من احتمال انهيار الحوار بين واشنطن وموسكو في وقت تبدو فيه المشاركة الدبلوماسية الأمريكية حيوية لأوكرانيا وسوريا. وبالتالي شعروا بالارتياح عندما مضى اجتماع ترامب وبوتين بشكل جيد في هامبورج وتم إعلان الهدنة.

اضف تعليق