مع تمسك الحلف الخليجي المصري بشروطه، وإصرار قطر على قدرتها على الصمود في مواجهة العقوبات المتخذة بحقها، يبدو ان ازمة الخليج وعلى الرغم من تتوسط دول كبرى ستطول وتتسع، حيث يرى بعض الخبراء ان هذه الازمة تحولت اليوم الى معركة لي ذراع تحمل في طياتها عواقب اقتصادية، لا تقتصر فقط على قطر المتهمة بدعم الارهاب. وكانت السعودية والامارات والبحرين ومصر قطعت في الخامس من ايار/مايو علاقاتها بقطر وفرضت عليها عقوبات اقتصادية على خلفية هذا الاتهام، اخذة عليها ايضا التقارب مع إيران. لكن الدوحة التي تستقبل اكبر قاعدة جوية اميركية في الشرق الاوسط، نفت مرارا الاتهامات بدعم الارهاب.
وتقدمت الدول الاربع بحسب بعض المصادر، بمجموعة من المطالب لإعادة العلاقات مع قطر، بينها دعوة الامارة الغنية الى تخفيض العلاقات مع ايران واغلاق قناة "الجزيرة". وقدمت قطر ردها الرسمي على المطالب الى الكويت التي تتوسط بين اطراف الازمة، قبل ان تعلن الدول المقاطعة ان الرد جاء "سلبيا"، متعهدة باتخاذ خطوات جديدة بحق الامارة الغنية. ويقول كريتسيان اولريشسن الخبير في شؤون الخليج في معهد بيكر الاميركي "اعتقد ان الازمة تسير في طريق مفتوح".
وكانت الدول الكبرى عقدت امالها بنهاية قريبة للازمة على الرد القطري للوصول الى حل، الى ان تبين ان قطر ترفض لائحة الشروط التي تشمل 13 طلبا، معتبرة ان هذه المطالب "غير واقعية". ويرى اندرياس كريغ المحلل السياسي في كلية كينغز في لندن انه يصعب توقع نهاية الخلاف في المستقبل القريب، موضحا "لن يكون هناك رفع للعقوبات قريبا، لا استطيع ان ارى ذلك يتحقق".
ومع تفاقم الخلاف، وفي ظل العقوبات المفروضة على قطر وبينها اغلاق المجالات الجوية امام طائراتها والحدود البرية السعودية معها، اتجهت الدوحة الى ايران وتركيا بحثا عن بديل مؤقت للشريك الخليجي. ويقول كريستوفر ديفيدسون الخبير في شؤون الشرق الاوسط في جامعة درم البريطانية "يبدو ان السعودية والامارات استخفتا بقدرة قطر على جر لاعبين اقليميين كبار بينهم ايران وتركيا الى الخلاف وبهذه السرعة". ويرى ان هذا الامر يمنع اي تحركات ميدانية يمكن ان تقدم عليها الدول المقاطعة، ويرسخ استراتيجية اقتصادية على المدى البعيد تقوم على دفع الاقتصاد القطري للنزيف في وقت تشهد الامارة حملة اعمار ضخمة تحضيرا لاستضافة مونديال 2022. في هذا الوقت، تتواصل المساعي الدبلوماسية الغربية.
وتخشى واشنطن خصوصا من ان يتفاقم الخلاف في الفترة القريبة المقبلة في خضم بحث الدول المقاطعة عن اجراءات جديدة ضد قطر، وبينها احتمال طردها من مجلس التعاون الخليجي، او تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية. وتطرقت وسائل اعلام خليجية الى امكانية ان تقدم السعودية ودولة الامارات على وضع الشركات الكبرى امام خيار استمرار التعامل معها في مقابل وقف التعامل مع قطر. لكن اولريشسن يرى ان خطوة مماثلة فد تنعكس سلبا على الاقتصاد السعودي في حين تحاول قيادة المملكة تنويعه وجذب استثمارات خارجية في مسعى لوقف الارتهان التاريخي للنفط. وبعدما اعلنت قطر، أكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال، عزمها زيادة انتاجها من الغاز بنسبة 30% ، بدأت شركات الطاقة الكبرى تعمل على حجز حصص لها من العقود العتيدة. ومن التلويح الخليجي باجراءات عقابية جديدة، الى التعنت القطري، تتواصل فصول الازمة وانعكاساتها على السياسات والاقتصادات الاقليمية. ويقول ديفيدسون "لا مكان للتنازلات هنا. يبدو انها (الازمة) ستتواصل حتى الرمق الاخير".
تصعيد الضغط
في هذا الشأن وسعت أربع دول عربية لتصعيد الضغوط على قطر فيما يتصل باتهامات بدعمها للإرهاب، قائلة إن بنود اتفاق كان سريا بين الرياض والدوحة قبل أن يخرج للعلن تظهر أن قطر خرقت تعهدا بعدم التدخل في شؤون دول الخليج. وكانت قناة (سي.إن.إن) أول من نشر نص اتفاق 2013 الذي كان الكل يعلم بأمره ولكن بنوده لم تعلن قط من قبل، ثم نشره مسؤولون سعوديون لاحقا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي بيان مشترك قالت البحرين ومصر والسعودية والإمارات إن الاتفاق الذي يهدف إلى تسوية خلاف بين قطر وجيرانها الخليجيين "يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على تهرب قطر من الوفاء بالتزاماتها وانتهاكها ونكثها الكامل لما تعهدت به". وقالت الدول الأربع إن قطر تعهدت في اتفاق 2013 بالكف عن التدخل في الشؤون السياسية لجيرانها. ورفضت قطر الاتهامات وقالت إن الدول الأربع تحاول فرض آرائها على السياسة الخارجية القطرية.
وخرجت الوثيقة للعلن مع وصول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للمنطقة لمساعدة حلفاء واشنطن على حل الأزمة. وردت قطر باتهام السعودية والإمارات بالخروج عن إطار اتفاق الرياض وإطلاق "هجوم وادعاءات غير مبررة بهدف الاعتداء على سيادة دولة قطر". وقالت قطر إن الهدف من اتفاق الرياض كان ضمان وتعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي مع التأكيد على سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وقالت قطر إن المطالب انتهاك لسيادتها. وتضمنت المطالب وقف الدعم القطري المزعوم للجماعات المتطرفة وإغلاق قناة الجزيرة وقاعدة عسكرية تركية في قطر والحد من علاقات الدوحة بإيران. وقال الشيخ سيف بن حمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية القطرية إن المطالب الثلاثة عشر لا علاقة لها مطلقا باتفاق الرياض مشيرا إلى أن الأزمة الراهنة نتيجة لحملة إعلامية منسقة ضد قطر. بحسب رويترز.
وقال إن "طلبات وادعاءات هذه الدول بعضها لا أساس له من الصحة والباقي اعتداء غير مشروع وغير مبرر وغير مسبوق على سيادة دولة قطر ويخالف كافة المواثيق الدولية والإقليمية". وتم التوصل لاتفاق عام 2013 خلال اجتماع بالرياض في ضيافة الملك السعودي السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز ووقعه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كما وقع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست آلية تنفيذية للاتفاق. واتفقت الأطراف في الوثيقة على الكف عن دعم أي تيارات سياسية تمثل تهديدا على أي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي وتمهيد الطريق أمام رحيل زعماء جماعة الإخوان المسلمين من خارج دول المجلس عن المنطقة.
مزيدا من العقوبات
الى جانب ذلك قالت وسائل إعلام خليجية إن قطر تواجه المزيد من العزلة واحتمال طردها من مجلس التعاون الخليجي. وقالت صحيفة الاتحاد الإماراتية ذات الصلة بحكومة أبوظبي في افتتاحيتها "قطر تسير وحيدة في أحلامها ومع أوهامها بعيدا عن أشقائها الخليجيين والعرب بعد أن باعت كل شقيق وأخ وصديق، واشترت الغادر والبعيد بأبهظ الأثمان". وأضافت "وهذا ما يجعل كل مواطن خليجي وعربي يريد الخير لهذا البلد يتساءل: متى تهدأ قطر ومتى تعقل؟ لكن يبدو أن هذا التساؤل متأخر جدا، فقد يضطر المواطن الخليجي إلى أن يتهيأ نفسيا لأن يكون خليجه بلا قطر".
وقالت بعض الصحف إن تصريحات الشيخ محمد التي أكد فيها على أن بلاده لن تتنازل فيما يتعلق بالسيادة تشير إلى أن الدوحة لن تغير سياستها. وكتبت صحيفة الرياض التي تعكس وجهة نظر الحكومة السعودية في افتتاحيتها تقول "لا نفهم التعنت القطري المبني على مبدأ السيادة التي تكررت في كل رد فعل صدر عن الدوحة". وأضافت "فالمتطلبات الخليجية العربية لم تمس سيادة قطر أبدا، بل إنها طلبت من قطر عدم التدخل في شؤونها الداخلية مما يعني أن قطر هي من مسّت سيادة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب وتدخلت في شؤونها". بحسب رويترز.
وقالت صحيفة البيان في افتتاحياتها إن جميع الدلائل تشير إلى أن قطر "فوق هذا قررت استعداء محيطها مستخفة بالعمل الخليجي المشترك والمنظومة العربية". وتابعت "اختارت الدوحة أن تدخل نفقا مظلما والدول الأربع التي مددت المهلة تصرفت بإيجابية برغم معرفتها مسبقا أنها تواجه دولة تضمر الشر لجوارها". وأضافت "نحن اليوم أمام وضع جديد بعد الرفض القطري وهو رفض لن يمر دون ردة فعل وهذا الرد تتحمل مسؤوليته قيادة قطر لا غيرها".
احتواء الأزمة
الى جانب ذلك عبرت الكويت والولايات المتحدة وبريطانيا عن "عميق القلق" إزاء استمرار أزمة السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر ودعت إلى سرعة احتوائها من خلال الحوار. جاء ذلك عقب اجتماع عقده الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وزير الخارجية الكويتي مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي البريطاني مارك سيدويل في الكويت. وقالت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية إن الدول الثلاث ناشدت "كافة الأطراف سرعة احتواء الأزمة الراهنة في المنطقة وإيجاد حل لها في أقرب وقت من خلال الحوار".
وتتهم الرياض وحلفاؤها قطر بتمويل جماعات متطرفة والتقارب مع إيران. وتنفي قطر دعمها للتنظيمات المتشددة وتقول إن المقاطعة جزء من حملة لكبح السياسة الخارجية المستقلة لقطر. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن تؤثر الأزمة على عملياتها العسكرية وعمليات مكافحة الإرهاب وتزيد النفوذ الإقليمي لطهران التي تدعم قطر عن طريق السماح لها باستخدام طرق جوية وبحرية عبر أراضيها. بحسب رويترز.
ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون السعودية وحلفاءها لإنهاء حصارها على قطر. وشدد جونسون على أهمية وقف التصعيد وتحقيق تقدم نحو معالجة تمويل الإرهاب في المنطقة. وقال جونسون إن "ما يريد الناس رؤيته هو وقف تصعيد (الأزمة) وتحقيق تقدم نحو معالجة تمويل الإرهاب في المنطقة، وتجاه إنهاء هذا الحصار"، معربا عن دعمه لدور الكويت كوسيط في الأزمة.
وأوضح جونسون، الذي أجرى مباحثات في السعودية الجمعة، أنه "من غير المحتمل بشكل كبير" أن تتحول المواجهة الحالية إلى مواجهة عسكرية. وتابع الوزير البريطاني "كل شخص تحدثت معه قال العكس. لا احتمالية لأي مواجهة عسكرية". وأضاف أن "الحصار غير مرحب به ونأمل أن يكون هناك وقف للتصعيد" في الأزمة القائمة في الخليج منذ حزيران/يونيو الفائت.
اضف تعليق