اندلاع مواجهات عسكرية جديدة بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال غرب سوريا، أصبحت وبحسب بعض المراقبين أمرا شبه مؤكد خلال المرحلة القادمة، خصوصا وان انقرة وبعد الانجازات العسكرية المهمة، التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم داعش الارهابي الذي يعاني من هزائم كبيرة في سوريا والعراق، قد سعت في الفترة الأخيرة الى تعزيز قواتها العسكرية على الحدود وزيادة دعمها لبعض الفصائل المعارضة، هذه التحركات الجديدة قد تقوض الهجوم على تنظيم داعش في الرقة.
وتقول جماعات معارضة مدعومة من تركيا إن أنقرة نشرت مؤخرا قوات إضافية في المنطقة، وهو ما أثار قلق قوات سوريا الديمقراطية من احتمال وجود خطة تركية لمهاجمة مناطق قريبة خاضعة لسيطرتها. ويضم تحالف قوات سوريا الديمقراطية جماعات كردية وعربية تتقدمها وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا منذ ثلاثة عقود.
مثل هكذا تحركات ستسهم ايضا في تأزيم العلاقة بين أنقرة والولايات المتحدة الداعم الاساسي لوحدات حماية الشعب الكردية، التي شاركت في معارك ضد داعش وتعول عليها واشنطن في معركة استعادة الرقة، معقل المتشددين بسوريا. حيث أثار دعم الولايات المتحدة للقوات الكردية المنتشرة في شمال سوريا على الحدود التركية الجنوبية، غضب السلطات التركية، وتسبب في فتور بين واشنطن وأنقرة.
وفي هذا الشأن قال قائد وحدات حماية الشعب الكردية السورية إن الانتشار العسكري التركي قرب مناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا يصل إلى "مستوى إعلان حرب" وهو ما يمكن أن يؤدي لاندلاع اشتباكات. ورد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش قائلا إن بلاده لا تعلن الحرب لكن قواتها سترد على أي تحرك عدائي من وحدات حماية الشعب الكردية التي وصفها بأنها جيش صغير شكلته الولايات المتحدة.
وقد تفتح التوترات المتزايدة بين الطرفين الحليفين للولايات المتحدة في شمال غرب سوريا جبهة جديدة في الصراع السوري متعدد الأطراف الذي تلعب فيه القوى الخارجية دورا كبيرا. وقد يصرف ذلك انتباه وحدات حماية الشعب الكردية عن حملة تدعمها الولايات المتحدة وتقودها الوحدات لانتزاع السيطرة على معقل تنظيم داعش في الرقة على بعد نحو 200 كيلومتر. وتركز سياسة تركيا في شمال سوريا على احتواء النفوذ المتزايد للجماعات الكردية التي أسست لنفسها مناطق حكم ذاتي منذ بداية الحرب السورية في 2011. وقال قورتولموش "هذا ليس إعلانا للحرب. نحن نقوم باستعدادات ضد تهديدات محتملة... هدفهم (وحدات حماية الشعب) الرئيسي هو تهديد تركيا وإذا رأت تركيا تحركا لوحدات حماية الشعب في شمال سوريا يمثل تهديدا لها فسترد بالمثل". ونشرت تركيا قواتها في شمال سوريا العام الماضي دعما لجماعات من الجيش السوري الحر في حملة طردت خلالها داعش من مناطق الحدود واستهدفت في الوقت نفسه الفصل بين أراض تسيطر عليها وحدات حماية الشعب.
هجوم تركي
من جانب اخر قال مقاتلون من المعارضة السورية إنهم يستعدون للانضمام إلى الجيش التركي في هجوم كبير جديد على القوات الكردية في شمال غرب سوريا مما أثار احتمالات فتح جبهة أخرى في الصراع السوري المعقد. وقال المقاتلون إن الهدف من المعركة سيكون استعادة قرى عربية في سوريا قرب الحدود التركية استولى عليها مقاتلون أكراد العام الماضي. وقال مصطفى سيجري المسؤول الكبير بجماعة لواء المعتصم المدعومة من الغرب وتركيا "هناك عملية مشتركة واسعة مع الجيش التركي يتم الإعداد لها تهدف إلي طرد الفصائل الانفصالية المتطرفة من أرضنا".
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا مستعدة لتنفيذ عمليات برية ضد القوات الكردية في شمال سوريا مع مقاتلين آخرين من المعارضة السورية تدعمهم أنقرة إذا لزم الأمر. وقد تتحول التوترات المتزايدة بين الطرفين الحليفين للولايات المتحدة إلى صراع بينهما قد يعطل الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة على قاعدة عمليات تنظيم داعش في الرقة. وتقود وحدات حماية الشعب الكردية السورية الهجوم على الرقة.
وقال قياديان من المعارضة السورية إن القوات التركية تتمركز الآن في عدد من المواقع في ضواحي أعزاز وإلى الجنوب الشرقي في مدينة مارع التي تقع على الجبهة مع وحدات حماية الشعب الكردية إلى الغرب. وتضم فصائل المعارضة السورية جماعات اختارتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجماعات تدعمها تركيا. وقال مقاتلو المعارضة إن الهدف الرئيسي من العملية العسكرية هو استعادة السيطرة على تل رفعت وهي مدينة تقع إلى جنوب غربي أعزاز وانتزعت وحدات حماية الشعب السيطرة عليها من المعارضة في فبراير شباط 2016.
وسقطت تل رفعت والمناطق المجاورة ومن بينها قاعدة منغ الجوية في قبضة وحدات حماية الشعب إذ كان مقاتلو المعارضة يحاولون صد هجوم كبير لقوات الحكومة السورية بدعم من سلاح الجو الروسي ومقاتلين تدعمهم إيران. وكانت هذه مقدمة لهزيمة مقاتلي المعارضة في شرق حلب في أكبر انتكاسة منفردة لهم في الحرب. وأجبر القتال ما لا يقل عن 150 ألف شخص على الفرار من قراهم إلى أعزاز. ويحتمون حاليا في ما لا يقل عن خمسة مخيمات للاجئين على الحدود التركية ويمثل تأمين عودتهم إلى ديارهم أولوية كبرى لمقاتلي المعارضة وتركيا.
وقال سيجري المسؤول بجماعة لواء المعتصم إن مقاتلي المعارضة أجروا محادثات مع وحدات حماية الشعب في وجود قادة من الجيش الأمريكي لمحاولة تجنب أي مواجهة على القرى لكن المفاوضات فشلت. وأضاف سيجري "استنفدنا كل الحلول السلمية وكنا نبحث عن حل سلمي. الميليشيات الانفصالية المتطرفة لم يتركوا لنا سوى الخيار العسكري". وأكد مسؤول آخر من مقاتلي المعارضة فشل المحادثات التي جرت بوساطة أمريكية قائلا "هناك قرى لا يمكن لوحدات حماية الشعب الكردية الاحتفاظ بها... هذه مناطق محتلة".
وقال متحدث باسم وحدات حماية الشعب إنه لا يمكنه التعليق على تقارير المعارضة عن محادثات بوساطة أمريكية وتساءل لماذا تسلم الوحدات المنطقة. ومقاتلو المعارضة الذين يستعدون للمشاركة في الهجوم هم أنفسهم الذين شاركوا في عملية مدعومة من تركيا العام الماضي لطرد تنظيم داعش من الحدود ولمنع توسع نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية. بحسب رويترز.
وأتاح هجوم العام الماضي أيضا لبعض مقاتلي المعارضة السيطرة على قطاع من الحدود التركية السورية يمتد من أعزاز إلى جرابلس على الضفة الغربية لنهر الفرات. وباتت المنطقة عازلة بحكم الأمر الواقع وأصبحت بمأمن من الضربات الجوية التي يشنها الجيش السوري حيث تتشكل إدارة تدعمها تركيا. وتبادلت تركيا ووحدات حماية الشعب إطلاق نيران المدفعية في الأسابيع الماضية. ويقول مقاتلو المعارضة إن الوحدات كثفت قصفها لقرى عربية قرب أعزاز ويقولون إن هذه مقدمة للعملية التركية المزمعة. وتقول وحدات حماية الشعب إن الجيش التركي يقصف مناطقها من حين لآخر منذ أكثر من عام.
صراعات جديدة
الى جانب ذلك يفسر سجل شين إبراهيم في قتال المتشددين سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تنطوي على تسليح أمثالها من الأكراد السوريين خلال سعيه للقضاء على تنظيم داعش لكنه يبرز أيضا المخاطر. علمها شقيقها كيف تستخدم بندقية كلاشنيكوف حين كان عمرها 15 عاما وشجعتها والدتها على الكفاح من أجل حصول أكراد سوريا على الحكم الذاتي. وتقول شين إنها قتلت 50 شخصا منذ حملت السلاح في الحرب السورية الدائرة منذ ست سنوات فحاربت تنظيم القاعدة في البداية ثم عبرت إلى العراق لمساعدة الأكراد هناك في التصدي لتنظيم داعش.
عمرها الآن 26 عاما وتقود وحدة من 15 امرأة تلاحق التنظيم المتشدد في الرقة معقله الرئيسي، فتجوب شوارع كان يسيطر عليها المتشددون ذات يوم في شاحنة صغيرة بينما تمشط مقاتلات أخريات مباني متهدمة للتأكد من خلوها من أي شراك. ونجحت قوات سوريا الديمقراطية التي تتصدرها وحدات حماية الشعب الكردية السورية في استعادة أجزاء عديدة من المدينة الواقعة في شمال سوريا منذ بدأت حملتها هذا الشهر.
وقال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إن واشنطن قد تسلح قوات سوريا الديمقراطية استعدادا لمعارك قادمة ضد داعش لكنها ستسترد الأسلحة التي لم تعد هذه القوات في حاجة لها. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إن هذه الخطة هي أبرز أركان برنامج لم يكتمل بعد لإعادة الاستقرار لسوريا وضعته إدارة ترامب.
لكن الخطر يكمن في أن تثير اضطرابا جديدا في حرب تلعب فيها قوى خارجية أدوارا أكبر من أي وقت مضى. وأثارت العلاقة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية غضب تركيا جارة سوريا الشمالية وعضو حلف شمال الأطلسي التي تقول إن الوحدات امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كل من أنقرة وواشنطن جماعة إرهابية بسبب تمرده على الدولة التركية.
وأرسلت تركيا قوات إلى سوريا لأسباب منها مهاجمة داعش بالإضافة إلى منع وحدات حماية الشعب، التي تسيطر على مناطق الأكراد في شمال سوريا، من دخول منطقة يسكنها العرب والتركمان مما يمنحها السيطرة على الحدود بالكامل.
وقالت أنقرة إن مدفعيتها دمرت أهدافا لوحدات حماية الشعب بعد أن تعرضت قوات محلية مدعومة من تركيا للهجوم. وذكرت جماعات معارضة تدعمها تركيا إن أنقرة أرسلت في الآونة الأخيرة تعزيزات إلى سوريا مما أثار قلق قوات سوريا الديمقراطية من أن تكون تخطط لمهاجمة وحدات حماية الشعب الكردية. وحذرت قوات سوريا الديمقراطية من "احتمال كبير بظهور مواجهات مفتوحة وقوية".
ويقول زعماء أكراد سوريا إنهم يريدون حكما ذاتيا على غرار ما يتمتع به أكراد العراق وليس استقلالا أو تدخلا في شؤون دول الجوار. ويعتبرون التحذيرات التركية بأن أسلحة وحدات حماية الشعب قد تسقط في النهاية في أيدي حزب العمال الكردستاني غير مبررة. وقال خالد عيسى ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، في أوروبا "نحن ضحايا نموذج الدولة القومية وليس لدينا رغبة في إعادة إنتاج هذا النموذج".
وقالت شين إبراهيم وغيرها من المعارضة الكردية المسلحة إن لا صلة لهم بالإرهاب لكنهم سيقفون في وجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وأضافت "تركيا تحاربنا... كل من سيقاتلنا سنقاتله". وتعمل واشنطن على تهدئة التوترات بسبب علاقتها مع وحدات حماية الشعب التي تساندها روسيا أيضا. وقال الميجر جنرال روبرت جونز النائب البريطاني لقائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة "هناك شفافية مطلقة بين تركيا والولايات المتحدة في هذا الموضوع".
لكن إذا ما أخذنا بتعليقات مقاتلي الوحدات، لن يكون نزع سلاحهم بالأمر السهل. وقالت قناصة توجه سلاحها لمواقع داعش "لن نلقي أسلحتنا". وذكرت القناصة التي ذكرت اسمها الأول فقط وهو بركانورين "نحتاجها للدفاع عن أنفسنا". ووافقتها الرأي مقاتلة أخرى تدعى مريم محمد وقالت "إردوغان هو عدونا الأكبر لا يمكننا تسليم أسلحتنا". وذكر مسؤول أمريكي أن واشنطن لا تعرف على وجه التحديد حجم الأسلحة التي بحوزة وحدات حماية الشعب لأن بعض العرب انضموا إليها بعدما انهزمت جماعاتهم وأخذوا معهم أسلحة كانت واشنطن قد قدمتها لهم. وأضاف المسؤول "الولاءات تتغير كما تتغير خطوط المعركة وأحيانا تتبع مسارها".
وردا على سؤال عن استعادة الأسلحة قال ماتيس "سنفعل ما بوسعنا"، بينما أكد نوري محمود المتحدث باسم وحدات حماية الشعب أن الهدف هو داعش قائلا "نحارب تنظيما إرهابيا عالميا". وأصبح النصر في ميدان المعركة أمرا قريب المنال بعد السيطرة على معظم أجزاء الموصل، أكبر معاقل التنظيم المتشدد بالعراق. لكن المسؤول الأمريكي ومسؤولين آخرين طلبا أيضا عدم نشر اسميهما أشاروا إلى عقبات كؤود تعترض سبيل الاستقرار في سوريا وتعمل الإدارة الأمريكية على علاجها. بحسب رويترز.
وقال المسؤولون الثلاثة إن إعادة بناء الرقة ستحتاج مليارات الدولارات ومستوى غير مسبوق من التسويات بين جماعات تناصب بعضها العداء منذ فترة طويلة. وذكر أحدهم أن القوات الإيرانية التي تساند الرئيس السوري بشار الأسد تترقب أي عراقيل يمكن أن تنتهزها. ويقود الأكراد الهجوم على الرقة لكن من المزمع أن تتولى قوة يشكل العرب قوامها الرئيسي حفظ الأمن في المدينة التي يمثل العرب أغلبية سكانها بعد انتهاء الهجوم. وبينما يقاتل الأكراد والعرب جنبا إلى جنب ضد داعش، من المتوقع أن تحتدم المنافسة على الأرض مع انحسار دائرة التنظيم المتشدد. وقال واحد من المسؤولين الأمريكيين "نلقي بأنفسنا في خضم فوضى أخرى لا نفهمها".
اضف تعليق