q

منذ انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تفاقمت التوترات بين امريكا وإيران بشكل كبير، في ظل اتساع رقعة الازمات والمشكلات الامنية والاقتصادية، واختلاف التحالفات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب الصراعات والحروب المستمرة، حيث تعتبر هاتان القوتان وكما نقلت بعض المصادر، من المحاور الأساسية فيها لا سيما في العراق وسوريا واليمن. فمنذ أن ترشح ترامب للرئاسة الأمريكية صرح بإعادة فتح مسألة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، الذي تطور في عهد أوباما، مشيراً إلى أن إيران مستفيدة أكثر من ما تستحق يضاف الى ذلك الخطوات والقرارات الاخرى التي اتخذتها ادارة ترامب وحلفائها في المنطقة، وخلال الإدارة الثانية لأوباما تميزت العلاقات بالانتقال من مرحلة “الهدوء” إلى مرحلة التعاون المعلن مع نظام طهران وخاصة فيما يتعلق بالشأنين، السوري والعراقي، واستبعاد سياسة التهديد العسكري في معالجة الملف النووي الإيراني، ففي يوم 16 كانون الثاني/يناير 2016، تم رفع معظم العقوبات الدولية المفروضة على إيران بعد أن قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها، وأكدت فيه استعداد سلطات طهران، لتنفيذ البرنامج الذي اتفق عليه بعد مفاوضات طويلة لتقليص القدرات النووية الإيرانية بشكل ملموس.

ولاحقاً أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي رفع بعض العقوبات المالية والاقتصادية المرتبطة ببرنامج طهران النووي. ومع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة بشكل رسمي، تفاقم الوضع وانقلبت تلك العلاقات لتأخذ منحاً تصعيدياً مرة أحرى، حيث بدأ ترامب بفرض عقوبات جديدة على إيران بالاضافة إلى حظر دخول الإيرانيين مع 6 دول عربية أخرى إلى بلاده لمدة 3 أشهر، كما تمت مهاجمة سفينة أمريكية في مياه الخليج، فتوجهت أصابع الاتهام حينها إلى السفن الإيرانية في المنطقة، ناهيك عن التصريحات الشديدة بين ترامب وظريف تارة، وترامب والروحاني تارة أخرى، آخرها كانت من ترامب الذي لوح بادخال الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة الإرهاب، بالرغم من ضبابية مثل هذا القرار بالنسبة للإدارة الأمريكية.

ويرى بعض المراقبين بأن ترامب يسعى وبتعاون مع دول الخليج، لكبح دور إيران في المنطقة وقطع الطريق أمام محاولاتها للتوسع، كما هو الحال في العراق واليمن وسوريا. هذا التوتر المتصاعد والاتهامات المتبادلة اثارت ايضا قلق ومخاوف الكثير، حيث حذرت صحف أميركية إزاء التوتر الذي يزداد حدة بين الولايات المتحدة وإيران التي سعت في الفترة الاخيرة الى إجراء العديد من تجارب الصاروخية والممارسات العسكرية وهو ما قد يسهم بتفجر الأوضاع بسرعة وخروجها عن السيطرة.

امريكا وتغير النظام

وفي هذا الشأن استدعت طهران القائم بالاعمال السويسري الذي تمثل بلاده المصالح الاميركية في ايران، للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون حول تغيير النظام في ايران. وفي تصريح نشرته وسائل الاعلام، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي "استدعي القائم بالاعمال السويسري الى وزارة الخارجية لتسليمه احتجاجا شديد اللهجة من الجمهورية الاسلامية في ايران، على تصريحات وزير الخارجية الاميركي... التي تتناقض مع القواعد الدولية وميثاق الامم المتحدة".

وكان ريكس تيلرسون اكد ان السياسة الاميركية حيال ايران تقضي "بدحر هيمنتها (في الشرق الاوسط) واحتواء قدرتها على تطوير اسلحة نووية ودعم عناصر في داخل ايران من اجل انتقال سلمي" للنظام. وكان تيلرسون يتحدث امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. وسلمت ايران الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش ايضا رسالة احتجاج على هذه التصريحات، كما ذكرت وكالة الأنباء الايرانية (ارنا). بحسب فرانس برس.

ولا تقيم الولايات المتحدة وايران علاقات دبلوماسية منذ 1980. ومنذ وصوله الى الحكم، ينتقد الرئيس دونالد ترامب ايران بعد نوع من التقارب بدأه سلفه باراك اوباما الذي توصل الى اتفاق مع طهران حول ملفها النووي في 2015. وتوعد ترامب مرارا خلال حملته الانتخابية ب "تمزيق" هذا الاتفاق، وزار في اول انتقال له الى الخارج السعودية، المنافس الاقليمي الكبير لايران. وصوت مجلس الشيوخ الاميركي لتوه بأكثرية ساحقة على قانون لتبني عقوبات جديدة ضد ايران، بسبب "دعمها اعمالا ارهابية دولية" وبرنامجها للصواريخ البالستية.

خامنئي ينتقد

من جانب اخر انتقد الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما وصفه بعدائها للجمهورية الإسلامية. ونقل الموقع الإلكتروني للتلفزيون الإيراني عن خامنئي قوله "هذه مجموعة عديمة الخبرة لم تعرف الشعب الإيراني والمسؤولين الإيرانيين حق المعرفة... وحينما يتلقون الصفعة يدركون حقيقة الأمر".

وكثف خامنئي ومسؤولون إيرانيون آخرون انتقادهم للولايات المتحدة بعد أن قام ترامب بزيارة رسمية للسعودية خصم إيران الرئيسي في المنطقة. وخلال تلك الزيارة أشار ترامب إلى إيران كمصدر رئيسي لتمويل ودعم الجماعات المتشددة. وانتقد أيضا الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الست، ومن بينها الولايات المتحدة، والذي أدى إلى رفع معظم العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية مقابل الحد من برنامجها النووي. وقال ترامب إن واشنطن ستراجع الاتفاق لكنه لم يصل إلى حد التعهد بإلغائه.

واتهم خامنئي الولايات المتحدة والسعودية حليفتها في المنطقة بتمويل المتشددين السنة بما في ذلك تنظيم داعش الذي نفذ أول هجوم له في إيران هذا الشهر أسفر عن مقتل 17 شخصا. ونفت الرياض تورطها في التفجيرات الانتحارية والهجمات المسلحة على البرلمان الإيراني وضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني. وقال خامنئي إن أي جهود لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية لن تنجح. بحسب رويترز.

ونقلت وكالة فارس للأنباء عن خامنئي قوله "على مدى 38 عاما مضت... متى لم تريدوا تغيير النظام الإسلامي؟ لقد أردتهم ذلك لكنكم واجهتم الفشل دوما وتم تمریغ أنوفكم بالتراب وسیكون الأمر كذلك بعد الآن أیضا".

من جانب اخر قال خامنئي إن الولايات المتحدة مسؤولة عن الاضطرابات في الشرق الأوسط وإن حربها على تنظيم داعش أكذوبة. ونقل الموقع الرسمي لخامنئي عنه قوله في اجتماع مع مسؤولين إيرانيين كبار "أنت (الولايات المتحدة) وعملاؤك مصدر الاضطرابات في الشرق الأوسط... من أنشأ الدولة الإسلامية؟ أمريكا... زعم أمريكا بمحاربة داعش أكذوبة". وقال خامنئي إن إيران لا تنوي تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقول "الحكومة الأمريكية ضد استقلال إيران... لديهم مشاكل مع وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية... معظم مشاكلنا معهم لا يمكن حلها". ويخشى الموالون لخامنئي من المحافظين احتمال أن يضعف تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة موقفهم. وقال خامنئي "أمريكا دولة إرهابية وتدعم الإرهاب... وبالتالي لا يمكننا تطبيع العلاقات مع دولة كهذه".

زعزعة الاستقرار

الى جانب ذلك قالت الولايات المتحدة إنها تأمل أن يوقف الرئيس الإيراني حسن روحاني دعم بلاده "لقوى زعزعة الاستقرار" وأن ينهي تجارب الصواريخ الباليستية وأن يجري إصلاحات ديمقراطية خلال فترة ولايته الثانية. وقال ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي في العاصمة السعودية الرياض حيث يرافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "إذا كان روحاني يرغب في تغيير علاقة إيران بباقي دول العالم فإن هذه الأمور هي التي يمكنه القيام بها".

وكسر روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف حظر عقد محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة ونجحا في التوصل إلى اتفاق دولي في عام 2015 للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. وتغلب روحاني على منافسه المحافظ إبراهيم رئيسي وحصل على 57 في المئة من الأصوات في الانتخابات الاخيرة. وقال مسؤولون سابقون ومحللون أمريكيون إن إدارة ترامب تريد فيما يبدو مواصلة الضغط على إيران بشأن برامج الأسلحة وما تعتبره محاولات طهران لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

وقال رويل مارك جيريشت زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمتخصص السابق في شؤون إيران بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "أعتقد أن إدارة ترامب ستظل متسقة تماما إزاء هذه المسألة. لذا لا أتوقع أي تغيير" في السياسة الأمريكية تجاه إيران. وجاءت تصريحات تيلرسون خلال مؤتمر صحفي في الرياض متسقة مع هذا الرأي رغم أنه ترك الباب مفتوحا قليلا أمام عقد مزيد من المحادثات مع إيران.

وقال تيلرسون إنه يأمل في أن "يبدأ (روحاني) عملية تفكيك شبكة الإرهاب الإيرانية" وينهي تمويل بلاده للجماعات الإرهابية ومنحها للدعم سواء على مستوى الأفراد أو المستوى اللوجستي "وكل شيء آخر تقدمه لقوى زعزعة الاستقرار الموجودة في هذه المنطقة. كما نأمل في أن ينهى تجارب (إيران) للصواريخ الباليستية". وعلى الرغم من الاتفاق النووي لا تزال الولايات المتحدة تعتبر إيران "دولة راعية للإرهاب" لدعمها جماعات مثل حزب الله اللبناني.

وقال تيلرسون "نأمل أيضا في أن يستعيد (روحاني) حقوق الإيرانيين فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية تكوين المنظمات حتى يستطيع الإيرانيون عيش الحياة التي يستحقونها... هذا ما نأمل أن تحققه هذه الانتخابات". وعندما انتخب روحاني للمرة الأولى عام 2013 كان ذلك مؤشرا على أن قادة إيران أكثر انفتاحا على الغرب وأنهم سيعملون على تغيير موقف المواجهة الذي اتخذوه ضد الولايات المتحدة وحلفائها في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979.

وتقول واشنطن إن دعم إيران للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية ولجماعة الحوثي في اليمن ولحزب الله في لبنان ساهم في زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وتوقع أحمد مجيديار، الخبير في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، زيادة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلق بالعراق وسوريا حيث تقاتل قوات مدعومة من الولايات المتحدة وفصائل شيعية مدعومة من إيران تنظيم داعش.

وقال مجيديار "واشنطن وطهران حليفتان بحكم الأمر الواقع في الحرب على داعش". وأضاف "لكن الآن وبعد أن صارت داعش على وشك الهزيمة نرى علامات على توترات بين قوات الفصائل المدعومة من إيران والقوات الأمريكية". وبالصدفة كانت الولايات المتحدة على موعد مع آخر يوم لتجديد إلغاء العقوبات وهو ما يعني استمرار الاتفاق النووي. وقرر ترامب ذلك لكنه فرض عقوبات محدودة ضد اثنين من مسؤولي الدفاع الإيرانيين إضافة إلى شركة إيرانية قالت الإدارة الأمريكية إن لهم صلة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

وقال محللون إن إعادة انتخاب روحاني ستصعب على الأرجح مهمة إدارة ترامب لحشد الدعم الدولي لفرض لاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة عقوبات أو القيام بعمل صارم آخر. وأبدى روحاني وظريف موقفا تصالحيا بشكل أكبر للعالم وكثيرا ما سافرا إلى عواصم أوروبية. وبالنسبة لحالة ظريف فقد كان قادرا على التواصل بسهولة بلغة إنجليزية طليقة مكنته من إجراء مقابلات عديدة مع وسائل الإعلام الغربية. بحسب رويترز.

وقال كريم سجادبور وهو محلل مختص بسياسات إيران في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها واشنطن "المهمة أكثر صعوبة إذا ما أردت عزل إيران دوليا ولديها وزير خارجية مثل ظريف". وبدون عقوبات مثل تلك التي خفضت عائدات النفط الإيرانية وحرمتها من النظام المالي الدولي والتي كانت فعالة لأن الصين وعملاء النفط الإيراني الآسيويين الآخرين تعاونوا سيبقى أمام الولايات المتحدة إجراءات أكثر استهدافا ضد أفراد أو شركات أو منظمات تساعد إيران وتنتهك حقوق الإنسان. وقال سجادبور "آخر ما يريد الصينيون القيام به هو فرض عقوبات جديدة على إيران".

التقاعس الدولي

على صعيد متصل انتقدت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي مجلس الأمن الدولي لتقاعسه عن القيام بأي تصرف ضد إيران التي قالت إنها "انتهكت مرارا وعمدا" العقوبات المفروضة عليها. وقالت هيلي أمام المجلس "أخفق مجلس الأمن حتى في اتخاذ الحد الأدنى من الخطوات للرد على هذه الانتهاكات". وأضافت "علينا... أن نظهر لإيران أننا لن نتسامح مع تكبرها السافر على قرارات الأمم المتحدة".

وأبلغ مسؤول الشؤون السياسية بالأمم المتحدة جيفري فيلتمان المجلس بشأن التقرير نصف السنوي الثالث للأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش فيما يتعلق بتنفيذ العقوبات والقيود المتبقية المنصوص عليها في القرار رقم 2231. وقالت هيلي "يوضح تقرير الأمين العام أن إيران تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231 لذا فإن السؤال هو ماذا سيفعل مجلس الأمن حيال ذلك؟"

ولم تقترح أي دولة عضو بالمجلس أي تحرك ضد إيران. ويقول دبلوماسيون إن روسيا والصين اللتين تحظيان بحق النقض (الفيتو) لن تقبلان على الأرجح بفرض المزيد من الإجراءات. وشككت روسيا في بعض النتائج التي تضمنها تقرير جوتيريش. وقال فيلتمان للمجلس في إشارة إلى مصادرة البحرية الفرنسية لأسلحة في شمال المحيط الهندي في مارس آذار من العام الماضي إن الأمم المتحدة "واثقة أن مصدر هذه الأسلحة إيراني وأنه قد تم شحنها من إيران". بحسب رويترز.

وتطرق التقرير أيضا إلى قيام إيران بإطلاق صاروخ باليستي في 29 يناير كانون الثاني. وقال جوتيريش في التقرير "أدعو الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تجنب إطلاق مثل هذه الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تزيد التوتر". وكان بان جي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة قال منذ عام إن إطلاق إيران للصواريخ الباليستية "لا يتماشى مع الروح البناءة" للاتفاق النووي.

اضف تعليق