النصر المزدوج الذي حققه ماكرون في الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية والذي اسهم بإبعاد الطبقة السياسية القديمة، سيهم وبحسب بعض المصادر في احداث ثورة سياسية جديدة داخل فرنسا، يرى متابعون للمشهد الفرنسي، أنّ في اعتلاء ماكرون سدة الحكم سيقود فرنسا إلى أحداث تغييرات واضحة في سياساتها بالمنطقة، خصوصا بعد ان حقق نجاح اضافي في الانتخابات البرلمانية، وماكرون هو الزعيم الفرنسي الأصغر سنا لفرنسا منذ نابوليون ولم يتبوأ أي منصب عام قبل انتخابه رئيسا. وعوّل ماكرون في تحقيق النصر على الاستياء الشعبي المتنامي تجاه النخبة السياسية واعتبارهم منفصلين عن الواقع والإحباط العام حيال فشل هؤلاء في توفير فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد لتحقيق نمو أكبر.
وقال جان كريستوف كامباديليس زعيم الحزب الاشتراكي لدى إعلانه التخلي عن زعامة الحزب "إخفاق الحزب الاشتراكي لم يعد محل شك. رئيس الجمهورية لديه كل الصلاحيات". وأضاف أن على الحزب أن يعيد بناء نفسه بالكامل. فازت حركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأغلبية ساحقة في البرلمان، حاصدة 350 مقعدا من أصل 577 في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية. ومني الحزبان التقليديان الإشتراكي والجمهوري المحافظ بهزيمة كبيرة في حين فازت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لأول مرة بمقعد في البرلمان. وتعهدت حكومة ماكرون بتجديد الخطاب السياسي في فرنسا.
ويرى بعض المراقبين ان الرئيس الحالي وعلى الرغم مما تقدم ربما سيواجه الكثير من التحديات والازمات الداخلية والخارجية، مثل مقاومة الإرهاب ومشكلات البطالة والفقر وقضايا الهجرة والأقليات الدينية، والتي قد تحتاج الى خطط واجراءات جديدة قد تدفع الرجل الى التخلي عن بعض الوعود السابقة، وفي هذا الشأن فقد تعهدت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتجديد الخطاب السياسي في فرنسا بعدما أظهرت النتائج النهائية للانتخابات التشريعية فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية الحاكمة التي يحتاجها للمضي قدما في تنفيذ إصلاحاته البعيدة المدى والهادفة لتحقيق النمو الاقتصادي.
وقال المتحدث باسم الحكومة كريستوف كاستانيه إن "النصر الحقيقي لم يتحقق بعد بل سيتجلى خلال السنوات الخمس المقبلة عندما نغير الأوضاع فعليا". وعلى الرغم من أن الأغلبية التي حققها ماكرون والحزب الحليف كانت أقل من تلك التي توقعتها استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات غير أن أغلبية عدد المقاعد التي فاز بها كانت كافية لإزاحة الأحزاب التقليدية الفرنسية الأساسية وتوجيه رسالة مهينة لحزبي الاشتراكي والجمهوريين المحافظ اللذين تناوبا على السلطة على مدى عقود. وتسلط نسبة الإقبال المنخفضة الضوء على أهمية تعامل ماكرون بحذر مع الإصلاحات التي يريد تنفيذها في البلاد مع وجود نقابات عمالية قوية وتاريخ من احتجاجات الشوارع التي أجبرت حكومات سابقة على تعديل تشريعات جديدة.
حكومة الجديدة
من جانب اخر أعلنت الرئاسة الفرنسية تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت شخصيات غير معروفة في الأوساط السياسية، بعد أن انسحب أربعة وزراء من الحكومة خلال ثلاثة أيام بسبب شبهات عن التورط بقضايا فساد. وتسلمت الموظفة الرفيعة فلورانس بارلي (54 عاما) التي كانت وزيرة دولة في حكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان، وزارة الجيوش بدلا من سيلفي غولار التي تنحت بسبب شبهات فساد.
وتنتمي غولار إلى حزب الحركة الديمقراطية الوسطي المتحالف مع حزب "الجمهورية إلى الامام". وبسبب شبهات حول وظائف وهمية داخل الحزب الوسطي فضلت الاستقالة، ما دفع وزير العدل ورئيس حزب الحركة الديمقراطية فرنسوا بايرو مع مارييل دي سارنيه وزيرة الشؤون الأوروبية إلى الاستقالة. كما بقي جان إيف لودريان وزيرا للخارجية، في حين تسلمت ناتالي لوازو مديرة المدرسة الوطنية للإدارة الشهيرة، وزارة الشؤون الأوروبية مكان ماريال دو سارنيه.
ويأتي تشكيل هذه الحكومة بعد حصول حركة الرئيس ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" على أكثرية مريحة في الجمعية الوطنية. وتسلمت عضو المجلس الدستوري نيكول بلوبيه وزارة العدل مكان فرانسوا بايرو، الذي كان قد أعلن عزوفه عن تسلم منصب وزاري بسبب مسألة قضائية تطاول حزب الحركة الديمقراطية الذي يترأسه.
وينتمي بايرو مع غولار ودو سارنيه إلى حزب الحركة الديمقراطية الوسطي الذي يخضع حاليا لتحقيق بشأن وظائف وهمية، ما دفع الثلاثة إلى التخلي عن المناصب الوزارية التي كانت ستعطى لهم. كما تم استبعاد الاشتراكي السابق والمقرب من ماكرون ريشار فيران من الحكومة، بسبب الاشتباه بتورطه في مسألة محاباة وظيفية. وهو مرشح لترؤس كتلة نواب حركة "الجمهورية إلى الأمام" في الجمعية الوطنية.
وفي التشكيلة الوزارية الجديدة التي أعلنت، حل جاك ميزار الوزير السابق للزراعة مكان فيران في وزارة تماسك الأقاليم. وتسلم النائب الاشتراكي السابق ستيفان ترافير وزارة الزراعة خلفا لميزار. ويعتبر انسحاب وزراء الحركة الديمقراطية محرجا لأن بايرو كان يشرف على مشروع قانون يحدد معايير أخلاقية للحياة العامة، وضع كنتيجة لتحالفه مع ماكرون الذي جعل من هذه المسألة إحدى أولوياته.
وكان عدة مسؤولين سياسيين، بينهم الأمين العام لحزب الجمهوريين اليميني برنار أكوييه، قد دعوا بسرعة رئيس الحكومة إدوار فيليب إلى المطالبة باستقالته. وبين استطلاع للرأي أجراه معهد هاريس لإذاعة مونتي كارلو وأتلانتيكو أن 57% من الفرنسيين لا يرغبون في بقاء بايرو ضمن الحكومة. بحسب فرانس برس.
وقال بايرو "اتخذت القرار بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة"، مؤكدا أنه اتخذ القرار بمبادرة منه ولم يمله عليه أحد. وأوضح المتحدث باسم الحكومة كريستوف كاستانير عبر إذاعة أوروبا الأولى أنه "خيار شخصي" و"يريد الدفاع عن نفسه"، معتبرا أن الانسحاب من الحكومة "يسهل الأمر" بالنسبة إلى ماكرون. أما مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، فقالت في هذا الصدد: "أعتقد أن ماكرون استخدم بايرو خلال الحملة الرئاسية، وبعد أن حصل على غالبية من دون الحركة الديمقراطية تخلى عنه من دون تردد". والمعروف أن الجبهة الوطنية مستهدفة أيضا بتحقيق حول وظائف وهمية كمساعدين برلمانيين أوروبيين. ووجه قضاة في باريس حتى الآن الاتهام إلى شخصين من الجبهة الوطنية في إطار هذه القضية.
النساء في البرلمان
الى جانب ذلك أظهرت نتائج الانتخابات أن فرنسا انتخبت عددا قياسيا من النساء لعضوية البرلمان بعدما طرح الرئيس إيمانويل ماكرون قائمة متوازنة بين الجنسين لحزب الجمهورية إلى الأمام الذي ينتمي له. وبلغ عدد النائبات 223 نائبة من بين 577 برلمانيا فازوا في الانتخابات، وهو ما يتجاوز الرقم القياسي السابق الذي بلغ 155 نائبة في الانتخابات الماضية.
وأظهرت بيانات الاتحاد البرلماني الدولي التي بدأ جمعها في مطلع يونيو حزيران أن هذا يرفع فرنسا من المرتبة الرابعة والستين إلى المرتبة السابعة عشرة في الترتيب العالمي للتمثيل البرلماني للنساء والسادسة في أوروبا متجاوزة بذلك بريطانيا وألمانيا. وحزب الجمهورية إلى الأمام الذي فاز بأغلبية كبيرة في انتخابات لديه أعلى نسبة من النساء المنتخبات بلغت 47 بالمئة. وقالت كاثرين باربارو القائمة بأعمال رئيس الحزب "لأول مرة في الجمهورية الخامسة سيشهد البرلمان تجديدا عميقا - وسيصبح أكثر تنوعا وشبابا. لكن الأهم من ذلك كله، اسمحوا لي بالإعراب عن سعادتي لأن هذا حدث تاريخي لتمثيل النساء في البرلمان".
وزاد تمثيل المرأة في البرلمان بشكل مطرد في فرنسا من 12.3 بالمئة في عام 2002 إلى 38.6 بالمئة في الانتخابات الحالية. لكن على الرغم من أن فرنسا لديها نظام يحظر تمويل الأحزاب السياسية التي لا تصل نسبة النساء بين مرشحيها البرلمانيين إلى 49 بالمئة على الأقل فإن غالبية الأحزاب ترشح رجالا أكثر من النساء في الانتخابات. وحتى عندما يتم ترشيح نساء يكون هناك ميل لترشيحهن في دوائر لن يحققن فيها الفوز على الأرجح. بحسب رويترز.
وقالت برون بوارسو (34 عاما) التي هزمت مرشح الجبهة الوطنية وفازت في فوكلوز بجنوب شرق فرنسا "إلى الأمام (حزب ماكرون)...قرر بوضوح منح مقاعد فائزة للنساء. إنها خطوة جريئة". وقررت بوارسو الترشح في يناير كانون الثاني عندما أرسل ماكرون تسجيلا مصورا لأعضاء حزبه يحث المزيد من النساء على الترشح.
تحولات جذرية
على صعيد متصل أعلن رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس أنه سيغادر "الحزب الاشتراكي"، قائلا إن جزءا من حياته السياسية ينتهي. ويأتي هذا الإعلان ليشكل حلقة جديدة في مسلسل التحولات الواسعة التي طرأت على المشهد السياسي الفرنسي منذ عام، وتضاف إلى مغادرة رئيس الوزراء الأسبق جان بيير رافران (2002 / 2005) الحياة السياسية في سياق وصول إيمانويل ماكرون لرئاسة البلاد وتعيين إدوار فيليب رئيسا للوزراء.
وقد تبدو هذه التغييرات طبيعية للوهلة الأولى، إذ أن البلاد خارجة من عام انتخابي أسفر عن نتائج مختلفة جذريا لما كان متوقعا، وسبقته اعتداءات إرهابية متعددة. ويبدو المشهد الجديد مختلفا تماما عما هو معتاد في الحياة السياسية الفرنسية. ومانويل فالس ليس أول رئيس وزراء سابق يغادر حزبه بعد خروجه من الحكم، فدومينيك دو فيلبان (الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2004 و2005 في نهاية رئاسة جاك شيراك) غادر حزبه ("الاتحاد من أجل حركة شعبية"، الذي تغير اسمه عام 2015 إلى "الجمهوريون") وأسس "الجمهورية المتضامنة" في 2010، أي بعد مغادرته الحكومة بخمس سنوات.
وبينما قال فالس مؤخرا إن "الحزب الاشتراكي قد انتهى"، كان خلال حملة الانتخابية التمهيدية للاستحقاق الرئاسي يدعو اليسار للالتفاف حول حزبه وحول شخصه هو بالذات. ثم عاد بعد هزيمته في هذه الانتخابات للامتناع عن دعم المرشح الاشتراكي المنتخب بونوا هامون، ويعلن دعمه لوزير اقتصاده السابق إيمانويل ماكرون.
وكانت مقدمات هذه التحولات في المشهد السياسي قد بدأت منذ الانتخابات التمهيدية للحزبين التقليديين. ففي معسكر اليمين حاول الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (2007 / 2012) العودة إلى الساحة السياسية بترشحه للانتخابات التمهيدية لحزبه، إلا أنه تلقى هزيمة ساحقة وخرج من الدورة الأولى بعد أن حل ثالثا خلف فرانسوا فيون وآلان جوبيه. وفي المعسكر الاشتراكي أعلن فرانسوا هولاند (2012 / 2017) في سابقة تاريخية لرئيس فرنسي عدم خوضه السباق نحو الإليزيه. ورغم أن المراقبين رأوا آنذاك أن هذا الانسحاب يمهد الطريق أمام مانويل فالس للفوز بترشح حزبه للانتخابات، فاجأ زميله وزير التربية السابق بونوا هامون الجميع وأقصى فالس من السباق.
وتأكد خروج الوجوه السياسية الكبيرة عن الساحة بعد الانتخابات الرئاسية عقب هزيمة فيون وهامون في الدورة الأولى، وابتعاد ساركوزي عن الحياة السياسية للتفرغ للدفاع عن نفسه في قضايا الفساد التي تلاحقه، واعتزال جان بيار رافران النشاط السياسي، والمسافة التي أخذها دومينيك دو فيلبان من العمل الحكومي بعد عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية ودعمه لحملة إيمانويل ماكرون منذ الدورة الأولى.
وبعد أن دخل إلى الحكومة كوزير للعدل عقب دعمه لماكرون منذ الدورة الأولى للانتخابات، عاد زعيم التيار الوسطي في فرنسا فرانسوا بايرو للاستقالة بسبب تحقيقات تطاله وحزبه "الحركة الديمقراطية" حول وظائف وهمية. وترافق غياب الشخصيات السياسية ذات الخبرة عن المشهد بأزمات واضحة في الحزبين التقليديين. "الحزب الاشتراكي" تلقى ضربات موجعة خلال الانتخابات الرئاسية تمثلت بشكل أساسي بامتناع كثيرين من كبار أعضاء الحزب، مثل فالس ورئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية في حينه جان مارك إيرولت ووزير الدفاع السابق الذي أصبح بعد الانتخابات وزيرا للخارجية جان إيف لودريان، عن دعم مرشح الحزب بونوا هامون، الأمر الذي تبعه خروج تاريخي للمرشح الاشتراكي من الدورة الأولى للانتخابات بعد حصوله على 6,36% فقط من أصوات الناخبين.
أما على اليمين فقد شكلت اتهامات الفساد التي وجهت لمرشح حزب "الجمهوريون" فرانسوا فيون، ورفضه الانسحاب من الانتخابات رغم تراجعه الشديد في استطلاعات الرأي ضربة قوية للحزب الذي قاد البلاد في معظم فترات الجمهورية الخامسة. ورغم الدعم الذي تلقاه من كبار أعضاء حزبه بمن فيهم منافسوه السابقون وممثلو التيار الأكثر اعتدالا مثل آلان جوبيه، فشل فيون في الوصول إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وأدت هذه الأزمات إلى ضربات قاسية تلقاها الحزبان في الانتخابات التشريعية التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية بشهر واحد، إذ حصل "الجمهوريون" وحلفاؤهم على 135 مقعدا من أصل 577 في "الجمعية الوطنية" (الغرفة الأولى من غرف البرلمان الفرنسي إضافة لمجلس الشيوخ)، في حين لم يتمكن "الحزب الاشتراكي" من الفوز بأكثر من 43 مقعدا بعد أن كان يملك الأكثرية في البرلمان السابق. بحسب فرانس برس.
ويبقى الحضور الوحيد لهذين الحزبين متمثلا في بعض أعضائهما الذين اختار الرئيس ماكرون تعيينهم لشغل مناصب قيادية في حكومته، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الوزراء إدوار فيليب العضو في حزب "الجمهوريون" ووزير الخارجية جان إيف لودريان.
اضف تعليق