q

التقارب الاخير بين الرياض و ادارة الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب، اسهمت وبحسب بعض المراقبين في تغير العديد من الامور داخل المملكة العربية السعودية، التي اصبحت اليوم اكثر قوة بعد الصفقات المالية الكبيرة التي عقدتها مع ترامب، فهذا التقارب الجديد دفع الامير محمد بن سلمان نحو قمة هرم السلطة ليصبح الحاكم الفعلي للدولة النفطية، ولو من خلف الستار، بحسب ما يرى محللون، كما انه اعطى الرياض دفعة لرسم خارطة جديدة والعمل على اقصاء او ابعاد بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لتتصدر هي القيادة بدون منازع. فقد شهدت الايام الاخيرة التي اعقبت زيارة ترامب الى المملكة تغيرات واحداث مهمة منها، قطع العلاقات مع قطر وتعين محمد بن سلمان في منصب جديد، يضاف الى ذلك التقارب السعودي المصري المهم وانهاء قضيتي تيران و صنافير.

لكن وعلى الرغم مما تقدم فان ترامب الذي يعمل على بناء علاقات جديدة في منطقة الشرق الاوسط تصب في مصلحة اسرائيل بدرجة الاولى، يواجه ايضا تحديات داخلية كبيرة قد تكون سببا في عرقلة بعض الخطط والاجراءات التي يسعى الى تحقيقيها. وفيما يخص اخر التطورات فقد عمد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لتعين نجله الأمير الشاب (31 عاما) في منصبه الجديد خلفا للامير محمد بن نايف الذي اعفي من منصبه بعدما كان حليفا قويا للغرب وللولايات المتحدة في الحرب ضد التطرف.

وعمل محمد بن سلمان كما نقلت بعض المصادر، منذ اختياره في منصب ولي ولي العهد قبل عامين مع تسلم والده مقاليد الحكم، على تعزيز نفوذه في المملكة، سياسيا واقتصاديا وامنيا، على حساب ابن عمه محمد بن نايف. ويقول ستيفان لاكروا الاستاذ المساعد في معهد العلوم السياسية في باريس ان شعبية محمد بن نايف لدى ادارة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما أجلت خروجه من الصورة، مضيفا "الامر تغير حين وصل (دونالد) ترامب الى السلطة".

وبعيد دخوله البيت الى الابيض، أوضح ترامب في أكثر من مناسبة ان حلفاءه الرئيسيين في المنطقة هم محمد بن سلمان، وولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد ال نهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفقا للاكروا. وكانت السعودية أعربت عن ترحيبها بانتخاب ترامب بعد سنوات من الفتور مع ادارة اوباما، مشيدة بمواقف الادارة الجمهورية الجديدة المتشددة ازاء طهران، الخصم السياسي للرياض في المنطقة، والاتفاق النووي الموقع معها.

ووضع خطاب ترامب الامير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد في موقع قوي للانقضاض على السياسة القطرية وقطع العلاقات مع الدوحة على خلفية اتهامها بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة وتمويلها، وكذلك التقرب من ايران. ورغم ان الولايات المتحدة بدأت في الايام الاخيرة تضغط بشكل أكبر على السعودية وحليفاتها لحل الازمة الدبلوماسية الاكبر في المنطقة منذ سنوات، الا ان ترامب اتخذ منذ البداية موقفا مؤيدا للخطوة السعودية والاماراتية، متهما الامارة التي تضم اكبر قاعدة جوية اميركية في المنطقة بتمويل الارهاب. ومع تأسيسه لعلاقة قوية مع واشنطن، أدرك محمد بن سلمان ان ادارة ترامب لن تعارض اقصاء محمد بن نايف عن الحكم واحتلاله مكانه في اعلى درجات هرم السلطة، خلف الملك، بحسب لاكروا.

ويرى فريدريك ويري الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي ان "اشارات كثيرة"، بينها الانخراط الاميركي الاكبر في السياسة الاقليمية، لعبت دورا مهما في تعيين الامير الشاب. وقال ان السعودية لم تكن تنتظر الضوء الاخضر من الولايات المتحدة، الا ان تعزيز التقارب بينهما مع وصول ترامب الى الرئاسة ادى دورا رئيسيا، الى جانب العوامل السعودية الداخلية الاخرى.

قضية مثيرة

وفي هذا الشأن صرح مسؤول في الكونغرس إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أخطرت الكونغرس بنيتها البدء قريبا في تسليم ذخائر دقيقة التوجيه للسعودية بموجب اتفاق لبيع أسلحة يعود إلى العام 2015. ولكن من المتوقع أن تواجه إدارة ترامب معارضة في مجلس الشيوخ الذي يصوت على قرار يعرقل أجزاء من صفقة جديدة منفصلة لبيع أسلحة للسعودية تم الاتفاق عليها خلال زيارة ترامب للرياض في أيار/مايو. وقد أصبحت مبيعات الأسلحة للسعودية قضية مثيرة للخلاف بشكل متزايد في الكونغرس الأمريكي حيث يعترض مشرعون بدعوى أن الأسلحة الأمريكية تساهم في سقوط كثير من الضحايا المدنيين في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.

وكان الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما قد علق مبيعات الذخائر الدقيقة التوجيه في ديسمبر/كانون الأول بسبب مخاوف بشأن سقوط ضحايا مدنيين في اليمن. لكن ترامب قال إن خطته لتشجيع مبيعات الأسلحة هي السبيل لخلق الوظائف في الولايات المتحدة. وفي بيان السناتور بن كاردين أكبر عضو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قال إن الحكومة أخطرت الكونغرس بشأن بدء التسليم فيما يتعلق بصفقة 2015. وأضاف أن قرار ترامب سبب آخر لمجلس الشيوخ لرفض الصفقة الجديدة.

وقال كاردين "نحن بحاجة إلى إرسال رسالة إلى كل من إدارة ترامب والسعوديين للعمل بمزيد من الجدية لتفادي الخسائر المدنية وتسريع الإغاثة الإنسانية والعمل من أجل نهاية سلمية للحرب من خلال تسوية سياسية عبر المفاوضات". ويهيمن الجمهوريون على مجلسي الكونغرس. وقال مساعد كبير في الكونغرس مشترطا عدم الكشف عن اسمه إن الكونغرس تسلم الإخطار وكان نبأ المضي في تسليم الذخائر قد أوردته أولا وكالة بلومبرج.

وتشمل صفقة 2015 أكثر من 8000 قنبلة موجهة بالليزر للقوات الجوية الملكية السعودية. وتشمل أيضا أكثر من عشرة آلاف قنبلة للأغراض العامة وأكثر من 5000 مجموعة ذيل تستخدم لتحويل القنابل العادية إلى أسلحة موجهة بالليزر أو نظام تحديد المواقع العالمي. وبعض الأنظمة التي تشملها الصفقة من صنع شركتي رايثيون وبوينغ. وتبلغ قيمة الصفقة المعلنة في أيار/مايو 110 مليارات دولار وتتضمن خيارات ترفع قيمتها إلى ما يصل إلى 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات. بحسب فرانس برس.

وقد يعرقل تصويت مجلس الشيوخ مبيعات من تلك الصفقة بنحو 500 مليون دولار تشمل ذخائر دقيقة التوجيه وأسلحة هجومية أخرى. ويتزامن التصويت مع اجتماع لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون ومسؤولين آخرين في واشنطن.

الديموقراطية في السعودية

من جانب اخر اشاد المسؤولون الاميركيون بزيارة الرئيس دونالد ترامب الى الشرق الاوسط، لكن سؤالا واحدا عن "الديموقراطية في السعودية" اربك مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية فكر طويلا قبل ان يرد بمهاجمة ايران. فقد اشاد الناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر بنجاح "غير مسبوق" في السياسة الخارجية التي "وحدت العالم المتحضر في مكافحة الارهاب والتطرف". ورأى سبايسر ان زيارة ترامب الى السعودية "تاريخية" و"لا تصدق" و"استثنائية".

وعلى الرغم من الانتقادات بشأن حقوق الانسان، ابرم ترامب عقودا تجارية بقيمة 380 مليار دولار بينها 110 مليارات دولار لتزويد السعودية باسلحة. لكن في وزارة الخارجية الاميركية، بدا مساعد وزير الخارجية ستيوارت جونز مربكا خلال مؤتمر صحافي. وجونز كان سفيرا في الاردن ثم في العراق خلال الولاية الثانية لباراك اوباما ووزير الخارجية جون كيري. وقد عين قبيل تسلم ترامب ووزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون مهامهما مديرا موقتا لقسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية، مع بطء الادارة الجديدة في تعيين المناصب الاساسية في الوزارة.

وقد رافق تيلرسون الى السعودية واسرائيل والتقى صحافيين لاطلاعهم على انجازاتها. وكانت تصريحاته عن النجاح في بناء العلاقات مع السعودية وقادة العالمين العربي والاسلامي تتطابق مع ما قاله سبايسر. لكن عندما سأله صحافي عما اذا كانت الولايات المتحدة تعتقد ان الحوكمة الديموقراطية يمكن ان تساعد في الحد من التطرف، التزام الصمت. واشار الصحافي الى ان تيلرسون انتقد سلوك ايران في ما يتعلق بالانتخابات التي جرت خلال الشهر الجاري هناك، لكنه يقف الى جانب المسؤولين في السعودية.

وسأل صحافي "كيف تصف التزام السعودية بالديموقراطية، وهل تعتبر الادارة (الاميركية) ان الديموقراطية تشكل سدا او حاجزا في وجه التطرف؟". وصمت جونز لعشرين ثانية وبدا عليه انه يفكر في الجواب، ثم كرر انتقاداته للديموقراطية في ايران. وصرح جونز ان زيارة ترامب وتيلرسون حققت تقدما في العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة التطرف القادم من ايران. وقال ان "احد مصادر التطرف، احد التهديدات الارهابية ينبع من جزء من جهاز الدولة الايرانية الذي لا يلبي بتاتا (تطلعات) ناخبيه". بحسب فرانس برس.

ولم يتلق المسؤول اي سؤال بعد ذلك، لكن المراقبين علقوا بسرعة على الحادثة. وقال شادي حميد الذي يعمل في مركز "بروكينغز انستيتيوت" والف كتبا عن الاسلام "انه اطول توقف اشهده في حياتي من قبل مسؤول اميركي". وفي عنوانها الرئيسي، كتبت المدونة التقدمية "ماذر جونز" ان "الصمت ابلغ من الكلام في وزارة الخارجية في بعض الاحيان". واشارت مواقع الكترونية اخرى الى ان المسؤول الاميركي "صدمه السؤال" بينما اطلقت نكات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتداول تسجيل الفيديو للقاء بشكل واسع. لكن آخرين دافعوا عن جونز مشيرين الى انه يدافع عن سياسة لم يصنعها.

السعودية واسرائيل

من جانب اخر كشفت وكالت الأنباء الألمانية دويتشة فيلة عن ملامح صفقة بين السعودية واسرائيل ستكون بمثابة صفقة تطبيع بين الدولة السعودية والكيان الاسرائيلي ومن شأنها أن تغير وجه المنطقة وقالت الوكالة في تقرير نشرته على موقعها الالكتروني أن تغيرات مثيرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن المحرك الإقليمي الأبرز لهذه التغيرات هو القيادة السعودية الجديدة بالتعاون مع الرئيس الأمريكي ترامب. والعلاقة مع إسرائيل هي محور التغيير المحتمل القادم في الشرق الأوسط.

ونوهت وكالة (Dw) إلى أن الساكن الجديد في البيت الأبيض، دونالد ترامب، يبدو عازماً على إنهاء الصراع في الشرق الأوسط، كما صرح أكثر من مرة. وقد عمد بعد توليه سدة الرئاسة إلى عقد قمة نادرة في الرياض، ضمت قادة وممثلين عن معظم الدول الإسلامية. ثم تبعها ترامب بزيارة إلى إسرائيل. والحديث يدور الآن عن جهود جدية للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكدت الوكالة أن خطط ترامب هذه تلتقي مع جهود سعودية تقودها القيادة الجديدة، مع تولي الشاب محمد بن سلمان ولاية العهد، والذي يبدو أنه يحظى بدعم أمريكي كبير، متسائلة عن تفاصيل الدور السعودي في التوصل إلى مثل هذه الاتفاقية للسلام؟

وكيف سيكون شكل التقارب السعودي – الإسرائيلي، وإمكانية التطبيع بين الدولتين، ثم انفتاح الدول العربية الأخرى على إسرائيل؟ وقالت الوكالة: لعل من ضمن التغييرات في المنطقة هي اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، ما يخلق وضعية جديدة في البحر الأحمر، هي أكثر أريحية لإسرائيل. لأن مضيق تيران – الذي تعبر منه السفن الإسرائيلية باتجاه ميناء إيلات – كان خاضعاً للسيادة المصرية بالكامل. أما الآن فقد تحول إلى ممر دولي، كما يرى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان.

وعززت الوكالة تقريرها بالإشارة إلى ما ذكرته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية والتي قالت أن الاتفاق المصري – السعودي حول جزيرتي تيران وصنافير، وموافقة تل أبيب عليه، يشير على الأرجح إلى “استمرار الاتصالات السرية والمصالح المشتركة ما بين السعودية وإسرائيل”. وتحت عنوان صفقة منتظرة قالت الوكالة أن الكثير من الفرضيات والإشارات التي راجت مؤخرا توحي بقرب التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى أساسه سيكون هناك تطبيع كامل بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل.

اضف تعليق