قرار القضاء الأمريكي الاخير باعتقال 12 من المرافقين الأمنيين للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المتهمين بالاعتداء على متظاهرين على هامش زيارته إلى نيويورك في مايو الماضي، والذي اثار غضب تركيا، ينذر وبحسب بعض المراقبين بحدوث ازمة جديدة قد تؤثر بشكل سلبي على العلاقات بين البلدين خصوصا وان الولايات المتحدة الامريكية، قد سعت في الفترة الاخيرة لاتخاذ بعض الخطوات التي ازعجت انقرة ومنها دعم الاكراد في سوريا، حيث يختلف البلدان الحليفان ضمن منظومة الاطلسي حول الدعم الأميركي للفصائل الكردية التي تعتبرها أنقره إرهابية.
وفي 16 ايار/مايو وقعت مواجهات عنيفة بين حراس أمنيين أتراك ومتظاهرين اكراد أمام مقر السفير التركي في واشنطن الذي توجه إليه اردوغان بعد لقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ادت الى اصابة 12 شخصا بجروح بينهم شرطي. وقال وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون في تصريح تلاه متحدث باسمه ان مذكرات التوقيف "رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لا تسمح بأن يقوم اشخاص باستخدام الترهيب والعنف لقمع حرية التعبير، والتعبير السياسي الشرعي". وشدد على ان "وزارة الخارجية ستواصل العمل مع الشرطة والسلطات المختصة" في شأن هذه القضية "وستحدد ما اذا كان ضروريا اتخاذ اجراءات اضافية".
وكان السناتور الجمهوري جون ماكين دعا بعد هذه الحادثة الى طرد السفير التركي من الولايات المتحدة. وكانت شرطة العاصمة سبق ان اصدرت مذكرات توقيف بحق اربعة مشتبه بهم من اصل تركي بينهم اميركيان وكنديان. واعلنت شرطة واشنطن ان سينان نارين من سكان فيرجينيا وايوب يلديريم من سكان ولاية نيوجيرسي ملاحقان لتسببهما باصابة اشخاص بجروح. وتابع قائد الشرطة "في الولايات المتحدة وخاصة في واشنطن نعتبر ان حق التظاهر السلمي مقدس".
غضب تركي
وفي هذا الشأن دان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة مذكرات الاعتقال التي أصدرها القضاء الأمريكي في واشنطن بحق 12 من مرافقيه الأمنيين المتهمين بالاعتداء على متظاهرين أكراد على هامش زيارة الرئيس التركي إلى العاصمة الأمريكية في أيار/مايو الماضي. وقال أردوغان في خطاب ألقاه في أنقرة "سنقاتل سياسيا وقضائيا" ضد هذا القرار. واضاف أنه فيما كانت مجموعات "إرهابية تتظاهر على بعد 50 مترا مني، لم تقم الشرطة الأمريكية بفعل شيء".
وتابع أردوغان "لقد اعتقلوا اثنين من مواطنينا. هل يعقل ذلك؟ وأصدروا مذكرات اعتقال بحق 12 من حراسي. أي نوع من التشريع هذا؟ أي نوع من القوانين؟". وأضاف "إذا لم يكن الأمر لحمايتي، لماذا عساي اصطحب حراسي معي إلى الولايات المتحدة؟ هل سيقوم هانس وجورج بحمايتي؟" وهما اسمان يستخدمهما الرئيس التركي عادة في حديثه عن أوروبا. ووقعت مواجهات عنيفة بين حراس أمنيين أتراك ومتظاهرين أكراد في واشنطن في 16 ايار/مايو بعد لقاء بين أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بحسب فرانس برس.
وأصيب 12 شخصا بجروح بينهم شرطي. وكانت الخارجية الأمريكية استدعت السفير التركي لدى واشنطن. ثم استدعت أنقرة السفير الأمريكي للاحتجاج على "الثغرات الأمنية" خلال الزيارة. وأصدر القضاء الأمريكي 12 مذكرة اعتقال بحق عناصر أمن تابعين لأردوغان تم التعرف إليهم بحسب رئيس شرطة واشنطن من خلال أشرطة فيديو. كما قامت السلطات الأمريكية باعتقال اثنين من الأتراك الذين يعيشون في الولايات المتحدة ما يرفع إلى أربعة عدد الاعتقالات في هذه القضية.
وأدانت تركيا توجيه الاتهامات وقالت إن المواطنين الأتراك الذين كانوا بصحبة إردوغان لا يجب أن يتحملوا مسؤولية تلك الواقعة. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "هذا القرار الذي اتخذته السلطات الأمريكية خاطئ ومنحاز ويفتقر للأساس القانوني". وقال البيان "المشاجرة أمام مقر إقامة السفير التركي كان سببها فشل السلطات الأمنية المحلية في اتخاذ الإجراءات الضرورية... لا يمكن اعتبار مواطنين أتراك مسؤولين عن الحادث الذي وقع".
ورفضت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت القول ما إذا كان هناك طلب بالتسليم سيصدر بحقهم. وقالت الخارجية إن أفراد الأمن الأتراك لم يعودوا يتمتعون بالحصانة التي أتيحت لهم خلال الزيارة التي قام بها إردوغان مؤخرا. وقالت نويرت للصحفيين "سنبحث اتخاذ مزيد من الإجراءات".
وأظهر تسجيل مصور بث على الانترنت رجالا يرتدون سترات داكنة وهم يطاردون محتجين ويوجهون اللكمات والركلات إليهم بينما حاولت الشرطة التدخل. وقال رئيس البلدية موريل باوزر في مؤتمر صحفي معلنا الاتهامات "أستنكر هذا الهجوم. إنه إهانة لقيمنا". وقال بيتر نيوشام رئيس إدارة شرطة العاصمة الأمريكية إن أوامر اعتقال صدرت بحق أعضاء من فريق تأمين الرئيس التركي. وأضاف "إذا حاولوا دخول الولايات المتحدة سيُعتقلون". وتابع أنه لا سبب محتملا لاعتقال إردوغان الذي شاهد المواجهة من سيارة قريبة. ووجهت السلطات اتهامات لنحو 18 شخصا في الواقعة. وقال ممثلو الادعاء إن بينهم كنديان وأربعة أمريكيين. وأعلنت شرطة واشنطن القبض على أمريكيين شاركا في المشاجرة.
دعم الاكراد
في السياق ذاته قال مجلس الأمن القومي التركي إن قرار الحكومة الأمريكية تسليح وحدات حماية الشعب الكردية السورية "لا يليق" بصديق. وأضاف المجلس في بيان صدر بعد اجتماع استمر أربع ساعات ونصف الساعة برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان إن الولايات المتحدة تجاهلت توقعات تركيا بشأن المسألة.
وجاء في بيان المجلس "جرى التشديد على أن سياسة دعم منظمة حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي-وحدات حماية الشعب الكردية الإرهابية، التي تعمل تحت ستار قوات سوريا الديمقراطية، في تجاهل لتوقع تركيا (عدم دعم هذه التنظيمات) لا يليق بصداقة وتحالف". وقالت الولايات المتحدة في وقت سابق إنها بدأت إرسال أسلحة إلى فصيل كردي سوري مسلح يقاتل للمساعدة في استعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم داعش ماضية قدما في خطة حرب أغضبت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ ثلاثة عقود في تركيا وتصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وحذرت تركيا الولايات المتحدة من أن قرارها تسليح القوات الكردية قد ينتهي إلى الإضرار بواشنطن وتوترت العلاقات بين العضوين في حلف شمال الأطلسي منذ ذلك الحين. بحسب رويترز.
وتعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية شريكة مهمة في الحرب على داعش في شمال سوريا. وتقول إن تسليح القوات الكردية ضروري لاستعادة الرقة، المعقل الرئيسي للدولة الإسلامية في سوريا. وترى أنقرة أن تقدم وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا قد يشعل تمرد حزب العمال الكردستاني على الأراضي التركية. كما عبرت عن قلقها من أن الأسلحة المقدمة لوحدات حماية الشعب الكردية قد تصل إلى حزب العمال الكردستاني في نهاية المطاف.
غلق إنجرليك
من جانب اخر أعلن كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكما نقلت بعض المصادر، أنه قد يتم إغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية الواقعة في مدينة أضنة جنوب تركيا أمام طائرات الولايات المتحدة على خلفية عدم اعترافها بأن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية، بحسب موقع "زمان التركي. وزعم مالكوتش أن روسيا والولايات المتحدة تهدفان إلى الحيلولة دون تقوية تركيا وتعزيزها عبر الاتفاق الذي أجرياه بشأن سوريا.
ووجّه مالكوتش انتقادات حادة للولايات المتحدة التي أعلنت أنها لم تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب منظمة إرهابية بعدما قامتا بتنفيذ تفجير أنقرة الذي أصاب تركيا بأكملها بحالة من الحزن والأسى، حسب تعبيره. وأضاف بقوله: قد يكون من المحتمل الحديث عن إغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية أمام الطائرات الأمريكية.
وبحسب الخبر الوارد في صحيفة بوجون الموالية للحكومة؛ قال مالكوتش إن نيران الحرب العالمية الأولى الرامية لتمزيق العالم الإسلامي والدولة العثمانية لا تزال حاضرة، زاعمًا أن المرحلة القادمة ستكون تقسيم الأكراد وتمزيقهم. وأضاف بعد ذلك ربما يرغبون في تقسيم تركيا وتمزيقها أيضًا. وهذا المخطط يضم روسيا وإيران، وللأسف الشديد هناك دولا وراء هذا المخطط نحسبها صديقة وحليفة لنا. وأفاد مالكوتش بأنه من الممكن طرح موضوع إغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية أمام الطائرات الأمريكية في إطار التدابير التي يمكن اتخاذها تجاه الولايات المتحدة التي أعلنت عدم اعتبارها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب منظمة إرهابية.
وأردف بقوله: إذا كان الذين ينبغي لهم أن يكونوا أصدقاء لنا يضمرون العداء فيجب اتخاذ التدابير تجاه هذا الأمر. ونحن نتخذ التدابير اللازمة تجاه أي دولة تحاول العمل ضد تركيا وليس أمريكا فحسب. وينبغي ألا نحصر ذلك على قاعدة إينجيرليك فقط. إمكانيات تركيا واسعة جدًّا. أمريكا تتحرك سويًا مع روسيا ضد تركيا في سوريا. هل ثمة تفسير لذلك؟ إنه سيخجلون كثيرا. تركيا على حق وستتحدث عن أحقيتها هذه في المحافل الدولية كافة الموجودة في العالم، حسب قوله.
قطر وسوريا
الى جانب ذلك قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية إن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو ناقشا التطورات في سوريا والخلاف بين قطر ودول عربية في اتصال هاتفي. وجاءت المكالمة التي أجريت بطلب من تيلرسون بعد أن حث السعودية ودولا خليجية أخرى على تخفيف الحصار على قطر وقال إنه يتسبب في تبعات إنسانية ويؤثر على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على داعش.
ولم يتح المزيد من التفاصيل عن الاتصال الهاتفي بين الوزيرين. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إفطار رمضاني في اسطنبول تعليقا على تصريحات تيلرسون عن تخفيف الحصار على قطر "أقول أنه يجب أن يرفع بالكامل". وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بقطر واتهمتها بدعم إسلاميين متشددين وإيران وهي اتهامات تقول قطر إن لا أساس لها. وقطعت دول أخرى علاقاتها بقطر لاحقا.
وتعهد إردوغان بمواصلة دعم قطر بعد تصديقه سريعا على تشريع لنشر قوات تركية هناك. وقال لوزير خارجية البحرين إن الخلاف يجب أن يحل قبل نهاية شهر رمضان. وأقر إردوغان أيضا اتفاقا بين بلاده وقطر بشأن التعاون في مجال التدريب العسكري. وكان التشريعان قد طرحا قبل نشوب الخلاف بين الدوحة ودول عربية. كما تعهدت تركيا بتزويد قطر بالأغذية والمياه. بحسب رويترز.
وحافظت تركيا على علاقات طيبة بقطر وعدد من دول جوارها في الخليج. ودعمت تركيا وقطر الإخوان المسلمين في مصر ومقاتلين في المعارضة السورية يحاربون للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وتقف تركيا على طرفي نقيض مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بدعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية السورية في الحرب على تنظيم داعش في سوريا. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي حمل السلاح على مدى ثلاثة عقود على الأراضي التركية. وقالت الولايات المتحدة إنها بدأت في تزويد وحدات حماية الشعب بالأسلحة من أجل الهجوم على مدينة الرقة في سوريا مما عمق الغضب التركي. وتخشى تركيا من تنامي النفوذ الكردي على حدودها الجنوبية.
اضف تعليق