على الرغم من الموقف الداعم ومحدود الذي اتخذته ايران من قطر في ازمتها الحالية مع بعض الدول الخليجية، فإنها وبحسب بعض المراقبين ماتزال حذرة جدا تجاه الأزمة التي تعد هي احدى اهم اوراقها، خصوصا وان البعض يرى ان الخلاف بين الدوحة والرياض ليس عميقًا لدرجة تجعل الدوحة تهرول نحو إيران وتطلب مناصرتها للوقوف ضد حلفائها، الامر الذي قد يسهم بتعقيد الامور ضد طهران الخصم الاول للكثير من الدول، فالعلاقات القطرية وكما ذكرت بعض المصادر، شديدة التعقيد مع الكثير من الجهات وهو ما قد يوقع ايران في مخاطر هي في غنى عنها، فـ"سياسة الدول يجب أن تُبنى على أسس واقعية، تأخذ في الاعتبار أن هذه الدول وعلى اختلافها إلا أنها متحدة في مواجهة إيران، التي ستعمد وبذكاء سياسي الى الاستفادة من هذه الازمة بما يخدم مصالحا، فردُّ الفعل الأولي على التصعيد الخليجي ضد قطر إيرانياً كانت الدعوة إلى التهدئة، فيما انتقد بعض المسؤولين الحملة على الأمير تميم.
ومع تسارع الأحداث، حافظ الخطاب الإيراني على دبلوماسيته المعتادة، فبقي في موضع الترقب حتى عندما تأزمت الأمور بشكل غير مسبوق. كان المساعد المتخصص في الشؤون السياسية في المكتب الرئاسي حميد أبو طالبي أول من عكس ربما الموقف الإيراني في تغريدة له على تويتر. رأى أبو طالبي أن قرار قطع العلاقات "ليس سبيلاً للخروج من الأزمة" مؤكداً أن "عهد التحالفات والشقيق الأكبر" قد انتهى. بدوره، علق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة له، قائلاً "الجيران دائمون ولا يمكن تغيير الجغرافيا. الإكراه ليس حلاً أبداً، الحوار أمر حتمي، خاصة، في شهر رمضان الكريم". والجدير ذكره أن ظريف كان قد تحرك خلال الأيام الماضية مجرياً العديد من الاتصالات مع عدد من وزراء الخارجية.
ويرى بعض المراقبين ان الدعم الأمريكي المستجد بعد تولي ترامب شجع الرياض، اتخاذ مواقف جديدة في المنطقة خصوصا وانها قد شعرت خلال سنوات ولاية أوباما الثانية كأن أجنحتها قد قُصّت، فلم تستطع ضمان دعم قوة عظمى لاتخاذ قرارات ضد سياسة بعض الخصوم ومنهم الجارة قطر التي سعت الى اثبات وجودها والخروج من عباءة السيطرة السعودية. الموقف الأمريكي المشجع لم يذهب بعيداً في دعم الخيار السعودي، فأبقى على دعوته لحل الأمور ولم يذكر أي شيء بخصوص نقل قاعدته العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط (قاعدة العديد) من الأراضي القطرية.
وسط ذلك، نشطت الوساطة الخليجية برعاية الكويت وكثرت التحذيرات من "ارتماء قطر في الحضن الإيراني بعد سد المنافذ الخليجية أمامها". وبقي النفس القطري في الرد على القرارات مضبوطاً، ما عكس عدم رغبة، أو عدم قدرة، قطرية على الخروج من تحالفاتها الخليجية إلى ما لا رجعة. ويفسّر الكاتب مارتن شلوف في صحيفة "الغارديان" الأمر بأن "الدوحة تعلم أنها لا تملك مساحة مناورة كبيرة، فلا تستطيع أن تغادر مجلس التعاون الخليجي، الذي يوفر الأمن والعمق التجاري لأعضائه، ولا يمكنها تحمل العزلة". في المقابل، لا يمكنها التراجع بسرعة والرضوخ لرغبة السعودية، فـ"بعد أن قضت عقوداً تسوّق لنفسها بصفتها دولة مؤثرة في صناعة القرارات ومشاركة فاعلة في المنطقة، فإن انحناءها أمام "السيد" السعودي سيعرّي حقيقة محدوديتها.
من جهة ثانية، نقلت "سي أن أن" عن الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حسين إبيش توقعه أن تخلق الأزمة الدبلوماسية "فرصاً لإيران على المدى الطويل"، وقد تخلق كذلك "فتحات للمخيم الموالي لإيران، على الأقل فيما يتعلق بالرأي العام في العالم العربي - القوميون من العرب سيقفون مع قطر، الإسلاميون سيقفون إلى جانب قطر، وبعض الليبراليين أيضاً سيقفون إلى جانب قطر"، كما يقول. وعلى الجانب الإيراني، ثمة عدة عوامل يساعد الالتفات لها في تفسير الموقف الإيراني الحالي والمستقبلي وحجمه، منها العوامل الدبلوماسية والفرص السياسية وإعادة الخندقة والعلاقات مع تركيا، كما العلاقات التجارية.
خلاف عرب الخليج
أيام قليلة انقضت منذ دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الإسلامية إلى الوقوف صفا واحدا في وجه إيران. غير أن خلافا علنيا بين قطر وبعض جيرانها من دول الخليج يهدد محاولته لترجيح كفة ميزان القوى الإقليمي ضد طهران. فقد ثار غضب السعودية والإمارات بسبب النهج الاسترضائي الذي تتبعه قطر إزاء إيران ألد خصومهما في المنطقة وكذلك بسبب الدعم القطري لجماعات إسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبرها البلدان عدوا سياسيا خطيرا.
وتفجر الخلاف بين هذه الدول السنية بعد أن حضر ترامب قمة أمريكية إسلامية في السعودية ندد فيها "بالتدخلات المزعزعة للاستقرار" من جانب إيران الشيعية في المنطقة العربية حيث تشتبك طهران مع الرياض في صراع على النفوذ. ولا تلوح في الأفق أي بادرة على انحسار الخلاف الأمر الذي يثير شبح قطيعة طويلة بين الدوحة وأقرب حلفائها قد تكون له تداعيات في منطقة الشرق الأوسط.
ويشير المحللون إلى الاستعداد غير العادي الذي أبدته وسائل الإعلام المدعومة من الدولة في قطر ووسائل الإعلام السعودية والإماراتية لتبادل الانتقادات الحادة علانية. ويشير ذلك إلى أن تسجيل النقاط له الأولوية على إبداء الوحدة فيما بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وفي المشهد الإعلامي الخليجي عادة ما تحدث الهجمات التي تشنها الوسائل الإخبارية بموافقة من الحكومات. وقال دبلوماسي غربي في الدوحة "مجلس التعاون الخليجي قد يضر بمصالحه في هذا الصراع كما أنه قد يصبح أكثر عرضة للتجاوزات الإيرانية".
وكان السبب المباشر للخلاف تقرير نسب لوسائل الإعلام القطرية جاء فيه أن أمير قطر حذر من المواجهة مع إيران ودافع فيه عن حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني الشيعي المتحالف مع طهران. ونفت قطر التقرير وقالت إن وكالة أنبائها تعرضت للاختراق لكن السعودية والإمارات سمحتا لوسائل إعلامهما المدعومة من الدولة بمواصلة النشر عن هذا الموضوع الأمر الذي أغضب الدوحة.
ويجدد هذا الخلاف اتهامات قديمة بأن قطر تدعم جماعة الإخوان التي يرفض فكرها مبدأ الحكم الوراثي. كما تشتبه الرياض وأبوظبي أن الدوحة راضية عن السياسة التوسعية الإيرانية. وكانت قطر قد قالت إنها تؤيد دوما إقامة علاقات قوية وأخوية مع دول مجلس التعاون الخليجي وتنفي أن تكون لها صلات بجماعة الإخوان المسلمين. ويتكهن بعض المحللين بأن الرياض وأبوظبي أصبحتا تشعران بثقة سمحت بتوجيه الانتقادات لقطر بفضل اشتداد عرى الصداقة مع ترامب وذلك ثقة بأن معارضته لإيران والجماعات الإسلامية المسلحة كلها تعكس آراءهما أكثر مما تعكس وجهة النظر القطرية.
وقال جيرد نونمان أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الخليجية في جامعة جورجتاون في قطر "عندما قدم ترامب دعما كاملا في الرياض وقال ‘فلنعزل إيران‘ كان ذلك بمثابة رسالة إلى الإمارات والسعودية اللتين شعرتا بالتشجيع وقالتا: فلنطلق كل ما لدينا على قطر". واعترافا بالتوترات نشر أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات تغريدة على تويتر قال فيها "تمر دول مجلس التعاون بأزمة حادة جديدة وفتنة تحمل في ثناياها خطرا جسيما. ودرء الفتنة يكمن في تغيير السلوك وبناء الثقة واستعادة المصداقية".
وقال مسؤولون ومعلقون خليجيون خارج قطر إنه ليس من المهم ما إذا كانت التصريحات مختلقة لأنها تعكس مواقف قطر. وقالت صحيفة الحياة في مقال إن إصرار الدوحة على إنكار المشكلة مسألة هامشية لأن قطر تؤكد على أرض الواقع أنها تتبنى سياسات تحاول الآن إنكارها. وقال مسؤول خليجي إن الصبر نفد. وأضاف "المؤكد أن دول الخليج بقيادة الرياض لن تتساهل على الأرجح في أي انحراف إذا كان متعمدا خاصة في المنعطف الحالي في علاقتنا مع جارتنا المعادية إيران".
وردت صحيفة الراية اليومية القطرية المملوكة للدولة على تقارير إماراتية بنشر صور على صفحتها الأولى لصحفيين إماراتيين وصفتهم بالمرتزقة. وقد يكون لهذا العداء تداعيات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط حيث استخدمت دول الخليج نفوذها المالي والسياسي للتأثير في الأحداث في ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن وسط الاضطرابات التي تسبب فيها الربيع العربي. بحسب رويترز.
وقال نونمان إن من الواضح أن الكويت وسلطنة عمان لا تريدان أن يكبر الخلاف. وأضاف "فليس من مصلحة أحد أن يكبر هذا الخلاف ويتحول إلى صدام يتجاوز الحملة الإعلامية. لكن هذه الأمور تتطور أحيانا بما يتعذر معه السيطرة عليها". أما إيران التي تنفي الاتهامات العربية بانخراطها في أعمال تخريب في الدول العربية فيبدو أنها شامتة. فقد قالت صحيفة كايهان التي تربطها صلة وثيقة بالزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي إن الخلاف يعكس عجز السعودية عن "تكوين تحالف ضد طهران".
شحنات أغذية إلى قطر
على صعيد متصل قال مسؤولان إيرانيان إن طهران أرسلت أربع طائرات شحن محملة بالأغذية إلى قطر وتخطط لتزويدها بمئة طن من الفواكه والخضر يوميا وسط مخاوف من نقص في الإمدادات بعد أن قطعت دول كانت تزود قطر بأكبر واردات علاقتها معها. وأجرت قطر محادثات مع إيران وتركيا لتأمين إمدادات من المياه والأغذية بعد أن قطعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين العلاقات مع الدوحة واتهمتها بدعم الإرهاب. وتقول قطر إن تلك الاتهامات مؤسسة على أكاذيب.
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن شاهرخ نوش آبادي مدير عام العلاقات العامة في شركة الطيران الوطنية قوله "في أعقاب العقوبات... على قطر نقلت إيران إير أغذية وخضر لذاك البلد على أربع رحلات". ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن مدير منظمة الصناعات والأعمال والتجارة في إقليم فارس قوله إن أول طائرات تحمل الأغذية إلى قطر انطلقت من مدينة شيراز جنوب البلاد. وقال علي همتي "سنصدر يوميا 100 طن من الفاكهة والخضر إلى قطر". بحسب رويترز.
وقال دبلوماسي إيراني في الدوحة إن ثلاث طائرات شحن من إيران تهبط في قطر يوميا وتنقل بالأساس خضروات وفواكه. وأضاف أن زوارق صغيرة تنقل منتجات أخرى أقل عرضة للتلف. وتابع "عشرات الشركات الإيرانية مستعدة لمساعدة قطر بالمزيد من السلع إذا كانت هناك حاجة لذلك". وقال منصور بوريان رئيس رابطة مصدري الماشية في إيران إنهم صدروا 66 طنا من اللحوم إلى قطر خلال اليومين الماضيين. وكانت قطر التي يقطنها 2.5 مليون نسمة تستورد 80 بالمئة من احتياجاتها الغذائية من جيرانها في الخليج قبل قطع العلاقات. ودعت إيران كل الأطراف إلى تسوية خلافاتهم مع قطر.
الابتعاد عن إيران
في السياق ذاته جدد الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني مطالبة قطر بالابتعاد عن إيران ووقف دعمها "للمنظمات الإرهابية". وقطعت البحرين والسعودية والإمارات ومصر ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية بقطر. ورد وزير الخارجية في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط على سؤال عن شروط الدول الخليجية الأربع لنزع فتيل التوتر وإنهاء الخلاف مع قطر بالقول "الشروط واضحة وكل من يقرأ المشهد يعرف هذه الشروط. كان هناك صبر كبير على خروج قطر عن المسار الواحد الذي تسير عليه دول مجلس التعاون وعلى قطر أن تصحح هذا المسار تصحيحا واضحا وعليها أن تعود لكل ما تعهدت به من قبل وكل ما يتطلب منها لعودة العلاقات". وأضاف "عليها أن توقف الحملات الإعلامية وعليها أن تبتعد عن عدونا الأول إيران وأن تعي أن مصالحها معنا وليس مع بلد يتآمر علينا ويريد أن يهيمن علينا وأن يفرقنا بلدا عن الآخر. "عليها أن تترك دعم المنظمات الإرهابية سواء كانت سنية أو شيعية وأن تكون سياستها لصالح شعبها". ورحب الشيخ خالد في مقابلة مع صحيفة مكة السعودية بالوساطة الكويتية لحل النزاع مؤكدا في الوقت نفسه أن جميع الاحتمالات مفتوحة أمام بلاده لحماية نفسها من الدوحة. وعبر الوزير عن شكه في ما إذا كانت قطر ستغير سلوكها.
الصين والمانيا
من جانب اخر قال وزير الخارجية الصيني لنظيره الإيراني إن الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الخليج هو الأفضل للجميع وذلك بعد أن قطعت عدة دول عربية علاقاتها مع قطر واتهمتها بدعم إسلاميين متشددين وإيران.. ونفت الدوحة كل الاتهامات التي وجهت لها. و قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف إن هدوء واستقرار الخليج يتفق مع المصالح المشتركة للمنطقة والمجتمع الدولي. بحسب رويترز.
ونقلت وزارة الخارجية الصينية عن وانغ قوله "تؤكد الصين أن على الدول المعنية حل الخلافات فيما بينها بالصورة الملائمة". ولم يذكر اليبان المقتضب تفاصيل أخرى عن محادثاتهما بشأن ما وصفته وزارة الخارجية الصينية "بالوضع الراهن في منطقة الخليج". الى جانب ذلك حث متحدث باسم الحكومة الألمانية إيران على تجنب أي تحركات من شأنها تصعيد التوتر في الخليج وأكد معارضة برلين لأي دولة تمول الجماعات المتشددة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية مارتن شيفر إن دول الخليج تعتقد أن إيران تلعب دورا في النزاع من خلف الكواليس لكن يجب على طهران ألا تفعل أي شيء يزيد التوتر.
وقال شيفر في مؤتمر صحفي "على أي حال من المهم عدم القيام بشيء على الجانب الآخر من الخليج... لصب الزيت على النار". وأضاف أن ألمانيا ستفعل ما في وسعها لتشجيع استئناف الحوار لحل الأزمة لكن ليس لديها نية في أن تصبح وسيطا رئيسا رغم اجتماعات عقدها وزير الخارجية زيجمار جابرييل في الأيام الأخيرة مع نظيريه السعودي والقطري. وتابع "يجب أن نتفق جميعا في الأفعال والأقوال على أن دعم وتمويل الإرهاب لا يمكن أن يكون أداة في سياسة أي حكومة".
اضف تعليق