الأزمة الليبية التي تفاقمت بشكل خطير في السنوات الاخيرة وتحولت الى صراع داخلي كبير، يبدو انها ستستمر لفترة طويلة فهي وكما يرى بعض المراقين غير مقتصرة على خلافات الأطراف في الداخل، بل إن مواقف دول كثيرة سعت الى دعم طرف على حساب آخر تشكل جزءا من هذه الأزمة المستمرة، خصوصا مع اختلاف الموافق والآراء والمصالح. ويتلخص الصراع الليبي الداخلي وكما نقلت بعض المصادر، بين بعض المنظمات المتناحرة التي تسعى للسيطرة على ليبيا إذ بدأت جذور الأزمة عقب ثورة عام 2011، فكانت أبرز سماتها وجود عدة جماعات مسلحة خارج سيطرة الحكومة.
وكان غالبية الصراع بين مجموعة أطراف كان الطرف الأول فيها الحكومة المعترف بها دولياً والمنبثقة عن مجلس النواب الذي انتخب ديمقراطياً في عام 2014 الذي يتخذ من مدينة طبرق مقراً مؤقتاً له، والمعروفة رسمياً باسم (الحكومة الليبية المؤقتة)، أما الطرف الثاني فكانت حكومة إسلامية أسسها المؤتمر الوطني العام ومقرها في مدينة طرابلس، والطرف الثالث حكومة مجلس النواب المعترف بها دولياً التي لديها ولاء الجيش الليبي تحت قيادة الفريق (خليفة حفتر) الذي يحظى بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا، أما الطرف الرابع فهي الحكومة الإسلامية التابعة للمؤتمر الوطني العام، وتسمى أيضا بـ(حكومة الإنقاذ) التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين ومدعومة من قبل تحالف جهات إسلامية تعرف باسم (فجر ليبيا) وتحظى بمساعدة من قطر، والسودان، وتركيا.
وفضلاً عن تلك الجهات الرئيسة في الصراع إلّا أن هناك أيضاً جماعات متنافسة أخرى أصغر تمثل (مجلس شورى ثوار بنغازي الإسلامي) الذي تقوده جماعة (أنصار الشريعة) الذي حصل على دعم مادي وعسكري من المؤتمر الوطني العام وتنظيم (داعش) في بعض المناطق الليبية، وكذلك ميليشيات (الطوارق) في غات التي تسيطر على المناطق الصحراوية في جنوب غرب البلاد، والقوات المحلية في منطقة مصراتة التي تسيطر على بلدتي بني وليد وتاورغاء، وهؤلاء المتحاربون هم ائتلافات من الجماعات المسلحة التي تغيّر الجانب الذي تحارب معه في بعض الأحيان.
دعم اماراتي
وفي هذا الشأن اتهم تقرير للأمم المتحدة دولة الإمارات بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وبتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات المشير خليفة حفتر.. وجاء في التقرير الذي أعده خبراء في الأمم المتحدة وأرسل إلى مجلس الأمن الدولي أن "الإمارات العربية المتحدة قدمت على حد سواء الدعم المادي والدعم المباشر للجيش الوطني الليبي، ما زاد بشكل ملحوظ الدعم الجوي المتاح" لهذا الجيش.
وأضاف التقرير أن "العتاد الذي يدخل ليبيا باتت طبيعته متزايدة التعقيد"، مشيرا إلى أن "الدعم الخارجي للجماعات المسلحة في مجال الدعم المباشر والتدريب والمساعدة التقنية قد ازداد أيضا". وقال خبراء الأمم المتحدة إنهم تمكنوا من تتبع تسليم شحنات مروحيات قتالية مصنوعة في بيلاروسيا إلى الإمارات العربية المتحدة وقدموا صورا تظهر وجود هذه المروحيات في قاعدة الخادم الجوية في شرق ليبيا معقل حفتر.
وسعى الخبراء إلى تأكيد معلومات عن أن المروحيات القتالية من طراز "مي-24 ب" تم تسليمها إلى "الجيش الوطني الليبي" في نيسان/أبريل 2015. وقد أكدت بيلاروسيا من جهتها أنها باعت أربع مروحيات إلى الإمارات في 2014. وأكد الخبراء أيضا أن الإمارات زودت "الجيش الوطني الليبي" بطائرة واحدة على الأقل من طراز "إيه تي-802 آي"،. بحسب فرانس برس.
وقالت اللجنة إنها تأكدت من تسليم 93 حاملة جند مدرعة و549 عربة مدرعة وغير مدرعة للجيش الوطني الليبي في مدينة طبرق في شرق البلاد في أبريل نيسان 2016. وأضاف التقرير أن هناك من بين الشحنات حاملات جنود من الطراز بانثر تي6 وتيجرا وهما طرازان تصنعهما شركات مقرها الإمارات وتم نقلها عبر سفينة من السعودية. وأضاف التقرير أن اللجنة تلقت معلومات عن مزيد من الشحنات الكبيرة من شاحنات تويوتا الخفيفة ومركبات مدرعة رباعية الدفع إلى طبرق في يناير كانون الثاني وأبريل نيسان 2017 على متن سفينة مرت بميناء بورسعيد المصري.
واستنادا إلى التقرير فإن الإمارات العربية المتحدة لم ترد على الطلب الذي تقدم به خبراء الأمم المتحدة لإيضاح الموضوع. ويرفض "الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا والتي تتخذ من طرابلس مقرا. وتسيطر قوات حفتر على كل المدن والقواعد العسكرية الرئيسية في الصحراء جنوب ليبيا.
فرنسا ومصر
الى جانب ذلك قال وزير الخارجية الفرنسي إن بلاده عززت العلاقات الأمنية مع مصر التي وصفها "بالعنصر المركزي" لضمان الاستقرار الإقليمي وذلك في الوقت الذي تسعى فيه الدولتان إلى التغلب على الأزمة السياسية في ليبيا. وطورت باريس والقاهرة علاقات اقتصادية وعسكرية قوية في السنوات الأخيرة. وتحسنت العلاقات مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في ظل قلق الجانبين من الفراغ السياسي الحالي في ليبيا وصعود الجماعات المتشددة في مصر.
وقال جان إيف لو دريان إن البلدين الحليفين لديهما "رؤية مشتركة" بشأن كيفية التصدي للإسلاميين المتشددين. وكان يتحدث عقب اجتماعات في القاهرة منها اجتماع مع السيسي الذي طور معه علاقات أثناء عمله السابق وزيرا للدفاع. وأضاف لو دريان خلال اجتماع مع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية "عقدنا اجتماعات بشأن مكافحة الإرهاب وجلب الاستقرار إلى ليبيا".
وتابع لو دريان "مصر عنصر مركزي للاستقرار الإقليمي وعندما تهتز تهتز المنطقة بأكملها". وهذه هي ثاني زيارة لوزير فرنسي إلى مصر في اسبوع. فقد عقدت وزيرة الدفاع سيلفي جولار محادثات مع نظيرها المصري بشأن كيفية تعزيز التعاون الأمني بما في ذلك أفضل السبل لتعزيز مراقبة الحدود المصرية. وقال دبلوماسيون إن باريس تراجع موقفها بشأن الصراع الليبي في ظل اتخاذ الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون قرارا بدفع القضية إلى صدارة جدول أعماله في مجال السياسة الخارجية.
وقال دبلوماسي فرنسي "ليبيا تمثل أولوية بالنسبة لفرنسا". وليبيا منقسمة بين حكومة تساندها الأمم المتحدة في طرابلس وتلقى دعما من فصائل مسلحة في الغرب تشمل جماعات إسلامية تساندها قطر وتركيا والقائد العسكري في شرق البلاد خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات العربية المتحدة. ويقول دبلوماسيون غربيون وعرب إن الإمارات العربية المتحدة ترى قيادة مصر حائط صد ضد المتشددين وتقدم للقاهرة دعما ماليا وعسكريا.
وقال لو دريان للصحفيين "لا يمكن أن نسمح لحالة عدم الاستقرار التي تفيد الإرهابيين والمهربين أن تستمر على حدود مصر وأبواب أوروبا". وقدمت بعض الدول الغربية، وبينها فرنسا، أيضا دعما عسكريا لحفتر لمساعدته في قتال الإسلاميين في شرق ليبيا لكن دبلوماسيين يقولون إنه سيتعين عليه في نهاية المطاف الجلوس والتفاوض مع الحكومة التي تساندها الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج والفصائل المسلحة في الغرب. بحسب رويترز.
وقال مسؤولون فرنسيون إن هناك الآن تقاربا متزيدا في المواقف مع مصر والإمارات العربية المتحدة للضغط على كل الأطراف للعودة إلى مائدة التفاوض الأمر الذي قد يشهد جولة من الدبلوماسية المكوكية في الأسابيع المقبلة لتشكيل توافق في الرأي بين الأطراف الخارجية لجمع حفتر والسراج معا. وقال مسؤولون إن الخلاف الدبلوماسي بين قطر والدول العربية الكبرى، ومنها السعودية ومصر، قد يوفر فرصة للضغط على الفصائل المسلحة في غرب ليبيا.
سلطة جديدة
من جهة اخرى نشرت صحيفة "إيزفيستيا" مقالا كتبه أندريه أونتيكوف عن زيارة المبعوث الخاص للمشير خليفة حفتر إلى موسكو، يشير فيه إلى أنه ناقش خلالها مسألة تشكيل مجلس رئاسي في ليبيا. قال فيه من جديد يزور موسكو عبد الباسط البدري المبعوث الخاص لقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. وقد ناقش في زيارته هذه المرة، بحسب ما أفادت به مصادر ليبية وفي الدوائر الدبلوماسية الروسية للصحيفة، مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مسألة تشكيل مجلس دولة رئاسي لوضع نهاية للأزمة السياسية في البلاد.
أي أن الهدف من الزيارة كان التعرف على موقف موسكو من هذه المسألة، حيث أشار أحد المصادر إلى أن عملية تشكيل المجلس ستبدأ قريبا. وفي ظروف ازدواجية السلطة في ليبيا يحاول كل طرف الحصول على دعم موسكو، التي تلعب في السنوات الأخيرة دورا نشيطا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي طرابلس توجد حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز سراج، التي يعارضها البرلمان في طبرق برئاسة عقيلة صالح عيسى، الذي يدعمه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. والمجتمع الدولي يعترف بالسلطتين، لكن سلطة طرابلس لا تمتلك شرعية كاملة؛ لأن البرلمان يرفض الاعتراف بها، استنادا إلى اتفاق الصخيرات عام 2015 في المغرب.
وقد شهد المسار الليبي، تطورا مهما، حيث التقى رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر في أبوظبي. وتمخض اللقاء عن الاتفاق على تشكيل بنية جديدة باسم "مجلس رئاسة الدولة"، الذي سيضم كلاً من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر. وسيأخذ المجلس على عاتقه إدارة الدولة الليبية.
روسيا، من جانبها، تحتفظ بعلاقات مع جميع الأطراف الليبية. لكن اتصالاتها مع طبرق أكثر كثافة، وهذا يشير إلى أنها تدعم سلطة طبرق، حيث ينعكس هذا الموقف الروسي، بحسب مصدر دبلوماسي روسي، إيجابا في تسوية الأزمة الليبية. فقد كانت سلطة طرابلس تنوي سابقا منح حفتر دورا محدودا في الحياة السياسية الليبية، لكنها الآن أدركت أن عليها معاملته على قدم المساواة. وفي هذا الصدد، يشير المستشرق فياتشيسلاف ماتوزوف إلى أن المشير يستطيع فرض شروطه لتسوية الأزمة في البلاد.
ويضيف الخبير أن "زيارة عبدالباسط البدري جاءت على خلفية نجاح الجيش الوطني الليبي في فرض سيطرته على جنوب البلاد، وطرد "الإخوان المسلمين" من مصراتة. أي أن منطقة نفوذ حكومة السراج بقيت في إطار الحدود التي رسمها في حينه وزير الخارجية سيرغي لافروف، وهي القاعدة العسكرية في ضواحي طرابلس". ويؤكد ماتوزوف أن روسيا تشدد على ضرورة المصالحة بين جميع القوى السياسية الليبية ذات الاتجاهات الوطنية. وطرد "داعش" و"الإخوان المسلمين"، وهذا يتطابق مع موقف حفتر. ويتوقع الخبير، استنادا إلى الأحداث الأخيرة في ليبيا، حصول تغيرات جذرية في التسوية السياسية.
المنظمات الإرهابية
من جانب اخر قال مصدر دبلوماسي جزائري، إن اتفاقا تم بين الجزائر ومصر وتونس، على إعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية الموجودة في ليبيا تسمح باستهدافها عسكريا. ونقلت وكالة "الأناضول" عن المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن "وزراء خارجية الدول الثلاث المجتمعين مؤخرا في العاصمة الجزائرية اتفقوا على تحديد قائمة بالمنظمات الإرهابية الموجودة في ليبيا، وتحديد المواقع التي تنشط فيها".
ووفقا للوكالة، ذكر المصدر أن "الإجراء جاء بعد أن شددت السلطات المصرية على حقها في مكافحة الإرهاب وبشكل لا يتعارض مع أي حل سياسي للأزمة الليبية"، في إشارة إلى الضربات التي وجهتها القاهرة قبل أيام لمجموعات شرق ليبيا. وأوضح أن "الاتفاق جاء تمهيدا لإبعاد تلك المنظمات وقياداتها (لم تذكرها بالاسم) عن أي حل مستقبلي للأزمة الليبية من جهة، ومن أجل الفصل بشكل واضح بين مكافحة الإرهاب وشبهة محاولة فرض أمر واقع جديد في ليبيا بالقوة، وتجاوز الاتفاقات السياسية السابقة".
وأشار المصدر إلى أن "الدول الثلاث اتفقت على خلق آلية تقنية أو أمنية من أجل تحديد قائمة بأسماء هذه المنظمات، على أن تكون هذه مجبرة على الاختيار بين إلقاء السلاح أو التعرض لضربات من الدول المتضررة من الإرهاب". من جانبه، قال الصحفي الليبي محمد عبدلي، إن "اتفاقا من هذا النوع، أي فصل الإرهابيين عن السياسيين، يبعد احتمال فرض أمر واقع جديد في ليبيا بقوة السلاح، لأن أي طرف في البلاد يمكنه الآن أن يتذرع بمكافحة الإرهاب من أجل السيطرة على مزيد من الأرض".
وأضاف "لكن عملية تحديد المنظمات الإرهابية قد تكون مهمة صعبة للغاية، بسبب التضارب الكبير في آراء الدول الثلاث، فبينما تعتبر كل من الجزائر وتونس جماعة الإخوان المسلمين بفروعها تنظيم سياسي يمكن احتواؤه ترى السلطات المصرية أنها جماعة إرهابية". وأوضح عبدلي، أن "أي متابع للوضع في ليبيا يمكنه أن يجيب بسهولة عن سؤال يتعلق بعدد المنظمات الإرهابية، فيقول القاعدة وداعش.. لكن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك حيث تنتشر عشرات المليشيات والكتائب المسلحة في ليبيا وعدد قليل منها مرتبط بداعش والبعض بالقاعدة وهو ما يتطلب عملية فرز شاقة وطويلة".
اضف تعليق