ماتزال نتائج الانتخابات المبكرة في بريطانيا التي خسر فيها حزب المحافظين وزعيمته تيريزا ماي أغلبيته في مجلس العموم، حيث نال 318 مقعدا من مجموع 650 بالمجلس، وفقد بالتالي 12 مقعدا، ليفشل في الحصول على الـ 326 مقعدا اللازمة للأغلبية، محط اهتمام اعلامي كبير، خصوصا وان هذه الانتخابات ستكون لها تأثيرات سياسية مهمة في بريطانيا، التي تنتظرها مفاوضات صعبة للخروج من الاتحاد الأوروبي. وبناء على هذه النتائج غير المنتظرة، ستواجه رئيسة الوزراء تيريزا ماي وكما نقلت بعض المصادر، تحديات ومشكلات وازمات كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي، خصوصا وان بريطانيا اصبحت اليوم أكثر انقساما وهشاشة.
فقد أدت هذه النتائج إلى ما يسمى في بريطانيا البرلمان المعلق، حيث لم يحصل أي حزب على أغلبية النصف زائد واحد التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وحقق حزب العمال بزعامة جريمي كوربين تقدما لافتا بحصوله على 262 مقعدا رافعا حضوره البرلماني بـ 30 مقعدا. وسيضطر المحافظون إما لتشكيل حكومة أقلية هشة بمفردهم، أو تشكيل تحالف مع حزب أو عدد من الأحزاب، وفي الحالتين فإن المفاوضات ستستمر أسابيع عدة، وهو ما يشكل ضربة موجعة لموعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولمخططات تيريزا ماي في هذا السياق، وهي التي كانت تبحث عن "تفويض شعبي" في مفاوضات "البريكست" من خلال دعوتها للانتخابات المبكرة.
كما ان هذه النتائج وكما يرى بعض المراقبين ستفرض تحدي جديد على تيريزا ماي، التي سيكون عليها التعامل مع الانقسامات داخل حزبها، خصوصا وان هناك من يرى أنها يجب أن تستقيل لأنها تتحمل مسئولية خسارة حزبها لأغلبية لم يتمتع بها منذ ثمانية عشر عاما وبين من يرى أنها يجب أن تبقى. والأهم من كل ذلك أن معارضيها من باقي الأحزاب سيحاولون وضع العراقيل في طريقها عندما تحاول تمرير قوانين في البرلمان بحجة أن ليس لها تفويض، وقد يدعون إلى اجراء انتخابات أخرى. وسط كل هذه التحديات، سيكون على تيريزا ماي أن تبدأ يوم ١٩ من يونيو المفاوضات الرسمية مع الاتحاد الأوربي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.
وذكرت صحيفة صنداي تايمز أن خمسة وزراء بالحكومة طلبوا من وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أن يبدأ مساع ليحل محل رئيسة الوزراء تيريزا ماي بعد أن فشلت في الحصول على أغلبية برلمانية في الانتخابات التي جرت. وقالت الصحيفة إن الوزراء اتصلوا بجونسون بعد وقت قصير من وضوح نتائج الانتخابات التي كانت بمثابة صدمة. ونقلت الصحيفة عن حليف قوله "تعهدت مجموعة من كبار الشخصيات بالولاء لبوريس (جونسون) على مستوى مجلس الوزراء".
وإذا لم يفلح أي حزب في الحصول على 326 مقعدا، فيكون أمامه أحد خيارات ثلاثة: تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب أو أكثر من حزب، أو الدعوة إلى انتخابات جديدة، أو تشكيل حكومة أقلية. في حكومة الأقلية، يدير الحزب الذي حصل على غالبية المقاعد الحكومة. ويكون هناك اتفاق بينه وبين أحد الأحزاب الصغيرة لتشكيل الحكومة، وهو ما انعكس في تصريحات رئيسة الوزراء تيريزا ماي بعد لقائها الملكة عندما قالت إنها ستشكل حكومة جديدة "بدعم من أصدقائنا" في الحزب الوحدوي الديمقراطي الذي فاز ب 10 مقاعد. وتشكلت آخر حكومة أقلية في المملكة المتحدة في 1996-1997 عندما اضطر حزب المحافظين إلى الحصول على دعم من حزب آخر بعد انشقاق أكثر من نائب وسلسلة من الهزائم في انتخابات فرعية.
بعد نكسة الانتخابات
وفي هذا الشأن أعلن المستشاران الخاصان لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي استقالتهما بعد خسارة حزبها المحافظ الغالبية المطلقة في البرلمان اثر انتخابات قوضت سلطتها. وأفادت تقارير أن كبار أعضاء الحزب المحافظ الحاكم اشترطوا رحيل مديري مكتبها نيك تيموثي وفيونا هيل للسماح ببقاء ماي في الحكم بعدما أفقدتها انتخابات الخميس الأغلبية في البرلمان. ولكن استقالتهما ستشكل ضربة جديدة لرئيسة الوزراء التي اعتمدت على نصائحهما ودعمهما منذ كانت وزيرة للداخلية.
وقال تيموثي إنه قدم استقالته بعدما تأكدت نتيجة الانتخابات، محملا نفسه مسؤولية البرنامج الانتخابي الذي وضعه المحافظون خلال الحملة التي سبقت الانتخابات، بما في ذلك خطة أثارت جدلا واسعا تتعلق بالرعاية الاجتماعية لكبار السن. ولكنه كتب على مدونة "كونسرفاتيف هوم" المحافظة أن "سبب النتيجة المخيبة لم يكن غياب الدعم لتيريزا ماي والمحافظين بل الزيادة غير المتوقعة في حجم التأييد لحزب العمال". وأكد متحدث باسم الحزب أن هيل استقالت كذلك.
واتهم كل من تيموثي وهيل سابقا بـ"تسميم" الأجواء في داونينغ ستريت. وكانت مديرة اتصالات ماي السابقة، كاتي بيريور، تحدثت عن أجواء "رهيبة" سادت خلال الاجتماعات التي حضرها المستشاران، وقالت إنهما لم يبديا أي احترام لسائر الموظفين أو حتى الوزراء.
وقالت بيريور التي استقالت قبل الانتخابات لإذاعة "بي بي سي" "شعرت أن ما تحتاجه رئيسة الوزراء في وقت صعب مثل فترة التفاوض بشأن بريكست هو دبلوماسيون، لا مقاتلي شوارع". وكانت صحيفة "دايلي تلغراف" المؤيدة للمحافظين حذرت من أنه "على السيدة ماي القبول بالنتيجة على أنها اتهام ناتج عن الطريقة التي تدير بها الأمور" داعية اياها للسعي إلى الحصول على نصائح الوزراء والنواب "وتخفيف اعتمادها شبه الكلي على مجموعة صغيرة جدا من المستشارين".
وألقي اللوم بشكل واسع على تيموثي لطرحه خطة الرعاية الاجتماعية التي اضطرت ماي إلى التراجع عنها في منتصف الحملة الانتخابية اثر مؤشرات الى أنها تتسبب في نفور المؤيدين الأساسيين للحزب. وأما هيل، فخلقت عداوات لنفسها بأسلوبها العدائي بحيث واجهت جميع من لم يبدوا الولاء لماي، بمن فيهم موظفون في مكتب رئاسة الوزراء ووزراء وصحافيون. بحسب فرانس برس.
وكان مذيع شبكة "سكاي نيوز" قرأ علنا رسالة نصية أرسلتها هيل إليه على الهواء مباشرة بعد تطرقه لصحة رئيسة الوزراء التي تعاني من مرض السكري. ودعت هيل المذيع في رسالتها إلى "مراقبة ما يقوله بشأن صحة مديرتي. لا أساس من الصحة (لما يقوله وهو) غير صادق. سنتقدم بشكوى رسمية". وفي كانون الأول/ديسمبر، طلبت هيل من النائبة عن حزب المحافظين نيكي مورغان الابتعاد عن داونينغ ستريت بعد انتقاد الأخيرة رئيسة الوزراء بسبب سروالها الباهظ الثمن.
فوضى الانتخابات
في السياق ذاته انتقدت الصحف البريطانية رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشكل كبير بعد خسارة حزبها المحافظ الغالبية المطلقة في البرلمان. ورغم تعهدها الاستمرار في خططها المتعلقة بالمحادثات من أجل خروج بلادها من الاتحاد الاوروبي، قالت الصحف إن موقفها بات ضعيفا. واكتفت صحيفة "ذي صن" الأكثر مبيعا في بريطانيا، بكلمة "مايهيم" أو "فوضى" على صفحتها الأولى. وأعلنت صحيفة التابلويد المؤيدة للمحافظين أن رئيسة الوزراء "غامرت (...) وخسرت". وأضافت أن "بريطانيا على وشك معرفة كلفة هذا الفشل" الذي ستستفيد منه بروكسل. وأوضحت "لا يمكن التصديق أنه بعد سبعة أسابيع، تم القضاء على الغالبية (التي امتلكها) المحافظون".
أما صحيفة "دايلي ميل" المؤيدة لماي، فعنونت أن "بريطانيا على حد السكين" مشيرة إلى أن مغامرتها عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بهدف تعزيز موقفها أتت بنتائج "عكسية بشكل كارثي". أما "ذي لندن ايفنينغ ستاندارد" ورئيس تحريرها هو جورج اوزبورن، الذي كان وزيرا للمالية قبل أن تقيله ماي عند تسلمها منصبها عام 2016، فكتبت على صفحتها الأولى "ملكة الإنكار" عن رئيسة الوزراء التي عادت إلى داونينغ ستريت لتشكيل حكومة بدون التطرق إلى خسارتها. وأشارت الصحيفة إلى أن "رئيسة الوزراء تتجاهل الكارثة في الانتخابات فيما تتعهد توفير الثقة معتبرة أن "لا وجود لسلطتها". وذكرت الصحيفة أن "لدينا الآن حكومة أقلية محافظة في الحكم ولكن ليس في السلطة".
وأما "ذي دايلي تيليغراف" المحافظة فتحدثت عن "صدمة بالنسبة لماي". ومن جهتها، اعتبرت "ذي تايمز" أن "مغامرة ماي الكبيرة تفشل". وكتبت في افتتاحيتها أن "حملة فاشلة أذلت تيريزا ماي وجعلت حزبها مترنحا" مضيفة أنه "من الصعب رؤية سلطتها لا تواجه تحدي زملائها في الحكومة لوقت طويل". وأما صحيفة الأعمال اليومية، "ذي فاينانشال تايمز"، فكتبت أن ماي "تسعى إلى التشبث بالسلطة من خلال حزب في ايرلندا الشمالية" في إشارة إلى الحزب الديموقراطي الوحدوي الذي ستعتمد رئيسة الوزراء على دعمه. بحسب فرانس برس.
ومن جهتها، كتبت صحيفة "دايلي ميرور" المؤيدة لحزب العمال أن سلطة ماي "معلقة بخيط" بعد "كارثة سياسية هي الاكثر إثارة منذ أجيال". وكان للحزب المحافظ بزعامة ماي غالبية ضئيلة بفارق 17 مقعدا في مجلس العموم الذي يبلغ مجموع مقاعده 650. وكانت استطلاعات الرأي أشارت قبل الحملة الانتخابية إلى أنه قد يتمكن من احراز غالبية تتجاوز المئة.
الشباب الناقم
الى جانب ذلك لعب ارتفاع نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات البريطانية، مدفوعا بالتصويت المفاجئ لصالح خروج لندن من الاتحاد الاوروبي العام الماضي، دورا رئيسيا في سحب الأغلبية البرلمانية من رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بحسب ما أكد مراقبون. ودفعت الحملة الانتخابية النشطة التي قام بها زعيم حزب العمال ذو الخطابات النارية جيريمي كوربن والغضب السائد في أوساط العديد من الناخبين بشأن الخطط الضبابية للانسحاب من الاتحاد الاوروبي، الشباب البريطانيين إلى التدفق نحو مراكز الاقتراع.
واستغل كوربن، اليساري البالغ من العمر 68 عاما، مشاعر العداء للمؤسسة التقليدية لقيادة حزب العمال نحو كسب 29 مقعدا في مجلس العموم مخالفا جميع التوقعات. وعقب حملة تميزت بالمسيرات والاحتفالات الموسيقية، قال كوربن إن نجاحه كان مبنيا على الرغبة في التغيير. ووسط هتافات أنصاره، أكد كوربن أن "السياسة لن تعود إلى الصندوق الذي كانت فيه سابقا". وأضاف أن "ما حصل هو أن الناس أعلنوا أنهم لن يتحملوا المزيد من السياسات التقشفية (...) وعدم منح شبابنا الفرصة التي يستحقونها في مجتمعنا".
وأفاد استطلاع لمجلة "ان ام اي"، التي نشرت مؤخرا صورا لكوربن على غلافها، أن 56 بالمئة من الناخبين البالغين أقل من 35 عاما أدلوا بأصواتهم. وأظهر هؤلاء تأييدا عارما لحزب العمال بلغت نسبته 60 بالمئة، بحسب احصاء شمل 1354 ناخبا شارك 36 بالمئة منهم لأول مرة. واعتبر نصفهم أن بريكست شكل "عاملا رئيسيا" أثر في قرارهم المشاركة في الانتخابات.
ورغم عدم صدور تفصيل رسمي لاتجاهات التصويت بعد، إلا أن الأرقام الرسمية أظهرت زيادة في تسجيل الشباب للمشاركة في الانتخابات وزيادة نسب المشاركة في المقاطعات حيث توجد أعداد كبيرة من الناخبين الشباب. وفي المقابل، شارك 45 بالمئة فقط من الناخبين البريطانيين الذين راوحت أعمارهم بين 18 و34 عاما في انتخابات عام 2015، مقارنة بنسبة 84 بالمئة في أوساط من هم فوق الـ55 عاما، وهو ما اعتبرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكبر فجوة في العالم الغربي.
ويقول خبير العلوم السياسية جون كورتيس من جامعة ستراثكلايد إن "توجه الداعمين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي والناخبين الشباب نحو حزب العمال يفسر سبب خسارة المحافظين للأغلبية". ويشير معلقون إلى أن كوربن نجح في تقديم نفسه على أنه بديل حقيقي للسياسة بشكلها التقليدي. ويرجعون سبب ذلك إلى مثاليته والكاريزما القريبة من الناس التي يتمتع بها إضافة إلى تواجده بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي، والدعم الذي حظي به من المشاهير مثل المغنية ليلي آلين والممثل الكوميدي ريكي جيرفيه وغيرهم الذين روجوا لما أصبح يعرف بـ"كوربن-مانيا" أو "ظاهرة كوربن" بين الشباب.
وكثرت المقارنات بينه وبين قدرة السناتور الأميركي اليساري بيرني ساندرز على كسب دعم الشباب أثناء محاولة الأخير الفاشلة للوصول إلى البيت الأبيض العام الماضي. وكتبت ريانون لوسي كوسليت في صحيفة "ذي غارديان" أن "جيريمي كوربن يروق لجيل من الشباب يشعر بأنه لم يعرف قط في السابق سياسيا صادقا وجديرا بالاحترام". وكتبت صحيفة "دايلي ميرور" التابلويد والمؤيدة لحزب العمال أن "نتيجة الليلة الماضية تظهر أن الشباب ثأروا بعض الشيء" من تفويض ماي لخوض "بريكست قاس".
ومن ناحيتها، تحدثت "ذي ايكونومست" عن انقسام في الأجيال في بريطانيا بين الناخبين الشباب غير المتأكدين من مواقفهم مقابل أولئك الذين ولدوا خلال فترة طفرة المواليد التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والمتهمين من قبل الشباب بالأنانية وعدم اتخاذ مواقف سياسية صادقة. واهتم كوربن خلال حملته بقضايا معينة تعني الشباب، بينها التعهد بخفض أقساط الدراسة الجامعية وسن التصويت، وتحسين حقوق التوظيف للمتدربين. بحسب فرانس برس.
واكد العديد من الناخبين الشباب انهم فوجئوا بمدى قدرتهم على تغيير نتيجة الانتخابات بعدما توقعت معظم استطلاعات الرأي فوزا حاسما لصالح ماي. وقالت جيما بيل (23 عاما) في وايكفيلد بشمال انكلترا "اعتقدت أنها ستفوز. سمعت بالعديد من الأشخاص الذين سيصوتون لها وفكرت في أن العمال لن يحصلوا على شيء الآن، ولكنني سعيدة لأن لدى العمال فرصة الآن". وأضافت "أعرف العديد من الأشخاص الذين لم يصوتوا العام الماضي وأعتقد أنهم أيقنوا أننا سنتضرر اذا لم يشاركوا،" في إشارة إلى استفتاء حزيران/يونو الماضي بشأن بريكست. أما غاس ماكاي، وهو ناخب يبلغ من العمر 38 عاما صوت لصالح المحافظين، فقال إنه "محبط" من فشل ماي في التواصل مع الناخبين الشباب. وأضاف "لم تبذل جهدا كافيا. الشباب يرغبون ان يتواصل السياسيون معهم في شكل اكبر. يبدو أن كوربن قام بعمل أفضل" على هذا الصعيد.
اضف تعليق