الاتفاق الذي طرحته روسيا خلال محادثات عقدت في آستانة عاصمة قازاخستان ودخل حيز التنفيذ بعد ان وقعت عليه تركيا وإيران لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، قد لا يسهم وبحسب بعض المراقبين في انهاء هذا الصراع المستمر ولأسباب كثيرة، منها عدم إشراك بعض الدول والجهات الداعمة لجماعات مسلحة اخرى في هذا الاتفاق المهم، يضاف الى ذلك تضارب المصالح واختلاف وجهات النظر بين اطراف الصراع، وهو ما سيدفع جهات اخرى لعرقلة وإجهاض اي خطط جديدة لانهاء الحرب في سوريا.
ونشرت وزارة الخارجية الروسية وكما نقلت بعض المصادر، نصا تفصيليا لاتفاق إقامة مناطق آمنة في سوريا جاء فيه أن روسيا وتركيا وإيران اتفقت في مذكرة موقعة في الرابع من مايو أيار على إقامة أربع مناطق منفصلة "لتخفيف التوتر" لمدة ستة أشهر على الأقل. وتشمل أكبر منطقة لخفض التوتر محافظة إدلب وأحياء مجاورة في محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتقع المناطق الثلاث الأخرى في شمال محافظة حمص والغوطة الشرقية شرقي العاصمة دمشق وفي جنوب سوريا على الحدود مع الأردن.
وأضافت المذكرة أن الدول الضامنة ستتفق على خرائط مناطق تخفيف التوتر بحلول الرابع من يونيو حزيران وأن الاتفاق يمكن تمديده تلقائيا إذا وافقت الدول الضامنة الثلاث. ويطالب الاتفاق قوات الحكومة السورية ومقاتلي المعارضة بوقف كل الاشتباكات داخل تلك المناطق وإتاحة المناخ المناسب لوصول المساعدات الإنسانية والطبية وعودة النازحين لمنازلهم وإصلاح البنية التحتية.
وتلتزم الدول الضامنة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواصلة قتال تنظيم داعش وجبهة النصرة وجماعات أخرى داخل مناطق تخفيف التوتر وخارجها. ورفضت جماعات المعارضة المسلحة والسياسية في سوريا الاقتراح وقالت إن روسيا لم تكن عازمة ولا قادرة على إلزام الرئيس بشار الأسد وحلفائه المدعومين من إيران باحترام اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار. واقترحت روسيا أقوى حليف للرئيس السوري بشار الأسد هذه المبادرة بدعم من تركيا التي تدعم المعارضة. وأيدتها كذلك إيران وهي حليف رئيسي آخر للرئيس السوري بشار لأسد.
بحث التفاصيل
وفي هذا الشأن أعلنت الأمم المتحدة أنها تجري محادثات مع ايران وروسيا وتركيا بشأن الجهة التي يفترض أن تسيطر على مناطق "تخفيف التصعيد" في سوريا، وهي نقطة محورية بعد رفض دمشق انتشار أي مراقبين دوليين. وقال المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا ومستشار الشؤون الانسانية يان ايغلاند ان من المبكر استبعاد أي سيناريو. ووقعت موسكو وطهران، حليفتا دمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة اتفاقاً في العاصمة الكازاخستانية ينص على إنشاء أربع "مناطق لتخفيف التصعيد" في ثماني محافظات سورية، على ان يصار فيها الى وقف القتال والقصف. ودخل الاتفاق حيز التنفيذ ، ومن شأن تطبيقه أن يمهد لهدنة دائمة في مناطق عدة.
وقال ايغلاند لصحافيين "التقيت الموقعين الثلاثة على مذكرة استانا (...) وقالوا ان علينا الآن الجلوس للتحادث، وسيقررون من سيضبط الأمن والمراقبة مع اخذ آرائنا في الاعتبار". وأضاف ان أحد الخيارات للمراقبة يقضي بتشكيل قوة من الدول الثلاث وكذلك من "اطراف ثالثة". واورد دي ميستورا في المؤتمر الصحافي نفسه ان الأمم المتحدة "لديها خبرة واسعة" في أعمال مراقبة من هذا القبيل لكنه رفض الخوض في تفاصيل تطبيق الاتفاق. بحسب فرانس برس.
واكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفض بلاده اي دور للامم المتحدة في مراقبة المناطق المحددة. وينص الاتفاق على أن توافق روسيا وإيران وتركيا بحلول الرابع من حزيران/يونيو على الحدود الدقيقة للمناطق الأربع التي سيتوقف فيها القتال بين الفصائل المسلحة والقوات الحكومية. واضاف ايغلاند "لدينا ملايين الأسئلة والمخاوف لكن لا يسعنا" القول ان العملية ستفشل، بل ان "نجاحها حاجة الينا". ولم توقع الحكومة السورية ولا الفصائل المعارضة الاتفاق. وطلبت اليابان والسويد ان يعقد مجلس الامن الدولي جلسة للاطلاع على تفاصيل محددة في الاتفاق الروسي التركي الايراني حول اقامة مناطق "لتخفيف التصعيد" في سوريا.
الى جانب ذلك قال مسؤول إغاثة بالأمم المتحدة إن الأمم المتحدة لا يزال لديها "مليون سؤال" بشأن اتفاق أبرمته روسيا وتركيا وإيران بخصوص سوريا مع تعطل قوافل المساعدات تقريبا رغم ورود تقارير عن تراجع القتال. وقال يان إيجلاند مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا للصحفيين "الآن روسيا وتركيا وإيران أبلغتنا... أنها ستعمل بشكل منفتح ونشط للغاية مع الأمم المتحدة والشركاء في مجال المساعدات الإنسانية لتطبيق هذا الاتفاق".
وأضاف قائلا "لدينا مليون سؤال ومخاوف لكن أعتقد أننا لا نملك الرفاهية التي يملكها البعض في التعامل بهذه اللامبالاة والقول إنه (الاتفاق) سيفشل. نحتاج أن يكلل (الاتفاق) بالنجاح". وقعت الدول الثلاث في آستانة عاصمة قازاخستان اتفاق مناطق خفض التصعيد في سوريا بهدف حل القضايا المتعلقة بالعمليات، مثل كيفية مراقبة هذه المناطق، خلال أسبوعين ووضع خرائط لها بحلول الرابع من يونيو حزيران.
وقال إيجلاند إنه يمكنه الإشارة إلى إحدى النتائج الملموسة من آستانة وهي ما ورد عن تراجع القتال والهجمات الجوية. لكن لا يسمح سوى بدخول قافلة إغاثة واحدة أسبوعيا مع عدم ورود خطابات سماح من الحكومة. وأضاف أنه على الرغم من تراجع عدد الأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم بنسبة عشرة في المئة إلى 4.5 مليون شخص فإن هناك 625 ألفا آخرين محاصرون وإن القوات الحكومية السورية تطوق 80 في المئة من هذا العدد.
فرصة للمصالحة
على صعيد متصل قال الرئيس السوري بشار الأسد إن مناطق خفض التصعيد التي اقترحتها حليفته روسيا فرصة للمسلحين "للمصالحة" مع دمشق وطرد الإسلاميين المتشددين لكنه تعهد بمواصلة القتال ووصف محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة بأنها غير مجدية. وتعهد الأسد في مقابلة مع قناة (أو.إن.تي) التلفزيونية في روسيا البيضاء بالدفاع عن مناطق خفض التصعيد التي توسطت فيها روسيا وأن يسحق بدعم من إيران وحزب الله أولئك الذين يخرقونها.
وفشلت جهود على مدى العام المنقضي لوقف الحرب في سوريا التي تدورها رحاها منذ ست سنوات وتعرض اتفاق لوقف إطلاق النار وافقت عليه الحكومة والمعارضة المسلحة كلتاهما في ديسمبر كانون الأول لانتهاكات منذ بدء سريانه. ودخل اقتراح روسيا لمناطق خفض التصعيد حيز التنفيذ ويشمل مناطق في غرب البلاد وأشارت دمشق إلى أن شرطة عسكرية روسية قد يكون لها دور في تأمينها.
وقال الأسد إن الهدف الأساسي هو حماية المدنيين. وأضاف قائلا "الهدف الثاني هو إعطاء الفرصة لكل من يريد من المسلحين إجراء مصالحة مع الدولة كما حصل في مناطق أخرى ليكون تخفيف الأعمال القتالية في هذه المناطق هو فرصة له ليقوم بتسوية وضعه مع الدولة تسليم السلاح مقابل العفو".
وقالت دمشق إن على مقاتلي المعارضة المساعدة في طرد الجماعات المتشددة من مناطق خفض التصعيد وأن تعتبر ما يعرف باتفاقات المصالحة، التي تتضمن إجلاء مقاتلي المعارضة من مناطق محاصرة، كبديل لمحادثات السلام. وتراجع العنف إلى حد ما بعد إعلان اتفاق مناطق خفض التصعيد لكن قتالا عنيفا مستمر في بعض المناطق. بحسب رويترز.
ورفضت جماعات المعارضة السورية الخطة الروسية ووصفتها بأنها تهديد لوحدة البلاد ورفضت الاعتراف بإيران كضامن لأي خطة لوقف إطلاق النار. وقال الأسد "أنا لم أتعب" مضيفا أنه سيواصل محاربة الإرهابيين وهو الوصف الذي تطلقه على كل مقاتلي المعارضة. ومضى يقول أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر بضربات صاروخية ضد قاعدة جوية سورية الشهر الماضي لتقديم "أوراق اعتماده" لجماعات سياسية وجماعات ضغط أمريكية. وقال ترامب وقتها إن حكومة الأسد "تخطت خطا أحمر" عندما شنت هجوما بغاز سام على مدنيين وإن موقفه حيال سوريا والأسد تغير. وتنفي سوريا أنها نفذت ذلك الهجوم.
قلق أمريكي
الى جانب ذلك قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إن الولايات المتحدة ستفحص عن كثب مناطق آمنة مقترحة تهدف إلى التخفيف من حدة القتال في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا لكنها حذرت من أن "الشيطان يكمن في التفاصيل" وقالت إن هناك الكثير الذي يتعين عمله. وأبدت وزارة الخارجية الأمريكية قلقها من الاتفاق قائلة إنها قلقة من تدخل إيران كضامن للاتفاق ومن سجل سوريا المتعلق باتفاقات سابقة.
وبدا ماتيس حذرا، في واحد من أكثر تصريحات إدارة ترامب شمولا حتى الآن، عندما سئل عن فرص الاتفاق أثناء سفره لكوبنهاجن لإجراء محادثات مع حلفاء. وقال لصحفيين "كل الحروب تنتهي في نهاية الأمر وكنا نبحث منذ فترة طويلة عن سبيل لإنهاء هذه الحرب. لذلك سندرس الاقتراح ونرى ما إذا كان يمكن أن ينجح." وأضاف أن التفاصيل الأساسية ما زالت غير واضحة بما في ذلك من بالتحديد الذي سيضمن "سلامة" هذه المناطق وأي جماعات بالتحديد ستظل خارجها. ورد ماتيس على إلحاح من صحفي بالسؤال عما إذا كان يعتقد أن مناطق تخفيف التوتر قد تساعد في إنهاء الصراع قائلا "الشيطان يكمن دائما في التفاصيل، صحيح؟ لذلك يتعين علينا أن ندرس التفاصيل."
من جانل اخر قال وزير خارجية سوريا وليد المعلم إن حكومة دمشق ستلتزم بخطة روسية بإقامة مناطق "لتخفيف التوتر" إذا التزم مقاتلو المعارضة بها. وقال المعلم في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون "من واجب الفصائل التي وقعت على نظام وقف إطلاق النار أن تُخرج (جبهة) النصرة من هذه المناطق حتى تصبح هذه المناطق فعلا مخففة التوتر.. على الضامنين مساعدة هذه الفصائل التي تود إخراج" جبهة النصرة مشيرا بالتحديد إلى محافظة إدلب كموقع لجماعات متشددة. وأضاف "لن يكون هناك وجود لقوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة.. الضامن الروسي أوضح أنه سيكون هناك نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة لهذه المناطق".
وقال المعلم إن محادثات سلام منفصلة تجرى برعاية الأمم المتحدة في جنيف لا تحرز تقدما. وأضاف "مع الأسف ما زال مسار جنيف يراوح لأننا لم نلمس بصدق وجود معارضة وطنية تفكر ببلدها سوريا بدلا من تلقيها تعليمات من مشغليها وحتى يحين ذلك فلا أعتقد بوجود إمكانية للتقدم... البديل الذي نسير في نهجه هو المصالحات الوطنية". بحسب رويترز.
أشار المعلم أيضا إلى ما وصفه بتغيير واضح في موقف الإدارة الأمريكية تجاه سوريا. وقال المعلم إن الولايات المتحدة خلصت فيما يبدو إلى وجوب توصلها لتفاهم مع روسيا للتوصل إلى حل للأزمة السورية. وحذر المعلم من دخول قوات أردنية للأراضي السورية دون تنسيق مع دمشق وقال إن ذلك سيعد عملا عدائيا لكنه أضاف أن المواجهة ليست واردة مع الأردن. ولدى سؤال المعلم عن الدعم الأمريكي لجماعات كردية تقاتل داعش في شمال شرق سوريا قال إن معركة الأكراد السوريين ضد التنظيم مشروعة وتأتي في إطار الحفاظ على وحدة سوريا.
من جانب اخر ذكرت وكالات أنباء روسية نقلا عن وزارة الدفاع قولها إن رئيسي الأركان الروسي والأمريكي اتفقا يوم السبت على استئناف كامل لتنفيذ بنود مذكرة مشتركة تمنع وقوع حوادث جوية فوق سوريا. وناقش رئيس الأركان الروسي فاليري جيراسيموف والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في اتصال هاتفي اتفاق مناطق خفض التوتر في سوريا واتفقا على مواصلة العمل على إجراءات إضافية تهدف لتجنب وقوع اشتباك بينهما في سوريا.
ووقع الجانبان مذكرة تفاهم بشأن السلامة الجوية في أكتوبر تشرين الأول 2015 بعد أن بدأت روسيا قصف أهداف في سوريا دعما لقوات الحكومة السورية في حربها ضد تنظيم داعش وجماعات مسلحة أخرى. وفي واشنطن قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في بيان إن دانفورد وجيراسيموف "تحدثا عن الاتفاق الموقع مؤخرا في آستانة وأكدا التزامهما بعدم تعارض العمليات في سوريا. واتفقا على الحفاظ على اتصالات منتظمة". وأبرمت روسيا وإيران وتركيا اتفاقا خلال محادثات جرت في آستانة عاصمة قازاخستان لإقامة "مناطق لتخفيف التوتر" في مناطق أساسية من الصراع بين الحكومة السورية ومقاتلي المعارضة.
اضف تعليق