يواجه الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية مون جاي-إن الذي أدى قبل ايام اليمين الدستورية رئيسا للبلاد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي شهدت وبحسب بعض المصادر، إقبالا كبيرا من الناخبين لاختيار خليفة للرئيسة المعزولة باك غن هيه التي أقيلت بعد فضيحة فساد، تحديات كبيرة ومهام صعبة من بينها الطموحات النووية لكوريا الشمالية وتخفيف التوترات مع الولايات المتحدة والصين، هذا بالاضافة الى بعض القضايا المهمة المتعلقة بالاقتصاد وغلاء المعيشة وارتفاع معدل البطالة وملفات الفساد وغيرها، وفي اول خطاب له قال مون إنه سيبدأ مباشرة جهود نزع فتيل التوترات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية والتفاوض مع واشنطن وبكين للحد من الخلاف بشأن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي (ثاد) في كوريا الجنوبية.
ويفترض أن تسمح هذه الانتخابات للمجتمع الكوري الجنوبي بالانتقال إلى مرحلة جديدة بعد أشهر من الانشغال في الفضيحة بينما تم توقيف الرئيس السابقة بارك التي تحاكم بتهمتي الفساد واستغلال السلطة. وساهمت هذه القضية في تعزيز الاستياء العام بعدما كشفت العلاقات المريبة بين الطبقة السياسية وأرباب العمل بعد الكشف عن تمكن صديقة الرئيسة تشوي سون-سيل من استغلال قربها من بارك لابتزاز ملايين الدولارات من كبرى الشركات. وأجبرت الفضيحة التي تورط فيها وريث سامسونغ ورئيس "لوتي" خامس أكبر مجموعة كورية جنوبية، كل المرشحين إلى أن يعد بإصلاحات لمزيد من الشفافية. لكن بسبب وزنها في الاقتصاد، لا يمكن المساس بهذه المجموعات الكبرى التي تسمى "شايبولز". وكانت الصين من قضايا الحملة أيضا في إطار قضايا اقتصادية وعسكرية خصوصا.
وقد أثار نشر درع أمريكية مضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية لمواجهة التهديدات القادمة من الشمال غضب بكين التي اتخذت سلسلة إجراءات اعتبرتها سيول تدابير اقتصادية انتقامية. وكتبت صحيفة "جون-آنغ" في افتتاحية عشية الاقتراع أن الرئيس المقبل للبلاد "سيكون عليه التصدي لتحديات متنوعة متوسطة وبعيدة الأمد". وقالت "إذا اتخذنا القرار الخاطئ فسيكون علينا من جديد دفع ثمنه، كما تعلمنا من خياراتنا السيئة السابقة".
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية تُجرى بجولة واحدة. وبما أن الرئيسة السابقة قد عزلت من منصبها، فإن الرئيس المنتخب سيتسلم مهماته فورا بعد إعلان لجنة الانتخابات النتائج النهائية. أما كيف سينعكس انتخاب مون جاي إن بحسب بعض الخبراء، على علاقات سيئول مع الدول المجاور، فمن غير المرجح حدوث تغييرات في العلاقات مع روسيا، لأن كوريا الجنوبية هي الدولة الوحيدة من بين دول منطقة المحيط الهادئ الآسيوية حليفة الولايات المتحدة، التي تملك في الوقت نفسه علاقات ودية مع موسكو، وخاصة أنها اتخذت موقفا محايدا في النزاع بين روسيا وأوكرانيا. كما أن البلدين اتفقا منذ عام 2014 على إلغاء نظام التأشيرة بينهما. وتخطط الخارجية الكورية الجنوبية لتوقيع اتفاق للتجارة الحرة مع روسيا، وفي حال التوصل إلى هذا الاتفاق فسوف يتم تمديد فترة الزيارات بين البلدين من دون تأشيرة (المدة شهران حاليا) إلى ثلاثة أشهر. وعموما ستبقى العلاقات هادئة وودية.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فالرئيس الجديد مون جاي إن ليس ملائما تماما. فقد اشتهر بتصريحه الذي قال فيه: "يجب على كوريا الجنوبية أن تتعلم قول لا لأمريكا". كما أنه يعارض نشر منظومة صواريخ "ثاد" الأمريكية في كوريا الجنوبية لإمكانية استفزازها الصين. أما العلاقات مع اليابان، فمن المرجح أن تتأزم، لأن اليساريين في كوريا الجنوبية تقليديا هم أشد قومية من اليمينيين. لذلك سوف يطلبون من طوكيو "الاعتذار عن فترة الاستعمار، التي امتدت من 1910 إلى 1945، وعند حصولهم على هذا الاعتذار سيقولون إنه غير كاف.
ولكن من المحتمل جدا حدوث بعض الدفء في العلاقات مع الشطر الشمالي. فالرئيس الجديد من أنصار سياسة "الشمس المشرقة" مع بيونغ يانغ وفتح الستار الحديدي قليلا، والذي يفصل كوريا الشمالية عن بقية دول العالم. ولكن مع الأخذ بالاعتبار حزمة العقوبات الدولية المفروضة عليها، فإن بيونغ يانغ لن تتخلى عن برامجها النووية والصاروخية، وما دامت عائلة كيم في السلطة، فإن مون جاي إن لن يتمكن من تحقيق الكثير من طموحاته. والسيناريو الإيجابي الوحيد المتوقع هو استئناف الرحلات السياحية لمواطني كوريا الجنوبية إلى المناطق الحدودية للشطر الشمالي.
مهام صعبة
وفي هذا الشأن أدى الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية مون جاي-إن اليمين الدستورية رئيسا للبلاد وتعهد بالتعامل على الفور مع مهام صعبة من بينها الطموحات النووية لكوريا الشمالية وتخفيف التوترات مع الولايات المتحدة والصين. وقال مون في أول خطاب له بعد توليه المنصب إنه سيبدأ مباشرة جهود نزع فتيل التوترات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية والتفاوض مع واشنطن وبكين للحد من الخلاف بشأن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي (ثاد) في كوريا الجنوبية.
وأضاف أنه يعتزم الإعلان عن تعيينات واسعة في المناصب الوزارية وبين موظفي الرئاسة حتى يملأ على وجه السرعة فراغا في السلطة خلفه عزل الرئيسة السابقة باك جون-هاي في مارس آذار بسبب فضيحة فساد هزت قطاع الأعمال والنخبة السياسية في كوريا الجنوبية. وقال مون أمام البرلمان "سأبدأ على وجه السرعة محاولة حل الأزمة الأمنية". وأضاف "لو دعت الضرورة سأتوجه مباشرة إلى واشنطن. سأتوجه إلى بكين وطوكيو. وإذا كانت الظروف ملائمة (سأتوجه) إلى بيونجيانج أيضا". وتعهد مون (64 عاما) أيضا بقطع ما وصفه بعلاقات التواطؤ بين الشركات والحكومة. وقال مون "أتولى منصبي صفر اليدين وسأغادره صفر اليدين". بحسب رويترز.
وقبل أدائه اليمين الدستورية رئيسا للبلاد في مراسم اتسمت بالبساطة في البرلمان التقى مون مع زعماء الأحزاب المعارضة حيث وعدهم بتحسين مستوى التنسيق معهم فيما يتعلق بمسائل الأمن الوطني. وقال لكبار مسؤولي المعارضة "أستطيع أن أبلي بلاء حسنا فيما يتعلق بالعلاقات بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والأمن الوطني والتحالف الكوري الأمريكي إذا ساعدني حزب كوريا للحرية". وأضاف "سأشارك المعارضة في المعلومات بشأن الأمن الوطني". غير أن المرشح لمنصب رئيس المخابرات الجديد قال إنه يجب تهيئة الظروف المواتية لحل الأزمة النووية لكوريا الشمالية قبل عقد لقاء قمة بين زعيمي الكوريتين. وقال سو هون، وهو خبير في المحادثات بين الكوريتين، للصحفيين بعد ترشيحه إن من السابق لأوانه الحديث عن قمة محتملة بين مون ونظيره في كوريا الشمالية.
زيارة الشمال
من جانب اخر اكد الرئيس الكوري الجنوبي الجديد مون جاي-ان اليمين استعداده للتوجه الى كوريا الشمالية على الرغم من اجواء التوتر الشديد مع بيونغ يانغ بسبب برنامجها النووي. ورئيس الدولة الجديد البالغ من العمر 64 عاما والاقرب الى اليسار، محام سابق في مجال حقوق الانسان. وقد عبر عن تأييده لحوار مع بيونغ يانغ، في خطوة تتناقض مع الخطاب الذي اعتمدته ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب والذي يتضمن تهديدات للشمال.
وقال مون الذي ينتمي الى الحزب الديموقراطي (يسار الوسط) بعد ادائه القسم امام النواب "اذا احتاج الامر، فسأتوجه على الفور الى واشنطن". وأضاف "سأتوجه الى بكين وطوكيو ايضا وحتى الى بيونغ يانغ اذا توافرت الظروف". ويواجه مون مهمة دبلوماسية حساسة في ما يتعلق بكوريا الشمالية التي تحلم بصنع صاروخ يمكن ان ينقل السلاح الذري الى القارة الاميركية، وقد وضعت سيول في مرمى مدفعيتها.
داخليا، يواجه مون تحديات عديدة على رأسها عواقب فضيحة الفساد المدوية التي كلفت الرئيسة السابقة بارك غيون-هي منصبها. وهو يرث بعد فوزه المريح في الانتخابات الرئاسية المبكرة بلدا منقسما بعمق. وقال مون "سأكون رئيسا لكل الكوريين الجنوبيين"، واعدا "بخدمة حتى الذين لا يؤيدونني". وأضاف "سأكون رئيسا قريبا من الشعب".
وبعد حملة هيمنت عليها قضيتا البطالة وتباطؤ النمو، فاز مون ب41,1 بالمئة من الاصوات اي بأصوات 13,4 مليون ناخب، بفارق كبير عن خصمه القادم من حزب الرئيسة المقالة الوسطي آن شيول-سو (21,4 بالمئة). وقبيل مراسم التنصيب، التقى الرئيس الجديد نواب الحزب المحافظ "حرية كوريا" المؤيدين لخط متشدد مع كوريا الشمالية والذين اتهموه مرات عدة بانه "سيسلم البلاد بأكملها الى كوريا الشمالية بعد انتخابه". وقال الرئيس الجديد لهؤلاء النواب "أريد ان أظهر لشعبنا أننا نتقدم معا"، مؤكدا أنه سيطلب آراءهم في القضايا المتعلقة بالأمن القومي. وأضاف "أرجوكم أن تتعاونوا".
ولم تشهد شبه الجزيرة الكورية توترا الى هذا الحد من قبل، وقد أجرت كوريا الشمالية في 2016 تجربتين نوويتين وعددا من التجارب الصاروخية. وكررت إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الأشهر الاخيرة ان الخيار العسكري مطروح، ما أدى الى تصاعد التوتر، قبل ان يعلن ترامب ان لقاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-اون "سيشرفه".
وسيجري مون أول اتصال هاتفي مع ترامب، كما ذكرت وكالة الانباء الكورية الجنوبية (يونهاب). وذكرت مصادر في محيط الرئيس الجديد انه سيعين اليوم رئيسا للوزراء ومديرا لمكتبه ورئيس الاستخبارات. وقد هنأ الرئيس الصيني شي جينبينغ الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، متعهدا "تعزيز الثقة المتبادلة ومعالجة الخلافات بشكل سليم". وقال إنه يولي "أهمية كبرى للعلاقات" مع سيول. ويقيم البلدان اللذان كانا خصمين خلال الحرب الكورية (1950-1953) علاقات دبلوماسية منذ 25 عاما فقط. بحسب فرانس برس.
ويثير نشر منظومة الدرع الصاروخية الاميركية (ثاد) في كوريا الجنوبية غضب الصين التي تعتبره تهديدا لقوة الردع التي تملكها وللامن الاقليمي. واتخذت الصين، أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، إجراءات ضد الشركات الكورية الجنوبية اعتبرتها سيول تدابير انتقامية اقتصادية، بينما تشهد العلاقات بين البلدين توترا. وأعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن على سيول دفع نفقات نشر منظومة الدرع الصاروخية التي تبلغ مليار دولار، وهذا ما أثار استياء كوريا الجنوبية. واعلن مون أنه سيجري "مفاوضات جدية" مع الولايات المتحدة والصين في شأن نشر منظومة الدرع الصاروخية الاميركية في بلاده.
فساد غيون-هي
الى جانب ذلك وجهت النيابة العامة في كوريا الجنوبية بارك غيون-هي تهمة الفساد رسميا في إطار التحقيق في قضايا أخرى من بينها تهمتي استغلال السلطة وكشف أسرار الدولة. كما وجهت النيابة رسميا اتهامات إلى رئيس مجموعة تجارة التجزئة العملاقة "لوت غروب" شين دونغ-بن بتهمة تقديم رشاوى لبارك غيون-هي وصديقتها شوي سون-سيل.
وأعلنت النيابة العامة أن الرئيسة الكورية الجنوبية السابقة بارك غيون-هي اتهمت رسميا بالفساد في إطار التحقيق في الفضيحة التي أدت إلى إقالتها. وأوضح المدعون الذين يحققون في الفضيحة في بيان أن بارك التي ثبتت أعلى محكمة كورية جنوبية الشهر الماضي قرار إقالتها بعد أشهر من التحقيقات، ملاحقة أيضا بتهمتي استغلال السلطة وكشف أسرار دولة. وتسمم هذه الفضيحة منذ أشهر البلاد بينما تقوم كوريا الشمالية بتجارب إطلاق صواريخ ما يثير قلق الأسرة الدولية.
وأكدوا في ختام تحقيقاتهم "وجهنا رسميا إلى السيدة بارك عددا من الاتهامات بينها استغلال السلطة والفساد وكشف أسرار دولة". وتتركز فضيحة الفساد على شوي سون-سيل صديقة الرئيسة السابقة التي يشتبه بأنها استغلت علاقتها ببارك لإجبار الشركات المحلية على "التبرع" بنحو 70 مليون دولار لمؤسسات غير ربحية يفترض أنها استخدمتها لتحقيق مكاسب خاصة.
من جهة أخرى، أعلنت النيابة العامة أيضا أنها وجهت اتهامات رسميا إلى رئيس مجموعة تجارة التجزئة العملاقة "لوت غروب" شين دونغ-بن، بتقديم رشاوى قيمتها حوالي سبعة ملايين دولار لبارك وصديقتها شوي. وشين متهم بتقديم سبعة ملايين وون (6,15 ملايين دولار) لمؤسسة رياضية مرتبطة بشوي مقابل امتيازات سياسية من بارك. بحسب فرانس برس
وكانت بارك اعتقلت في نهاية آذار/مارس بطلب من النيابة بعد أشهر من التحقيقات وكشف معلومات أدت إلى مظاهرات هائلة في البلاد للمطالبة برحيلها. وبارك (65 عاما) ابنة الديكتاتور العسكري بارك تشونغ هي أول امرأة تنتخب رئيسة للبلاد في العام 2012 وباتت أول رئيس يتم عزله على هذا النحو. وسلطت الفضيحة الضوء على العلاقات بين الحكومة والمجموعات الاقتصادية العائلية المعروفة في كوريا الجنوبية باسم "تشيبولز" التي تسيطر على اقتصاد البلاد.
اضف تعليق