بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، سعى هذا التكتل المهم الى اعتماد قرارات وصيغ متشددة في موقفه ضد بريطانيا حول العديد من الملفات الأساسية، خصوصا حقوق المواطنين الاوروبيين ومستقبل الخدمات المالية وكلفة الانفصال مثلما يدل على ذلك مشروع "توجهات المفاوضات". حيث استغل زعماء بالاتحاد الأوروبي عقد قمة لبحث انسحاب بريطانيا من التكتل لوضع اللمسات النهائية على اتفاقات لتسوية العديد من القضايا الشائكة في إطار إستراتيجية للظهور بجبهة موحدة قبل مفاوضات صعبة مع بريطانيا. ويدرك الاتحاد الأوروبي صعوبة الحفاظ على جبهة موحدة بين 27 دولة عضوا في التكتل في ظل مناقشات مع بريطانيا من المقرر أن تستمر على مدى العامين القادمين.
وقال مسؤول في الاتحاد "انسحاب بريطانيا من الاتحاد يعني أن الدول الأعضاء تحتاج للبقاء معا بشكل وثيق. تحتاج المفوضية إلى التخلص من القضايا التي تسبب إزعاجا لا داعي له. سيكون من المفيد إزالة هذه الأشياء". وبحسب وثيقة خاصة نقلتها بعض المصادر، فان الاتحاد الاوروبي قد حدد الدفاع عن حقوق المواطنين الاوروبيين في بريطانيا (والمواطنين البريطانيين في الاتحاد الاوروبي) من بين أولوياته الثلاث، وسيسعى الى ضمان "الحق في الحصول على الاقامة الدائمة" للذين يقيمون بشكل قانوني منذ أكثر من خمس سنوات في بريطانيا.
متشددة
ويعتبر مشروع التوجهات صارما أيضا في المجال المالي الذي يريد الاتحاد حمايته من أي تقلبات مرتبطة بخروج مدينة المال بلندن "ذي سيتي" الابرز في اوروبا من السوق الموحدة. وتعتبر كلفة بريكست التي سيتوجب على بريطانيا تسديدها، من الملفات الاكثر حساسية في المفاوضات. وكانت بروكسل حذرت في السابق من ان الفاتورة ستكون "ضخمة" وقدرتها بنحو 60 مليار يورو.
وأقر الوزير البريطاني المكلف ملف بريكست ديفيد ديفيس انه "سنكون ازاء قضايا صعبة التسوية. وهناك تنازلات ضرورية من الطرفين" مضيفا انه "مع ذلك لدى المملكة المتحدة اسباب وجيهة للشعور بالتفاؤل". وسيضع مجلس وزراء الاتحاد الاوروبي اللمسات الاخيرة على النص الذي تباحث بشأنه ممثلو الدول ال27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي في بروكسل، وسيتعين على الدول الاعضاء تبني "توجيهات" اكثر تفصيلا في 22 ايار/مايو خلال اجتماع سيتم خلاله تفويض الفرنسي ميشال بارنييه رسميا بمهامه ككبير المفاوضين الاوروبيين. ويأمل التكتل ببدء المفاوضات بموجب المادة 50 بعد الانتخابات العامة المبكرة المقررة في بريطانيا في الثامن من حزيران/يونيو المقبل بدعوة من ماي لتعزيز مكانتها وقدراتها التفاوضية فيما يخص بريكست.
هذه القضية المهمة وكما يرى بعض المراقبين، ستكون لها اثار سلبية على العديد من الدول داخل وخارج الاتحاد ومنها بريطانيا التي ستكون اكبر بلد متضرر، خصوصا وانها اليوم تعاني من مشكلات وازمات سياسية بسبب اختلاف وجهات النظر المطروحة فيما يخص عملية الانسحاب من الاتحاد وما سيترتب عليها مستقبلا.
شروط قاسية
وفي هذا الشأن أقر زعماء الاتحاد الأوروبي مجموعة من الشروط القاسية لخروج بريطانيا في القمة التي اختتمت في بروكسل وحذروا البريطانيين من "أوهام" ضمان علاقة جديدة سريعا تسمح بدخولهم إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. وخلال القمة التي اتسمت بتناغم غير معتاد بين زعماء 27 من الدول الأعضاء تبادل الحضور انتقادات لاذعة يخشى البعض من احتمال أن تفسد أي اتفاق قادم حيث اتهم مسؤولون لندن برفض بعض أوجه الإنفاق في الاتحاد الأوروبي وطالبوها بالتراجع عن هذا الرفض أو المخاطرة بعرقلة بدء المحادثات.
وفي أول اجتماع منذ أن أطلقت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي رسميا بنهاية مارس آذار العد التنازلي الذي يستمر عامين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يضيع زعماء الدول الأخرى المتبقية في التكتل وقتا إذ سعوا خلال مأدبة غداء في بروكسل إلى الموافقة على مجموعة إرشادات للتفاوض في ثماني صفحات صاغها دبلوماسيون خلال الشهر المنصرم. وستلزم هذه الإرشادات ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بالسعي إلى اتفاق يؤمن حقوق ثلاثة ملايين مغترب من دول الاتحاد يقيمون في بريطانيا وضمان دفع لندن عشرات المليارات من اليورو تعتقد بروكسل أنها ستكون مستحقة عليها وتفادي زعزعة استقرار السلام بإقامة حدود بين دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على جزيرة أيرلندا.
وقال بارنييه "نحن مستعدون... نحن معا". وتستبعد تلك الإرشادات أيضا مناقشة اتفاق التجارة الحرة الذي تريده ماي إلى أن يحدث تقدم في الاتفاق على هذه الشروط الرئيسية المتعلقة بخروج بريطانيا من التكتل. وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي للصحفيين في ختام الاجتماع الذي رأسه "قبل مناقشة المستقبل ينبغي أن نفهم ماضينا". وانتقد توسك ساسة بريطانيين من بينهم ماي ذاتها لتحدثهم عن صفقة سريعة لطمأنة المغتربين في الوقت الذي ستتطلب فيه التعقيدات القانونية محادثات مفصلة.
وقال توسك "نريد رد فعل جاد من بريطانيا". وقبل أيام بدا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تسعى لمضايقة ماي بتصريحات مماثلة عبرت خلالها عن قلقها من أن بعض البريطانيين تساورهم "أوهام" بشأن محادثات تجارة سريعة. وقالت "أحيانا أشعر بأن بعض الناس في بريطانيا، ولا أقصد الحكومة، لم تتضح بالنسبة لهم فكرة وجود مرحلة خروج ثم مرحلة للعلاقة المستقبلية". وكان لرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر نبرة أكثر صرامة حيث قال إن مسؤولي المفوضية حددوا مجموعة من 25 مسألة قانونية مختلفة ينبغي تسويتها بشأن حقوق المغتربين فقط. وقال "في بعض الأحيان يكون لدي شعور أن بعض أصدقائنا البريطانيين، وليس كلهم، يقللون من قدر الصعوبات الفنية التي علينا مواجهتها".
ويرى الاتحاد الأوروبي أن من المهم ألا يسود الشعور بأن بريطانيا تنتفع من الخروج من التكتل وذلك لتفادي تشجيع دول أخرى على أن تحذو حذوها. وحذر رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل من الوقوع في "الفخ" الذي نجحت بسببه بريطانيا في تفرقة الاتحاد لصالحها. ومن الأمور التي ستكون محل خلاف أيضا مسألة أي الدول التي ستفوز باستضافة وكالتين تابعتين للاتحاد الأوروبي مقرهما لندن حاليا. بحسب رويترز.
وعرضت معظم الدول الأعضاء استضافة وكالة الدواء الأوروبية وهيئة البنوك الأوروبية لكن توسك و يونكر سيقترحان معايير للاختيار تفاديا لوقوع خلافات غير لائقة بين الدول الأعضاء. وفي إشارة إلى المدى الذي أثر فيه استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد العام الماضي حتى على وحدة المملكة المتحدة ذاتها سيتعهد زعماء الاتحاد لرئيس الوزراء الايرلندي إيندا كيني بأن تكون بلاده ضمن دول الاتحاد بشكل تلقائي إذا اتحدت معها في أي وقت إيرلندا الشمالية التي صوتت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد.
البريطانيون نادمون
من جانب اخر عبرت غالبية من البريطانيين، للمرة الاولى، عن ندمها على نتيجة استفتاء 23 حزيران/يونيو 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي كما أظهر استطلاع للرأي اجراه معهد "يوغوف" ونشرته صحيفة "التايمز". وردا على سؤال "بعد إمعان النظر بما حدث، هل تعتقدون ان بريطانيا كانت على حق ام على خطأ في التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي؟"، قال 45% من الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع بانهم نادمون على خيار بريكست، فيما قال 43% أنه كان قراراً صائباً، ولم يعط 12% رأيا، كما أظهر الاستطلاع الذي أجري على عينة من 1590 راشدا.
وأكدت الصحيفة "أنها المرة الاولى التي تقول فيها غالبية من الاشخاص ان الاستفتاء أدى الى النتيجة الخاطئة" معتبرة ان ذلك يشير الى ان هذا الموضوع "لا يزال يثير انقساما في البلاد". وفي التفاصيل، أظهر الاستطلاع ان 85% من الاشخاص الذين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي لا يزالون راضين عن خيارهم، فيما لا يزال 89% من المؤيدين لاوروبا يعتبرون اليوم ان الاستفتاء كان يجب ان يعطي نتيجة مغايرة.
اما بخصوص التداعيات الاقتصادية، فاعتبر 39% من الاشخاص ان بريطانيا خارج الاتحاد الاوروبي ستكون في وضع "اسوأ" مما كانت عليه داخل التكتل، فيما رأى 28% على العكس ان مالية البلاد ستتحسن. ورأى 36% من البريطانيين أيضا ان نفوذ بلادهم في العالم سيتراجع بعد بريكست مقابل 19% عبروا عن رأي معاكس. وخلال استفتاء 23 حزيران/يونيو صوت البريطانيون بنسبة 52% لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.
وبعد تسعة أشهر من الاستفتاء، أطلقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في 29 آذار/مارس آلية الخروج عبر تفعيلها المادة 50 من اتفاقية لشبونة، وهي نقطة انطلاق لمفاوضات تستمر سنتين بين لندن والاتحاد الاوروبي للتوصل الى اتفاق حول الخروج. وبعد مرور نحو سنة على الاستفتاء، لا تزال مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تشكل محور الحياة السياسية في البلاد وستكون احد ابرز مواضيع الحملة الانتخابية تمهيدا للانتخابات التشريعية المبكرة في 8 حزيران/يونيو. وهذا الاقتراع الذي كان يفترض ان ينظم في 2020، دعت اليه تيريزا ماي على أمل ان تخوض مفاوضات الخروج من الاتحاد الاوروبي من موقع قوة.
بريطانيا ستخسر أكثر
في السياق ذاته قالت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن بريطانيا ستخسر أكثر من الاتحاد الأوروبي جراء قرارها الخروج منه متوقعة أن تكون المحادثات مع لندن صعبة. وقالت موجيريني خلال زيارة للعاصمة الصينية بكين إن المفاوضات ستكون صعبة. وأوضحت في خطاب أمام الطلاب في جامعة تسنغ هوا "سيكون عليهم تفكيك انتمائهم إلى مجموعة. سنخسر عضوا مهما."
وأضافت "دعوني أقول لكم إنه بالنسبة لي كل دولة عضو هي على نفس القدر من الأهمية لأن كل واحدة منها يمكن أن تسهم في بعض السياسات أكثر من غيرها لكنني اعتقد أن أصدقاءنا البريطانيين سيخسرون أكثر مما سنخسره نحن." وقال الاتحاد الأوروبي إن مفاوضات الخروج من الاتحاد ستبدأ في يونيو حزيران بعد تصويت البريطانيين في انتخابات مبكرة. وتبنى البرلمان البريطاني دعوة ماي لإجراء انتخابات مبكرة في الثامن من يونيو حزيران.
وأضافت موجيريني "من الواضح في معاهداتنا أنهما عامان فقط اعتبارا من بدء المفاوضات... كان ذلك في مارس هذا العام. هذا الأمر لا يمكن تأجيله ولا أتوقع أن يسير بوتيرة أسرع من ذلك." وتنظر الصين بقلق إلى مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إذ تخشى حدوث اضطراب داخل التكتل الذي هو أكبر شريك تجاري لها. وستسخر الصين حوالي سدس ناتجها الاقتصادي عندما تغادر بريطانيا الاتحاد. بحسب رويترز.
وقالت موجيريني "سيظل الاتحاد الأوروبي حتى بعد خروج بريطانيا منه السوق الأول في العالم وثاني أكبر اقتصاد في العالم." ومضت قائلة "جميع شركائنا خلال هذه الشهور كانوا يقولون لنا إن هناك احتياجا للاتحاد الأوروبي وهذه هي الرسالة التي تلقيتها هنا في الصين بأن الاتحاد الأوروبي شريك لا غنى عنه في العالم اليوم."
من جانبها دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل البريطانيين إلى عدم الانجراف وراء أوهام تجعلهم يتخيلون أنهم سيستمرون في التنعم بمزايا الاتحاد الأوروبي بعد خروج بلادهم منه. وبلهجة صارمة صبغت حديثها أمام مجلس النواب الألماني (البوندستاج) قالت ميركل إنه ينبغي إتمام المحادثات بشأن التزامات بريطانيا المالية تجاه الاتحاد في مرحلة مبكرة من محادثات الخروج.
وأضافت "الدولة الثالثة، وهذا سيكون حال بريطانيا، لا يمكن أن يكون لها ولن يكون لها نفس الحقوق... التي يتنعم بها أعضاء الاتحاد الأوروبي". وقالت وسط تصفيق حار من المشرعين "ينبغي أن أقول هذا بوضوح هنا لأن لدي شعورا بأن البعض في بريطانيا ما زالت لديه أوهام.. هذا مضيعة للوقت".
ومضت قائلة "لن يكون بإمكاننا إبرام اتفاق بشأن العلاقة المستقبلية مع بريطانيا إلا لدى إعطاء إجابة مقنعة لكل الأسئلة المتعلقة بخروجها". وقالت ميركل إن من بين الأولويات حماية مصالح مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا ومن ضمنهم 100 ألف ألماني. وأضافت أنها مستعدة لتقديم "عرض حسن" للبريطانيين في ألمانيا إذا اتخذت بريطانيا خطوة مماثلة مع الألمان. وقالت إن المحادثات ستتطلب جهدا كبيرا على مدى العامين المقبلين لكنها عبرت عن ثقتها في استعداد الاتحاد الأوروبي لذلك. وتابعت "فيما يتعلق بالمضمون والتنظيم، نحن مستعدون تماما".
سياسة فرّق تسد
على صعيد متصل قال وزير شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا ديفيد ديفيز إن بلاده لن تتبع سياسة (فرّق تسد) مع دول الاتحاد المتبقية والبالغ عددها 27 دولة خلال مفاوضات الخروج المرتقبة. وقال ديفيز أمام عدد من رجال الأعمال في مؤتمر بلندن "كانت هناك بعض الاقتراحات بأن بريطانيا يمكن أن تتبع الآن سياسة فرق تسد في الاتحاد خلال المفاوضات المرتقبة... الأمر ليس كذلك على الإطلاق". وأضاف "نريد أن تكون المفاوضات سريعة وفعالة... ونظرا لأن الموضوع معقد والوقت ضيق ستصبح وحدة الاتحاد الأوروبي مهمة للطرفين".
وقال ديفيز إن بريطانيا يجب أن تدرك حجم المهمة التي تنتظرها في ضوء الإطار الزمني للتفاوض المنصوص عليه في المادة 50 من اتفاقية لشبونة لتأسيس الاتحاد الأوروبي وهو عامان. وتابع "نعيد رسم مكان بريطانيا في العالم. إن التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على انسحابنا وشكل العلاقة بيننا في المستقبل يمثل تحديا. سيتعين علينا مواجهة قضايا صعبة وسيكون الحل الوسط ضروريا من الناحيتين". بحسب رويترز.
وأشار إلى أن بريطانيا تسعى أيضا لضمان الانتقال السلس والمستقر أثناء خروجها من الاتحاد. وقال "علينا تفادي الأعباء غير الضرورية على قطاع الأعمال لكننا نريد أيضا التأكد من أن نهجنا يواصل أو يضمن دخول أسواق من كرواتيا إلى كاليفورنيا".
اضف تعليق