وسط مخاوف من أن يؤدي رحيل بريطانيا، ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا والقوة العالمية الكبرى، الى تفكيك الاتحاد، احتفل قادة أوروبا بمرور 60 عامًا على معاهدة روما التي وقعت في 25 مارس عام 1957، والتي مهدت لتأسيس الاتحاد الاوربي، ويشهد الاتحاد الأوروبي عدة أزمات علي رأسها مخاطر تفكك الإتحاد والتهديدات الإرهابية وموجات اللجوء والأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وأكد القادة الأوروبيون في روما وكما نقلت بعض المصادر، عزمهم على تجديد التزامهم في الذكرى الستين لتوقيع الاتفاقية التي أسست للاتحاد الأوروبي. وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند على ضرورة الوحدة الأوروبية في مواجهة تهديدات متنامية داخليا وخارجيا بما في ذلك صعود الشعبوية في أنحاء أوروبا والتهديدات الأمريكية بالتخلي عن حرية التجارة.
وقالت ميركل في مؤتمر صحفي مع أولوند "تواجه أوروبا تحديات داخلية وخارجية كبيرة... لا يسعنا التغلب عليها إلا بالعمل معا." وأضافت "نحن بحاجة إلى التزام واضح ومشترك بشأن الاتحاد الأوروبي .. وبشأن ما أنجزناه والقيم التي تميز أنظمتنا الحرة الديمقراطية." وقال أولوند إن صعود الشعبويين في القارة مصدر تهديد كبير للاتحاد الأوروبي. وأضاف "بصراحة شديدة.. التهديدات لأوروبا ليست فقط من خارجها. إنها تأتي أيضا من الداخل. ما أقصده هو صعود المتطرفين الذين يستغلون عوامل خارجية لإثارة الارتباك داخليا."
وحث رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الدول الأعضاء على ان "يثبتوا اليوم أنهم قادة أوروبا". وقال توسك "الاتحاد بعد قمة روما يجب أن يكون أكثر من أي وقت اتحادا على المبادئ نفسها مع سيادة خارجية واتحاد للوحدة السياسية"، وذلك في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا لانفصال بريطانيا عنها. وبعد أن هددت بولندا بعدم التوقيع على بيان روما بسبب معارضتها لمبدأ أوروبا بـ"سرعات متفاوتة"، عادت ووقعته بعد تعديله.
من جانب اخر قال زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية لمجلة دير شبيجل إن إصرار بلاده على التقشف في منطقة اليورو أحدث انقساما في أوروبا أكثر من أي وقت مضى مشيرا إلى أن تفكك الاتحاد الأوروبي لم يعد مستحيلا. وأضاف جابرييل -الذي يشارك الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه في الائتلاف الحاكم بقيادة أنجيلا ميركل- إن الجهود الشاقة التي بذلتها دول مثل فرنسا وإيطاليا لخفض عجزها المالي رافقتها مخاطر سياسية.
وقال "ذات مرة سألت المستشارة عما قد يكون مكلفا أكثر لألمانيا؟ أن يسمح لفرنسا بزيادة بمقدار نصف في المئة في عجز الموازنة؟ أم أن تصبح مارين لوبان رئيسة؟" في إشارة لزعيمة حزب الجبهة الوطنية المنتمي لليمين المتطرف في فرنسا. وأضاف جابرييل "حتى اليوم لم أتلق منها إجابة". ويفضل حزب جابرييل التركيز أكثر على الاستثمار في حين يشدد المحافظون الذين تقودهم ميركل على الانضباط المالي كأساس للرخاء الاقتصادي. وقالت مصادر حزبية بارزة إن من المتوقع أن يختار الحزب الديمقراطي الاشتراكي جابرييل زعيم الحزب لفترة طويلة والذي يشغل أيضا منصب وزير الاقتصاد ليترشح منافسا لميركل على منصب المستشار في انتخابات اتحادية تجرى في سبتمبر أيلول القادم.
تجديد العهود
وفي هذا الشأن قال قادة الاتحاد الأوروبي في الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد في روما إنه ينبغي احتواء الخلافات والانتقادات الموجهة للتكتل حتى يستطيع البقاء كيانا موحدا. وقبل أيام من تقديم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أوراق انسحاب بلادها في ضربة غير مسبوقة للتكتل أشاد قادة الدول الأعضاء بالسلام والرخاء الذي تحقق على مدى الستين عاما وتعهدوا بتعزيز الوحدة التي تأثرت بأزمات إقليمية وعالمية.
لكن الجدل الدائر منذ أيام بشأن صياغة إعلان روما المؤلف من ألف كلمة والتأكيد المنتظر من ماي بالانسحاب واحتشاد عشرات الآلاف من المتظاهرين خلف صفوف الطوق المشدد الذي فرضته الشرطة حول قصر كامبيدوليو كانت كلها تذكرة بالتحديات التي تواجه إبقاء 27 دولة على مسار مشترك. وغابت ماي عن المراسم التي أقيمت في العاصمة الإيطالية روما.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني "توقفنا في مساراتنا وأثار ذلك أزمة تمثلت في رفض الرأي العام لنا" في إشارة لتصويت البريطانيين بتأييد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وقال إن عدم دفع المشروع خلال عقد من التباطؤ الاقتصادي أعاد "قومية ضيقة الأفق" للظهور. وأضاف أن قمة روما تطرح بداية جديدة "ينطلق بها الاتحاد من جديد... وله رؤية للسنوات العشر القادمة".
لكن آخرين قلقون من مثل تلك الحماسة في التخلي عن المزيد من السيادة الوطنية ومن تحرك دول في الاتحاد بسرعة أكبر في مسار التكامل. وقادت حكومة بولندا احتجاجات ضد سرعة وتيرة التحرك الأوروبي خشية أن يدفع ذلك الدول الشرقية الشيوعية سابقا إلى مصاف دول من الدرجة الثانية. وأشاد قادة الاتحاد ببعد نظر زعماء "جيل الحرب" من الخصمين السابقين فرنسا وألمانيا الذين وقعوا على معاهدة روما في نفس القاعة في 25 مارس آذار 1957 مع إيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورج وهولندا.
وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه يجب أيضا على الاتحاد أن يعالج شكاوى أجيال ترى أن الحرب صفحة يطويها التاريخ. وقالت للصحفيين "علينا أن نهتم في المستقبل وفي المقام الأول بمسألة الوظائف." ووسط مخاوف من أن يؤدي رحيل بريطانيا، ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا والقوة العالمية الكبرى، من الاتحاد إلى تفككه يقول العديد من القادة إن التحرك قدما هو السبيل الوحيد لإحياء التأييد الشعبي للتكتل من خلال المزايا الاقتصادية والأمنية. بحسب رويترز.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر "اليوم نجدد عهودنا ونعيد التأكيد على التزامنا باتحاد غير منقسم وغير قابل للانقسام." وحذر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من شيوع انطباع بأن الاتحاد الأوروبي كيان يقتصر على القواعد التنظيمية وقال "لماذا نفقد الثقة في الهدف من الوحدة اليوم؟ هل لمجرد أن هذا أصبح واقعنا؟ أم لأننا مللنا وسئمنا؟" وقالت ميركل إن قادة دول الاتحاد يريدون تهدئة مخاوف الشعوب بشأن الاقتصاد والرعاية الاجتماعية والهجرة والدفاع من خلال "أوروبا توفر الحماية" بضمانات مطمئنة. ووقع قادة كل الدول الأعضاء السبع والعشرين إضافة إلى رؤساء مؤسسات الاتحاد على إعلان يختتم بالقول "اتحدنا من أجل الأفضل. أوروبا مستقبلنا المشترك."
مسيرات في شوارع روما
الى جانب ذلك شهدت العاصمة الإيطالية روما مظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة للاتحاد الأوروبي. وتوجه اتحاديون وقوميون وشعبويون ونقابيون وفوضويون إلى واحدة من ستة تجمعات حاشدة ومظاهرات تمت الدعوة إليها تزامنا مع الذكرى الستين لتوقيع معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي عقد فيه زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون احتفالا مهيبا في روما تظاهر آلاف الأشخاص العاديين في الشوارع وكان بعضهم يلوح بعلم الاتحاد الذي يعاني الأزمات بلونيه الأزرق والذهبي وآخرون يرفعون لافتات تعبر عن الغضب.
وقال لوشيو باجاني وهو من القوميين "الآخرون يعارضون وينتقدون أوروبا بشدة. لكننا مع أوروبا بروح المعاهدة الأصلية. أوروبا حرة وديمقراطية." ومن المتوقع مشاركة نحو 30 ألف متظاهر في التجمعات المختلفة بينما تأهب نحو 5000 من أفراد الشرطة وقوات الأمن تحسبا لوقوع أعمال عنف. وخلال مسيرة مؤيدة لأوروبا شوهدت لافتة مكتوب عليها "احتفظوا بهدوئكم وحبوا أوروبا. وكتب على لافتة أخرى "حياتي ستسوء بدون أوروبا."
لكن رسالة مختلفة للغاية سمعت في قاعة إحدى الجامعات بقلب روما حيث نظم حزب فراتيلي دي إيطاليا اجتماعا للتنديد بالاتحاد الأوروبي وللمطالبة بإصلاح جذري. وقالت زعيمة الحزب جيورجيا ميلوني "تجربة الاتحاد الأوروبي انتهت بالنسبة لنا. يتعين طي صفحتها وعلينا البدء في طريق جديد سويا هو اتحاد (كونفيدرالية) من دول حرة وذات سيادة." اعتادت إيطاليا أن تكون واحدة من أكثر الدول الأوروبية تأييدا للاتحاد الأوروبي لكن التأييد تراجع مع شعور الكثير من الأشخاص بالغضب تجاه العملة الأوروبية الموحدة التي يلقون عليها باللوم في التراجع الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ إطلاق العملة في 1999.
وعبر بعض الأشخاص أيضا عن استيائهم من تدفق أكثر من نصف مليون مهاجر منذ 2014 واتهموا الاتحاد الأوروبي بالتقاعس عن مساعدة إيطاليا في التعامل مع الوافدين. وانتشرت في أنحاء المدينة ملصقات تحمل وجوه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلون يونكر مكتوب عليها "الكثير جدا من المهاجرين؟.إنها غلطتهم."
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس أن 24 في المئة فقط من الإيطاليين يعتقدون إن الاتحاد الأوروبي جلب مزايا لإيطاليا في حين قال 44 في المئة إنه جلب مساوئ. وقال نحو 75 في المئة من الأشخاص إن إيطاليا كانت مهمشة أو كان لها دور ثانوي داخل الاتحاد الأوروبي. وقال عامل من باري يدعى سابينو دي رازا (52 عاما) " نحن ضد الأشخاص الذين يحتفلون بأوروبا هذه التي خرجت للنور لتحقيق الرفاهية للجميع لكن في واقع الأمر لم تجلب سوى الفقر إلى جنوب أوروبا خلال السنوات العشر الماضية."
وعلى مسافة لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد رفع أنصار الاتحاد الأوروبي علما ضخما للاتحاد قرب معبد فيستال فيرجينز الروماني القديم في حين دوى النشيد الأوروبي لبيتهوفن "نشيد الفرح" عبر مكبرات للصوت. وقال اسكتلندي يعيش في إيطاليا منذ 1970 ويدعى أندرو ماكميلان "خدم والدي في الحربين العالميتين وأصبحت حياته بائسة بسبب الحرب. (أنا) ولدت قرب نهاية الحرب العالمية الثانية ومنح الاتحاد الأوروبي ،ليس من خلال القوة، الاطمئنان." بحسب رويترز.
وانضم بريطانيون أيضا إلى المسيرة المؤيدة للاتحاد الأوروبي ووصفوا تصويت بريطانيا العام الماضي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه كان مؤلما. وقال روسيل أوينز (51 عاما) ويمتلك شركة لتوزيع الصحف في زغرب وينحدر في الأساس من ليفربول "إذا كنا نقدره فعلينا أن نقاتل من أجله (الاتحاد الأوروبي)." وشارك آلاف الأشخاص أيضا في مسيرة في وسط لندن للاحتجاج على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وذلك قبل أيام من إطلاق رئيس الوزراء تيريزا ماي بدء عملية الانفصال الرسمي من الاتحاد الذي انضمت إليه بريطانيا قبل 44 عاما.
ثورة على التحالف
من جانب اخر دعا رئيس الحكومة المجرية اليميني الشعبوي فيكتور أوربان زملائه من القادة الأوروبيين الشعبويين الى اعلان "ثورة على التحالف غير المقدس بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي والاعلام الليبرالي والرأسمالية النهمة"، على حد تعبيره. ومن المعلوم ان الاتحاد الأوروبي يواجه حقبة من الاضطراب عقب تصويت الناخبين البريطانيين باخراج بلادهم من الاتحاد، والتوقعات بفوز الاحزاب الشعبوية اليمينية المعادية له في الانتخابات المزمع اجراؤها في هولندا وفرنسا والمانيا هذه السنة.
ودعا اوربان، الذي يواجه حزبه، حزب فيديش، انتخابات جديدة عام 2018 بعد فترتين قضاها في الحكم، زعماء أوروبا الشعبويين القوميين الى الاتيان "بتغيير عميق ولكن سلمي" في القارة الأوروبية. يذكر ان الزعيم اليميني الشعبوي خيرت فيلدرز الذي يتزعم حزب الحرية الهولندي الذي يتخذ منحى معاديا للاسلام والاتحاد الاوروبي قد يفوز بمعظم الاصوات في الانتخابات النيابية التي تجرى اليوم الاربعاء في هولندا، ولكن كثيرين يعتقدون انه لن يتمكن من تشكيل ائتلاف مستقر.
وقال اوربان للآلاف من مؤيديه في العاصمة المجرية بودابست "ما زالت لدينا الفرصة لتوجيه الطاقات الثورية المتصاعدة ضمن مسار دستوري من شأنه تغيير الامبراطورية الأوروبية، بطريقة سلمية ومنظمة." واضاف رئيس الحكومة المجرية ان التململ السياسي في تصاعد حول العالم نتيجة التحديات التي تشكلها لسيادة الدول الرأسمالية العالمية المتغولة والبيروقراطيات الدولية (في اشارة الى الاتحاد الاوروبي). وقال إن الشعوب تعبر عن غضبها مما تراه ضعفا من جانب المؤسسات الدولية تجاه مشكلة الهجرة.
وقال "من أجل الحفاظ على استقلالنا يتوجب علينا خوض المعارك التي تنتظرنا ببسالة وشجاعة. علينا التصدي لبروكسل (الاتحاد الاوروبي) والدفاع عن حدودنا والوقوف بوجه التوطين الجماعي"، مضيفا ان الحكومات يجب ان تكون "في ايدي القوى القومية." واستخدم معارضو اوربان الصافرات في محاولة لمنعه من القاء كلمته.
اضف تعليق