ما تزال قضية العداء المستمر وتوتر العلاقات بين ايران والسعودية، محط اهتمام واسع خصوصا وان الفترة الأخيرة التي أعقبت تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد شهدت وبحسب بعض المراقبين تحركات سعودية مكثفة من اجل العمل على بناء تحالفات جديدة في سبيل تضيق الخناق على طهران، المتهمة من قبل الرياض ودول خليجية أخرى بإثارة المشاكل في العراق وسوريا واليمن والبحرين وحتى في السعودية، فيما تتهم إيران السعودية بالتآمر مع الولايات المتحدة على تدميرها، هذا العداء المتبادل يمكن ان يسهم بخلق ازمات ومشكلات جديدة في المنطقة، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الامني بسبب الصراعات والحروب بالوكالة.
وبخصوص هذا الملف المهم يرى ديفيد وينبيرغ، الخبير في الشؤون السعودية في الدفاع والديمقراطيات وكما نقلت بعض المصادر، إن الرياض لا تزال قلقة من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة سواء في سوريا أو اليمن، لافتا على أن المملكة مترددة على حد تعبيره في زيادة دورها ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق والشام أو ما يُعرف بـ"داعش،" في سوريا.
ويذكر أن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قال في اجتماع جمعه مع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إن "أي منظمة إرهابية في العالم هدفها في التجنيد وهدفها في الترويج للتطرف يبدأ أولا في السعودية التي فيها قبلة المسلمين"، وقال: "إذا تمكنوا من السعودية فسيتمكنون من العالم الإسلامي كله، ولذلك نحن الهدف الأول، ولذلك نحن أكثر من نعاني، ولذلك نحتاج العمل مع حلفائنا وأهمهم الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم"، وتابع: "اليوم نحن متفائلون للغاية بقيادة الرئيس ترامب ونعتقد أن التحديات ستكون سهلة بقيادته".
واشنطن والرياض
في هذا الشأن قال مستشار الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، إن الأمير والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتفقا على أن إيران تشكل تهديدا أمنيا للمنطقة. وأضاف مستشار الأمير، في بيان، أن اجتماعا عُقد بين الجانبين، شكّل "نقطة تحول تاريخية" في العلاقات السعودية-الأمريكية. وكانت المملكة العربية السعودية تنظر بعدم الارتياح إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إذ شعرت المملكة بأن إدارة أوباما اعتبرت تحالفها مع الرياض أقل أهمية من التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران المبرم عام 2015.
وشدد المستشار على أن "الاجتماع أعاد الأمور إلى مسارها الصحيح، ويمثل فرصة كبيرة في العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية." وشهدت العلاقات الأمريكية-السعودية توترات وأزمات إبّان حكم أوباما بعد عقود من التحالف الاستراتيجي بين البلدين. وفي أواخر العام الماضي، علّق أوباما بيع ذخائر أمريكية دقيقة التوجّه للسعودية، في رد فعل على سقوط آلاف الضحايا من المدنيين نتيجة ضربات جوية تقودها السعودية في اليمن.
كما أقرّ الكونغرس في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 نهائيا قانون تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب، المعروف اختصارا بـ "جاستا"، الذي يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 بمقاضاة المسؤولين السعوديين على الأضرار التي لحقت بهم. ومُرر القانون على الرغم من استخدام البيت الأبيض حق النقض (فيتو). وردّت الرياض آنذاك بأن اعتماد الكونغرس القانون "يقوض مبدأ المساواة والحصانة السيادية وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين". وتنفي الحكومة السعودية مسؤوليتها عن الهجوم، كما حاولت الضغط على واشنطن من أجل عدم إصدار التشريع. وكان 15 شخصا، من مجموع 19 شاركوا في اختطاف الطائرات واستخدامها في هجمات 11 من سبتمبر، مواطنين سعوديين.
السعودية واسرائيل
الى جانب ذلك انتقد المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي "التناغم ضد ايران" في مواقف السعودية واسرائيل في القضايا الاقليمية، بحسب ما اوردت وكالة الانباء الايرانية الرسمية. وقال المتحدث "ان التناغم (بين السعودية واسرائيل) ضد ايران ليس من قبيل الصدفة. هناك الكثير من الادلة والقرائن التي تظهر تنسيقا بين هذين النظامين في الملفات الاقليمية". واضاف "بغية التعويض عن فشلهما واحباطاتهما الكثيرة في المنطقة، يعتقد النظامان انه عليهما اثارة الاجواء الدولية ضد ايران".
وتابع المتحدث ان "ما يؤسف له ان هذا المسؤول في كيان الاحتلال (الاسرائيلي) يعول صراحة على التعاون والتنسيق مع دولة اسلامية في المضي بسياساته المناهضة لايران دوما". وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اشاد لدى زيارته واشنطن "بفرصة لا سابق لها لان عددا من الدول العربية لم تعد تعتبر اسرائيل عدوا بل حليفا ضد ايران وداعش القوتين التوأمين للاسلام اللتين تهددانا جميعا". بحسب فرانس برس.
وكرر مسؤولون سعوديون واسرائيليون في الايام الاخيرة ان ايران تشكل التهديد الرئيسي في المنطقة. وتندد السعودية وحليفاتها السنية مع اسرائيل ما تسميه "تدخلات" ايران في المنطقة وخصوصا في سوريا والعراق واليمن والبحرين. وترفض ايران الشيعية هذه الاتهامات مؤكدة ان السعودية تشجع المجموعات "المتطرفة" مثل تنظيم داعش والقاعدة. واكد المتحدث الايراني ان اتهامات المسؤولين السعوديين لايران "لا يمكن ان تنسي العلاقات الايديولوجية والمالية والمخابراتية بين النظام السعودي والمجموعات التكفيرية التي ارتكبت جرائم ضد السكان الابرياء في المنطقة".
التعامل مع إيران
على صعيد متصل قال اللواء أحمد عسيري، المتحدث الرسمي باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، إن الوقت قد حان "كي يتغير سلوك إيران في المنطقة، ووقف تدخل طهران في الدول المجاورة". وأضاف عسيري الذي يعد أهم مستشاري وزارة الدفاع السعودية، إن المجموعة الدولية بحاجة إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران. وتأتي تصريحات عسيري، في وقت أعلن فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فالون أن إيران تقوم بـ " سلوك ضار" بعد التجربة الصاروخية البالستية التي أجرتها مؤخرا، وأن البيت الأبيض يوجه لها إنذارا، منذ إطلاقها التجربة الصاروخية الأخيرة.
مسألة الاستراتيجية الجديدة للتعامل مع إيران وضعت على رأس القضايا التي يتم بحثها على مستوى وزارة الخارجية السعودية أحمد عسيري, المتحدث باسم قوات التحالف العربي في اليمن وقال المسؤول السعودي إنه "يجب على إيران أن تعود إلى حدودها، ويعني ذلك أن تكف طهران عن التدخل في دول مثل العراق وسوريا واليمن، وإذا قررت واشنطن الموقف ذاته، فهذا شيء عظيم.".
وفي سؤال بشأن طبيعة الخطوات التي يجب اتخاذها، قال العسيري: "إن كل الخيارات مفتوحة وموضوعة على طاولة النقاش". وعما إذا كان من شأن أي توتر مع إيران أن يزيد تفاقم الصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، قال العسيري إن "تلك التوترات موجودة في الأصل، وإن التهديد الإيراني للمنطقة خطير". وتنفي إيران تدخلها في شؤون الدول العربية، وتقول إن أي تحرك لها في لمنطقة لا يكون إلا بطلب من حكومات تلك الدول. بحسب بي بي سي.
وفي تطور جديد، قالت الحكومة الإيرانية إنها لن تستخدم القوة ضد أحد، إلا في حالة الدفاع عن النفس. جاء ذلك في تغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ردا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أبدى مواقف متشددة تجاه إيران، خاصة بعد إطلاقها صاروخا تجريبيا متوسط المدى قبل أيام. وتحدى ظريف في تغريدته دولا لم يسمها، وقال: "لن نستخدم القوى إلا في حالة الدفاع عن النفس، ودعونا نرى إذا كان بإمكان أي من الجهات التي تشتكي أن تقوم بذات الشيء".
إيران ترد
من جانب اخر قال بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إن المملكة العربية السعودية على حد تعبيره تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وذلك في رد على التصريحات التي أدلى بها ولي ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، لصحيفة أمريكية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية على لسان المتحدث قوله: "إن السعودية تقوم من خلال دعمها للمجموعات التكفيرية والارهابية بزعزعة الاستقرار في المنطقة.. السعودية تعد من اللاعبين الذين يعتبر تعديل تصرفاتها ضرورة بالنسبة للسلام والاستقرار في المنطقة."
واتهم قاسمي السعودية بأنها خلف "الإرهاب التكفيري" وأتهمها بالتورط في الصراعات في سوريا والعراق واليمن من جهة. ويذكر أن ولي ولي عهد السعودية قال بمقابلة مع صحيفة فورين افيرز الأمريكية: "إن التشدد لا علاقة له بالوهابية، فإذا كانت الوهابية نشأت منذ ثلاثة قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا مؤخرا؟" وعن إيران قال الأمير السعودي: "لا يوجد أي نقطة في التفاوض مع إيران لالتزامها بتصدير أيدولوجيتها الإقصائية الانخراط في الإرهاب وتصديره وانتهك سيادة الدول الأخرى.."
في السياق ذاته وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، تصريحات وزير الخارجية السعودي التي اتهم فيها طهران بنقل أسلحة إلى الحوثيين في اليمن، بـ"المزاعم الجوفاء"، معتبرا أن سببها هو "الهزائم المنكرة" لبلاده في اليمن، على حد قوله. وتقود المملكة العربية السعودية تحالفا عسكريا عربيا لدعم سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف به دوليا، في مواجهة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وأضاف قاسمي أن "اسقاطات السعودية وهروبها المتتالي إلى الأمام، لن يغيرا من الحقائق القائمة شيئا والجيش اليمني والقوات الشعبية لا حاجة لهم إلى مساعدات خارجية"، وتابع: "مزاعم الجبير المتكررة والجوفاء فيما يخص إرسال أسلحة إلى اليمن، هي نوع من التخبط الناجم من الهزائم المنكرة والمتتالية للتحالف السعودي في حربه ضد الشعب اليمني الأعزل"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
ورأى قاسمي أن "إيران دولة قوية في المنطقة، وفي ظل دورها البناء دوما والداعم للاستقرار والرائد في مكافحة الإرهاب، لا حاجة لها للتدخل في شؤون البلدان الإسلامية في المنطقة، وتنصح الجبير وحكام السعودية بتغيير أساليبهم البالية وعديمة الجدوى"، على حد تعبيره. وقال قاسمي: "على حكام السعودية الواهمين، إن عاجلا أم آجلا، تحمل المسؤولية أمام الرأي العام العالمي إزاء ما ارتكبوه من جرائم مناهضة للإنسانية في اليمن خلال نحو عامين، وتوجيههم التهم هكذا لن يقلل من مسؤوليتهم الدولية في ارتكاب جرائم حرب في اليمن".
اضف تعليق