يواجه اقليم كردستان العراق الذي يعاني من مشكلات وأزمات كبيرة، بسبب استمرار حالة الانقسام والخلاف بين حكومة الاقليم والحكومة المركزية في بغداد، تحديات إضافية قد تكون سببا في حدوث صراع الداخلي بين الأكراد، بهدف فرض السيطرة على مدن جديدة او لتحقيق مكاسب مالية واقتصادية، ويخوض إقليم كردستان العراق حربا ضد تنظيم داعش حيث تمكنت قوات البيشمركة الكردية، من بسط سيطرتها على مساحات يعتبرها قادة الإقليم مهمة لحماية أمنه، والحرب على التنظيم جاءت وكما نقلت المصادر، موازية لحرب داخلية باردة استمرت أكثر من عام، بين بعض الاحزاب الكردية، ويبدو أن معطيات الواقع الجديد، خاصة بعد أن شارفت الحرب ضد داعش على نهايتها حسب الحكومة العراقية، قد انعكست على الخريطة السياسية للإقليم، التي شهدت تحركات وتطورات جديدة قد تكون سببا في اندلاع صراع كردي، خصوصا مع وجود اطراف داخلية و خارجية تسعى الى تأجيج مثل هكذا صراعات، في سبيل منع قيام دولة كردية مستقلة وبالتالي تحقيق مصالحها في المنطقة.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد صرح رئيس حكومة اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني انه يريد مناقشة "استقلال" هذه المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي فور استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش. وقال بارزاني لمجلة "بيلد" الالمانية في تصريحات نقلت باللغة الالمانية ان "الامور ناضجة منذ فترة طويلة (للاستقلال) لكن حاليا نركز على المعركة ضد التنظيم ".
واضاف "فور تحرير الموصل سنجتمع مع شركائنا في بغداد لنتباحث في استقلالنا. انتظرنا طويلا وكنا نعتقد انه بعد 2003 (غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة) ستكون هناك انطلاقة جديدة لعراق جديد ديموقراطي. لكن هذا العراق فشل". وتابع نيجيرفان بارزاني "هنا، نحن لسنا عربا بل امة كردية. الاسرة الدولية يجب ان تنظر الى ذلك بطريقة واقعية". وتابع "عندنا، لا يوجد جيش عراقي ولا شرطة عراقية. في وقت ما سيكون هناك استفتاء حول استقلال كردستان، لنترك الناس يقررون".
ودعا مسعود بارزاني رئيس الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ 1991 وعم نيجيرفان بارزاني دعا في وقت سابق الى اجراء استفتاء حول دولة كردية في شمال العراق ما ادى الى تصاعد التوتر مع السلطة المركزية في بغداد. وقال نيجيرفان بارزاني ان استعادة الموصل "ستتم خلال ثلاثة اشهر على الاكثر" مع مواصلة تقدم القوات العراقية.
اشتباكات بين الاكراد
الى جانب ذلك قال مصدران أمنيان كرديان إن اشتباكات اندلعت بين جماعتين كرديتين متنافستين في منطقة سنجار بشمال غرب العراق. وتفجرت الاشتباكات بعد أن انتشرت قوات من البشمركة روج آفا قرب الحدود السورية متعدية على أراض خاضعة لسيطرة جماعة محلية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
وتسلط الاضطرابات الضوء على خطر الصراع والتنافس على النفوذ بين القوى المتعددة المعادية لتنظيم داعش والتي يعتمد كثير منها على رعاة إقليميين للحصول على دعم سياسي وأسلحة. وقال مصدر أمني كردي "هناك شهداء ومصابون من الجانبين." وتتكون قوات البشمركة روج آفا من أكراد من سوريا وجرى تشكيلها وتدريبها في العراق بدعم من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا.
وتخوض تركيا حربا ضد حزب العمال الكردستاني الذي أصبح له موطئ قدم في سنجار بعد أن ساعد الأقلية اليزيدية بالعراق حين اجتاح تنظيم داعش المنطقة في صيف 2014. وشكل حزب العمال الكردستاني جماعة محلية تابعة له هناك تعرف باسم وحدات مقاومة سنجار. وقالت وحدات مقاومة سنجار في بيان إن القتال بدأ حين حاولت قوات من البشمركة روج آفا الاستيلاء على مواقعها في بلدة خناصور. واتهمت الوحدات تركيا بالتحريض على العنف. وأضاف البيان قائلا "إنها مبادرة استفزازية تماما." بحسب رويترز.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن حزب العمال الكردستاني يمثل "تهديدا للحكومة الإقليمية الشرعية بشمال العراق وتستخدمه بعض الدول ضد الإدارة الحالية هناك." وأضاف قائلا للصحفيين في أنقرة "من واجبنا تدمير هذه التنظيمات الإرهابية أينما تكون." وما زال معظم اليزيديين بعيدا عن ديارهم لكن بعض الأسر التي عادت إلى سنجار فرت مجددا. ومن بين الفارين شاب عمره 19 عاما من بلدة خانصور التي وقعت فيها الاشتباكات. وقال الشاب الذي طلب عدم نشر اسمه "إنه صراع بين حزبين سياسيين لكن اليزيديين هم الضحايا."
نفط كركوك
من جانب اخر يواجه إقليم كردستان العراق توترات متزايدة بين الحكومة وفصيل المعارضة الرئيسي الذي أوقف لفترة وجيزة تدفق النفط من الإقليم شبه المستقل في وقت سابق ويهدد بمزيد من الإجراءات في الأيام القادمة. وفي بؤرة ذلك النزاع حقل كركوك النفطي الضخم بشمال العراق والذي يمكنه ضخ نحو 150 ألف برميل من النفط يوميا ويصدر الإنتاج إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.
وبدأت حكومة إقليم كردستان -التي يقودها الرئيس مسعود البرزاني والتي تتخذ من العاصمة اربيل مقرا لها- تصدير النفط من كركوك بشكل مستقل في 2014 لكنها توصلت إلى اتفاق مع بغداد العام الماضي لتقاسم الإيرادات مناصفة. ولقي الاتفاق معارضة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر على منطقة كركوك وهو المنافس التاريخي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني ومقره اربيل.
وسيطرت قوات موالية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على منشآت كركوك وأوقفت ضخ النفط لفترة وجيزة وهددت بالمزيد من الإجراءات. وتعيد تلك التطورات إلى الذاكرة توقف ضخ النفط الذي دام طويلا بين عامي 2015 و2016 حين جرى إعادة ضخ ربع نفط كركوك مرة أخرى إلى الأرض لعدة أشهر. وكلف هذا المنطقة خسائر في الإيرادات بلغت نحو مليار دولار وسط خلاف بين المجموعتين الكرديتين والحكومة المركزية في بغداد بشأن تقاسم الإيرادات.
وقالت نائبة كبيرة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إن عملية السيطرة على المنشآت ترجع إلى حالة الإحباط بين السكان المحليين سواء من الحكومة في بغداد أو القيادة الكردية في اربيل. وقالت النائبة آلا طالباني التي تترأس كتلة نواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي في بغداد إن السلطات المحلية غير راضية عن عدم استعداد بغداد واربيل لبناء مصفاة محلية كي يستطيع سكان المحافظة نيل حصتهم من إيرادات النفط الدولارية. وقالت طالباني إن ما حدث رد فعل طبيعي بعدما استأنفت الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان صادرات النفط بدون تنفيذ هذا الشرط.
ويقول مسؤولون أمنيون ومصادر أمنية إن قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لا تزال مسيطرة على منشآت الضخ الواقعة على بعد نحو 15 كيلومترا غرب مدينة كركوك رغم أنهم سمحوا باستئناف تدفق النفط بعد أن أوقفوه لعدة ساعات. وقال مصدر مطلع على عمليات كركوك إن الاتحاد الوطني الكردستاني يرغب في إلغاء اتفاق تقاسم نفط كركوك الحالي في غضون أسبوع. وقال إن هناك خطرا يتمثل في توقف ضخ النفط مرة أخرى. بحسب رويترز.
وكان مسؤول بالاتحاد الوطني الكردستاني قال إن قوات الاتحاد ستوقف تدفق النفط مرة أخرى ما لم تتم الاستجابة لمطالبهم في غضون أسبوع. وأدارت شركة نفط الشمال ومقرها بغداد حقل النفط حتى عام 2014 حينما سيطرت قوات البشمركة الكردية على منطقة كركوك بعد أن استولى مسلحو تنظيم داعش على ثلث العراق وتفككت القوات المحلية التابعة لبغداد. ووافق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على اتفاق تقاسم نفط كركوك القائم حاليا بين اربيل وبغداد. وقبل توقيع الاتفاق اقترحت السلطات المحلية في كركوك وبعض مسؤولي شركة تسويق النفط العراقية الحكومية سومو تصدير النفط من كركوك عبر إيران.
تقاسم الاراض
على صعيد متصل يدور خلاف علني بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني حول السيطرة على اراض في الموصل بعد استعادتها من ايدي الجهاديين رغم ان معركة السيطرة على المدينة لا تزال طويلة. وعزز اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي خلال المعركة على الموصل مكاسبه وسيطرته على مناطق شاسعة من الاراضي المختلف عليها شمال العراق.
وخيم الخلاف على الاراضي بين كردستان وبغداد على المعركة ضد الجهاديين، وعاد الى الواجهة مرة اخرى مع تقدم القوات في المعركة ضد الجهاديين. وقدم كل من بارزاني والعبادي تفسيرات مختلفة حول من سيسيطر على بعض اراضي الموصل بعد استعادة المدينة. وصرح بارزاني "اتفقنا مع اميركا على عدم انسحابنا من المناطق الكردستانية". ويصر كردستان العراق على ان المناطق المحاذية لحدوده الرسمية التي تمتد من الحدود مع سوريا غربا الى ايران شرقا هي جزء من المناطق التي يجب ان يسيطر عليها، وهو الامر الذي تعارضه بغداد بشدة.
وقال بارزاني ان "هذه المناطق حررت بدماء 11 ألف و500 شهيد وجريح من البشمركة، ومن غير الممكن بعد كل هذه التضحيات أن نقبل بالتعامل المباشر للمركز مع المحافظات". ورد مكتب العبادي بما وصفه ب"التوضيح". وقال ان الاتفاق بين بغداد وكردستان يدعو تحديدا الى انسحاب قوات البشمركة. واشار البيان الى ان الاتفاق يشتمل على بند محدد بانسحاب البشمركة من المناطق المحررة بعد تحرير الموصل. واضاف ان الاتفاق ينص على عودة البشمركة الى الاماكن السابقة التي كانوا يسيطرون عليها قبل شن عمليات تحرير الموصل. بحسب فرانس برس.
ودخلت القوات الكردية الى المناطق التي اخلتها القوات العراقية التي انسحبت اثناء الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في 2014 وسيطر على مناطق شاسعة شمال وغرب بغداد. وخسرت القوات الكردية بعض هذه الاراضي لتنظيم داعش الا انها قامت بعد ذلك بصد الجهاديين بشكل مستمر فيما كانت تتقدم القوات العراقية في مناطق الى الجنوب. وشنت القوات العراقية عملية لاستعادة الموصل في 17 تشرين الاول/اكتوبر ولعبت القوات الكردية دورا مهما في المراحل الاولى من العملية الا انها قالت لاحقا ان عملياتها الهجومية انتهت.
تدمير القرى العربية
الى جانب ذلك قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن الكردية العراقية دمرت بلا أي سند قانوني منازل وقرى عربية في شمال العراق خلال العامين الماضيين فيما قد يعد جريمة حرب. ويشكل مقاتلو البشمركة الأكراد جزءا من تحالف عراقي قوامه 100 ألف مقاتل يخوض معركة لاستعادة الموصل من تنظيم داعش لكنه لم يحقق حتى الآن سوى تواجد ضئيل في المدينة. وتدعم ضربات جوية بقيادة الولايات المتحدة ومستشارون أمريكيون هذا التحالف.
لكن هناك أحقادا لا تزال قائمة وتعود إلى عقود من إساءة معاملة الأكراد من العرب الحاكمين في بغداد خاصة تحت حكم صدام حسين. وكان استقصاء أجرته رويترز خلص إلى أن الأكراد يستغلون الحرب على داعش لتسوية نزاعات قديمة والاستيلاء على أراض في قطاع تعيش فيه أعراق مختلفة ويفصل بين المنطقة الكردية في الشمال والجزء الذي تقطنه أغلبية عربية في الجنوب.
وقالت المنظمة ومقرها في نيويورك في تقرير إن الانتهاكات التي وقعت بين سبتمبر أيلول 2014 ومايو أيار 2016 في 21 بلدة وقرية داخل مناطق متنازع عليها بمحافظتي كركوك ونينوي انتهجت "نمطا من عمليات الهدم غير القانونية على ما يبدو". وتخضع هذه المناطق شكلا لسلطة بغداد لكن تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان التي طردت تنظيم داعش من مناطق بشمال العراق كان التنظيم قد استولى عليها في 2014 واستقبلت أكثر من مليون شخص معظمهم من العرب السنة الذين شردهم الصراع.
ونفت حكومة إقليم كردستان تبني أي سياسة منهجية لتدمير منازل العرب لكنها قالت إن البشمركة نفذوا عمليات هدم لأسباب أمنية مثل تطهير المنازل المفخخة. واعتمد تقرير هيومن رايتس ووتش على أكثر من 12 زيارة ميدانية ومقابلات مع أكثر من 120 شاهدا ومسؤولا. ويشير تحليل لصور التقطتها الأقمار الصناعية إلى أن تدمير الممتلكات استهدف السكان العرب بعد فترة طويلة من انتهاء أي ضرورة عسكرية للقيام بمثل هذه الأعمال.
وقال جو ستورك نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "في قرية تلو الأخرى في كركوك ونينوي دمرت قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان منازل عرب ولكن ليس (منازل) يملكها أكراد دون غرض عسكري مشروع." وقدمت صور الأقمار الصناعية أدلة على أعمال تدمير في 62 قرية أخرى بعد سيطرة قوات الأمن الكردية عليها لكن هيومن رايتس ووتش قالت إن غياب روايات الشهود جعل من الصعب تحديد السبب والمسؤولية في هذه الحالات.
وعبر مسؤولون أكراد عن نيتهم ضم الأراضي التي تنتزع من داعش إلى إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي ومنع السكان العرب من العودة إلى مناطق جرى "تعريبها" قبل عقود إبان حكم صدام حسين. وقال ديندار زيباري رئيس اللجنة الحكومية في كردستان المكلفة بالرد على التقارير الدولية إن السلطات أجرت تحقيقا شاملا لفحص الحالات في قرى بعينها.
وقال للصحفيين في أربيل إن هناك هدفا استراتيجيا من تدمير منازل أو عدد من تلك القرى بسبب وجود كمية كبيرة من العبوات الناسفة بدائية الصنع في تلك المناطق خاصة في الممتلكات المدنية وهو ما كان سببا رئيسيا في التدمير الذي تلا عملية تحرير تلك المناطق على حد قوله. وأضاف أن القوات في بعض الأحيان لا يكون أمامها خيار وتدمر قدر ما تستطيع قبل دخول قرية لضمان أن تصبح المنطقة آمنة. بحسب رويترز.
وعزا زيباري بقية الأضرار التي لحقت بتلك المناطق إلى الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على مواقع داعش أو إلى تبادل القصف المدفعي أثناء المعارك. وقال إن مسلحين موالين للبشمركة هدموا بعض المنازل في ما بدا أنه انتقام لكنه نفى مشاركة البشمركة أنفسهم في تلك الحالات. ودعت المنظمة الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في التحالف الدولي الذي يدعم القوات العراقية في قتالها للتنظيم المتشدد إلى الضغط على السلطات الكردية لوقف هدم المنازل.
اضف تعليق