العلاقات بين برلين وأنقرة تدهورت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، التي أعقبت الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، حيث تواصلت الحرب الكلامية بين البلدين على خلفية اتهامات لاذعة بانتهاك حرية التعبير، خصوصا بعد إلغاء وكما ذكرت بعض المصادر تجمعات داعمة لرجب طيب إردوغان في ألمانيا، ما أثار استياء تركيا، التي عمدت في وقت سابق باعتقال مراسل صحيفة دي فيل الألمانية الصحفي دينيز يوغيل بتهمة "الدعاية الإرهابية، وقال سيغمار غابرييل وزير الخارجية الألماني إن الاعتقال تسبب بأضرار جسيمة للعلاقات بين البلدين.
وبدأ التوتر بعد قرار السلطات الألمانية المحلية إلغاء تجمعين داعمين لإردوغان قبل أسابيع من موعد الاستفتاء المقرر في 16 نيسان/ أبريل حول تعديل دستوري من أجل توسيع صلاحيات الرئيس التركي الذي يتهمه معارضوه بانتهاج سياسة قمعية. وأعلنت الشرطة الألمانية إلغاء تجمع اخر كان يفترض أن يشارك فيه وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبقجي. ويذكر أنه من بين أكثر من 3 ملايين شخص من أصل تركي يعيشون في ألمانيا، يحق لنحو 1.4 مليون شخص التصويت في الاستفتاء المثير للجدل المقرر في الشهر المقبل.
وفي هذا الشأن هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ألمانيا بشدة متهما سلطاتها ب"إيواء إرهابيين" ومؤكدا أن صحافيا ألمانيا تركيا موقوفا في بلاده هو انفصالي كردي و"جاسوس ألماني" في الوقت نفسه. وقال أردوغان غاضبا في إسطنبول"يمنعون وزير عدلنا من الكلام، ووزير اقتصادنا من الكلام". واتهم الرئيس التركي ألمانيا بإجازة تجمعات الانفصاليين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين" مؤكدا أنه "يجب محاكمة (السلطات الألمانية) لأنها تساعد الإرهابيين وتؤويهم".
كما أعلنت برلين أن اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصحافي الألماني التركي المسجون في تركيا بالتجسس ووصفه إياه بالانفصالي الكردي، "لا معنى له". وأفاد بيان مقتضب لوزارة الخارجية الألمانية أن هذه الاتهامات "لا معنى لها" . وتعرضت الحكومة الألمانية لانتقادات شديدة من قبل المعارضة لموافقتها على انعقاد التجمعات المؤيدة لتوسيع صلاحيات أردوغان في وقت يتهمه معارضوه بانتهاج سياسة قمعية خصوصا بعد محاولة الانقلاب. فقد شنت السلطات التركية بعد الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو الماضي حملة تطهير غير مسبوقة أدت إلى توقيف 43 الف شخص واقالة او توقيف اكثر من مئة الف آخرين عن العمل. وشملت الإجراءات أيضا أوساط الأكراد ووسائل الإعلام غير الموالية للحكومة ما أثار انتقادات دول أوروبية خصوصا ألمانيا.
اتهامات كبيرة
على صعيد متصل اتهمت تركيا ألمانيا بالإقدام على سلوك مشين جراء إلغائها تجمعين لمواطنين أتراك في بلدتين ألمانيتين كان يفترض أن يتكلم خلالهما وزيران تركيان مشيرة إلى أن برلين توفر ملجأ لأشخاص يرتكبون جرائم ضد أنقرة. وتظهر تصريحات وزير العدل بكر بوزداج الذي كان من المفترض أن يلقي كلمة أمام تجمع في بلدة جاجناو في جنوب شرق ألمانيا قبل إلغائه ترديا متزايدا في العلاقات بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي.
وقال في خطاب "ليلقوا نظرة على تاريخهم. نرى أن الأمراض القديمة قد عادت للظهور. عليهم أن ينشغلوا بمعالجة هذه الأمراض." وقال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو للصحفيين إنه يتعين على ألمانيا أن "تتعلم كيف تحسن التصرف" إذا أرادت أن تحافظ على العلاقات. وكان من المقرر أن يلقي بوزداج كلمة أمام أنصار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إطار مساعي أنقرة لحشد الدعم بين الجالية التركية في ألمانيا والتي يقدر عدد أفرادها بنحو مليون ونصف المليون لاستفتاء من المقرر أن يجري في أبريل نيسان بشأن توسيع نطاق سلطات الرئيس.
وألغى بوزداج اجتماعا مقررا مع نظيره الألماني بعد إلغاء التجمع وعاد إلى تركيا. وقالت مصادر في الخارجية إن بوزداج استدعى السفير الألماني لاستيضاح الأمر. وكانت مدينة كولونيا الألمانية قد ألغت تجمعا مماثلا كان من المفترض أن يتكلم خلاله وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي على خلفية مخاوف أمنية. وقال مايكل فايفر رئيس بلدية بلدة جاجناو للتلفزيون الألماني إن السلطات أخلت مبنى البلدية بعد تلقي تهديد بوجود قنبلة.
وردا على سؤال لمحطة (إن-تي.في) التلفزيونية عما إذا كان التهديد مرتبطا بالإلغاء قال فايفر "نحن نفترض هذا حاليا ولكن لا نعرف على وجه الدقة." وتدهورت العلاقات المضطربة أصلا بين البلدين إلى مستوى جديد وسط انتقادات متنامية في ألمانيا لاعتقال تركيا الصحفي دينيز يوجيل مراسل صحيفة دي فيلت الألمانية. وقال سيجمار جابرييل وزير الخارجية الألماني للصحفيين في كييف إن الاعتقال تسبب بأضرار جسيمة للعلاقات بين البلدين. ووصف بوزداج ألمانيا بأنها الملجأ الآمن لأعداء تركيا.
وقال "ألمانيا اليوم باتت ملجأ لجميع من يرتكبون جرائم ضد تركيا مثل أعضاء حزب العمال الكردستاني وتنظيم كولن الإرهابي وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري وأولئك الذين قاموا بالانقلاب وكل من يرتكب جرائم ضد تركيا قد هربوا إلى هناك." وأضاف "هذا قرار يتخطى نطاق البلدية. إنه تصرف مشين ينافي الأصول الدبلوماسية." ويتهم إردوغان الداعية التركي فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة بتدبير الانقلاب في يونيو حزيران وصنف منظمته حركة إرهابية. بحسب رويترز.
وتخشى ألمانيا من تنامي التوتر مع تركيا وهي تسعى إلى تأكيد التزام أنقرة المستمر بالإجراءات التي تمنع التحركات الكبرى للاجئين من تركيا إلى أوروبا. وقال فايفر رئيس بلدية جاجناو إن قرار إلغاء التجمع في جاجناو لا يرتكز على معارضة سياسية لبوزداج أو لحكومة إردوغان. وأضاف فايفر "لدينا حرية التجمع هنا في ألمانيا وحرية التعبير عن الرأي. هذه قيم سامية. نحن في موقع لا يمكننا بموجبه حظر هذا إلا استنادا لمخاوف أمنية. لا نلعب دورا سياسيا."
الصحفي الألماني عميل
من جانب اخر رد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على انتقادات ألمانيا لاعتقال تركيا لصحفي ألماني من أصل تركي بالقول إن الصحفي دينيز يوجيل "عميل ألماني" وعضو في جماعة كردية مسلحة متشددة. وقال إردوغان خلال مراسم توزيع جوائز في اسطنبول "ليس هذا بسبب اعتقال مراسل لصحيفة دي فيلت ... هذا لأن هذا الشخص اختبأ في سفارة ألمانيا كعضو في حزب العمال الكردستاني وكعميل ألماني لمدة شهر. عندما طلبنا منهم تسليمه ليُحاكم رفضوا."
وقال مصدر في وزارة الخارجية الألمانية إن وصف يوجيل الذي يحمل جنسية ألمانية تركية مزدوجة بأنه "عميل" أمر "سخيف". وقال إردوغان إنه قال للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "نحن نطلب إرهابييكم وتقولون إن القضاء محايد ومستقل. نحن نثق في قضائنا المحايد والمستقل. سلموه ليتسنى محاكمته." وتابع قائلا "في البداية لم يسلموه لكن لاحقا وبطريقة ما فعلوا. قام القضاء بما هو ضروري واعتقله."
كما قال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إن معاملة تركيا لصحفي ألماني من أصل تركي ألحقت ضررا فادحا بالعلاقات بين البلدين مع إلغاء السلطات الألمانية محادثات مع مسؤولين أتراك بارزين. وأضاف جابرييل -الذي كان يتحدث أثناء زيارة إلى العاصمة الأوكرانية كييف- إن وزارة الخارجية تحدثت مرة أخرى مع السفير التركي في ألمانيا وأكدت على الحاجة إلى الحوار. بحسب رويترز.
وقال "أوضحنا للسفير مرة أخرى اليوم أنه عندما يأتي ضيوف من تركيا إلى ألمانيا فإننا نتوقع منهم ألا يكتفوا بحضور تجمعات انتخابية فقط بل أن يكونوا أيضا مستعدين للحوار مع وزير العدل أو وزير الاقتصاد أو وزير الخارجية أو أي كان." وتابع قوله "يجب أن نحل هذه المشكلة بأسرع ما يمكن.. الضرر الذي وقع بالفعل كبير للغاية."
زيارة إردوغان
من جانب اخر قالت برلين إن ألمانيا لم تخطر باعتزام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زيارتها قبل الاستفتاء على الدستور الذي يجري في 16 أبريل نيسان. ونقلت صحيفة بيلد عن دبلوماسي كبير قوله إن إردوغان يريد زيارة ألمانيا في مارس آذار لتشجيع ما يقدر بنحو 1.5 مليون مواطن تركي يعيشون هناك على التصويت بتأييد التعديلات التي تعزز دور الرئاسة.
ورأى بعض المعلقين أنه يجب أن ترفض ألمانيا هذه الزيارة أو على الأقل تبعث بإشارات قوية لإردوغان حتى لا يقوم بالدعاية للتعديلات الدستورية في ألمانيا. ويقول منتقدون إن التعديلات ستعطيه صلاحيات واسعة تضر بالديمقراطية. وقال مارتن شيفر المتحدث باسم الخارجية في مؤتمر صحفي "في اللحظة التي نخطر فيها بهذه الزيارة -ليس من خلال مصادر مجهولة في صحف ألمانية وحسب- سنتعامل معها."
وتوترت العلاقات بين ألمانيا وتركيا العضوين بحلف شمال الأطلسي في العام الأخير بسبب سلسلة من الخلافات منها قرار أصدره البرلمان الألماني يعلن مذابح الأرمن التي قامت بها القوات العثمانية عام 1915 إبادة جماعية. وفي يناير كانون الثاني بدأ المدعي العام الألماني التحقيق في مزاعم بقيام رجال دين أرسلتهم أنقرة إلى ألمانيا بالتجسس. وقال شيفر إن السلطات ستتحرى تقارير إعلامية أفادت بأن مسؤولين قنصليين في ولاية نورد راين فستفاليا شجعوا أولياء أمور ومعلمين أتراكا على التجسس على أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تحمله أنقرة المسؤولية عن التخطيط لمحاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو تموز الماضي. وأضاف أن السلطات ما زالت تدرس طلب أنقرة السماح للمواطنين الأتراك المقيمين في ألمانيا بالتصويت في الاستفتاء بالسفارات والقنصليات وهو ما حدث بالفعل في انتخابات تركية سابقة.
في السياق ذاته كشفت الحكومة الألمانية أن 136 تركيا يحملون جوازات سفر دبلوماسية "قدموا طلبات لجوء" إلى ألمانيا منذ محاولة الانقلاب ضد الرئيس رجب طيب أردوغان الفاشلة في منتصف تموز/يوليو الماضي، وهي مسألة شائكة وحساسة جدا للعلاقات بين البلدين. وصرحت وزارة الداخلية في رد خطي على سؤال من نائب من الخضر أن "الحكومة لا تملك أرقاما مفصلة حول عدد الجنود والموظفين الرسميين الذين فصلوا والدبلوماسيين وأفراد عائلاتهم، لكن الحكومة الفدرالية تعلم أن 136 شخصا يحملون جوازات سفر دبلوماسية تركية قدموا طلبات لجوء".
وقدمت كل هذه الطلبات بعد محاولة الانقلاب في منتصف تموز/يوليو التي حملت الرئيس التركي على إطلاق حملة تطهير واسعة النطاق في كل قطاعات المجتمع والتعليم والصحافة والجيش والقضاء. وفي كانون الثاني/يناير حثت وزارة الدفاع التركية برلين على رفض طلبات اللجوء التي قدمها حوالى أربعين عسكريين تركيا يخدمون في حلف شمال الأطلسي. وتطالب تركيا أيضا برلين بتسليم الأشخاص الذين يشتبه بضلوعهم في محاولة الانقلاب ولجؤوا إلى ألمانيا. بحسب فرانس برس.
ويذكر أن عدد طلبات اللجوء التي قدمها أتراك في ألمانيا عرف ارتفاعا كبيرا منذ محاولة الانقلاب ليرتفع من 1700 عام 2015 إلى 5700 السنة الماضية. وهذا الوضع يثير توترا في العلاقات بين أنقرة وبرلين منذ أشهر ووصل الأمر بالحكومة التركية إلى حد اتهام ألمانيا بإيواء "إرهابيين". من جهتها تنتقد ألمانيا حجم عمليات التطهير الجارية في تركيا.
أنشطة غير قانونية
على صعيد متصل قال رئيس المخابرات الداخلية الألمانية هانز جورج ماسين إن ألمانيا لن تتهاون مع عمليات المخابرات التركية داخل أراضيها. جاء تصريح ماسين بعد أن بدأ المدعي العام الألماني تحقيقا في عمليات تجسس محتملة من جانب رجال دين أتراك. وأضاف ماسين أن برلين تشعر بقلق بالغ تجاه ما يجري من تطورات في تركيا إضافة إلى "عمليات تأثير" موجهة ضد الأقلية التركية في ألمانيا أو الألمان من أصل تركي.
وقال ماسين للصحفيين في برلين " لا يمكن أن نقبل أن تعمل أجهزة مخابرات في ألمانيا ضد المصالح الألمانية وهذا هو سبب احتجاجنا." جاء التحقيق بعد أن تقدم فولكر بيك وهو مشرع ألماني ومتحدث ديني باسم حزب الخضر بشكوى جنائية بهذا الشأن أوائل ديسمبر كانون الأول. وتهدد القضية بزيادة التوتر في العلاقات بين ألمانيا وتركيا عضوي حلف شمال الأطلسي.
من جانبه نفى رئيس هيئة الشؤون الدينية في تركيا محمد جورمز ضلوع أئمة من الهيئة في أنشطة غير قانونية وقال إن التحقيقات بشأن مزاعم تجسس أساءت إلى سمعة الهيئة. جاءت تصريحات المسؤول التركي بعد مداهمة الشرطة الألمانية شققا لأربعة من الأئمة للاشتباه في تجسسهم على أتباع لرجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن لصالح الحكومة التركية. وتتهم أنقرة أتباع كولن بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو تموز الماضي.
وجددت المداهمات في ولايتي نورد راين فستفاليا وراينلاند بالاتينات التوترات بين عضوي حلف شمال الأطلسي الناجمة عن عدة قضايا منها هجمات المتشددين الإسلاميين وأزمة المهاجرين في أوروبا. وقال جورمز في مؤتمر صحفي "لا يسمح نهائيا لأي مسؤول ديني أن يتجه إلى أي نشاط خارج مهام وظيفته ولم يقع على الإطلاق أي حادث يمكن وصفه بأنه غير قانوني." والأئمة الأربعة أعضاء في جمعية "ديتيب" وهي أكبر جمعية للمساجد في ألمانيا وتضم في عضويتها علماء دين من تركيا يخدمون الجالية التي تنحدر من تركيا ويصل عددها إلى ثلاثة ملايين شخص. بحسب رويترز.
وقال مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا إن الأئمة تصرفوا بناء على أمر صدر العام الماضي من هيئة الشؤون الدينية التي تتهم كولن بتدبير محاولة الانقلاب. كان المكتب قد فتح في وقت سابق تحقيقا في عمليات مخابرات تركية في ألمانيا بعدما قدم نائب في البرلمان شكوى جنائية بذلك. وتحقق النمسا أيضا في مزاعم بضلوع تركيا في إدارة شبكة غير قانونية تستهدف أتباع كولن عبر سفارتها في فيينا. وتقول تركيا إن ألمانيا تؤوي متشددين من حزب العمال الكردستاني ويساريين شنوا هجمات في تركيا بينما ينفي المسؤولون الألمان ذلك.
اضف تعليق