q

ديفيد عوض

 

القاهرة — تأجيلات متتالية بين قاعات المحاكم من دون حكم نهائيّ حتّى الآن، هذه هي حال قضيّة إغلاق القنوات والمواقع الإلكترونيّة الشيعيّة، التي بدأت منذ تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016 بدعوى قضائيّة أقامها المحامي سمير صبري أمام الدائرة الثانية في محكمة القضاء الإداريّ، طالب فيها بوقف بثّ القنوات والمواقع الإلكترونيّة الشيعيّة في مصر، وكان آخر ما آلت إليه القضيّة هو قرار المحكمة في جلسة 15 كانون الثاني/يناير بتأجيل النظر بالدعوى على أن تستكمل في جلسة 19 شباط/فبراير لاستكمال بعض الإجراءات.

ونقلت الصحف يوم 10 أكتوبر أنّ سمير صبري قال في صحيفة دعوته ضدّ القنوات والمواقع الشيعيّة: "إنّه من غير المعقول ولا المقبول أن يكون هناك موقع يروّج للشيعة ويتّخذ منبراً إعلاميّاً له في مصر، فمصر دولة إسلاميّة، والدستور حدّد الشريعة الإسلاميّة مصدراً للتشريع، واعترف بالديانتين السماويّتين المسيحيّة واليهوديّة فقط. ويعدّ موقع "النفيس" أحد المواقع الإخباريّة التي تحرّض دائماً ضدّ المملكة العربيّة السعوديّة والأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، ويكتب فيه أحمد راسم النفيس مقالات ويهاجم فيه السنّة والسعوديّة ويدعو إلى التشيّع".

وفي بيان مشترك لعدد من الائتلافات السلفيّة في 12 كانون الثاني/يناير، طالب قياديّون سلفيّون بحذف القنوات الفضائية الشيعيّة من قائمة قنوات القمر الصناعيّ النايل سات في حجة أنّ تلك القنوات تتضمّن سباً وقذفاً لصحابة الرسول محمّد، وتروّج للمذهب الشيعيّ بين عموم المسلمين في مصر.

وردّاً على دعوى صبري وبيان القيادييّن السلفيّين لحذف قنوات الشيعة، قال الناشط الشيعيّ ومؤسّس موقع "النفيس" أحمد راسم النفيس لـ"المونيتور": "الفكر الوهابيّ للقيادات السلفيّة كان وراء نشر التطرّف في الشام (في إشارة إلى سوريا) واليمن، والقنوات والمواقع الشيعيّة في مصر لا تدعو إلى التطرّف أو نبذ أيّ فكر أو مذهب، وإنّما تدعو إلى التعامل مع الشيعة كمسلمين في وقت تدّعي فيه التيّارات السلفيّة أنّ أصحاب الفكر الشيعيّ والمؤمنين به ليسوا مسلمين".

أمّا الناشط الشيعيّ إسلام رضوي، المتحدث باسم ائتلاف شباب الشيعة المصريين، فقال لـ"المونيتور": "الدعوات والحملات المطالبة بإغلاق القنوات الشيعيّة تعبّر عن إفلاس السلفيّين وعدم قدرتهم على مواجهة الفكر الشيعيّ بفكرهم التكفيريّ الداعي إلى الإقصاء وإهدار الدماء، خصوصاً بعد أن أصبح المواطن المصريّ واعياً على أنّ الفكر السلفيّ كان وراء انتشار التطرّف في مصر وفي العديد من البلدان العربيّة، فلم يبق أمام السلفيّين إلاّ محاولة حجب أيّ صوت يظنّون أنّه شيعيّ".

أضاف: "القنوات الشيعيّة تعمل منذ سنوات، ولم تتسبّب في الفتن والأزمات التي تسبّب فيها بعض القنوات السلفيّة، لأنّ القنوات الشيعيّة لا تحرّض على العنف أو التكفير أو إهدار الدماء".

وبدوره، قال المحامي في مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير الناشط الحقوقيّ أحمد عزّت في تصريحات صحافيّة عام 2012 لموقع "دويتشه فيله" العربيّ إنه لا يوجد في القانون ما يجرّم اعتناق المذهب الشيعيّ أو الترويج له، وإنّ مقاضاة لأيّ مروّج للفكر الشيعيّ يعتمد على التوسّع في تطبيق قانون ازدراء الأديان.

وأشار في تصريحاته إلى أنّ قانون ازدراء الأديان يجرّم أكثر من مستوى الأفعال ويعتبرها ازدراء للأديان، إذ تبدأ بالتعدّي على دور العبادة، وتنتهي بالتعدّي بالقول على الأديان ومعتقدات أصحاب كلّ ديانة، مشيراً إلى أنّ المشرّع لم يضع تفسيراً واضحاً للتعدّي بالقول، ممّا يترك سلطة تقديريّة واسعة للقاضي في اعتبار بعض القنوات والتصريحات مزدرية للمذهب السنيّ أو محرّضة ضدّه.

واتّفق معه في القول العميد السابق في كليّة الحقوق بجامعة القاهرة وأستاذ القانون الجنائيّ محمود كبيش إذ قال لـ"المونيتور": "إنّ الدستور والقوانين المصريّة يكفلان حريّة الاعتقاد والتعبير عن المعتقدات، وإنّ أيّ إغلاق لأيّ قناة سيتوقّف بناء على محتواها الخاص، ولن يكون الإغلاق جماعيّاً لكلّ القنوات، كما يظنّ البعض".

أضاف: "المعيار القانونيّ في إغلاق أيّ قناة سيكون بناء على محتواها، وهل في محتواها تحريض أو ازدراء لأيّ ديانة أو معتقد أم لا؟".

وأكّد محمود كبيش أنّ القضاء يقف على مسافة واحدة من الجميع، لافتاً إلى أنّ "الدليل إغلاق بعض القنوات المحسوبة على الفكر السلفيّ في عام 2013 مثل الحافظ والناس".

واختتم حديثه لـ"المونيتور" قائلا: "من حق القضاء أن يطلب تشكيل لجنة فنية من شيوخ الأزهر لتحديد ما إذا كان في محتوى القنوات الموصوفة بالتشيع أي تحريض أو ازدراء لأي معتقد ولكن هذا ليس ملزما للقاضي"

من جهته، رفض العميد الأسبق لكليّة الإعلام في جامعة القاهرة والرئيس الأسبق لإتّحاد الإذاعة والتلفزيون سامي الشريف وصف كافة القنوات الشيعية بالتطرّف أو ازدراء الأديان، لافتاً في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الأمر في يدّ القضاء.

وعلّق على حال الجدال حول وصف القنوات الشيعيّة أو السلفيّة بالتطرّف بالقول: "إنّ ما يحدث هو جزء من فوضى الخطاب الإعلاميّ والدينيّ. فهناك 121 قناة دينية تبث عبر نايل سات، بينهم أكثر من 60 قناة شيعية؛ بعضهم معتدل ويشرح أفكار المذهب الشيعي دون تطرف وبعضهم متطرف ويحرض ضد السنة، وبعض القنوات السنية أيضا ترد على التحريض بتحريض وإساءة، لذلك يجب أن تحذف كل القنوات المتطرفة والمحرضة سواء سنية أو شيعية".

وتجدر الإشارة إلى أنّ وكيل الأزهر الشريف عبّاس شومان قال في تصريحات صحافيّة في تمّوز/يوليو من عام 2015: إنّ الأزهر يرفض تكفير الشيعة، فهم مسلمون مثل السنّة، وإنّ الأزهر يحرّم إهدار أرواحهم أو أموالهم.

وفي رسالة من زعيم التيّار الصدريّ الشيعيّ في العراق مقتدى الصدر في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، دعا الأزهر إلى عقد حوار عقائديّ مفتوح بين علماء المسلمين من كلّ المذاهب لتوحيد العالم الإسلاميّ ونبذ العنف في كلّ المذاهب بما فيها السنيّة والشيعيّة، ممّا يعبّر عن ثقة جانب من الشيعة في الأزهر.

وهنا، يتوقّف مصير استمرار بث القنوات والمواقع الشيعيّة في مصر على حكم القضاء، وربّما على الموقف الأزهريّ ويحددان مصير 60 قناة شيعية أشهرهم المنار وأنوار وأهل البيت ولا يبدو أن الدولة المصرية استهدفت تلك القنوات من قبل، رغم أن الدولة حجبت في السابق عدد من القنوات الدينية السلفية مثل الحافظ والناس في يوليو 2013، مما يوحي أن العديد من القنوات الشيعية ليست في حال عداء مع مؤسسات الدولة وإنما في حال عداء مع بعض الجهات السلفية فقط.

http://www.al-monitor.com/

اضف تعليق