على من تقع مسؤولية نشر الإسلام والشعائر الحسينية في العالم؟ وقبل ذلك لماذا ينبغي نشرها؟، في الإجابة عن الشق الثاني من السؤال نقول، إن ما يوجب السعي الحثيث لنشر التعاليم الإسلامية والشعائر الحسينية، هو مجموعة القيم الإنسانية العظيمة التي تنطوي عليها، والتي بإمكانها أن تجعل العالم أفضل بكثير مما عليه الآن من حياة مليئة بالتناحر والصراعات.
فالإسلام والشعائر الحسينية صنوان متشابهان كلاهما ينطويان على منظومة قيم إنسانية غاية في الروعة والسلام والحنوّ ما يجعلها قادرة على تشذيب النفس (حتى الأمارة بالسوء) من سوئها وأدرانها، لتجعل منها روحا مباركة تميل الى الرحمة والتعاون والسخاء، وتدفع الإنسان الى فهم الآخرين واحترامهم والتعاون معهم، واحترام آرائهم، وعدم التصادم مع وجهات نظرهم وأفكارهم، وهذا يعني نوعا من الانسجام والوئام يسوم البشرية كلها.
أما كيف ننشر هذه القيم الإنسانية الراقية، ومن المسؤول عن ذلك، فإن الكيفية تتم من خلال وسائل النشر الهائلة المتوفرة في عصرنا الراهن، والمسؤولون هم العلماء والحكام بالدرجة الأولى عن نشر قيم الإسلام والشعائر الحسينية المقدسة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية موجّهة الى المسلمين بمناسبة ذكرى عاشوراء: (مع توفّر الكثير من وسائل الإعلام وتنوّعها، يجدر أن نعرّف ثقافة الإسلام الأصيل إلى المجتمعات البشرية بالعالم بشكل يوازي ما ذكره القرآن الكريم، وهو قوله عزّ من قائل: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) سورة الأعراف: الآية158. فما نشهده اليوم من أعمال بهذا الصدد يستحقّ التقدير، ولكنه قليل، ومسؤوليته تقع علينا جميعاً. وهذه المسؤولية العامّة هي أكبر وأهمّ على صنفين، وهما: العلماء وحكّام الدول الإسلامية).
أما مفردة العلماء التي يقصدها سماحة المرجع الشيرازي، فهي لا تنحصر بالفقيه أو أستاذ الحوزة وأمثالهما فقط، وإنما يندرج تحت هذا الوصف كل من يتمكن من القيام بهذا الدور وفق المعلومات التي يمتلكها والتي يمكنها أن تساعد في نشر تعاليم وقيم الإسلام والشعائر الحسينية.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (ليس العلماء من كان فقيهاً أو أستاذاً بالحوزة وأمثالهما فقط، بل كل من تعلّم وعرف من علوم الدين، ويبذل جهوداً في هذا السبيل، فهو عالم بمستوى ما عنده من علم، وهو مسؤول أيضاً).
يجب نشر الشعائر الحسينية أكثر
إن المنهج والتخطيط لنشر الإسلام والشعائر الحسينية، يدخل في إطار الخطبة والمبادئ التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام، عندما أعلن على رؤوس الأشهاد وللملأ أجمع، بأنه إنما يسير بسيرة جده الرسول الكريم (ص)، ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لذا نحن مسؤولون للقيام بهذا الواجب الذي يتلخص بوجوب العمل من أجل نشر الإسلام والشعائر الحسينية في عموم العالم، ويبقى الهدف الأول هو نشر قيم الخير لإنقاذ العالم من الأوضاع المأساوية التي تفتك بالجميع بما في ذلك الأقوياء والأغنياء أيضا.
فالحياة في هذا الكوكب متداخلة، وعندما يتضرر الضعيف والفقير نتيجة لضعف القيم فإن هذا الضرر سوف يطول الأقوياء والأغنياء أيضا، لذلك ينبغي أن تنتشر القيم الخلاقة في بين عموم الناس، خاصة أولئك الذين يتعاملون مع الحياة وكأنها أرباح مادية فقط، ولكن عندما تنمو القيم الإنسانية فيما بينهم سيكون العالم أفضل حتما.
وعندما تصدى الإمام الحسين لنشر هذه القيم، عمل بسيرة جده محمد (ص)، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (لقد قال الإمام الحسين صلوات الله عليه في خطبته المعروفة أنه يريد أن يسير بسيرة جدّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ونحن مسؤولون اليوم بهذا الصدد، وخير فرصة لتبيين الإسلام وإقامة العزاء الحسيني هو شهر محرم وشهر صفر).
ثم يركّز سماحته على وجوب نشر الشعائر الحسينية والقيم التي تعكسها في حياتنا، ما أمكننا ذلك، مع أهمية أن لا نضعف أو نتردد أو نشعر بالتعب إزاء هذه المهمة، وينبغي علينا اغتنام أية فرصة تلوح في الأفق، كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (يجب أن تنتشر الشعائر الحسينية أكثر وأكثر. وعلينا أن لا نتعب من الضغوطات والآلام التي تأتينا من بعض، وعلينا أن نغتنم الفرص). ويضيف سماحته: (يجب الدفاع عن الشعائر حتى لو وصل ذلك لمستوى القتل في هذا السبيل. فالأئمة صلوات الله عليهم أوصوا بإحياء الشعائر).
إذاُ ينبغي أن يكون المؤمنون على استعداد للتضحية والإيثار، بل أعلى مستويات التضحية، في سبيل نشر القيم والمبادئ التي أعلنها الإمام الحسين (ع)، في وقفته البطولية التي تجسدت معانيها في رفض الظلم والطغيان ومقارعة الانحراف الأموي في تعامله مع القيم الإسلامية وأهدافها.
الفقراء أولا في خدمة الزائرين
إن هذه الأيام المباركة، أيام عاشوراء، هي أنسب الأوقات، لاسيما شهريّ محرم وصفر، للعمل المستمر من أجل نشر القيم الحسينية، والسعي لإحياء الشعائر، وربطها بالقيم الإسلامية، كون المؤسس لها هو ثائر الإسلام الإمام الحسين (ع) الذي استمد هذه المبادئ والقيم من رسالة جده (ص)، لذلك تغص كربلاء المقدسة بالزائرين، ما يتطلب تقديم الخدمات التامة لهم من مأكل ومشرب ومنام وراحة تامة، وهذا ما يقوم به بالفعل الفقراء، وهم النسبة الأكبر من حيث تحمل أعباء هذه الخدمة التي يستحقها الزائرين الكرام.
إن الفقراء أثبتوا انتماءهم الراسخ للإسلام ووفائهم التام للحسين (ع) والقيم التي حملتها ثورته الخلاقة، لدرجة أن هنالك فقراء باعوا حتى بيوتهم التي تؤويهم وعائلاتهم من أجل خدمة زوار أبي عبد الله الحسين (ع).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذا المنحى عندما يقول: (يقع الحمل الثقيل والرئيسي لخدمة الزائرين على عاتق الفقراء، بحيث ان بعضهم يقوم ببيع بيته ليخدم في هذا السبيل. وهذا يعني ان الفقراء قد خاضوا الامتحان).
كم يحث سماحته التجار والحكام على أهمية أن يقوموا بواجبهم في مجال خدمة الزائرين الكرام، لكي يوفروا لهم السكن والطعام وكل ما يحتاجونه أثناء تواجدهم في كربلاء المقدسة لاحياء مراسيم عاشوراء والشعائر الحسينية، كما أن الفقراء، ليسوا بقادرين وحدهم على القيام بهذه المهمة التي تستدعي أموالا لا يتحصّل عليها الفقراء، ما يستوجب مشاركة الأغنياء والحكام في هذا المجال بصورة فعالة.
لذا يخاطب سماحة المرجع الشيرازي المعنيين بهذه الكلمات: (أقول للتجّار والحكّام المسلمين ان الإمام الحسين صلوات الله عليه هو للكل وللجميع، فيجب عدم التقصير في خدمة زائريه صلوات الله عليه. فعلى التجّار والحكّام والمسؤولين أن يوفّروا السكن للزائرين في كربلاء وأطرافها، فهذا الأمر لا يمكن تحقّقه بالكامل على يد الفقراء، بل هو خارج قدراتهم).
وفي النهاية يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية دور الأمراء والحكام والعلماء في نشر القيم الإسلامية وتعاليم الإسلام الحقيقي، فهؤلاء أقدر من غير هم على القيام بهذا الهدف الذي يستدعي جهودا كبيرة وتنظيما وتخطيطا وسعيا دائما ودؤوبا لتحقيق المطلوب.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (دور الأمراء والحكّام أكثر تأثيراً لما لهم من قدرة وإمكانات. وهذان الصنفان، أي العلماء والحكّام، لهما التأثير الأكثر في نشر الإسلام الحقيقي).
اضف تعليق