علينا أن نتابع بمسؤولية وذكاء ما يدور على أرض العراق، في السياسة وسواها، فهذا البلد يحتاج الى دعمنا ووقوفنا معه بكل ما نمتلك من قدرات، حتى يقف هذا البلد على قدميه، فهو بلد أئمتنا الأطهار صلوات الله عليهم، ولذلك فهو مستهدَف من أعداء كثيرين لا يريدون الخير لهذا البلد، ولا لمن يسكن فيه من أعراق وطوائف ومكونات، وهذا يحتّم علينا أن نراقب ونتابع ما يجري في العراق بذكاء ودقة ومسؤولية عالية.
هذه الكلمات هي صلب ما يراه سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بخصوص دعم العراق ومؤازرته في المجالات كافة بلا تردد، إذ يقول سماحته: (ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق). كما ورد ذلك في الكتاب الموسوم (من عبق المرجعية).
وينظر سماحة المرجع الشيرازي الى العمق التاريخي للعراق، والى دور هذا البلد في احتضان مراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام، بدءا من مرقد أبي الأحرار الامام الحسين (ع) ودمه الذي شرّف تراب مدينة كربلاء المقدسة، وثرى النجف الاشرف الذي تلألأ بنور أبيه الامام علي بن ابي طالب (ع)، وصولا الى الكاظمية المقدسة وسامراء وعموم أراضي العراق التي تشرّفت بأضرحة أئمة أهل البيت وأولادهم وأحفادهم صلوات الله عليهم أجمعين.
هذه الطهارة وهذه القدسية التي تميزت بها أرض العراق، لابد أن تجعل من أعداء العراق يتربصون به على مدار الزمن، وبالمقابل لا بد أن تجعل من أتباع أهل البيت (ع) والمؤيدين لهم، يتصدون لكل المخططات التي تحاول أن تسيء لهذا البلد، لأنها تمثل إساءة لأئمتنا الأطهار، ولشعب العراق الذي قدم تضحيات كبرى في مؤازرته للقضية الحسينية ولمبادئ أهل البيت (ع)، وهذا يضاعف من مسؤوليتنا تجاه العراق وأرضه والأئمة الأطهار (ع) ويدفعنا كي نشرّف أنفسنا بمد يد العون لهذا البلد الجريح وأهله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص، في الكتاب المذكور نفسه: (علينا أن نعمل في مسؤولية مدِّ يد العون والمحبّة لأعزّتنا في العراق المظلوم ونشرّف أنفسنا بالعمل بهذه المسؤولية). كذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي، أن كل الجهود التي يمكن أن يبذلها ويقدمها أتباع أهل البيت لهذا البلد، تعد قليلة، وقد لا تفي حق هذه الأرض المعطاء، ما يعني أننا مطالبون بتقديم كل أنواع الدعم للعراق ولشعبه، لأنه بالنتيجة يعبر عن موالاتنا لأئمتنا (ع).
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (مهما خطّطنا وهيّأنا لمستقبل العراق، فهو قليل في سائر الأحوال).
حاجة العراق معنوية ومادية
في كلمات قيمة لسماحة المرجع الشيرازي تضمنها كتاب من عبق المرجعية، موجها كلامه للجميع، عراقيين وغيرهم، مؤكدا سماحته وقائلا، ينبغي أن نقدم جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي في مجال بناء العراق، وينبغي أن نخفف من آلام الشعب، كما علينا أن نتصدى بشرف لمسؤولية بناء العراق، وهذه المسؤولية لا تقف عند حدود معينة، لأن ما يحتاجه العراق والعراقيون كبير وكثير ومتعدد الجوانب.
ويرى سماحته أن الجميع لديهم القدرة على تقديم مثل هذا العون والدعم، فكل إنسان يمكنه أن يكون (شمعة) لغيره من الناس في مجال حمل مسؤولية دعم العراق وبنائه، لاسيما في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بالعراق، وهي معبّأة بالمخاطر التي تحدق بالعراقيين، وبالمصاعب الجمة التي تلتف حول حياة العراقيين، ولسنا هنا في صدد ذكرها بالتفصيل حيث تبدأ من الخدمات الأساسية ولا تنتهي عند الحاجة الى توفير الأمن والصحة والتعليم وتطوير الثقافة والوعي للعيش في أجواء السلم والتقدم والإبداع.
وهكذا فإن هذه المسؤولية واسعة ومتعددة الأهداف والجوانب، والقليل القليل عندما يتراكم يكون مفيدا، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال: (يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة، فكل إنسان من الممكن أن يكون شمعة في هذا المجال... وكل كلمة لها قيمتها، وكل عمل، فإنها مثل قطرات المطر؛ فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف).
أما نوع ما يحتاجه العراق والعراقيون، فهو يتوزع على جانبين، الأول مادي، حيث يمكن المبادرة في تحمل مسؤولية تقديم الدعم المادي بأنواعه كافة الى العراق، وكل حسب قدرته، ويشمل هذا الأفراد، والجماعات، والمؤسسات وصولا الى الدول التي تريد الخير والتقدم للعراق وأهله، والثاني هو التصدي لحمل مسؤولية الدعم المعنوي وهي مسؤولية متميزة وكبيرة، ويمكن أن نقدمها عن طريق الأفكار، والعلوم، والصحة وما شابه.
فالمهم في هذا الجانب أن لا يتردد المعنيون في حمل هذه المسؤولية، وفي تقديم كل الوسائل التي يمكن أن تسهم بطريقة أو أخرى في بناء العراق المتقدّم، فالحقيقة هي مسؤولية كبيرة ومشرّفة، وتمتاز بكونها ذات سمة جماعية يمكن للكل أن يسهموا، ونعني بالكل، من يحب العراق وأهله، ويحترم تاريخه المشرق.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على أن: (العراق بحاجة إلى سيل من المعنويات الماديّة والفكرية والعلمية والصحيّة، في هذا اليوم هو بحاجة إلى كل ذلك، وغداً أكثر احتياجاً إليها).
لنمسك بزمام المبادرة
هذه المسؤولية ومهماتها، تستدعي منّا، أن نمسك بزمام المبادرة، وأن نكون في الصف الأول ممن يعلن استعداده لتحمّل مسؤولية بناء العراق الجديد، على أن يكون اندفاعنا وحرصنا في هذا المسار، كحرصنا على بناء وحماية مصالحنا وأسرنا وأبنائنا وكل من يهمنا أمرهم، كي نحقق الهدف الأسمى وهو ضمان المستقبل الأفضل للعراق.
نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بالكتاب نفسه: (يلزمنا جميعاً العمل على بناء العراق الجديد بأن نمسك بزمام المبادرة، ونعمل بنفس تلك الدرجة من المسؤولية التي نحسّها بإزاء أسرنا وأبنائنا، لضمان مستقبل العراق).
ولهذا يستدعي هذا الهدف الكبير، مساهمات جماعية، يبادر بها الجميع، فالمسؤولية الكبيرة لا يمكن أن يتحملها فرد لوحده ولا أقلية من الأفراد، بل هي مهمة جماعية، تتطلب من الجميع المشاركة بحسب القدرات والمؤهلات المتوافرة لدى المساهمين في هذا المضمار.
لهذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي بالمشاركة الجماعية وعدم التردد في ذلك، نظرا لحجم المسؤولية الكبير، إذ يقول سماحته: (على كل فرد منّا أن يفكّر: ماذا يستطيع أن يفعل من أجل مستقبل العراق؟). فالأفكار كثيرة، والقدرات المتوفرة أكثر، والمؤهلات ايضا يمكن أن نجدها لدى جمع غفير من محبي العراق، واذا ما تضافرت هذه القدرات والكفاءات وصبّت جهودها في مجال بناء العراق المتقدم، فإن هذا الهدف لن يكون بعيدا أو مستحيلا.
ولا يستثني سماحة المرجع الشيرازي أحدا من هذه المسؤولية الكبرى، فهي بمثابة (آخر العلاج الكي)، لاسيما بعد أن تراجعت جهود البناء، وبقى فقراء العراق ونسبة كبيرة منهم يعانون من عدم مد يد العون لهم، كما نجد ذلك في ضعف الخدمات وقلتها ووصول نسبة الفقر الى 23% بحسب تصريحات رسمية.
هذا الأمر تم ملاحظته بدقة من لدن سماحة المرجع الشيرازي، وهو المتابع والمراقب الدقيق لحياة العراقيين، وما تعرضوا له في السابق وحاليا، الأمر الذي جعل سماحته يبادر بتوجيه الجميع الى أهمية مساندة العراق، ولا يستثنى الشباب او غيرهم من هذه المهمة، بل الشباب موقعهم في المقدمة من تحمّل هذه المسؤولية ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي: (على الشباب في العراق أن يسعوا لإعمار العراق اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، فهو وطنهم وحبّ الوطن من الإيمان).
اضف تعليق