للدين الاسلامي خصائص يرتكز عليها، وهي تمثل الجوهر الحقيقي له، وقد حددها سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، عندما قال سماحته مخاطبا مواطنا إيطاليا كان قد اعتنق الإسلام واستبصر بنور أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين: (اعلموا ان الإسلام دين أساسه نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وهنا أذكر لكم وبشكل موجز ومختصر، ثلاث خصائص من خصائص الإسلام، وأرجو منكم أن تطالعوا وتبحثوا وتعرفوا عنها في المستقبل أكثر وأكثر).
وحدد سماحته تلك الخصائص، على النحو التالي:
(الخاصية الأولى: الإسلام لا جبر فيه ولا إكراه ولا إلزام بالقوة. وإذا صار وحدث إجبار أو إكراه في الدول الإسلامية من بعض المسلمين، فهذا ليس من الإسلام بل من المسلمين. فنبي الإسلام صلى الله عليه وآله حكم لمدّة عشر سنوات، ولم يكن في حكومته طيلة هذه السنوات، حتى سجين سياسي واحد. وأما اليوم فلا تجد دولة من دول العالم ليس فيها سجين سياسي. وكذلك حكم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لمدّة خمس سنوات ولم يوجد في طيلة حكومته سجين سياسي واحد أيضاً. وهذا ما احتفظ به وذكره التاريخ).
هذا هو المقوم الأساس والخاصية الأولى التي ارتكز عليها النظام السياسي الذي قاد دولة الاسلام التي أسسها وطورها وبناها قائد المسلمين الأعلى الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص)، فشيّد تلك الدولة العظيمة على شرط الابتعاد التام عن القمع والاكراه، وجعل من عنصر القناعة والقبول أساسا لكل شيء، وهو درس كبير فيما يسميه اليوم السياسيون وعلماء السياسة، بالدولة الديمقراطية، أو النظام السياسي الديمقراطي، فقد نهضت دولة المسلمين على هذه الخاصية، وانتشرت أجواء الحرية على نحو متكامل، مع حماية حق الرأي الآخر، لدرجة أن هذه الدولة الكبرى، كانت تُدار بلا إكراه، وهذا هو السبب الأساس الذي منحها ميزة عدم وجود سجين سياسي واحد فيها، بل لم تكن هذه الدولة الناهضة بحاجة الى السجون أصلا.
لا فقر ولا فقراء!
أما الخاصية الثانية التي قامت عليها دولة الرسول الأكرم (ص)، هي انتفاء وجود الفقر على نحو كامل، لدرجة أن وجود الفقير في هذه الدولة يعد ظاهرة مثيرة للاستغراب، في ظل الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية التي نشرها الاسلام في دولته الجديدة، واستمر هذا المنهج في مكافحة الفقر في عهد الامام علي بن ابي طالب (ع) حيث طيلة حكمه الذي ادار دولة كبرى مترامية الاطراف، لم تسجل حالة فقر واحد في ظل النظام السياسي والاقتصادي القائم على العدل والمساواة والقضاء الكلي على الفقر.
وهذا ما ورد في الخاصية الثانية التي قام عليها الحكم الاسلامي ابان قيادة الرسول الكريم (ص) وفي ظل حكومة الامام علي (ع)، وقد قال سماحة المرجع الشيرازي: أما (الخاصية الثانية: في الإسلام الحقيقي فلا يوجد فقير، ولا يوجد من يبقى فقيراً. أذكر لكم القصة التالية: كان الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجّه الإمام السؤال إلى من حوله من الناس قائلاً: ما هذا؟ فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس. فقال الإمام ـ في غضب ـ: استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟ ثم جعل الإمام صلوات الله عليه لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتّباً خاصّاً ليعيش به حتى يأتيه الموت).
هكذا كانت الدولة تحمي مواطنيها بغض النظر عن الدين او الانتماء العرقي والمكاني أو سواه، فالجميع في نظر الحاكم سواسية، والكل حقوقهم محفوظة ومصانة، لاسيما تلك التي تتعلق بكرامة الانسان وحرمته ومكانته، وعندما ينتفي الفقر بصورة تامة في دولة كبيرة كدولة المسلمين بقيادة الامام علي (ع)، فهذا يعني أننا ازاء تجربة حكم ناجحة من جميع الجوانب، الامر الذي يستدعي الاقتداء بها من لدن قادة اليوم وهم يكتنزون الثروات الهائلة فيما الفقر ينهش بالناس بسبب السياسات الخاطئة وخاصة غياب العدالة الاجتماعية، وعدم توفير ضمان اجتماعي او صحي على الرغم من توافر الموارد المالية الهائلة لكثير من الدول التي تتخذ من الاسلام دينا رسميا له، ولكنها لا تطبق منه سوى الشكل والإسم.
وهكذا لم يكن هنالك فقر في دولة المسلمين في حكومتي الرسول (ص)، والامام علي (ع)، وقد
عقّب سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا الموضوع: (هذا يدلّ على أن الفقر كاد أن لا يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي، والنظام الاقتصادي الإسلامي).
العلم من أهم خصائص الإسلام
بعد البند الأول الذي تمثل بغياب سياسة الاكراه في ظل النظام السياسية لدولة المسلمين، وعدم الحاجة الى السجون، وعدم وجود سجين سياسي واحد فيها، على العكس مما يحدث اليوم حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية، حيث سياسة الاكراه واضحة والدليل وجود السجناء السياسيين حتى في الدول المتطورة، فيما تم التركيز ايضا على قضية الفقر وحتمية القضاء عليه، وهو ما حدث بالفعل في ظل سياسة العدل والمساواة التي انتهجها الرسول الأكرم (ص) والامام علي (ع)، وجعلا من هذه الخاصية مرتكزا مهما لادارة شؤون الأمة برمتها.
وقد تم التخلص من الفقر اعتمادا على التعاليم الاسلامية، لذلك فإننا عندما نلاحظ معاناة المسلمين في ظل الانظمة السياسية من الفقر والجوع والقهر والتخلف، فهذا الامر لا علاقة له بمبادئ الاسلام وأفكاره وتعالميه، وانما سببه هو اخفاق المسلمين في تطبيق هذه المبادئ على واقعهم، فالمسلمون هم السبب في الفقر والتخلف وليس الاسلام.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (اليوم إذا ترى وجود الفقراء في الدول الإسلامية، فالمسؤول عن ذلك هم المسلمون وليس الإسلام).
ولدينا أيضا الخاصية الثالثة التي أشار لها سماحة المرجع الشيرازي في معرض حديثه مع الرجل الايطالي الذي دخل الاسلام، وتلك هي خاصية العلم، فيعد منهج عدم الاكراه، والقضاء التام على الفقر، جاء دور الاهتمام بالعلم والعلماء، وهذا ما أكد عليه الاسلام ومنح مكانة كبرى للعلماء، واعطى للعلم اهتماما منقطع النظر لما له من دور في بناء الدولة وتطوير مؤسساتها، فضلا عن دوره الاساس في تقويم وبناء وتطوير المجتمع ومنظماته ومؤسساته المتنوعة.
اذا نحن ازاء خاصية ثالثة مهمة هي العلم، وقد ركز الاسلام على العلم باعتباره العمود الفقري لتطور الفرد والمجتمع والدولة معا، وهذا بحد ذاته بفسر ذلك الاهتمام المنقطع النظير بالعلم والعلماء من لدن الحكومة الاسلامية في عهدي الرسول (ص)، والامام علي (ع)، نظرا للدور الأساس لهذه الخاصية التي فيما لو اتحدت مع القضاء على الفقر وسياسة عدم الاكراه، فإنها تصلح لنظام دولة من الطراز الحديث.
لهذا اكد سماحة المرجع الشيرازي على أن الخاصية الثالثة: هي (العلم. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي أكرم العلم كثيراً وقدّره وجلّله. وهذا تجده في قرآن الإسلام وفي تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله).
اضف تعليق