q

في حذو منهج السبق الزمني لذكر كربلاء في الشعر العربي وجدنا إن هناك بيتين من الشعر فقط ورد فيهما اسم كربلاء قبل استشهاد الإمام الحسين (ع) فيها. أول هذين البيتين والذي رجّح المؤرخون على أنه أول شعر ذكر هذه الأرض هو لـ (معن بن أوس المزني) وهو من مخضرمي الجاهلية والإسلام، ومن المعمّرين، وقد أدرك قيام عبد الله بن الزبير فصحبه وقد كفّ بصره في آخر عمره، ومات عام (64ه/683م). ومن الغريب أن هذا البيت الذي قاله معن والذي ورد فيه اسم كربلاء كان من ضمن قصيدة طويلة عدّها المؤرخون من ضمن قصائد (النوائح)!! وكأن هذه الأرض قد افتتحت حوادثها على الحزن المستديم منذ بواكيرها وأبت أن يفارقها هذا الحزن، وقد ذكر هذه القصيدة ياقوت الحموي في (معجم البلدان) باب كربلاء وأبو الفرج الأصفهاني في الأغاني (ج12ص63) في ترجمة معن أما البيت الذي ذكر فيه كربلاء فهو:

(إذا هي حلّت (كربلاء) فلعلعا *** فجوزُ العذيبِ دونها فالنوائحا)

أما البيت الثاني فلم تسمِّ المصادر اسم قائله سوى إنه: لــ (رجل من أشجع) كما ذكر ذلك الطبري في حوادث سنة: (12ه/634م) وهو:

(لقد حُبست في (كربلاء) مطيتي *** وفي العين حتى عاد غثاً سمينُها)

والعين هي مدينة عين التمر (شثاثا) الآن وتبعد عن كربلاء قرابة 80 كم. ومع عدم الجزم بتقدّم البيت الأول على الثاني في السبق الزمني أو بالعكس فإن هذين البيتين هما أول شعر ذُكر فيه اسم كربلاء في تاريخ الشعر العربي.

ثم تبدأ مرحلة جديدة لكربلاء مع الشعر بعد أن حملت إرثاً عظيماً ضخماً، وأثراً عميقاً مدوياً، منذ اصطبغت أرضها بدماء الشهادة، واستوعبت تلك الروح الكبيرة التي حملت مبادئ السماء لتجسّدها تجسيداً كاملاً وبأروع صورة على أرضها، فبثت في الشعر روحه، وأسبغت عليه جوهره، ولقنته خلقه وإبداعه، وبالمقابل فقد استمدّ هو منها كنهه ولنرجع إلى قصة البيتين مع شاعريهما:

معن بن أوس المزني: توفي (64ه/683م)

(إذا هي حلت (كربلاء) فلعلعا *** فجوز العذيبِ دونها فالنوائحا)

معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام رحل إلى الشام والبصرة وكف بصره فكان يتردد على عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعُمِّر حتى أدرك عصر عبد الله بن الزبير فصحبه وقد ذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) البيت مع أبيات أخرى في (النوائح) و(المعبر)، كما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني وقال: (وهي قصيدة طويلة)، وذكرها معن في غزو خالد بن الوليد كربلاء وسبي أهلها فقال: ياقوت الحموي في كلامه على الكوفة مانصه: (ثم توجه ــــ أي خالد ــــ إلى المدائن فلم يجد معابر فدلوه على مخاضة عند قرية الصيادين أسفل المدائن فأخاضوها الخيل حتى عبروا وهرب يزدجرد إلى أصطخر فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها) ومن هذه القصيدة الطويلة قول معن يصف هذه الحادثة:

(إذا هي حلت (كربلاء) فلعلعا *** فجوز العذيبِ دونها فالنوائحا)

فبانت نواها من نواك فطاوعت *** مع الشانئين الشانئات الكواشحا

توهمت ربعا بالمعبر واضحا *** أبت قرّتاه اليوم إلا تراوحا

أربت عليه رأدة حضرمية *** ومرتجز كأن فيه المصابحا

فقولا لليلى هل تعوض ناديا *** له رجعة قال الطلاق ممازحا

فإن هي قالت لا تقولا لها بلى *** ألا تتقين الجاريات الذوابحا

ويعد هذا الشعر هو أقدم شعر ذكرت فيه كربلاء وكأن طينتها عجنت بماء الحزن فأبى أن يفارقها ولمعن قصائد أخرى كثيرة وهو صاحب لامية العجم التي مطلعها:

لعمرك ما أدري وإني لأوجلُ *** على أينا تعدو المنية أولُ

رجل من أشجع

(لقد حبست في (كربلاء) مطيتي *** وفي العينِ حتى عادَ غثاً سمينُها)

رواه الطبري في تاريخه في حوادث سنة (12ه) وياقوت الحموي في معجم البلدان باب (كربلاء) مع بيتين في قصة غزو خالد بن الوليد العراق ونزوله كربلاء حيث أقام فيها أياما فشكا إليه عبد الله بن وثيمة النصري الذباب فقال رجل من أشجع (ولم يسمه) فيما شكا ابن وثيمة:

(لقد حبست في (كربلاء) مطيتي *** وفي العينِ حتى عادَ غثاً سمينُها)

إذا رحلت من منزل رجعت له *** لعمري وإيها إنني لأهينها

ويمنعها من ماء كل شريعة *** رفاق من الذبان زرق عيونها

اضف تعليق