بعض المغرضين يتنكّر للشيعة، ويقول بلا وجه حق او دليل، بأنهم دخلاء على الاسلام!، وهؤلاء يغالطون الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وقبل ذلك يغالطون أنفسهم، فهم يعرفون تمام المعرفة أن التشيّع خط اسلامي عقائدي كان موجودا في زمن الرسول (ص)، وبقي موجودا في عهد الامام علي (ع)، وتصاعد هذا الخط في حضوره وازداد ثباتا وقوة، لما ينطوي عليه من مضامين انسانية ومبادئ ثابتة ترفض الظلم أيا كان مصدره وحجمه.
وأثبتت الأدلة التاريخية الموثّقة، أن بناء التشيّع بدأ في عهد النبي (ص)، على أيدي ثلة من الأتباع المخلصين الذين ساندوا الحق وآزروه، ووقفوا مع الإسلام الوليد، وتواصل هذا الخط المتشيّع في مساندة الحق عندما واصل رجال طريقهم الطويل في الوقوف الى جانب حكومة الامام علي (ع) وهو يدير شؤون دولة المسلمين المترامية الأطراف.
يجيب سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، عن التساؤل الذي يتعلق ببناء التشيع قائلا في كلمة قيمة وجهها سماحته الى أمة المسلمين: (إنّ التشيّع بُني على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه. والشيعة المخلصين ساروا خلف رسول الله وخلف أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. وبالمقابل اسودّت صفحات التاريخ بصنائع بني أمية وبني مروان وبني العباس الذين يتسمّون باسم الإسلام، ويتقمّصون كذباً وزوراً خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله).
واستمر هذا الخط بالثبات والنمو والوقوف الى جانب الحق، على الرغم من أن الطغاة تعاقبوا على ظلم المسلمين، وقادوهم من سوء الى سوء، لدرجة أن تأريخهم قدم للعالم أسوأ قائمة من الطغاة في العالم، كما نلاحظ ذلك في معاوية، والحجاج، والمتوكل، ومروان، وتطول القائمة، لكن رجال هذا الخط وأتباعه ظلوا متمسكين بمنهج التشيع القائم على الثبات والرفض القاطع للطغيان، لسبب واضح أن هذا الخط يشكل امتدادا للاسلام المحمدي، مما يدل بصورة قاطعة على أن الشيعة لم ينحنوا ولم يركعوا قط لسلطان.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (هذا خط رسمه القرآن الكريم، وسار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، وسار عليه أهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم).
ابو ذر نموذج الثبات والتحدّي
إنه إذاً خط الثبات والتحدي، وهناك نماذج خلّدها التاريخ مثلوا هذا الخط وتمسكوا به، وطبقوا مبادئه طوال حياتهم، ومنهم ابو ذر الغفاري (رحمه الله)، فقد قاوم هذا النموذج الخالد كل المصاعب وكل أعمال التعذيب، وقاوم أيضا جميع محاولات الترغيب التي قدمت له كل مغريات الحياة التي يسيل لها لعاب أولئك الذين لا يعرفون القيم ولا يتمسكون بمبدأ يرفض الظلم أو يقاوم الطغيان.
وقد بدأت رحلة التعذيب منذ وقت مبكر في التاريخ الإسلامي، كما ذكرت الأخبار عما تعرض له أتباع الرسول محمد (ص) بعد إعلان الرسالة وإشهارها على الملأ، وطالت رجال التشيّع بوحشية قلّ نظيرها، كما هو الحال مع أبي ذر رضوان الله عليه.
في هذا المجال يقول سماحة المرجع الشيرازي: (كان أبو ذر رضوان الله عليه بطل التحديات وعنوان الثبات. فقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن شيعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وتعرّض للكثير من المظالم، حتى أنه، وكما في التاريخ، أركبوه على بعير بغير وطاء، وشدّوا رجليه من تحت البعير لأنه يتبع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وساروا به أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متراً وهو على هذه الحالة، فلما أنزلوه تساقطت لحوم فخذيه، ولكنه ظلّ ثابتاً ومتحدّياً).
أما في الجانب الآخر الذي يلجأ إليه أزلام السلطة الغاشمة، وهو جانب الترغيب ومنح من يرضخ للظلم ويجاريه ويتوافق معه، كل ما يرغب به من متع وملذات وأموال وجاه وحتى السلطة يمكن أن يجعلها الطغاة بمتناول الرافضين لمنهجهم، فقد لجأ أصحاب السلطة الغاشمة الى هذا الاسلوب مع أبي ذر رضوان الله عليه لكنهم فشلوا فشلا كبيرا، فأين هم من هذا النموذج الشيعي الذي درس في مدرسة النبي (ص) ومدرسة الامام (ع)، وأخذ على يديهما الثبات على المبادئ حتى الموت.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (كان أبو ذر رضوان الله عليه، أيضاً، بحاجة شديدة إلى المال، فجاؤا إليه بمال، فرفض أن يأخذه. فقالوا لشخص وكان عبدً، انه إذا قبل أبوذر هذا المال فأنت حرّ. وجعل العبد يصرّ على أبي ذر بقوله: إن أخذك لهذا المال هو ثمن لحريتي، ولك ثواب الحرية ولك ثواب تحرير وعتق العبد. فقال أبو ذر أنت تكون بأخذي لهذا المال حرّاً، وأنا أصبح عبداً. فكم هو عظيم هذا الالتفات، وكم هو عظيم هذا التحدّي، وكم هو وعظيم هذا الثبات).
إنّي مخلّف فيكم الثقلين
وهكذا واجه شيعة أمير المؤمنين مشكلات لا حدود لها، ومصاعب قلما تعرض لها آخرون، والسبب دائما، تمسكهم بخط التشيّع الذي ساروا فيه على خطى أهل البيت عليهم السلام، في مؤازرتهم للحق، ووقوفهم الحاسم بوجه الاستهتار السلطوي مهما كانت أساليب الخداع والتعذيب والترغيب، فأتباع هذا الخط مجرّبون ومعرفون للقاصي والداني، إنهم لا يركعون وعزيمتهم لا تنثني وأرادتهم لا تهون، على الرغم من أصناف التعذيب المبتكر والمتواصل من أذباب السلطة الغاشمة وأربابها.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة: (لقد ظلّ شيعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، في بطون التاريخ وفي منعطفات التاريخ، يتحمّلون المشكلات الكثيرة بثبات، ولا ينثنون، ولا ينحنون ولا يركعون. واليوم هكذا نجد في نقاط مختلفة من العالم، ان الشيعة يتعرّضون لكل أنواع التعذيب والمشكلات والقتل والحرق والإبادة، ولكن تجدهم أبطال التحدّيات، ولا يتعدّون على أحد ولا يظلمون أحداً).
إن الشيعة الذين يتواجدون اليوم في بقاع مختلفة من العالم، يتعرضون الى مشكلات لا حدود لها، تتمثل بالاستهداف والتصفية، فضلا عن الاعتقال والنفي والتشريد والتهجير، بسبب مواقفهم المبدئية الحاسمة التي لا تحابي الحاكم، ولا تجاري الحكومات الظالمة وأهدافها، فالشيعي هو أول من يرفض الظلم السلطوي وهو أول الشهداء على طريق المقاومة للطغيان.
لاسيما أن الرسول الكريم (ص)، وجّه المسلمين في حديثه الشريف بوضوح تام الى وجوب التمسك بالثقلين، حتى يبتعد الضلال عن المسلمين ويبتعدون عنه، وهكذا تمسك الشيعة بهذا الحديث البالغ الوضوح، ولم يحيدوا عن مضمونه قيد أنملة، الأمر الذي جعلهم هدفا دائما للحكام الطغاة وللحكومات الظالمة، التي تهربت من مبادئ الاسلام واستسلمت لمزايا السلطة، ونسيت دينها ونبيها، وتعاملت مع المعارضين لهم بقسوة لا مثيل لها في التاريخ، ومع ذلك دفع الشيعة أغلى ما يملكون ويمتلكون من أجل الثبات على مبادئ هذا الخط والى يومنا هذا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي إثباتا لهذا المضمون: (لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله، بقوله: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما، لن تضلّوا بعدي أبداً). فرسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بأمرين لا ثالث لهما، وهما (كتاب الله والعترة الطاهرة). والشيعة مشدودون بهذين الأمرين، ودفعوا أغلى الأثمان وأكبر الأثمان في سبيل التمسّك بهذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله).
اضف تعليق