q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الحشد الشعبي والعقيدة صنوان لا يفترقان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

العقيدة سبقت الحشد الشعبي بالوجود والتداول، كونها ترتبط بالدين والمذهب والأفكار والقيم، وأصل العقيدة في اللغة مأخوذ من الفعل عقد، والعقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد عليه قلبَه وضميرَه، ويتخذه مذهبًا ودينًا يدين به، فإذا كان هذا الإيمان الجازم والحكم القاطع صحيحًا كانت العقيدة صحيحة.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته القيمة الموجّهة لأبطال الحشد الشعبي وللمسلمين: (إن مسألة العقيدة هي مسألة مهمّة جدّاً، بل هي أهم المسائل عند خالق كل شيء، وأهم المسائل عند رسل الخالق، وأهمّ المسائل عند أوصياء الرسل).

أما الحَشد الشعبيّ ويعرف أحيانا بالحَشد الوَطنيّ، فهو عبارة عن قوات شبه عسكرية رديفة للجيش العراقي، وتعمل معه، تم تشكيلها في ظرف طارئ، وهي تابعة للمؤسسة الأمنية العراقية، برزت في سياق التعاون على محاربة تنظيم داعش، بعد الفتوى المعروفة التي أطلقها المرجع الديني سماحة السيد علي السيستاني، والتي أُطلِق عليها بفتوى (الجهاد الكفائي) لتحرير العراق من داعش، بعد أن شكلت هذه التنظيمات خطرا كبيرا على العراق، حيث تم احتلال الموصل وصلاح الدين والرمادي والفلوجة، واصبحت هذه العصابات على مشارف سامراء وبغداء وكربلاء المقدسة.

وما أن تم أعلن فتوى الجهاد الكفائي للسيد السيستاني، حتى هبّت الجموع من كل الفئات العمرية ومن مختلف المحافظات والمدن العراقية في الجنوب والوسط، وبلغت اعداد المتطوعين بالآلاف، حملت السلاح ودخلت ساحات التدريب ومن ساحات المعركة، تاركة الأهل والعمل والمصالح وكل مغريات الحياة، وباشرت بالدفاع عن أمن العراقيين وأمنت عدم وصول عصابات داعش الى المراقد المقدسة ووضعت حدا لزحفه السريع، وما كان لهذه النتائج الباهرة أن تتحقق لو الايمان العميق لابطال الحشد الشعبي بالدين والعقيدة.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إنّ الحشد الشعبي الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم فداء للإسلام وللدين، وفداء للحرمات، وفداء للكرامات، ولكل القيم والفضائل، هؤلاء يجب أن لا يرحل حتى واحد منهم إلى الآخرة وفي عقيدته ثغرة ما).

وهكذا صار الحشد الشعبي والعقيدة صنوان متلازمان فانطلقت قوات الحشد الشعبي بمطاردة عصابات داعش الاجرامية وبدأت بتحرير المدن والمحافظات والقرى واحدة تلو الاخرى، مقدمة أرقى صور القتال العقائدي، ومجسدة اروع المواقف الانسانية البطولية، فقدمت آلاف الشهداء على طريق تحرير الارض العراقية والدفاع عن المقدسات وعن المواطنين العراقيين، وقد أجبرت فلول داعش على الفرار والانكسار مرارا، والهروب خارج المدن المحررة.

الحشد الشعبي لم يبدأ بقتال العدو

من مزايا الحشد الشعبي أنه لم يبدأ العدو بالقتال، وانما هب لصد عصابات داعش، ووضع حد لاجتياحها مدن وأراضي العراق، والتجاوز على حرماته، وكانت ولا زالت غايتهم الاساءة للمقدسات، ولكن هيهات منهم ذلك، فدونهم ودون مراقد الأئمة الاطهار ملايين الارواح المؤمنة وبحار من الدماء التي لا تنضب، نعم قوات الحشد لا تبدأ العدو بالقتال، ولكنها بقوة العقيدة والايمان، تمتلك مطاولة لا حدود لها، كونها مستمدة من الجذور الاسلامية العتيدة.

ولهذا يشبّه سماحة المرجع الشيرازي بين ما تقوم به قوات الحشد الشعبي، وبين ما قامت به جحافل المسلمين في العصر النبوي الشريف، يقول سماحته في هذا المجال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أشرف الأولين والآخرين، وقد واجه من مشركي مكة حروباً ضروس ومتكرّرة ومتعاقبة وذلك لإبادة الإسلام ولقتل رسول الله صلى الله عليه وآله، فدعا صلى الله عليه وآله المسلمين إلى الجهاد دفاعاً، كما يقوم به الآن الحشد الشعبي، حيث لم يبدأ صلى الله عليه وآله بقتال أبداً).

إن الجنوح الى السلم هو من المسلمات التي يدعو إليها الاسلام في تعاليمه، وقد وردت الكثير من النصوص القرآنية المباركة التي تدعو الى السلم، ولكن هناك حد معين يتوقف معه السلم، عندما تكون روح الانسان مهددة بالموت والازهاق وممتلكاته معرضة للتدمير وأرضه للسلب وعرضه للتجاوز والامتهان، عند ذاك لابد أن يهب للدفاع عن مقدساته، ولابد أن يتحصن بقوة العقيدة، حتى يكون قادرا على المطاولة والقتال ضد مجرمي داعش، علما أن قوات الحشد الشعبي لم تبدأ عدوّها وعدو المسلمين بالقتال، وانما اضطرت لخوض الحرب دفاعا عن النفس والعرض والمقدسات، ومثالها في ذلك الامام علي عليه السلام.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمه نفسها قائلا: (وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهما، أي لم يبدؤوا بقتال أبداً، وهذه مفخرة للبشرية كلّها، وهي أنه كان هنالك بشر تمكّنوا ولكنهم لم يبدؤوا بقتال. وهكذا هم الحشد الشعبي، أيضاً).

أهم شيء في قانون الله ورسلهِ

هناك صفات مهمة لشخصية المقاتل المسلم في عهد الرسول (ص)، وهذه الصفات تتكرر اليوم في شخصية مقاتل الحشد الشعبي، وأهم هذه الصفات الايمان المطلق بقضية المسلمين، والمشاركة في القتال من اجل نصرة الاسلام وليس لأي هدف آخر، بمعني لا يجوز للمقاتل أن يدخل ارض المعركة ضد أعداء الاسلام من اجل تحقيق مكسب مادي او غنيمة معينة او مصلحة ملموسة، بل ينبغي القتال بدافع الايمان بالعقيدة لا غير.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (دافع المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وسقط بعض المسلمين شهداء، وصلّى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، واحداً واحداً، وتأسّف عليهم وبكى لهم، ولكنه لم يصلّي على واحد منهم، ممن كان قد قاتل تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله، وتحت راية الإسلام، بل أمر صلى الله عليه وآله بأن لا يصلّي عليه أحد من المسلمين. فسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبب ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: إنه شهيد أمّ جميل! وأمّ جميل هي امرأة كانت في صفوف المشركين، وكان قد رغب بها ذاك المقتول من المسلمين، فجاء يقاتل لكي يحصل عليها غنيمة).

لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي قادة الحشد والقائمين على شؤونه، الى تسليح المقاتلين بالعقيدة الصحيحة، وتربية المقاتلين تربية سليمة وزرع الإيمان في نفوسهم وقلوبهم، حتى يكون بمقدورهم مقارعة أعداء الإسلام والفوز عليهم في ساحات الوغى دفاعا عن المقدسات والأرض والعرض، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (حاولوا تصحيح العقائد وتقويتها، خصوصاً الشباب في قوات الحشد الشعبي الذين وضعوا بكل إخلاص، أرواحهم على أكفّهم. وحاولوا في لملمتهم وتربيتهم).

وينبغي تنبيه المقاتلين الى القانون الإلهي الذي يدعو أولا الى تزكية النفس، فهذا ركن أساس من الاركان التي تقوم عليها شخصية المسلم المقاتل في سبيل الحق، وكذلك هناك أمر ثاني ينبغي الالتزام بها ألا وهو (هداية الناس)، فهذه الجوانب ينبغي ان تشكل شخصية المسلم المؤمن بالعقيدة، والساعي دائما وابدا للدفاع عن المقدسات والحرمات.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (عليكم أن تعلموا أنه أهم شيء في قانون الله تعالى، وأسلوب الله تعالى في كل الأديان الإلهية، وكذلك عند كل الرسل الذين بعثهم الله تعالى، هما أمران مهمّان أهم من كل شيء آخر: الأول: تزكية النفس، حيث قال عزّ وجلّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) سورة الشمس: الآية 9. والثاني: هداية الناس).

اضف تعليق