تعريب: علاء الكاظمي
بمناسبة ذكرى مولد سيّد الكائنات، خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، نبيّ الإسلام والإنسانية والرأفة والعفو والصفح، مولانا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، ومولد حفيده، ناشر علوم الإسلام، الإمام الصادق صلوات الله عليه، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، تطرّق فيها إلى هاتين المناسبتين العظيمتين، خلال درسه (الخارج في الفقه) في مسجد الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، في مدينة قم المقدّسة، صباح يوم الاثنين الموافق للسادس عشر من شهر ربيع الأول 1437 للهجرة (28/12/2015).
في بداية كلمته، قدّم سماحته التهاني والتبريكات للمقام الشامخ لمولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف بذكرى مولد مولانا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله ومولانا الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليه، وللعالمين أجمع، ثم قال: لو تطبّق سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، عملياً في المجتمع، فسوف لا نرى في العالم لا فقير واحد، ولا مسكين، ولا مهجّر، ولا مظلوم، ولا أسير.
نبيّ الرحمة
ثم ذكر سماحته الآية الشريفة التالية: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ»(سورة آل عمران: الآية159)، وقال: عند مراجعتنا للتاريخ، نرى ان مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، مع وجود الكثير من المشاكل التي واجهها من قبل المشركين والمنافقين والمتظاهرين بالإسلام في الداخل والخارج، والأذى الكثير، الذي وصفه صلى الله عليه وآله، بقوله: (ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت)، مع كل ذلك، نرى أنه صلى الله عليه وآله قد تعامل مع الجميع، باللين والرفق والرحمة. فلم يذكر التاريخ، في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله، سواء قبل البعثة وبعدها، وفي مكّة والمدينة، لم يذكر حتى مورد واحد تعامل فيه صلى الله عليه وآله، بغير اللين والرفق. وهذا التعامل في سيرة وطريقة مولانا النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله هي رحمة الله تعالى التي جعلها في نبيّه صلى الله عليه وآله وصرّح بها جلّ وعلا في كتابه الكريم. وبهذا الصدد، كتب المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي أحد تلامذة المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي قدّس سرّه، في إحدى مؤلّفاته حول مناقشته للأديان، ذكر أنه لو اقتدى بسيرة وطريقة رسول الله صلى الله عليه وآله، الحكّام من بعده صلى الله عليه وآله، وعبر التاريخ، لكانت البشرية اليوم كلها مسلمة، ولا تجد فيها حتى كافر واحد.
أمران مهمان
هذا الأمر ينطبق مع الواقع والحقيقة كاملاً ولا ريب فيه أبداً. ومن باب تهيئة مقدمات وجود الواجب المطلق، البتة مع شرائطه، وهي الهداية والإرشاد، نحن مسؤولون بأن نهدي غير المسلمين إلى الإسلام، وغير المؤمنين إلى الإيمان. وهذه المقدّمات الوجودية للأمر المذكور، فيها مطلبين، إيجابي وسلبي. والإيجابي هو أن نبيّن للدنيا تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، وهذا ما يجهله حتى الكثير من المسلمين. فيجب أن نسعى في هذا السبيل كثيراً، لإتمام الحجّة، ولإقناع الناس، كما في قوله عزّ من قائل: «لِئَلاَّ يكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللّهِ حُجَّةٌ»(سورة الأنعام: الآية149)، أو كما يقول سبحانه وتعالى: «فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(سورة الأنعام: الآية149). فمن المؤسف له، أنك لا ترى اليوم مثل هذه المساعي ومثل هذه التوجّهات لتعريف تاريخ النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، حتى في أوساط المسلمين، فكيف في أوساط غيرهم.
والمطلب الثاني، هو السعي إلى تبرئة المقام الشامخ لمولانا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ودين الإسلام المبين من الأكاذيب التي ينسبها أعداء الإسلام لنبيّ الإسلام ولدين الإسلام. وهذا لا شكّ فيه أبداً، فمثل هذه الأمور والمساعي قد حصلت في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله، ويؤيّده قوله صلى الله عليه وآله: (كثرت عليّ الكذّابة).
أكاذيب على الإسلام
فهذه الحالة لم تنحصر في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله، بل مستمرة إلى يومك هذا. فزخرف القول الذي ينسب باسم الإسلام إلى الإسلام وإلى نبيّ الإسلام، زوراً وبغير حقّ، لا زال مشهوداً، ويتّسع يوماً بعد يوم. فبنظرة إلى التاريخ، تجد الألوف من هذه الشواهد التي نسبت بغير حق وزوراً إلى النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، في حين أن الحقيقة هي غير ذلك، فلا تجد في التاريخ الصحيح والسليم، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أهان حتى شخص واحد. ومع وجود الألوف من المشاكل الداخلية والخارجية التي واجهت حكومته صلى الله عليه وآله. ولا تجد في زمن هذه الحكومة أن شخصاً واحداً، قضى ليلة واحدة من حياته بالقلق أو بالسهر، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وآله.
لا عقاب سياسي بالإسلام
فلا تجد في كل التاريخ، حتى مورد واحد، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتل إنساناً واحداً بسبب مايسمّى بـ(جرم سياسي)، لأن الجرم السياسي ليس جرماً. ولن تجد أنه صلى الله عليه وآله وبالسبب نفسه، قد سجن أحد، أو صادر أمواله. بلى ان رسول الله صلى الله عليه وآله، صادر بعضاً ومقداراً من أموال المشركين لأنهم كانوا قد صادروا أموال المسلمين وممتلكاتهم كلّها، وهذا لا إشكال فيه من وجهة النظر العقلية والشرعية. وبسبب هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله، قالت بنت حاتم الطائي لأخيها: عليك أن تؤمن بمحمد لأنه ليس كالملوك، بل هو ليس مثلهم.
ففي هذا الصدد، علينا أن نؤدّي فعاليتنا فيما يخصّ المطلب السلبي، وأن نعلم جيّداً أن الدنيا لا تعرف مثل هذه الأمور، أو تعرف منها القليل جدّاً. ولذا علينا أن نعرّف ذلك للعالمين كلّهم، إتماماً للحجّة. فكلنا سمعنا وقرأنا ان بعض الحكّام أمثال هارون والمأمون ترأّسوا الحكومة الإسلامية، ومارسوا باسم الإسلام عنفاً قلّ نظيره.
من جرائم الحكّام
على سبيل المثال: ذكر التاريخ ان اولئك الحكّام كانت لهم ما سمّي بـ(بركة السباع). فكان هارون والمأمون والمعتصم وباقي خلفاء بني العباس، كانوا يلقون بالمعارضين لهم في هذه البركة، لأدنى سبب. وهذه جرائم قلّ نظيرها، ولن تجد مثلها في التاريخ الظالم والمجرم لفرعون ونمرود وشدّاد وأمثالهم. واولئك الحكّام كان يدّعون الإسلام وأنهم من المسلمين، كهارون الذي كان يدّعي ـ والعياذ بالله ـ أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان حاكماً على الدول الإسلامية، حيث كتب التاريخ عنه أنه وضع في تلك البركة قرابة أربعين حيواناً من المفترسات، وكان إذا غضب على أحد ما، ألقاه في تلك البركة، فتفترسه وتقطّعه تلك الحيوانات في دقائق! وهذا الأمر العنيف لم يصدر من شخص مسلم، بل صدر مما يسمّى بحاكم المسلمين، ورئيس حكومة إسلامية!
هذا هارون، كانوا يسمّونه برئيس البلاد الإسلامية، ومن المؤسف له، أنه ولحدّ اليوم، تنعت بعض الكتابات عصر هارون بالعصر الذهبي الإسلامي! فإذا كان في تاريخ هارون ذاك المورد الواحد من الجرائم لكان مؤلماً كثيراً، وبسبب مثل هارون كتب العلاّمة الجليل محمد جواد البلاغي أنه لو أمثال هؤلاء الحكّام لكان العالم كلّه مسلماً.
كما ذكر التاريخ، أن هارون أمر بجعل الإمام الكاظم صلوات الله عليه في تلك البركة. وقال بعض جلاوزة هارون الذين جعلوا الإمام صلوات الله عليه في تلك البركة، أنهم اقتربوا من تلك البركة وبأيديهم شموعاً ليروا ماحدث فيها، فرأوا الإمام الكاظم صلوات الله عليه يمسح بيديه الشريفتين على ظهر المفترسات التي لم يصدر منها أي أذى تجاه الإمام، مع أنها كانت جائعة، بل كانت تمسح مقدّمة وجوهها بالمكان الذي جلس فيه الإمام صلوات الله عليه، أي انها كانت تعرب عن احترامها للإمام الكاظم صلوات الله عليه.
هكذا فعل المأمون أيضاً، والمعتصم، وباقي أبناء هارون، والمتوكّل حفيد هارون، حيث كانوا يصنعون هذه البركة والبرك من بيت مال المسلمين ومن ممتلكات المسلمين. وكانت بعض آثار البركة التي صنعها المتوكّل موجودة في سامراء، وأنا قد رأيتها، وكانت تلك البركة تقع في وسط سامراء التي كانت كبيرة ووسيعة زمن العباسيين، واليوم تلك الآثار أصبحت في الصحراء أطراف سامراء لأن الأخيرة قد صغرت. والمؤلم في هكذا ممارسات ان اولئك الحكّام المصطلح عليهم بحكّام الإسلام، كانوا يجلسون جنب البركة ويشاهدون افتراس الحيوانات الجائعة للإنسان الضحية!
شرّ حاكم
هذه الحوادث والممارسات المرّة والظالمة كانت باسم الإسلام وعند حكّام المسلمين، ولا يمكن مسحها من التاريخ، ولكن يمكننا أن نبعد نبيّ الإسلام وعترته الطاهرة صلوات الله عليه وعليهم عن تلك الممارسات، وأن ننزّه سيرتهم صلوات الله عليهم من ذاك الظلم، كل حسب قدرته واستطاعته.
ذكر التاريخ، أن المتوكّل كان له اثنين من الذكور، وطلب من أحد العلماء الذين قلّ نظيرهم في ذلك الزمان وهو ابن السكّيت، طلب منه أن يقوم بتعليم ولديه، فقبل ابن السكّيت خوفاً من سطوة المتوكّل. وذات يوم سأل المتوكل من ابن السكّيت: من أحبّ إليك: هما (وقصد ابنيه)، أو الحسن والحسين (صلوات الله عليهما)؟ فقال ابن السكّيت: بل قَنْبَرٌ (خادم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه). فأمر المتوكّل حرسه من الأتراك، فداسوا بطنه، فمات بعد يوم. وقيل: بأنّ المتوكل أمرهم أن يستلُّوا لسانه، فسلّوه فمات من فوره!
هذا الفعل لو يصدر من منافق مسلم لكان قبيحاً جدّاً ويُلام عليه، فكيف بصدوره ممن يسمّي نفسه حاكماً إسلامياً؟!
لا حكم إلاّ كحكم النبيّ
قبال ذلك، علينا أن نرى سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم. فقد ذكرت الروايات الشريفة ـ مامضمونه ـ ان أحد أصحاب الإمام الصادق صلوات الله عليه، وهو المفضل، قال للإمام: يابن رسول الله، لو تكون أنت الحاكم الإسلامي، فسنهنأ بالعيش. فقال له الإمام صلوات الله عليه: نحن الآن في راحة لأننا لسنا حكّاماً، ولكن إن حكمنا، فسوف لن يكن إلاّ عيش رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.
كما سأل شخص آخر من أصحاب الإمام الصادق صلوات الله عليه، سأل الإمام كسؤال المفضّل الذي مرّ ذكره آنفاً، فأجابه الإمام الصادق صلوات الله عليه، بقوله: «لا، إلاّ لبس الخشن، وأكل الجشب».
بناء على قول الإمام الصادق صلوات الله عليه، فإنّ على الحاكم الإسلام أن يعيش كعيش رسول الله صلى الله عليه وآله، أي أن يكون كل وجوده، جميلاً معنوياً، وحسناً، ونظيفاً وإنسانياً، وفضيلاً، كما كانت هكذا سيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فالإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبصريح القرآن الكريم، هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله.
العفو عن المعارضة
كتب التاريخ عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنه في زمن حكومته، سبّه رجل من الخوارج في محضره لما تكلّم الإمام صلوات الله عليه بكلمة حكيمة، فقال الخارجي مشيراً إلى الإمام صلوات الله عليه: (قاتله الله من كافر ما أفقهه). فهمّ أصحاب الإمام بالانتقام من ذلك الخارجي، فمنعهم الإمام وقال لهم: (انه سبّ بسب أو عفو عن ذنب) يعني انه يحقّ لي أن أسبّه في مقابل سبّه، أو أعفو عن ذنبه، وأنا أولى بالعفو، فعفى عنه. فهل تجدون، حقّاً، في عالم اليوم، مثل هذه الموارد التي يتعرّض فيها رئيس حكومة أو دولة إلى مثل ما تعرّض له الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فيُغفى عن المتعرّض؟ وهناك الكثير والكثير مثل هذه الموارد في حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، في تعاملهما باللين والعفو. كما انهما صلوات الله عليهما وآلهما كانا يبيتان الليل جائعين، لأنهما كان يجودان بطعامهما على المحتاجين والفقراء والجوعى. وهكذا يجب أن يكون الحاكم الإسلامي.
فأين تجدون مثل هذه السيرة؟ أي هل تجدون بالدنيا كلها، حاكماً كرسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، يعيشون بمستوى أفقر فرد في المجتمع؟ وهل سمعتم بذلك؟ وهل يعلم العالم انه لم يكن في تاريخ حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم، حتى سجين أو معتقل واحد؟ وهل أطلعنا العالم على ذلك؟
فضح الحكّام الجناة
كما علينا أن نطلع العالم على التعامل السلبي للحّكام أمثال معاوية ويزيد ومروان وهارون والمأمون والمتوكّل. ولا يخفى، ان الإسلام قد قرّر السجن وعيّنه لبعض الموارد، كمن يأكل أموال الآخرين ولا يردّها لهم مع يسر وضعه المادي، فيجب أن يفتضح ويعاقب. ولكن للموارد السياسية، فلا يوجد عقاب السجن، وهذا ما نراه ونجده بكل وضوح في التاريخ والزمن المبارك والخير لحكومة نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، ولا تجد مثل تعامل النبيّ والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، في الدنيا كلّها، حتى لو قلّبتها كلّها، أبداً.
إذن، كلّنا مسؤولون بأن نعرّف الإسلام الأصيل كما هو، إلى العالمين أجمع.
وذكر التاريخ عن بعض حكّام البلاد الإسلامية في الأزمان السالفة، التي كانت فيها الدولة الإسلامية مترامية الأطراف، وتتكون من الألوف من المدن الصغيرة والكبيرة، كالكوفة، أنه حكمها الحجّاج بن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان. وقد سجن وعذّب الحجّاج قرابة ثمانين ألفاً في سجن كان قد بناه بلا سقف، حتى يتأذّى المساجين من شدّة الحرّ الشديد المعروف في أجواء العراق، وكان المساجين يعانون الشدّة والأذى الكثيرين. وكان الحجّاج قد جعل بعض الجلاوزة على حائط السجن، ليراقبوا المساجين ويمنعوهم من الالتجاء إلى الظل الذي كان يحدث أول الصباح والمغرب، حيث كانوا يضربونهم بالسياط والأعواد السميكة، لكي لا يلتجؤوا إلى ظل الحائط، وليذوقوا الحرّ وحرقة الشمس دائماً!
مسؤولية العلماء والمثقّفين
كلنا نعرف ان الحجّاج وأمثاله كانوا يحكمون باسم المسلمين وباسم الحكومة الإسلامية. ولذا فإن المسؤولية على الجميع كبيرة، بالأخصّ العلماء ورجال الدين، وأصحاب القلم، والخطباء، لما لهم من قدرات أكثر. فيجب أن نبيّن للعالم التمايز والفرق بين الحجّاج وباقي الحكّام الجائرين، واختلاف تعاملهم في الحكومة، وبين سيرة نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وأن نبيّن للعالم أن منهاج المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم يختلف تماماً عن أسلوب الحكّام الظالمين. فالدنيا كلّها، يجب أن تعرف ان نبيّ الرحمة ومؤسّس الدولة الإسلامية لم يسجن أحد أبداً، ولكن بعد قرابة خمسين أو ستين سنة من حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولّى عبد الملك بن مروان، الحجّاج على الكوفة، فبنى الأخير سجناً سجن فيه عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، رجالاً ونساء. وماكان ذنب اولئك المساجين، أنهم ارتكبوا جريمة أو جناية، بل سجنهم الحجّاج لأن الرجال كانت أسماءهم أو أسماء آبائهم عليّاً، والنساء أو أمّهاتهن فاطمة!
يجب أن نشرح التاريخ للناس، لكي يعرفوا جيّداً ويتّضح لهم التفاوت بين حكومة رسول الله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، والحكومات التي ادّعت الإسلام والمسلمين في التاريخ، وهي ليست قليلة. قد لا يصدّق الكثير من الناس، بوجود حكومة تعاملت باللين والرفق والرحمة والعفو وهي حكومة نبيّ الإٍسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، ولكن يمكن إيصال هذه الحقائق إلى الناس ببذل المساعي، ويجب في ذلك عدم الاستسلام للتعب.
العمل لإتمام الحجّة
إنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله الذي خاطبه الله تعالى بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم)، كان بإمكانه أن يكتفي بقوله صلى الله عليه وآله: (قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا)، ولكنه صلى الله عليه وآله عرّض نفسه الشريفة إلى المشاكل والأذى، لكي يجذب الناس نحو الإسلام، ويذوقوا حلاوة وزلال الفلاح بعبادة الله الواحد الأحد، ولكي يتمّ الحجّة عليهم، لأنه يجب أن يتحقّق قوله عزّ من قائل: «فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ». وهكذا كان عمل الأنبياء عليهم السلام، حيث لم يكتفوا بقول واحد، وسكتوا، بل أتمّوا الحجّة على الناس بالاستدلال أيضاً. علماً بأن إيمان أفراد المجتمع هو هدف الأنبياء، وإذا لم يؤمن الناس، فالحجّة قد تمّت عليهم، ولا يبقى لهم أيّ عذر ولا حجّة في عدم إيمانهم بالله تعالى وبأنبيائه ورسله عليهم السلام. فهدف الأنبياء هو تحقّق (الحجّة البالغة)، فهل تحقّق هذا الأمر اليوم؟ وللجواب نقول: هذا الأمر لم يتحقّق حتى في الدول الإسلامية. ومن المسلّم به أن كل واحد منّا يجب أن يسعى في تحقّق الحجّة على الناس قدر إمكانه واستطاعته، ومن ليس له ذلك فهو معذوراً.
لتبيين حقيقة الإسلام الأصيل
توجد في عالم اليوم، نسبة من الحريّات، فيجب عبرها أن نوصل التاريخ الصحيح والنظيف للإسلام الحقيقي وسيرة نبيّ الإٍسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، للعالمين أجمع، ونوضّح لهم الحقائق. ولذا يجب على كل واحد، أن يعرّف العالم بواقع الإسلام الأصيل، وأن يزيل عن صورته الحقيقية النورانية، غبار التضليل والتحريف، وذلك كل حسب قدرته واستطاعته وبالاستفادة من الإمكانات المتاحة، ووسائل الإعلام، المسموعة والمرئية والمكتوبة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص عبر القنوات الفضائية السليمة، التي يمكن بها إنجاز هذا العمل، وهي تعطي نتائج جيّدة كثيرة. وهذه المسؤولية تقع على عاتق المؤمنين في أرجاء العالم، والقاطنين في العالم غير الإسلامي، أيضاً، لأنهم لهم القدرة أكثر على بيان الحقائق، ولهم إمكانات أكثر ووأسع، فعليهم أن يسعوا في إداء هذه المسؤولية، لأن الفرص متاحة لهم اليوم.
الواجب اليوم
بلى، يجب أن يتحقق الأمرين التاليين: تعريف الإسلام الأصيل والحقيقي إلى العالمين، وتنزيه وتبرئة الإسلام ونبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، مما حدث ويحدث باسم الإسلام وباسمه صلى الله عليه وآله، ماضياً وحاضراً. وإذا لم يتمّ القيام بهذين الأمرين بشكل مناسب ولائق، عندها سيكون واجباً عينياً على الجميع. وأما إذا عزم من يقوموا بهذين الأمرين فسيكونا واجباً كفائياً، وهو الواجب الذي يسقط التكليف عن الآخرين. فهل قام بهما اليوم أحد؟ ومما يؤسف له ان الكثير من الشباب المسلم القاطنين في أوروبا يجهلون الكثير من التاريخ المشرق والنيّر للإسلام، بل هم غرباء عنه، ولم يسمعوا عنه، وإذا سمعوا عنه شيئاً، فإنهم لم يصدّقوا، نظراً لما يرونه ويشاهدونه من الظروف الحاكمة على العالم، بالأخصّ في العالم الإسلامي، وذلك لأنه لم تتمّ عليهم الحجّة البالغة. وليكن بعلمكم ان رسول الله صلى الله عليه وآله، واجه في مكّة والمدينة مشاكل كثيرة ومتنوّعة، ولكنه صلى الله عليه وآله، تابع تبليغ رسالة الإسلام، لتتمّ الحجّة على الناس، فمنهم من آمن، ومنهم لم يؤمن، وهم مصداق قوله تبارك وتعالى: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ»(سورة النمل: الآية14).
المهم تبيين الحقّ
المهم في الأمر، هو أن تكون حجّة بالغة وكاملة، لكي لا يحتجّ بعض الناس يوم القيامة، بأنه لم تتمّ عليه الحجّة، أولم يك يعلم بها، وهذه مسؤولية تقع علينا جميعاً. فمن المؤسف ان هذا الأمر لم يتحقّق لا في العالم ولا في بعض الدول الإسلامية، إلاّ قليلاً. وجبر هذا النقص الذي من مصاديقه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي من مسؤولية الكل، رجالاً ونساء، في مستوى واحد وبقدر واحد، كل حسب قدرته وإمكانه، وعليهم أن يهيّؤوا مقدمات هذا الواجب. فهكذا عمل الأنبياء والأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وواصلوا المسير في هذا السبيل بحيث قتلوا بسيوف الغدر والحقد، وذلك لأنهم صلوات الله عليهم، أصرّوا على إداء المسؤولية وتبرئة الإسلام من الانحرافات. فلا شكّ لو انهم صلوات الله عليهم اختاروا السكوت والعزلة، لما تعرّض لهم أحد، ولم يستشهدوا.
لا للركون إلى الظلمة
على سبيل المثال: سئل الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، من قبل الزُهري، عن حكم العمل في جهاز ونظام حكم عبد الملك بن مروان، وكان الزهري شخصية معروفة ومن أهل العلم، وكانت له منزلة ومقاماً بين الناس، فأجابه الإمام السجّاد صلوات الله عليه، برسالة مفصّلة ذات مضامين عميقة، حيث جاء فيها (مامضمونه): اعلم يازهري، ان عبد الملك يستغلّ اسمك ومقامك ويستفيد منهما في خداع الناس والمتزلزين فكراً وإيماناً، أكثر وأكثر مما تقوم به أنت في جهاز حكمه من رفع وقضاء حوائج الناس. فهو يستفيد من قربك ووجودك معه في إفساد دين الناس.
فهكذا كانت سيرة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، ولم تأخذهم لومة لائم، في تبيين وتوضيح الحقائق، ولهذا دسّ السمّ إليهم وتعرّضوا للقتل صلوات الله عليهم، بأمر الحكّام. فقد كتاب التاريخ ان الإمام الكاظم صلوات الله عليه قتله هارون، والإمام الرضا صلوات الله عليه، قتله المأمون، والإمام الهادي صلوات الله عليه، قتله المتوكّل، وذلك بسبب انهم صلوات الله عليهم لم يتعرّضوا لأيّ أذى من المفترسات التي كانت موجودة في بركة السباع التي صنعها حكّام بني العباس، الذين أدخلوا الأئمة صلوات الله عليهم فيها لتفترسهم.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل في ظهور مولانا بقيّة الله الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ليتحقّق بظهوره الشريف خلاص الشعوب من الظلم والظالمين. وأسأله جلّ وعلا أن يوفّق الجميع لتعريف السيرة النظيفة والحقيقية لنبيّ الإسلام سيدنا رسول الله وعترته الطاهرة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وتمييزها عمّا يفعله غيرهم ممن يدّعي الإسلام.
اضف تعليق