القلق والاضطراب سمات واضحة تظهر في المجتمعات الاسلامية المعاصرة، وهو مبعث للحيرة والاستغراب، إذ أن المسلمين قبل اكثر من 1400 سنة ابان حكومة الرسول الأكرم (ص)، عاشوا بأمان، بعيدا عن كل مظاهر الاضطراب والخوف والقلق، واستطاعوا من خلال حلول معقولة سهلة وحكيمة، أن يجعلوا حياتهم أفضل، أما اليوم، فإن المجتمع الاسلامي يعاني من المشكلات الاجتماعية، حتى صار نهبا لظواهر التردد والانقسام والضغينة، الامر الذي يقود الى مشاكل مركبة، أكثرها وضحا القلق من الحاضر والمستقبل.
لدينا قضية الزواج، وهو يمثل نقطة الشروع بتأسيس خلية المجتمع الأولى ونعني بها (العائلة)، لكننا في الواقع كمسلمين نعيش معضلة في هذا الجانب، بسبب الطلبات الغريبة التي يفرضها أولياء الأمور وبالأخص الأمهات، وفرض حالة مستغربة من غلاء المهور وما شابه من اجراءات تعيق بناء الخلية الاولى للمجتمع، وهذه ظاهرة بعيدة عن مبادئ الاسلام، لاسيما في المجتمع الذي قاده الرسول (ص)، وتم بناءه على أساس التعاون والتكافل والتكامل بين الجميع.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية ألقاها سماحته مؤخرا: (نقلوا ان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي قصة زوجين، انه قال للرجل هل تملك شيئاً ما؟ فقال: لا. فقال النبي صلى الله عليه وآله: هل تعرف من القرآن شيئاً؟ فقال: نعم. فقال صلى الله عليه وآله: اجعل ما تعرفه من القرآن مهراً. فتزوّجا. وهكذا حصّن النبي صلى الله عليه وآله المجتمع عن الفساد والفقر).
إن مثل هذه الحصانة لم تعد موجودة في العديد من المجتمعات الاسلامية اليوم، وحلَّ بديلا عنها الكثير من الظواهر المسيئة، وهذه بدورها قادت الى نشر حالات الطلاق بين عائلات المسلمين، لدرجة انها باتت تشكل ظاهرة، وتمثل خطرا مخيفا على المجتمعات الاسلامية، والسبب هو الابتعاد عن الأسس التي وضعها الرسول الاكرم (ص) وسار عليها ورسخها أئمة أهل البيت (ع)، فكانت النتيجة استقرار المجتمع وانتعاشه.
أما اليوم، فإن المسلمين ازاء موجات متلاحقة من القلق والاضطراب، مع ارتفاع مهول في معدلات الطلاق التي طالت عائلات، كانت بالأمس تعيش بسعادة واستقرار وأمان، لكنها عندما بارحت التقاليد الانسانية والقيم الجيدة التي اعتمدها قادتنا العظام بالامس، أصبح حالات الطلاق تهدد المجتمعات الاسلامية المعاصرة، كما أوضحت دراسات وبحوث واستبيانات دقيقة عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد واقع المجتمعات الاسلامية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (كتب بعضهم، وأنا قد قرأت ذلك، ان من كل ثلاث حالات زواج، يحصل منها طلاق واحد. وكتب آخرون ان صالة من صالات الأعراس التي تقام فيها حفلات الأعراس يكون مصير نسبة خمس وستون بالمائة من تلك الأعراس هو الطلاق بعد مدة قليلة! فهل هذا هو المجتمع الإسلامي؟).
القيود الكثيرة تفسد الزواج
من المؤسف أن أولياء الأمور، الأمهات والآباء، لا يفهمون بالضبط دورهم في قضية الزواج، إنهم مسؤولون عن سعادة أبنائهم، والسعادة لا تأتي عن طريق البذخ، والمظاهر المادية، والاستعلاء، وتضخيم حفلات الزواج، ورفع مبالغ المهور وما شابه من إجراءات تقتل الزواج وهو لا يزال في المهد.
هناك قيود يضعها الأبوان لا أساس لها من حيث التقاليد التي نشرها الإسلام منذ اطل بالسعادة على المسلمين والبشرية جمعاء، ومن الواضح ان كثرة القيود على الزواج ستجعله اكثر تعقيدا، وتهدد هذه المؤسسة الحديثة بالفشل والزوال، لذلك فإن المهور السهلة والبسيطة التي كانت سائدة في مجتمع الرسول الأكرم (ص) والامام علي (ع)، كانت تمثل حصانة لتلك العائلات وضمان لها في الاستمرار والتقدم الأسري الذي يضمن بدوره تقدم المجتمع الاسلامي كله.
لذلك فإن أية قيود يتم فرضها على الزواج سوف تقود الى تدميره حتما، وهذه المؤشرات لا يريد أن يعترف بها الآباء والامهات اليوم، إنهم يطالبون بمزيد من غلاء المهور، ويحثون على مضاعفة المظاهر المادية الباذخة، ولكنهم سرعان ما يكتشفون أخطاءهم عندما يصطدمون بالطلاق السريع الذي يعيد بناتهم الى بيوتهم!.
يقول سماحة المرجع الشيرازي عن هذا الموضوع في كلمته المذكورة نفسها: (إذا حصل الزواج مع القيود الكثيرة فسيلازمه الاضطراب الكثير، الذي يؤدّي إلى فقدان حصانة المجتمع ووقوع الطلاق الكثير).
ولذلك فإن القلق ومظاهر الاضطراب يأتي بسبب مضاعفة هذه القيود على الزواج، من دون أن يفهم أولياء الامور بالضرر البالغ الذي سيلحق بأبنائهم، حيث يتعرض الشباب والشابات الى صدمة مبكرة في حياتهم الزوجية، عندما يكتشفون أن الشروط المادية والمبالغة بها، لا يمكن أن تؤسس لمؤسسة عائلية ناجحة، انما يحدث العكس تماما، إذ ما تلبث المشاكل بين الزوجين ان تطفو على السطح، ويبدأ الصراع العائلي بين الزوجين، ليمتد الى الأهل، ومن ثم تحدث كارثة الطلاق، وهي إعلان مبكر عن موت عائلة صغيرة لا تزال في المهد.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي عم هذا الجانب: توجد (اليوم من القيود الكثيرة في الزواج، التي أوجبت الابتعاد عن سُنّة النبيّ صلى الله عليه وآله، وأوجبت الفقر وفساد المجتمع ومرضه. وهذه القيود توجب القلق والاضطراب في المجتمع، بالأخصّ عند الشباب والشابات، وأهل الولد وأهل البنت).
المسؤولية تقع على الجميع
إذاً نحن ازاء خطر ماحق يحدق بنا جميعا وليس بالابناء او الشباب وحدهم، إن حاضر المسلمين ومستقبلهم مهدَّد بهذه المعضلة الاجتماعية المتنامية، ولابد من التحرك العلمي لدرء الخطر الاجتماعي الذي يحيق بنا، أما المسؤولية في المواجهة والتصدي والتخطيط والتوعية، فإنها تكون من حصة الجميع، وحسب أولويات التأثير والقدرة على الاقناع وما شابه، ولا بد من العودة الى الجذور الأخلاقية التي تم من خلالها تنظيم الزواج.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية مشاركة الجميع في مواجهة هذه المشكلة الاجتماعية، وقد أكد سماحته على جانب التفاؤل والنجاح في هذا المسعى، اذا ما تحمّل الجميع مسؤولياتهم في معالجة هذه الظاهرة، وعدم التردد او التهرّب من المسؤولية.
كما يؤكد سماحته ذلك في قوله: (إنّ لكل واحد منّا مسؤولية وواجب. وبقيام الكل بمسؤوليته سيفلح المجتمع، وكما قيل ان أوّل الغيث قطرة ثم ينهمر. فعلى الجميع أن يقوموا بمسؤوليتهم).
أما الخطوات العملية التي ستقود المجتمع الإسلامي الى بر الأمان، فهي تتمثل بإزالة الكثير من القيود التي تم من خلالها تقييد حالات الارتباط بين الشاب والشابة، وخاصة القيود المادية التي تظهر في غلاء المهور، وطلب السيارات الفارهة، والبيوت الضخمة المنفردة عن عائلة الشاب، والأرصدة في البنوك، وإقامة حفلات زواج ضخمة، او إقامة الزيجات خارج الحدود في منتجعات وما شابه، وهي امور لم يكن يعرفها المسلمون أبان عهد الرسول (ص) والائمة الأطهار (ع).
إن وصية النبي (ص) واضحة ومعروفة لجميع المسلمين، ولابد لكل مسلم وخاصة أولياء الأمور، الآباء والأمهات، العمل بها، كونها صمام الأمان لأبنائهم وللمجتمع أجمع.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: إن (الأمهات والآباء الذين يعيشون حالة من القلق على أبنائهم، عليهم أن يعملوا على إزالة الكثير من القيود التي تقيّد وتمنع زواج أبنائهم وبناتهم، وعليهم أن يعملوا بما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله، وهو: من جاءكم مَن ترضوه خُلُقه ودينه فزوّجوه).
اضف تعليق