الدور الثاني الذي اعتمده الإمام عليه السلام، إعداد فقهاء متميزين وقادرين على حمل لواء الكلمة، وقيمة المعنى، وحفظوا العقيدة وركائزها جيدا، وكان الدور المطلوب منهم نشر هذه العقائد والقيم، وتكريس الإسلام المحمدي الحقيقي بين الناس حتى يفرقوا بينه وبين ما يسعى إليه أعداء الإسلام من تزييف للحقائق...
(أطلق الإمام الحسين الشرارة الأولى وتابع الإمام زين العابدين المسار
حتى آل الأمر إلى انهيار وزوال حكومة الفساد إلى الأبد) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
لقد أخفى الأمويون ما كانوا يخططون له، وجعلوه من أسرار العمل السياسي الذي خططوا له، وخلاصة نتائجه هو القضاء على الإسلام بكل السبل المتوفرة لهم، وقد أدرك الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذه الخطة المبيّتة للحكام الأمويين، وكانت هناك مؤشرات وقرارات وسلوكيات يراقبها الإمام ويتابعها بدقة، لغرض فضح هذه الخطط الخطيرة لوأد الإسلام وتدمير دولة المسلمين وما أنجرزه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في بنا الدولة.
لقد خطط بنو أمية للقضاء على الإسلام بالفعل، مما جعل من الإمام زين العابدين يضع خطط المواجهة التي تُفشل ما يروم تحقيقه الأمويون، وقد تبلورت خطة معاداة الإسلام في ثلاث خطوات أقدم عليها بنو امية، وأول تلك الخطوات هو (إنكار كل ما جاء به الإسلام) في محاولة لحرف الدين عن مساره، وإدخال المسلمين في دوامة من الشك والانحراف.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، قدم حول هذا الموضوع المهم محاضرة قيمة جاء فيها:
(قبل بيان الأدوار والخطط الثلاث للإمام سلام الله عليه، لابد أولاً من معرفة الظروف التي كانت تحيط الإمام في ظل حكم بني أمية. أول خطوة لقد أنكر الأمويون كلّ ما جاء به الإسلام منذ البداية).
وبعد هذه المحاولات الحثيثة بدأ العمل على محاربة أهل البيت بكل الطرائق والسبل المتاحة، والهدف من وراء ذلك هو عزل الناس وإبعادهم عن أهل البيت عليهم السلام، كونهم مصدر علم وإلهام وتوعير للناس حتى يفهموا سبل الحقيقة، ويدركوا ما يخطط له بنو أمية، فكانت هذه الخطة تقوم على أساس وضع الحواجز التامة بين الناس وأئمتهم، حتى تنقطع عنهم سبل التوعية والتوجيه، لكن الإمام السجاد عليه السلام أدرك هذا الهدف وقاومه بشدة.
مع أن الأمويين استخدموا كل الأساليب المستهجنة في الإساءة لآل بيت النبوة، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، لدرجة أن هناك أوامر صدرت بسب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من فوق المنابر، وكانت هذه الخطة واضحة المعالم والهدف منها واضح ومعروف مسبقا.
وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا:
(أما الخطة الثانية فتمثلت في العمل ضد أهل البيت سلام الله عليهم ومحاولة فصلهم عن الأمة وتشويه صورتهم، وذلك من خلال أساليب دنيئة منها سب الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه من على المنابر).
سياسة عزل الناس عن أئمتهم
بعد الخطتين السابقتين، (إنكار منجزات الإسلام، وعزل الناس عن أئمتهم)، جاءت الخطة الثالثة التي حاول من خلالها الأمويون تكريس حكمهم بكل الطرق والوسائل، وهي في الغالب تستند إلى الترهيب، وقع الناس، وإكراههم على التأييد، والمساندة التي لم تحصل إلا من أولئك الأشرار الذين باعوا شرف الموقف وتنكروا لفضائل النبي صلى الله عليه وآله.
ولكن على الرغم من أن السلطات الاموية هي الأقوى من بين الحكومات الاخرى، إلا أن انهيارها وسقوط عرشها كان على أيدي أئمة الخير والصلاح، ومواجهة الظلم والقمع الاموي، والتخطيط والعمل على إسقاطه بقلوب ملأها الله تعالى بقوة الإيمان وصلابة الموقف.
وقد أشار سماحة المرجع الشيرازي إلى الخطة المتممة والثالثة حيث قال (دام ظله):
(أما الخطة الثالثة لبني أمية فتمثلت في محاولة ترسيخ حكمهم بمختلف الطرق وأبشع الأساليب. يقول أحد الغربيين: إن أقوى الحكومات التي حكمت البلاد الإسلامية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله هي حكومة بني أمية ـ أي إنها كانت أقوى من حكومات العباسيين والعثمانيين والأدارسة والحمدانيين والفاطميين وغيرهم ـ فقد أرسى الأمويون دعائم حكمهم بنحو لا يكون القضاء عليهم أمراً هيناً، ولكنا ـ والقول للباحث الغربي ـ نرى أن هذا الحكم كان أقصر عمراً من كل الحكومات التي تلته، وما ذلك إلا لظلم بني أمية وغيهم وانكشاف حقيقتهم بسرعة).
لقد وضع الإمام زين العابدين الخطط التي تقابل خطط بني أمية، بعد أن رصدها وتابعها بدقة، وأدى ذلك إلى تحطيم حكومة بني أمية، فقد (كان للإمام زين العابدين سلام الله عليه الدور الكبير في تحطيم حكومة بني أمية، فقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه الشرارة الأولى وتابع الإمام زين العابدين سلام الله عليه المسار حتى آل الأمر إلى انهيار هذه الحكومة الجائرة وزوالها إلى الأبد).
وكما وضع الأمويون خططا مدروسة ومكتوبة، قام الإمام السجاد بتحديد الأدوار التي من شأنها قلب المعادلة، وإجبار الطغاة على التقهقر، كونهم أقاموا عرشهم على الظلم والقهر والقمع والاستبداد والفساد، مع أننا لابد أن نعرف بأن اسلوب الإمام زين العابدين يختلف عن دور أبيه (سيد الشهداء الغمام الحسين عليه السلام)، فكانت التوعية والكلمة وتأليب المسلمين على الطغاة هي السلاح الذي حطم ركائز العرش الأموي وقاده إلى السقوط والانهيار.
إعداد فقهاء متميزين ومجاهدين مؤمنين
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (لم يكن دور الإمام زين العابدين مشابهاً لدور أبيه الحسين سلام الله عليهما لأنه لو كان يطلق كلمة واحدة ضد النظام فإنها كانت كفيلة بالقضاء عليه وإنهاء حياته المباركة، ولذلك انتهج سلام الله عليه أساليب أخرى، منها: الدور الأول: شراء العبيد و عتقهم في سبيل الله).
الدور الثاني الذي اعتمده الإمام عليه السلام، إعداد فقهاء متميزين وقادرين على حمل لواء الكلمة، وقيمة المعنى، وحفظوا العقيدة وركائزها جيدا، وكان الدور المطلوب منهم نشر هذه العقائد والقيم، وتكريس الإسلام المحمدي الحقيقي بين الناس حتى يفرقوا بينه وبين ما يسعى إليه أعداء الإسلام من تزييف للحقائق، ومن نشر للفساد والمجون والطغيان.
وقد أشار سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) إلى هذا الدور قائلا:
أما (الدور الثاني الذي نهض به الإمام زين العابدين سلام الله عليه فهو أنه ربّى فقهاء حملوا على عاتقهم حفظ شريعة الإسلام. ولقد خطط الإمام سلام الله عليه لتربيتهم بنحو يكونون مرضيين عند الخاصّة والعامّة جميعاً).
الدور الثالث الذي خطط له الإمام عليه السلام هو رعاية الخط الجهادي، والغاية منه تأهيل وإعداد رجال مؤمنين من ذوي البأس الشديد، والإيمان الراسخ بالدين وأحكام الله، ومن المطيعين لأئمة أهل البيت عليهم السلام، والسير بسيرتهم، والالتزام بأخلاقهم وتوجيهاتهم، وهذا يعني إعداد أبطال سوف يأتي الوقت المناسب لكي ينقضّوا على الحكام الفاسدين الذين شوهوا الإسلام بعد أن ساروا في درب الضلال والخديعة والزيف.
لقد ثار هؤلاء المجاهدون في الوقت الملائم تماما، بعد أن تم إعدادهم كما يجب، وبعد أن عرفوا دورهم جيدا، وهو الانقضاض على كل من سعى إلى إلحاق الإساءة بالإسلام، وأهل البيت عليهم السلام، ومن ثم إماطة لثام الغدر والزيف والخداع، وإظهار الوجه الحقيقي الوضاء للإسلام والمسلمين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله):
(إلى جانب تأهيل العبيد، وإعداد العلماء، عمل الإمام زين العابدين سلام الله عليه على تربية مجاهدين من أمثال ابنه زيد وحفيده يحيى وغيرهما من أولاد عمه الإمام الحسن سلام الله عليهم، فثار هؤلاء المجاهدون الأبطال في وجه حكومات بني أمية المتعاقبة حتى انتهى الأمر إلى تقويضها وانهيارها وزوالها بفضل نهج الإمام زين العابدين سلام الله عليه وإرشاداته).
وهكذا تم التصدي لخطط بني أمية، وتم إنقاذ المسلمين من مستنقع الانحراف الذي أصرَّ الحكام الفاسدون الظالمون على إعداده لجميع المسلمين نكاية برسول الله صلى الله عليه وآله، لكن الله تعالى أبى إلا أن يفضح النفوس والقلوب والعقول الضالة، ويضع لها حدا، وهذا ما جرى لساسة الظلم الأموي الذين سقطوا وغرقوا في مستنقع الانحراف إلى الأبد.
اضف تعليق