إسلاميات - المرجع الشيرازي

العتاب مفتاح المشاكل الاجتماعية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ضرورة الحذر من العتاب، لأنه المفتاح الذي يضاعف المشكلات في حياتنا، فإذا أردنا زيادة المشاكل، علينا بالعتاب، وإذا أردنا تقليلها والقضاء عليها، علينا بالابتعاد التام عن العتاب في علاقاتنا العائلية والعملية والاجتماعية بشكل عام، حتى نعمل ونتعاون جميعا في إطار بناء الأمة القوية المتماسكة...

(من لا يريد الوقوع في المشاكل عليه أن يعلم أن العتاب مفتاحها)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

العتب هو حالة أقرب إلى لوم الآخرين، فحينما تبدأ بمعاتبة شخص معين حول قضية حدثت بينكما، فأنت توجّه اللوم إليه، ولماذا قام بهذا الفعل أو القول أو العمل، لهذا فإن العتب مكروه، كونه يؤدي بالنتيجة إلى صنع العديد من المشكلات في النسيج السردي وهو في غنى عنها، فالمجتمع ليس بحاجة إلى تأجيج العلاقات بين أفراده، بل من الأفضل أن تزول حالة العتاب حتى يصبح الوضع الاجتماعي نقيا صافيا خاليا من المشاكل.

والحقيقة أننا جميعا لا نحب أن يعاتبنا أي إنسان، لأننا سوف نكون في موقع لا يليق بنا، حيث يقوم الشخص المعاتِب بإلقاء كلمات العتب ويلومنا عن كذا وكذا، ويضعنا في زاوية محرجة قد تدفعنا للرد بقوة مما يتسبب في نسف العلاقة مع الآخر، وقد تتطور الأمور إلى كراهية وصراع مستمر، وهذه مشاكل لا ينبغي للمجتمع أن ينشغل بها.

قد لا تظهر نتائج العتاب لأول مرة، ولكن مع استمرار هذا الأسلوب من العلاقات، فإن حالات التشنج والصراع سوف تتطور بسبب تراكم العتاب وكلماته، فتتحول لتصبح أشبه بالجبل الذي يثقل صدر الإنسان.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يتساءل في محاضرة توجيهية قيمة ضمن سلسلة نبراس المعرفة:

(هل يحب الإنسان المُعاتِب، أن يعاتبه أحد؟!، من لا يحب ذلك لنفسه كيف يحبّه للآخرين؟!

ولعلّ في العتاب الأول لا تظهر النتائج المعكوسة، لكنه مع مرور الزمن سوف تتثاقل كلمات العتاب لتصبح كالجبل الثقيل على صدر أخيه).

ومن الأمثلة الواقعية عن نبذ العتاب في العلاقات الاجتماعية، ما كان يتصف به سماحة المجدد الثاني (رحمه الله)، فالعتاب لا يمكن أن يدخل في حساباته، ولا يمكن أن يتسلل إلى علاقاته بمختلف الناس والشرائح، من كل المستويات، وقد ذكر بعض الكتاب الثقات أن المجدد الثاني يأتي بعد الأئمة المعصومين عليهم السلام في قضية نبذ العتاب.

النتائج العكسية الضارة للعتاب

وهذه الصفة الأخلاقية العظيمة من أعظم ما كان يتصف به سماحة المجدد الثاني، ولطالما عُرِف عنه أنه لا يمكن أن يعاتب أحدا عن أي سلوك كان، أو قول معين، أو عمل هنا أو هناك، بل يترك العتاب جانبا لأن سماحته يعرف النتائج العكسية الضارة لهذا النوع من السلوكيات إذا ساد بين صفوف المجتمع، لذا من الأفضل ترك العتاب تماما.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(كان المجدد رحمه الله محبوباً لدى الجميع وقريباً منهم – لأنه لا يعاتب أحدا-، حتى ذكر العلماء الذين كتبوا تأريخ المجدد أنه في تأريخ الإسلام بعد شهادة المعصومين صلوات الله عليهم لم يأتِ نظيراً له بين العلماء للمجدّد في مثل هذه الصفات الأخلاقية. وهذا ما ذكروه في الكتب المطبوعة وفي التراجم).

لهذا تضاعف محبة الناس للمجدد رحمه الله، فعوم طلابه وأصدقائه، وعائلته وأولاده وأقربائه، هؤلاء جميعا عرفوا فيه عدم اعتماده على العتاب في علاقاته معهم، بل كان يؤكد عليهم أن سلامة المجتمع تقوم على التعاون والتسامح وعلى تلك القيم الأصيلة التي ترفض أن يكون العتاب من بينها.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(من الأمور التي كرّست هذه المحبة العظيمة للمجدد، أنه لم يعاتب أحداً كما يُنقل عنه، إذ قام بذلك بدءا من عائلته وأولاده وأقربائه، وانتهاءً بتلاميذه وأصدقائه).

ومن الواضح أن ما نتوقعه من الآخرين لا يمكن أن يتحقق في نسب عالية منه، فإذا كنت تنتظر من صديقة المساعدة التامة في هذا المجال أو ذاك، فقد لا تحصل إلا على نصفها أو أقل من ذلك/ وهذا شيء طبيعي بالنسبة للنفس البشرية، لذلك علينا أن لا نتوقع الكثير بل من الأفضل أن لا نتوقع إلا القليل من الآخرين.

أما السبب في ذلك، فإنك قد تتعرض لصدمة معينة، وقد تكون كبيرة، فحين يكون سقف توقعاتك كبير من الآخرين، قد لا تحصل منهم إلا على النزر القليل، وقد لا تحصل على شيء مطلقا، فماذا يكون حالك أو وضعك آنذاك؟

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(ليس كل ما نتوقعه من الآخرين يتحقق، بل إنّ أكثر ما نتوقعه لا يتحقق لأسباب شتى، ومن طبيعة الإنسان أنه يتأذّى إذا لم يستجب الآخرون لتوقعاته، وتتحطم أعصابه لكن من الأفضل أن يحاول ترك العتاب في نفسه وعدم ذكر ذلك على لسانه، ولو حاول أن يقوم بأعماله بنفسه وأن لا يوكلها للآخرين ـ سوف تزول اضطراباته النفسية وأمراضه العصبية وانزعاجاته الداخلية).

أما في حال تركك للعتاب كأسلوب في علاقاتك مع الآخرين، فإنك سوف تحصل على علاقات جيدة وكثيرة، وسوف يكون رصيدك من هذه العلاقات المحبة والاحترام، لأن الناس يحبون الإنسان الذي لا يعاتبهم ولا يلومهم عن هذه الأشياء أو تلك مما يقومون بها.

لذا من الأفضل أن تكسب قلوب الناس ومحبتهم وتأييدهم، من خلال الابتعاد التام عن لغة العتاب، حتى لا تكون مصدر تأنيب لهم، وبالتالي سوف ينظرون إليك وكأنك أعلى شأنا منهم، أو أرفع مكانة وأفضل تفكيرا، وهذا بالطبع لا يروق للكثيرين، وهكذا تفقد محبة الآخرين لك، ولا يتقربون إليك.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول حول هذه النقطة:

 (إذا ترك الإنسان العتاب وعمل بوظائفه ستكون له محبوبيّة تتنامی بين الناس لتتحوّل إلی صداقات وعلاقات طيبة ناتجة عن عمق محبتهم له).

الكف عن العتاب بين الأزواج

من هنا لابد من اتخاذ الخطوة العملية الفعلية في ترك العتاب إلى الأبد، خصوصا مع المقربين منك، كالعائلة والأصدقاء وزملاء العمل وغيرهم، فأنت في الحقيقة لا يمكنك كسب الناس عندما تعاتبهم، بل أنت تفعل العكس تماما، فسوف يهربون منك، ويبتعدون عن أي مكان تتواجد فيهم خوفا من عتابك لهم.

المطلوب الكف عن العتاب خصوصا مع الزوج أو الزوجة، ومع الصديق والمقربين والجيران وزملاء الدراسة، هؤلاء يجب أن تكسب محبتهم وتأييدهم وشعورهم بالمحبة لك، وهذا كله لا يمكن أن يحدث بالعتاب، لهذا فإن الجميع مطالبون بإلغاء حالة أو صفة العتاب إذا كانت موجودة في شخصياتهم وسلوكياتهم.

نبذ حالة العتاب بين الأزواج وأفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل والدراسة، حالة مطلوبة جدا من قبل الجميع، حتى تتطور علاقاتهم وتتماسك البنية الاجتماعية ويعيش الجميع في حالة من النقاء والصفاء والتعاون التام.

لذا يطالبنا سماحة المرجع الشيرازي بالتزام بنبذ العتاب، قائلا سماحته:

(ليعزم كل واحد منّا أن لا يعاتب أحداً في أمر ما، فالزوج لا يعاتب زوجته والزوجة لا تعاتب زوجها، والأبناء لا يعاتبون بعضهم بعضا، والأرحام والجيران والزملاء في الدراسة والعمل والتجارة والسفر والذين يجتمعون في مجلس أو حسينية أو مأتم، يجب أن لا يعاتبون بعضهم البعض، لأن في ذلك دوام المحبّة وبقائها مع الآخرين، ومن لا يريد الوقوع في المشاكل عليه أن يعلم أن العتاب مفتاحها).

الخلاصة علينا جميعا أن نحذر العتاب، لأنه المفتاح الذي يضاعف المشكلات في حياتنا، فإذا أردنا زيادة المشاكل، علينا بالعتاب، وإذا أردنا تقليلها والقضاء عليها، علينا بالابتعاد التام عن العتاب في علاقاتنا العائلية والعملية والاجتماعية بشكل عام، حتى نعمل ونتعاون جميعا في إطار بناء الأمة القوية المتماسكة.

اضف تعليق