لم تتوقف محاولات القضاء على الاسلام، روحا ومضامين ومبادئ، على مر التاريخ، فمنذ بداية طلائع البعثة النبوية، بدأت الحرب المعلنة على النبي (ص) وذويه، وعلى أصحابه من آل ياسر وغيرهم، وبلغ هذا العداء ذروته عندما حاصرت قريش بني هاشم وقاطعتهم وحاربتهم نفسيا ومعنويا وماديا، ثم هجّرتهم وطاردتهم في الصحاري وهم في طريقهم الى المدينة، واستمر هذا العداء السافر عبر التنكيل بآل بيت النبوة عليهم السلام.
كما حدث مع الأئمة المعصومين (ع) وكان خط الشروع قد بدأ في كربلاء المقدسة، عندما قام الجيش الأموي المارق بالاعتداء على سبط النبي الأكرم (ص)، في اعتداء يندى له جبين الإنسانية، على ريحانة رسول الله الامام الحسين (ع) وذويه وأصحابه، من دون مراجعة للنفس والضمير والأخلاق الاسلامية التي تحث على الوفاء والرحمة، ولكن قلوب الظالمين من حكام بني أمية، لا تعرف الرحمة ولا الوفاء ولا الالتزام بالمبادئ والاخلاق.
ففي مثل هذا اليوم تتم محاصرة الامام الحسين (ع) وذويه وأطفاله وصحبه، في ارض كربلاء، من لدن جيش جرار ارسله يزيد لقتل سيد الشهداء سبط النبي الأكرم، ومن ثم سبي النساء والاطفال والمرضى، في واقعة الطف التي أظهرت بشاعة الطغاة الامويين، ومدى حقدهم على رسول الله (ص) والشجرة المحمدية التي نشرت السلام والرحمة والوئام بين المسلمين وفي ربوع المعمورة كافة.
ولا شك أن الامويين هم الامتداد المؤكد للمنافقين الذين كانوا يحيكون الدسائس ضد النبي (ص) ونزلت في حقهم الكثير من الآيات القرآنية، تفضحهم وتحذر الرسول والمسلمين منهم، كما ذكر ذلك سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمته التوجيهية للمسلمين قائلا: (بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، استحوذت الجماعة المنافقة على زمام الأمة، وكان الكثير منها ممن وصفهم القرآن الكريم بـ (أكثرهم لا يعقلون)، ووصفهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بـ (همج رعاع)، وأبعدوا المسلمين عن الإسلام الحقيقي وأضلّوهم عنه. وهذه الحالة استمرت إلى يومنا هذ).
تلك الزمرة المارقة قامت بأعمال أساءت ولا تزال، للاسلام حتى وقتنا الحاضر، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها عندما يقول: (تلك الجماعة المنافقة اصطنعوا باسم الإسلام أموراً لا يمكن عدّها أو اعتبارها حتى من الكفر، بل هي أسوأ من الكفر).
مذبحة ومحرقة معاوية
سعى بنو أمية الى القضاء على الاسلام بكل ما يمتلكون ويملكون، منذ بواكير الرسالة المحمدية، واستمروا بمحاولاتهم بعد رحيل النبي (ص)، والى يومنا هذا، هنالك امتداد لهم في واقع المسلمين، من خلال التشويه المتعمّد للقيم الاسلامية، وادخال البدع المرفوضة عليه، ونشر التطرف والتكفير وما شابه، فهذه البؤر التكفيرية المتطرفة، ما هي إلا امتداد طبيعي للظلم والقسوة التي عُرف بها الحكام الأمويون.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها حول هذا الموضوع: إن (الحكّام الكفرة لم يرتكبوا ما ارتكبه معاوية في يوم واحد، وهو ذبحه لأكثر من ثلاثين إنسان من الرجال والنساء والأطفال، وحرقهم. وهذا ما ذكرته المصادر التاريخية للخاصّة والعامة عن واحدة من أفعال معاوية الذي كان يسمّي نفسه خليفة المسلمين، وحكم باسم الإسلام).
ان هذه الجرائم البشعة لا يمكن أن يقوم بها حاكم او فرد عادي ينتمي الى الاسلام، ويتخذ منه دينا له، لأن الاسلام يربأ بتعاليمه عن مثل هذه المجازر التي لا يمكن أن يقوم بها الظالمون القساة المجرمون، أولئك الذين يتصفون بكل صفات القبح الأخلاقي بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
ولذلك كان الحكام الأمويون لا يكتفون بالظلم والقسوة والبشاعة، بل هنالك سبل وأفعال لا يقوم بها سوى الأجلاف الرعاع، ومنها على سبيل المثال، تلك المحاولات التي تقوم على خداع الناس، حيث يظهر هؤلاء بمظهر المتمسكين بالدين الخاشعين المصلين، والمؤدين للفرائض ولما يفرضه عليهم انتماءهم للاسلام، هكذا يتظاهرون امام الناس، ولكن عندما نبحث عن حقيقتهم، فإننا سنجد أنهم أسوأ من الكفرة وأكثر كفرا منهم.
فالكافر واضح الهوية ومعروف للمسلمين، ولكن كيف يمكن معرفة حاكم مسلم، يعلن تمسكه بالاسلام، ويؤدي ما يتطلبه الاسلام ظاهريا امام الناس، ولكنه لا يتورع أن يرتكب باسم الاسلام أبشع الجرائم، وهذا بالضبط ما قام به بنو أمية عندما أراقوا دم سبط النبي الكريم (ص) في أرض كربلاء، بحجة الحفاظ على الاسلام!!!، هكذا يظهر الحاكم الاموي بمظهر المسلم ولكنه يظلم بأقصى درجات الظلم تحت مسمى الاسلام.
ويؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حينما يقول: (كان الحجاج ممثّل أو والي ما سمّي بخليفة المسلمين وهو عبد الملك بن مروان، الذي حكم باسم الإسلام! فكان هذا الأخير يتظاهر بالإسلام وبالصلاة وبالصيام وبالحجّ. وهكذا كان مَن حكم قبله وبعده، ولكنهم لم يتوانوا عن ممارسة الظلم باسم الإسلام أبداً، وأظلموا كثيراً).
مقام دم الامام الحسين ع
وبهذا لا يمكن أن تمر مثل هذه الأفعال مهما كانت الحجج التي تختبئ وراءها، كذلك ليس بمقدور كل من يحاول أن يخدع المسلمين باسم الاسلام أن يحقق النجاح، بل لن ينجح في مسعاه وأهدافه مطلقا، ولذلك اصبح حكام بنو امية الظالمين معرفين للقاصي والداني، وقد فضحتهم أعمالهم على الرغم من اقوالهم التي حاولت أن تعطي على تلك الأفعال والاعمال البشعة، فالانسان ليس فقط بما يقول، وانما بما يعمل أيضا.
ولذلك عندما جاء النبي الأكرم برسالته المعطاء، ساعده في ذلك المخلصون حقا، فيما وقف بالضد منه الظالمون، واستمر هذا الموقف الى يومنا هذا، لاسيما أن الزمر التي حاولت القضاء على الاسلام لم تتوقف او تنثني عن محاولاتها على مر التاريخ، فقد كانت بداية محاولاتهم في اللحظة الاولى لاعلان الاسلام، واستمرت من خلال الحروب التي شنها بنو امية على المسلمين، وخاصة أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وحتى هذه اللحظة يحاول من ينتهج نهجهم الاساءة للاسلام بأفعالهم الشائنة، ولكن هيهات يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، وسوف يبقى الاسلام مصانا محروسا بالدم الحسيني الذي أريق على محراب الحرية، رافضا الظلم الاموية ومتصديا للانحراف الذي أظهره يزيد من خلال الافعال الخطيرة التي ارتكبها باسم الاسلام، لذلك لا يمكن لحكام بني امية أن يُحسبون على الاسلام بسبب منهجهم المعادي للمسلمين ولجوهر الاسلام ايضا.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إن هذه الجماعة الظالمة وأتباعها ليسوا من الإسلام الحقيقي الذي أتى به النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله). ولهذا تصدى الامام الحسين (ع) لهذه الجماعة المارقة التي سعت الى تحريف الاسلام وتشويهه، وقدم دمه وروحه وذويه واصحابه المطهرين في مثل هذه الايام، كي يبقى اسلام مصانا من دنس الظالمين، من هنا اكتسب دم الحسين عليه السلام مكانة الخلود على مر التاريخ.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لو أريق دماء الناس كافّة في كل التواريخ، فإنها لا تبلغ مقام دم الإمام الحسين صلوات الله عليه). ويضيف سماحته في كلمته هذه: كان الاسلام ولا يزال (محمّدي الوجود، حسيني البقاء).
اضف تعليق