ان جميع قادة النخب تقع عليهم مهمة بناء العراق، كونهم أبناؤه وهم المسؤولون عن بنائه، إلا أن علماء الحوزات العلمية ورجال الدين الأكارم تقع عليهم مسؤولية مضاعفة بسبب موقعهم الديني، والثقة التي يضعها معظم الناس في رجل الدين، وهذه قضية تاريخية متوارثة بين الأجيال...
(ليعرف العراقيون أن أي مكسب يكون للجميع، وأية مشكلة تكون على الجميع)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
النخبة من الناس أو النخب المهمة في المجتمع هم القادة الموجّهين لأفراد وجماعات المجتمع، وهم الذين يتصدّون لمسؤولية الارتقاء بالعقل الجمعي، والنهوض بالدولة، وبناء الوطن وفق السبل المعروفة للبناء، وأهمها أن تتصدى هذه النخب المختلفة لعملية النهوض بالمجتمع، فهنالك نخبة العلماء، والمصلحين والخطباء، والمثقفين والمفكرين والكتاب والأكاديميين والمعلمين والأطباء وشيوخ العشائر.
كل هؤلاء بمجموعهم يشكلون النخب المتعددة التي تأخذ على عاتقها الارتقاء بالوعي الجمعي، ودفع الناس إلى أمام وبناء الوطن بما يساعده على مجاراة ما يحدث من تطورات هائلة في العالم، سواء في مجال التقنيات والتكنولوجيا، أو في مجالات الطب والصناعة والتعليم والزراعة والنقل والاتصالات، ومجالات الحياة كافة.
ومع أن جميع قادة النخب تقع عليهم مهمة بناء العراق، كونهم أبناؤه وهم المسؤولون عن بنائه، إلا أن علماء الحوزات العلمية ورجال الدين الأكارم تقع عليهم مسؤولية مضاعفة بسبب موقعهم الديني، والثقة التي يضعها معظم الناس في رجل الدين، وهذه قضية تاريخية متوارثة بين الأجيال، لهذا تتصدر مسؤولية العلماء ورجال الدين مهمة بناء الوطن.
سماحة المرجع الديني الكبير، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يخاطب في كتابه القيم الموسوم بـ (إضاءات مرجعية) نخبة العلماء قائلا:
(إخواني العلماء الأعلام في الحوزات العلمية وفي سائر المدن (أعلى الله كلمتهم) الذين جعلهم الله تعالى ورثة الأنبياء وامتداداً للأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم)، والمرابطين بالثغور التي يليها إبليس وعفاريته: أن يتصدوا ـ أكثر من ذي قبل ـ لهداية الناس إلى سبل الحق، وبثّ الهدوء في المجتمع، وإحياء روح الأمل والعمل فيهم، واستنهاضهم من وهاد اليأس والقنوط).
وطالما أن معظم الناس يسيطر عليهم القنوط، ويحيط بهم اليأس ويتغلغل في عقولهم وأفكارهم، فإن المهمة الأساسية للعلماء هي رفع هذه الغمامة من اليأس، وفتح الآفاق الواسعة الرحبة أمام الناس لكي يسهموا في بناء وطنهم أفضل وأرقى البناء.
دور الصحفيين والخطباء والمثقفين بالبناء
كذلك يوجد الخطباء والواعظون والكتاب والصحفيون وهم يتغلغلون بين مكونات المجتمع، وهؤلاء تقع عليهم مسؤولية كبرى ورسالة عظيمة هدفها توجيه الناس وتوعيتهم، وتعدّهم للقيام بأدوارهم المهمة في بناء وطنهم، فليس هناك من هو مستثنى من هذا الدور، وليس هناك من هو معفي من المساهمة الفعالة في بناء الوطن، كل حسب قدراته ومؤهلاته.
وفي حال قامت النخب من كتاب وصحفيين وخطباء ومثقفين بدورها المهم هذا، فإن المجتمع كله سوف يكون على استعداد دائم لمهمة النهوض بالوطن، وبنائه أفضل البناء، بما يجعله في صدارة المجتمعات، وعيا وثقافة ونباهة وتقدما وتطورا.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(السادة الخطباء الكرام والوعّاظ الأجلاء والكتّاب والصحفيون المؤمنون الذين هم لسان الاُمّة، في داخل الوطن وفي المهجر، أن يؤدوا رسالتهم في توجيه الأمة، على جميع الصُعد، وإرشادهم، وتذكيرهم مسؤولياتهم الجسام في هذه المرحلة الحساسة، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والمنابر والندوات وغيرها).
ومن نخب المجتمعة الأصيلة والمهمة الأكاديميين الذين يقودون المؤسسة العلمية الجامعية بمختلف أقسامها وتخصصاتها، فهؤلاء لهم قصب السبق في نشر العلم بين الناس، وتنمية التعلق بالعلم والسعي لتحصيله، ومن ثم العمل على المشاركة الفعالة والجادة في عمليات البناء المختلفة للوطن بما يجعله في مصاف الدول المتقدمة.
لذلك يحتاج الوطن إلى أبنائه من الخبراء والعلماء والأكاديميين والأساتذة في مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية، فإذا قامت هذه النخبة بدورها كما هو مطلوب، فهذا يعني أننا سوف نكون أمام مجتمع متعلم متقدم متطور فعال وله القدرة على مهمة البناء الوطني الأصيل، مع أهمية التنوع في كسب العلوم والمعارف المختلفة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(تعقد آمال كبيرة على الجامعات، بأساتذتها الأكارم وطلبتها الأماجد، أن يقوموا بمهمتهم الأساسية بإغناء الأمة بخيرة الخبراء والمثقفين الملتزمين في جميع التخصصات، لكي لا يحتاج هذا الشعب الأبي إلى غيرهم، بل يصبح هو في مقام إسعاف الآخرين بالخبرة والتقنية والاختصاص وما شاكل ذلك).
أما العشائر العراقية فلا شك أن لها دورها التاريخي المعروف في متانة البنية الاجتماعية، ودورها في حفظ السلم الأهلي، كذلك لها دور بترسيخ منظومة القيم المتقدمة السليمة ونشرها في النسيج الاجتماعي، وتنمية هذه القيم لضمان وحدة المجتمع، ومن ثم المبادرة لبناء الوطن الواحد، والنهوض بهذه المهمة بإرادة واحدة وبوعي ثاقب و وثاب.
مهمات العشائر الكبيرة
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على دور العشائر العراقية فيقول: (العشائر العراقية التي كانت ولمّا تزل درعاً حصينة للعراق ولأبناء العراق.. أن تعود لبناء نفسها ـ بعد ما زال المانع الذي كان يمنعهم من تأدية أدوارهم المهمة ـ بما يضفي المزيد من التماسك والانسجام على البنية العامة للمجتمع العراقي، ويساهموا في خدمة الاُمة على الإيمان والتقوى والتآزر في جميع الأبعاد).
والآن نصل إلى أهم شريحة، وهي تخص الشباب العراقي ودوره في بناء الوطن، فقادة ونخب الشباب تقع عليهم مسؤولية جسيمة في المحافظة على الوطن والنهض بالمجتمع، لاسيما في قضية البناء المادي والمعنوي، وكلاهما يحتاجان إلى إرادة شبابية فعالة.
لذلك على كل شاب من شباب العراق أن يؤدي دوره في بناء الوطن بأفضل ما يكون، وأن يسعى الجميع إلى التآزر وجمع الهمم ومضاعفة الطاقات، وملاحقة التطورات في المجالات كافة، لاسيما أن العقول الشبابية لها القدرة على استيعاب العلوم والعمليات المعقدة في عالم اليوم، ولابد أن يضع الشباب أسوة وقدوة لهم ويتخذون من شباب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) نماذج لهم في مهمة النهوض الجمعي والبناء الوطني الرصين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(على الشباب في العراق اليوم، الذين هم رجال الغد، وأمل المستقبل، سواء في الحوزات والجامعات، أو في سوح العمل.. أن يتخذوا من شباب الإمام الحسين (سلام الله عليه)، علي الأكبر والقاسم بن الحسن وأصحابه الأوفياء أسوة وقدوة في خوض غمار الحياة، مع التحلي بالإيمان والصبر والتقوى والتضحية ونكران الذات).
وحين نراجع نوعية الشرائح التي تتكون منها النخب، سوف نكتشف أن المجتمع كله يشارك في تكوين هذه النخب، وأن كل العراقيين عليهم أدوار يجب أن يقوموا بها في قضية بناء الوطن، ولابد أن يؤمن الجميع بأن العراق وطنهم وأن مهمة تقدمه وتطوره أساسية بالنسبة لهم، لذا على الجميع أن يسهموا كل بدوره القادر عليه وفق مؤهلاته وقدراته ومواهبه.
وهذا ما يحثّ عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حيث يقول:
(على عامة أبناء الشعب العراقي ـ رجالاً ونساءً، وشيباً وشباباً، وطلبةً وكسبةً، موظفين وعمالاً، وفلاحين وغيرهم ـ أن يدركوا، وهم يدركون جيداً والحمد لله، أن العراق منهم وإليهم، وينبغي أن يكونوا هم بناته من جديد؛ فأي مكسب يكون للجميع، وأية مشكلة تكون على الجميع، وأي ضيم يقع على الجميع أيضاً؛ فليؤدوا مسؤولياتهم، كلٌ من موقعه).
إذًا هي مهمة جمعية يشترك فيها العراقيون دونما استثناء، ولكن حجم المسؤوليات يتغير صعودا ونزولا بحسب القدرات والمراتب العلمية والمعرفية للفرد، فالعالِم مسؤوليته أكبر من الطالب، والطبيب أكبر من العامل والسياسي مسؤوليته في البناء أكبر، وهكذا يجب أن يشارك الجميع في مهمة النهوض ببناء العراق الجديد، وتأسيس منظومة بناء متقنة يستمر عليها الأجيال العراقية القادمة في عملية بناء وطنهم.
اضف تعليق