q
يكشف التناقض بين محمد الحلبوسي رئيس البرلمان وقوى الإطار التنسيقي ان تحالف إدارة الدولة ليس تحالفا سياسياً متماسكاً بقدر ما هو تحالف للإخوة الأعداء من أجل عبور مرحلة حرجة، وأن الخلافات العميقة ما تزال مستمرة، وإمكانية تفكك هذا التحالف ما تزال قائمة...

استذكار اسم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في مجالس قوى الإطار التنسيقي يشبه إلى حد ما انتقاص هذه القوى الشيعية التي أزعجها هذا الشخص ليس لاختلافها المبدئي معه بقدر ما قام به من تحركات فضحت الإطار أمام جمهوره وكشفته على حقيقته.

وما تزال قوى الإطار التنسيقي تشعر بالخذلان نظراً للتناقضات التي وضعهم فيها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فقد تحالف مع خصمهم القوي السيد مقتدى الصدر، وأقعدهم في مكاتبهم سنة كاملة يناقشون كيفية الخروج من المأزق، وهو نفسه محمد الحلبوسي الذي استقال من منصبه واجبرهم على إعادة انتخابهم رغم حجم الاتهامات التي ساقوها ضده، ثم عادوا لانتخاب رئيس البرلمان المطبع الاماراتي وغيرها من التهم الأخرى.

استطاع الحلبوسي اظهار حجم التناقضات في الخطاب السياسي والإعلامي لقوى الإطار التنسيقي التي تسوق خطاباً شعبوياً غير واقعي، بل يدخل بعضه في خانة استغلال غفلة الجمهور، فاستطاع محمد الحلبوسي كشف هذه التناقضات عبر مجموعة من التحركات السياسية الذكية واللعب في منطقة الفراغات ليبرز كزعيم سني كسر المجاديف الإعلامية لصقور الإطار التنسيقي.

وافقت أغلب القوى المنضوية تحت راية الإطار التنسيقي على إعادة انتخاب محمد الحلبوسي، لكن يدها كانت على الزناد، تنتظر اللحظة المناسبة لرد الضربة بضربة مضاعفة ضد رئيس حزب تقدم والزعيم السني الصاعد، والشخصية القوية القادرة على قول "لا"، ضد زعماء مثل نوري المالكي وقيس الخزعلي.

في الرابع من نيسان الجاري أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية عن تنفيذها عملية كبرى واستثنائية بمديرية التسجيل العقاري في الأنبار، أسفرت عن القبض على مدير التسجيل العقاري وخمسة من المسؤولين في الأنبار.

الخبر عادي لو تم قياسه بمقاييس البيانات اليومية التي تصدرها هيئة النزاهة الاتحادية إذ عودتها بشأن بياناتها المتعلقة بالقبض على مسؤولين كبار متلبسين بالجرم المشهود، دون ان تذكر أسماءهم، فالوضع لا يتعدى ملف فساد آخر من ملفات الهيئة الاعتيادية.

لكن لانه في الانبار سوف يكبر بسرعة هائلة، تتناقله وسائل الإعلام التابعة القوى الإطار التنسيقي، وتتطاير التحليلات، وكلها تصب في خانة واحدة، "الحلبوسي هو المتهم الأول في هذا الملف الكبير".

ما هو الملف بالتفصيل؟

تقول هيئة النزاهة إنه "بإشرافٍ مباشرٍ من رئيس الهيئة حيدر حنون، ومعلومات من وزير العدل، والتعاون والتنسيق العاليين مع محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزيَّـة، وجهودٍ مضنيةٍ لملاكاتها في التقصّي والتحرّي، تمكَّنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة من تنفيذ عمليَّة كبرى في مُديريَّـة التسجيل العقاري في الأنبار، والعمليَّة أسفرت عن إلقاء القبض على مدير التسجيل العقاري في الأنبار وعددٍ من المسؤولين والمُوظفين فيها، فضلاً عن ضبط مئات الهويَّات المُزوَّرة العائدة لإحدى النقابات، والتحرُّز على عشرات الآلاف من أضابير العقارات التي تمَّ تمليكها خلافاً للقانون، فيما تمَّ الكشف عن وجود تضخُّمٍ في أموال المُتَّهمين الذين تمَّ إلقاء القبض عليهم".

ما هي جريمة هؤلاء المتهمين؟

تفيد المعلومات التي سردتها هيئة النزاهة بان كلاً من مدير مديريَّة التسجيل العقاري في الأنبار وبعض المسؤولين فيها وعددٍ من المُوظَّفين أقدموا على تمليك أراضٍ من ناحية الوفاء، وإفراز آلاف العقارات بشكلٍ غير أصوليٍّ، وإنجاز معاملات التسجيل العقاري من قبل المُوظَّفين في محال سكناهم، فضلاً عن تحويل العقارات وتثبيت التواقيع بختوماتٍ و"ليس تواقيع حيَّة"، وطباعة معاملات التسجيل والاستمرار بالتسجيل، بالرغم من إيقافه حسب كتاب مُديريَّة بلديَّة الأنبار.

ما هي علاقة الحلبوسي؟

لم يذكر بيان هيئة النزاهة أي معلومة عن تورط للحلبوسي او المقربين منه بهذا الملف لكن الضخ السياسي والإعلامي ضد الحلبوسي أعاد للأذهان ما كان يتعرض له الرجل خلال أزمة الانسداد السياسي التي نشبت بسبب الخلافات الكبيرة بين التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي من جهة أخرى.

الإطار ما يزال مجروحاً من سياسة محمد الحلبوسي، والامر لا علاقة له بالسعي لحماية المال العام وتخليص البلد من شخصية فاسدة كما تروج وسائل الإعلام التابعة لبعض القوى الشيعية، إنما للتخلص من خصم سياسي سني عنيد تصعب مجاراته، لذلك تعتقد قوى الإطار التنسيقي ان مراكمة الضغوط ضد الحلبوسي تمثل إحدى الوسائل المهمة لدفعه للتراجع عن بعض قراراته الحادة.

في الخلاصة يكشف هذا التناقض بين الحلبوسي وقوى الإطار التنسيقي ان تحالف إدارة الدولة ليس تحالفا سياسياً متماسكاً بقدر ما هو تحالف للإخوة الأعداء من أجل عبور مرحلة حرجة، وأن الخلافات العميقة ما تزال مستمرة، وإمكانية تفكك هذا التحالف ما تزال قائمة.

اضف تعليق