التنافس حالة صحية من الأفضل للإنسان أن يتخذ منها أسلوبا للتطور، على أن لا يتحول هذا التنافس إلى صراع، ومن الممكن أن تكون المنافسة داخل العائلة الواحدة، أي بين أفرادها، كذلك يمكن أن تحدث بين أفراد الدائرة أو المؤسسة الواحدة، ويمكن أن يحدث التنافس على أعلى المستويات...
(يجب أن تكون نسبة أخطاء الحكومات أقل وأقلّ)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
كما تطمح الأمم أن تتقدم أكثر فأكثر، وتصبح في الصدارة وتبقى فيها دائما، كذلك يطمح المسلمون أن يبلغوا الصدارة من التقدم الحضاري بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وهذا حق طبيعي للأمة التي نقلت العالم من الظلمات إلى النور إبان كان هذا العالم يغطّ في أمواج ظلام الجهل، لتظهر الرسالة الإسلامية وتضيء الأرض في مشارقها ومغاربها.
فالمنافسة كما يعرّفها المعنيون، هي سباق بين الأفراد والجماعات، والأمم، وما إلى ذلك، من أجل تحقيق أهداف كبيرة ومهمة، تخدم المتنافس وغيره من الناس، ويفترض أن تفيد الآخرين حتى يكون التنافس مجديا. تنشأ المنافسة كلما باشر اثنان أو أكثر من الأطراف بالسعي من أجل هدف التفوق ليفوز طرف على آخر، مع أهمية أن يكون الفوز مشروعا.
إذًا التنافس حالة صحية من الأفضل للإنسان أن يتخذ منها أسلوبا للتطور، على أن لا يتحول هذا التنافس إلى صراع، ومن الممكن أن تكون المنافسة داخل العائلة الواحدة، أي بين أفرادها، كذلك يمكن أن تحدث بين أفراد الدائرة أو المؤسسة الواحدة، ويمكن أن يحدث التنافس على أعلى المستويات، بين الحكومات مثلا.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يبيّن في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(قال الله عزّ وجلّ في القرآن الحكيم: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) سورة المطفّفين: الآية26. والتنافس في اللغة العربية بمعنى التسابق، فالمنافسة تعني المسابقة. فالناس قد يتسابقون في السلبيات، وفي غير أمور الخير. وقد يتسابقون في الإيجابيات، وفي أمور الخير، وفي الفضائل، وفي المكرمات).
لهذا لا يمكن حصر المنافسة في مجال محدد، لا نوعا ولا كمّا، فهي يمكن أن تكون بين فردين ويمكن ان تكون بين أمتين، كما يمكن أن تحدث بين أفراد العائلة الواحدة، أما الهدف من وراء هذه المنافسة، فهو إحداث التطور والتقدم، من خلال الأسلوب التنافسي للنهوض بين المتنافسين، حتى بين العائلات يمكن أن يحدث التنافس.
الزوج على سبيل المثال يمكن أن يتنافس مع زوجته وبالعكس، ويكون مضمار وموضوع هذا التنافس هو التقدم في مجال محدد، سواء كان ثقافيا أو دينيا أو تربويا أو علميا، أو ماليا مشروعا، المهم تلك النتائج التي نستخلصها من حالة التنافس بين الناس، حتى أفراد العائلة الواحدة عليهم أن يتنافسوا كي تثير فيهم المنافسة هاجس التطور والتغيير والتقدم.
التنافس العائلي كأسلوب للتطور
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (فالزوج يحاول أن يسبق زوجته في الأخلاق وفي الفضيلة والخدمة، وفي تنمية الزوجية في طول الحياة الزوجية. والزوجة أيضاً بدورها تحاول أن تسبق الزوج في كل ذلك. والمشاركة في المسابقة هي بأن يفرغ المرء كلّ طاقته وكلّ همّته حتى يكون هو السابق. وهكذا في مستوى العائلة، أمّاً وأباً، وبنين وبنات).
يعد أسلوب التنافس المشروع الخالي من الصراع، من أهم الأساليب التي تقود الناس للتغيير، وهو ما يجب أن يسلكه المسلمون لتطوير وتغيير حياتهم وأساليب تفكيرهم ونوع وكمية انتاجهم في مختلف المجالات.
على سبيل المثال من حالات التنافس المهمة التي أكدها السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، هي التنافس بين الحكومات، أو بين الجهات ذات المسؤولية الرفيعة والكبيرة، فالحكومة الإسلامية وغير الإسلامية، عليها أن تتقدم على سواها من الحكومات في المجالات التي تقع ضمن مسؤوليات الحكومة.
منها مثلا مكافحة الفقر، وتطوير القطاع الصحي، وتدعيم السلم الأمني، وضمان القوة الشرائية للناس، وغير ذلك من الأمور التي تثبت تقدم الحكومة الفلانية على سواها من الحكومات، هذا النوع من التنافس مهم ومشروع، لماذا؟
لأن حالة الحراك السياسي والاقتصادي والإداري، سوف تُسهم في خلق حالة تنافسية إيجابية، من شأنها نقل الناس من حال إلى حال، وساء على المستوى المادي وكذلك المستوى المعنوي، على سبيل المثال هناك نسب عالية من الفقر في البلدان الإسلامية، فلكي ينهض الاقتصاد، ويتطور وينمو ويقلل الفقر، لابد من وجود الحالة التنافسية.
الأسلوب التنافسي بين الحكومات يؤدي في الأخير إلى حالة من التحفيز السياسي والإداري بين الحكومات، فتتنافس فيما بينها، وتسعى لتقديم أفضل النتائج التي تخدم شعوبها.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(وهكذا على المستويات الرفيعة، كالحكومات، الإسلامية وغير الإسلامية. فإذا كان مستوى الجرائم في حكومة ما عشرة بالمئة في سنة، تحاول الحكومة الأخرى، والحكومات الأخرى بأن تكون النسبة عندها أقلّ من عشرة بالمئة. وإذا كان مستوى الفقر في حكومة عشرين بالمئة، تحاول الحكومة الجارة أو غيرها بأن يكون مستوى الفقر فيها أقلّ من عشرين بالمئة).
التنافس وعملية التحفيز المستمر
كذلك يمكن تحريك الأسلوب التنافسي للنهوض في مجالات الصحة والتعليم وغيرهما في الدولة الواحدة، أو حتى بين دولة وأخرى، وهو أسلوب يمكن تطبيقه في الدول الإسلامية وغيرها طبعا، مع أهمية وضع قواعد سليمة وصحيحة للمنافسة، لكي تضمن المخرجات الجيدة والصالحة والفاعلة، لأنه لا فائدة من حالات التنافس إذا تحول إلى حالة صراع، فالمهم من المنافسة عملية التحفيز والانتاج الأفضل.
يمكن أن يحدث التنافس المدروس أو التنافس الإيجابي بين المستشفيات مثلا، حيث تتأثر المستشفيات ببعضها على نحو أفضل، من حيث تقديم الخدمات الصحية للناس، بالإضافة إلى تطوير الأجهزة الطبية المستخدمة، مع تطوير الكادر الطبي لهذه المستشفى أو تلك، بمعنى خلق حالة من التنافس تجعل حالة التطور والتجديد متواصلة في القطاع الصحي.
حتى في المجال السياسي، من الممكن للحكومات الإسلامية وغير الاسلامية أن تتنافس فيما بينها لدعم الحريات وحماية الحقوق وعدم مصادرة حرية الرأي، فهذه النقاط والشروط والقواعد هي التي تحدد أفضلية هذه الدولة على تلك تبعا لطبيعة النظام السياسي الذي يقودها، وكلما كانت نسبة الحريات أكبر وحماية الرأي أفضل كانت الحكومة والدولة أفضل من غيرها، كما أنها يمكن أن تحفز الدول والحكومات الأخرى لكي تتشبه بها.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(وهكذا في مستوى الأخطاء في مجال الصحّة في المستشفيات والعيادات وغيرها، فتحاول الحكومات أن تكون نسبة الأخطاء عندها أقلّ وأقلّ، وأن تكون نسبة الصحّة عندها أكثر وأرفع. وهكذا في السياسة، أن تتنافس الحكومات بأن تكون نسبة الإعدامات ونسبة السجون فيها، أقلّ من الأخرى).
إن دعوة سماحة المرجع الشيرازي الى التنافس، سواء على مستوى الأفراد أو اكثر، يعود إلى مستويات الفقر العالية في الدول الإسلامية، مع أنها تغص بالثروات الطبيعية، كما أن السلبيات كثيرة، لهذا يستوجب الأمر معالجتها وتجاوزها، ولعل الطريق الأقصر هو التنافس الصحيح بين الأفراد مع بعضهم، والحكومات مع بعضها، والدول مع بعضها أيضا، لاسيما أن القرآن الكريم يدعو إلى المنافسة الإيجابية.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(من المؤسف كثيراً أن نرى في الدول الإسلامية الألوف من السلبيات والملايين منها. فلماذا يزداد الفقر يومياً في كل الدول، وبالذات في الدول الإسلامية؟ أليس القرآن الحكيم هو كتاب الدول الإسلامية وكتاب المسلمين؟ وأليست الآية الكريمة: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) هي من آيات القرآن؟ فلماذا تجد السلبيات الكثيرة في الكثير من المسلمين والحكومات الإسلامية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟).
نخلص بالنتيجة إلى أن الأسلوب التنافسي يمكن أن يشكل دوافع مهمة للنهوض بالدولة والحكومة والمجتمع معا، وهكذا تكون المنافسة الحقيقية، والأسلوب التنافسي طريقا لتحقيق التطور والتقدم إلى أمام، لاسيما أن أغلبية الدول الإسلامية تعاني اليوم من مشكلات التأخر سواء في الاقتصاد أو السياسية أو حتى الاجتماع، ومن الممكن التفكير الجاد باتخاذ المنافسة الإيجابية أسلوبا للتغيير والتطور.
اضف تعليق