q

الحاكم بين التطبيق الفعلي والشكلي للإسلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

وفقاً للتعاليم الاسلامية، استطاع النبي محمد (ص)، أن يبني دولة تمكنت من أن تضاهي، بل تتجاوز الدول المعاصرة لها آنذاك، من حيث القوة والاستقرار، وحماية حقوق الأمة، ونشر العلم، ومحاربة الفقر، ودرء مخاطر التطرف، والقضاء على العادات القبلية التي كانت تعشعش في النسيج المجتمعي للعرب قبل مجيء الاسلام، فتم تشييد دولة الاسلام الكبرى بقيادة النبي الكريم (ص)، حتى صارت مثالا ونموذجا للدول الأخرى

والسبب بطبيعة الحال، هو الالتزام بجوهر التعاليم الاسلامية الخاصة في ادارة شؤون الدولة كافة، في السياسة والحرب والسلم والزراعة والتجارة والحقوق والتعليم وما شابه، هذا هو الجذر الأول لنموذج سياسة المسلمين ودولتهم، والعجب كل العجب يكمن في مجافاة حكام المسلمين في العصر الراهن لذلك النموذج القوي السليم في بناء الدولة.

إذ أن معظم الانظمة السياسية في العالمين العربي والاسلامي، تضع في دستور الاسلام دينا رسميا لدولها، ولكن المشكلة الكبرى تكمن في عدم التزام بعض الانظمة بجوهر الاسلام، أي ان الحكام وأنظمتهم في الدولة الاسلامية، يعلنون شيئا، وينتهجون سبلا اخرى تظلم شعوبهم، وتسلب حقوقهم، ويحمون عروشهم بالحديد والنار والقتل وسرقة المال العام، وما الى ذلك من اساليب، انتهجتها الانظمة المستبدة، التي تدعي الاسلام وهي بعيدة عنه كل البعد.

ومما لوحظ عن بعض الحكومات التي تعلن الإسلام دينا لها، أنها تعلن إسلامها رسميا ولكنها لا تلتزم بجوهر التعاليم الاسلامية في التطبيق الفعلي، مما يسيء الى الدين الاسلامي، إذ تتحول الى حكومات دكتاتورية تهدف لحماية مصالحها، وتسعى لغبن حقوق الشعب، فتعمد الى تطبيق الاسلام بصورة شكلية لا جوهرية، وحسب مصالحها، وتتهرب من تعاليم الاسلام التي تساوي وتوازن بين الحاكم والمحكوم من حيث الحقوق والواجبات.

لذلك يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كما جاء ذلك في كتاب (من عبق المرجعية): بأن (تطبيق الإسلام بصورة ناقصة يعطي صورة مشوّهة عن الإسلام، وهذا هو حال بعض الدول الإسلامية اليوم، المتبجّحة بتطبيق الإسلام مع أنها لا تطبّق إلاّ جَلْد الزاني وقطع يد السارق، فهل هذا هو الإسلام وحسب؟(.

إن جوهر الدين يتعلق بتنظيم الحياة، بكل مجالاتها وتفاصيلها، ويسعى الى الموازنة بين الحقوق والواجبات، وضمان حرية الرأي، وحقوق الفرد والأمة، وحق المعارضة، وتأكيد الضمان الاجتماعي، لذلك فإن الاسلام ليس اقوال فقط، بل تعاليم تتجسد في الاعمال والافعال، لاسيما في ادارة الدولة وشؤون الأمة

ضمان حياة أفضل للمواطن

مما لا شك فيه أن الحقوق الفردية والجماعية التي وردت في النصوص القرآنية، وفي الاحاديث النبوية الشريفة، وفي اقوال واحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، أكدت بما لا يقبل التهاون او التردد، على أهمية ضمان حق الانسان في حياة أفضل، تتناسب مع القيمة الكبرى للانسان، لذلك فإن الحاكم الذي يعلن نفسه سلطانا على الناس، عليه اولا الوصول الى السلطة بصورة مشروعة، عبر الانتخابات، أي ينبغي أن يستمد شرعيته من سلطة الشعب.

وعليه ان يلتزم بتعاليم الاسلام في التطبيق وليس فقط في قول النصوص وقراءتها، وإلا فإن الاعلان وحده لا يكفي، ولا يصح ان يتبجح الحكام بالدين كأقوال فقط، أو انتساب بالاسم فقط، لأن الاسلام كما يعرف الجميع، يمثل منهج حياة ضامن لحقوق الجميع، وعلى الحاكم وحكومته تطبيق النصوص التي تنظم العلاقة بين الطرفين بصورة عادلة، فلا يصح أن يطالب الحاكم بواجبات الدولة على المواطن، ويهمل الحقوق التي ينبغي على الدولة المحافظة عليها وحمايتها، ومن ثم تطبيقها من أجل ضمان حياة افضل للناس.

إن التبجّح بالعدالة واعلان التمسك بها لن يحققها، وان التكلّم بصوت الحق يحتاج الى تطبيق عملي مشهود، وإن اعلان السلطة بأنها مهتمة بمصالح الشعب يحتاج الى إثبات دائما، هذا الاثبات يتمثل بتطبيق الدين روحا وفعلا في التجربة، استناد الى ما يريده الله تعالى من الطرفين الحاكم والمحكوم.

أي أنه ليس هناك مفر للحاكم من النجاح في تطبيق المعنى الحرفي للاسلام على الواقع الفعلي، وليس هناك أي مجال للفشل من خلال اعتماد التصريح والقول المجرد، لأن الكلام وحده والوعود وحدها، ربما تتناقض مع ما يقوم به الحاكم وحكومته من أفعال تجاه الشعب أو الأمة!!، وفي هذه الحالة لا يعد الحاكم اسلاميا، ولا حكومته ايضا.

من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي، أن القول واللفظ وحده لا يكفي، ما لم يدعمه الفعل الواقعي للسلطة أو الحاكم، حتى لو أعلن بأنه ينتمي الى الدين الاسلامي، لذلك يؤكد سماحته قائلا في هذا المجال: (لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي، بل لا بد أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم، ويقولون أنه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام).

المنهج المناسب لحياة الناس

من الأمور المهمة التي ينبغي التنبّه إليها من لدن الحاكم الاسلامي، البحث الدائم عن المنهج الفكري والعملي الذي يناسب حياة الناس ويجعلها أفضل، وهذا يتوافر بصورة محققة في جوهر الدين الاسلامي، ولكن تبقى عقبة التطبيق هي المشكلة التي غالبا ما تواجه الأنظمة الاسلامية، او التي تعلن بأنها تدين بالاسلام، فالحقيقة أن الاعلان والانتساب لا يكفي وحده، ما لم يتم إثبات ذلك من خلال التطبيق العملي.

وهكذا يوجد منهج واضح ومعروف في الاسلام، وهو كما نلاحظ من خلال مضامينه الانسانية التي تراعي مقتضيات الانسان، يناسب حياة الأمة، كونه يراعي جميع الظروف الانسانية المحيطة بالانسان، لا سيما أن جميع التعاليم الاسلامية تهدف الى تحقيق العدل والمساواة والرفاه، وتدعيم الجانب الاخلاقي لدى الناس عموما من دون فوارق طبقية او عرقية وما شابه.

لذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي، بأن الإسلام: (له نظام خاص للحكم، وإدارة شؤون المجتمع، كما لا شكّ في أن هذا النظام الإسلامي الخاص قد طُبّق في البلاد الإسلامية طيلة ثلاثة عشر قرناً حتى سقوط الدولة الإسلامية قبل أكثر من نصف قرن، سواء أكان التطبيق تامّاً أم ناقصاً). وهذا النظام يمثل خريطة عمل لإدارة الحكم وتنظيم العلاقة بين الحكومة والأمة.

كذلك هنالك مواصفات ينبغي أن يتصف بها الحاكم الاسلامي، كونها تشكل علامات مهمة عن شخصيته، وطريقة ادائه وتعامله مع السلطة وادارة شؤون الشعب، اذ لا يصح بتنصيب من هو غير متفقّه او عالم بشؤون الحياة والدين والمجالات السياسية والاقتصادية وسواها، لأن الحاكم مسؤول عن الجميع، ومسؤوليته تحتم عليه ان يكون ملمّا بالعلوم والفقه واصول الدين وغير ذلك.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: أن (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط، ورضي به أكثر الناس صار حاكماً).

واستنادا الى ما تقدم، لا يمكن أن نسمي من يحكم باسم الاسلام، حاكما اسلاميا، إلا عندما ينجح في تطبيق جوهر الاسلام على الواقع، وعندما يفشل في تحقيق التطبيق الفعلي لأفكار الدين ومبادئه، على حياة الامة وادارة شؤونها، عند ذاك لا يمكن أن نطلق عليه صفة (الحاكم الاسلامي)، لهذا ينبغي أن يكون السياسيون الاسلاميون، او من يعلنون الانتساب الى الاسلام فكرا وسياسة، ملتزمين بجوهر العدالة الاسلامية عندما يسوسون ويحكمون الناس.

اضف تعليق