q
لحماية الأنواع والفصائل على نحوٍ فعال، يحتاج اختصاصيو حماية البيئة إلى معلومات أساسية، تتمثل في أماكن معيشة هذه الأنواع والفصائل، وماهية التهديدات التي تواجهها، مع ذلك، يفتقر العلماء إلى هذه البيانات الأساسية فيما يخص آلاف الأنواع حول العالم، وهو ما يجعل تفقُّد أوضاعها وأحوالها مستحيلًا...
بقلم: رايتشل نوير

لحماية الأنواع والفصائل على نحوٍ فعال، يحتاج اختصاصيو حماية البيئة إلى معلومات أساسية، تتمثل في أماكن معيشة هذه الأنواع والفصائل، وماهية التهديدات التي تواجهها، مع ذلك، يفتقر العلماء إلى هذه البيانات الأساسية فيما يخص آلاف الأنواع حول العالم، وهو ما يجعل تفقُّد أوضاعها وأحوالها مستحيلًا، ناهيك باتخاذ خطوات لضمان بقائها على قيد الحياة، وتشير دراسة جديدة نُشرت في دورية «كوميونيكيشنز بيولوجي» Communications Biology بتاريخ الرابع من أغسطس الماضي إلى أن انقطاع أخبار هذه الأنواع التي لا يتوافر عنها إلا "بيانات غير كافية" لا يُبشر على الأرجح بالخير، وقد استخدم واضعو الدراسة خوارزمية تعلُّم آلة للتنبؤ بأوضاع 7699 نوعًا لا تتوافر عنها بيانات كافية، بدءًا من الأسماك إلى الثدييات، ووجدوا أن %56 من الأنواع معرضة على الأرجح لخطر الانقراض.

وتُعد هذه الاستنتاجات مثيرةً للقلق بدرجة كبيرة، بالنظر إلى أن الأنواع المعروفة درجة حمايتها من الانقراض -ونسبتها لا تتجاوز 28%- معرضة للاندثار، وذلك وفقًا لما أفاد به الباحث الرئيس بين واضعي الدراسة جان بورجيلت، وهو مرشح لنيل درجة الدكتوراة في علم الإيكولوجيا الصناعية، من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والذي أضاف قائلًا في هذا الصدد: "قد تكون الأمور أسوأ كثيرًا مما نحسب بالفعل".

وقد اعتمد بورجيلت وفريقه البحثي في نتائج دراستهم على القائمة الحمراء للأنواع والفصائل المهددة بالانقراض التي يصدرها "الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة" (IUCN) في مدينة جينيف السويسرية، وهي قاعدة بيانات عالمية تصنف درجة خطورة انقراض أكثر من 147500 نوع، ومع ذلك، فإن نسبةً تتراوح بين 10 و20% من الحيوانات والنباتات والفطريات -وهي نسبة تختلف باختلاف مجموعة النوع- تُدرج في القائمة الحمراء باعتبار أن البيانات عنها غير كافية، وهو ما يعني أن المعلومات اللازمة لتحديد درجة حمايتها من خطر الانقراض غير كافية بطريقة أو بأخرى، ويخلق هذا عقبات للعلماء الذين يسعون إلى الإحاطة بالأخطار التي تهدد التنوع البيولوجي، كما يلقي بعراقيل تعترض جهود صانعي السياسات الذين يحاولون تصميم إستراتيجيات فعالة لحماية الأنواع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

من هنا صمم بورجيلت وفريقه البحثي نموذجًا لتعلُّم الآلة استنادًا إلى البيانات المتاحة عن 28,363 نوعًا من الأنواع المدرجة بالقائمة الحمراء سالفة الذكر، جرى بالفعل تقييم درجة حمايتها من خطر الانقراض، وقد تضمنت بيانات النموذج معلومات من "الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة" ومصادر أخرى موثوقة، عن توزيع تلك الأنواع، ومستوطناتها، والتهديدات المحتملة التي تواجهها، بعد ذلك استخدم الفريق البحثي تلك البيانات لتدريب نموذجه على التوصل إلى تقنية عامة للتنبؤ بدرجة خطورة انقراض الأنواع، ثم استخدم الباحثون النموذج للتنبؤ بوضع 7699 نوعًا، ذا بيانات غير كافية في القائمة الحمراء، من حيث درجة حمايته من الانقراض، ولم يتطلَّب ذلك إلا أن يكون النطاق الجغرافي لتلك الأنواع معروفًا.

وقد تنبأ النموذج بأن أكثر من نصف الأنواع التي لا يتوافر عنها إلا بيانات غير كافية، ومدرجة في الدراسة مهدد بالانقراض، ويبدو أن بعض مجموعات الحيوانات تواجه مأزقًا أكبر من غيرها، فوفقًا للنتائج، فإن %85 من البرمائيات، و%62 من الحشرات، و%61 من الثدييات، و%59 من الزواحف ذات البيانات غير الكافية مهدد على الأرجح بخطر الانقراض، كذلك أشارت النتائج إلى أن الأنواع التي لا يتوافر عنها إلا بيانات غير كافية وتعيش في وسط إفريقيا، وجنوب آسيا، ومدغشقر تواجه بالأخص تهديدات كبيرة.

وعلى الرغم من عدم يقينية هذه النتائج، حصل بورجيلت وفريقه البحثي على مؤشرات تدل على أن تنبؤاتهم دقيقة بدرجةٍ ما؛ فبعد إجراء الدراسة وقبل نشر نتائجها، أصدر "الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة" قائمةً حمراء محدثة، تدرج درجة حماية 123 نوعًا من الأنواع التي لم يتوافر عنها سابقًا بيانات كافية، وقد تطابقت درجة حماية ثلاثة أرباع الأنواع الموجودة في القائمة الفعلية مع التوقعات التي قدمها نموذج الباحثين.

حول ذلك تقول لويز ماير، وهي متخصصة في مجال الحفاظ على الأنواع البيولوجية من جامعة نيوكاسل في إنجلترا، لم تشارك في هذا البحث: إن هذا الاكتشاف الجديد الذي أعلنت عنه دورية «كومينيكشنز بيولوجي»، والذي أفاد بأن الأنواع التي لا تتوافر عنها بيانات كافية قد تكون أكثر تعرضًا للانقراض من الأنواع المعروفة درجة حمايتها من الانقراض، ليس بالضرورة مفاجئًا، لكنه يؤكد الحاجة إلى تقييمات شاملة لمخاطر الانقراض، وأضافت: "إن تحديث تقييمات القائمة الحمراء ضروري لتوجيه العمل وقياس مستوى التقدم المُحرَز".

وأشارت ماير إلى أن أكبر عقبة تعترض إجراء مثل هذه التقييمات ليست قلة الخبرة الفنية اللازمة لتقييم درجة حماية الأنواع، بل نقص الموارد، وأوضحت ذلك قائلة: "تواجه جهود الحفاظ على الأنواع نقصًا هائلًا في تمويلها على مستوى العالم".

ويشير بورجيلت إلى أنه لتوخِّي الحصافة قدر الإمكان لدى إنفاق قدر محدود من التمويلات لهذه الغاية، يمكن الاستعانة بالنماذج التنبُّئية للوقوف على الأنواع التي يبدو أنها أكثر تعرضًا لخطر الانقراض، ويضيف: "لن تحل تقنيات تعلُّم الآلة الجديدة محل الخبراء، لكن من شأنها أن تساعد في توجيه الموارد وتخصيصها، فبعض مجموعات الأنواع تفوق الأخرى كثيرًا في ضرورتها".

اضف تعليق