كالسنوات السابقة، وبمناسبة شهر رمضان العظيم، قامت جموع عديدة من المؤمنات الناشطات في المجالين الديني والثقافي، بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، يوم السبت الموافق للثالث والعشرين من شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة (11/7/2015م)، واستمعنّ إلى كلمته القيّمة.
استهل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله كلمته القيّمة، بوصية من وصايا مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، التي أوصى بها في صباح يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان العظيم، أي ساعات قبل استشهاده صلوات الله عليه، حيث قال: (لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وهذه الوصية مع أنها كانت لأبنائه الأطهار صلوات الله عليهم، لكنها وصيّة لنا ولكنّ ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وكما قال الإمام صلوات الله عليه بأنه هذه وصيّتي لكم ولكل من يصله أو يسمع كلامي.
وركّز سماحته في كلمته القيّمة على أمرين، وهما:
الأول: المحبّة والإحسان، وعدم التخاصم أو كما يقال عدم الزعل مع بعض، وبالأخص بالنسبة للنساء المؤمنات لما لهنّ من دور في العائلة. فالزعل هو من وساوس الشيطان، ومن تبعاته ومساوئه وما يترتب عليه هي القطيعة بين الأرحام، والأخير من الذنوب الكبيرة. فيجب اجتناب وترك التخاصم والزعل، مع الأرحام والأقارب والزملاء والأصدقاء وغيرهم. وعلى المؤمنة أن تكون سباّقة في هذا المجال، أي في عدم التخاصم والزعل.
إذن يجب على الجميع، رجالاً ونساء، أن يتوكّلوا على الله تعالى ويتوسّلوا به تعالى بأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، ويسعوا إلى العمل الصالح، وأن يتحمّلوا صعوباته، لكي يأمنوا العقاب والعذاب الإلهيين. فإذا تخاصم معكم أو زعل أحد منكم، فبادروا أنتم إلى التصالح معه وإقامة العلاقة والارتباط معه مجدّداً، بأية وسيلة سليمة كانت. فقد ذكرت الروايات الشريفة أن من جملة الذين يدخلون الجنة قبل الخلق أجمعين، هم الذين يبادرون إلى صلة الرحم قبل غيرهم.
الأمر الثاني: الالتزام والعمل بـ(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فقد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في وصيته القيّمة: (ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولّى عليكم شراركم، ثم تُدعون فلا يستجاب لكم).
فأنتنّ أيتها النساء المكرّمات، عليكنّ أن لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فيمكنكنّ أن تقمن بذلك مع آبائكنّ وأمهاتكنّ وأبنائكنّ وأقاربكنّ، وجيرانكنّ، ومع الغرباء، والزميلات. والنقطة المهمة هنا التي يجب أن لا نغفل عنها أبداً، هي أنه على الإنسان أن يعمل بما يتعلّمه، أي يعمل بالواجبات والمستحبّات، ويجتنب ويترك المحرّمات، ثم يعلّم الآخرين ما تعلّمه.
وشدّد سماحته بقوله: إنّ من الظواهرا لسيئة الموجودة في عالمنا اليوم هي القنوات الفضائية الفاسدة والضالة، وهي بالمئات، التي تسعى إلى بثّ الضلالة والضياع والفسق والفجور بين الناس. فمعظم الناس، مهما كان مستواهم العلمي والاجتماعي، ورجالاً ونساء، بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكي تستحكم وتقوى أسسهم العقائدية وتستقيم، وهذا واجب على الجميع، وهو واجب كفائي، ومن يترك هذا الواجب فقد ارتكب الحرام.
لذا على النساء المكرّمات أن يعملن بمسؤوليتهنّ الشرعية، وأن يقمنّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر وسائل الإعلام الحديثة، وأن يمارسن دورهنّ في هذا المجال في كافّة ومختلف الميادين، مع التزامهنّ بالعفّة والوقار. فيجب عليهنّ أن يسعين إلى صيانة وحفظ ورعاية مكانتهنّ ووقارهنّ وعفّتهن، وأن لا يعرّضن ذلك إلى الخدش، حتى بمقدار رأس إبرة الخياطة. فالنساء تقع عليهنّ مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأضاف سماحته: يجب أن يكون للنساء حسينيات ومجالس وهيئات ولجان للتبليغ، لكي يعلّمن أقرانهنّ مسؤولياتهنّ. وكذلك عليهنّ أن يوصلنّ رسالة القرآن الحكيم وأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم إلى العالمين عبر القنوات الفضائية. فهداية الناس، بالأخصّ غير المسلمين، إلى أهل البيت صلوات الله عليهم، هي مسؤولية الجميع. ومن مسؤوليات المرأة اليوم هي أن تسعى إلى نشر وتعريف ثقافة القرآن، وسيرة وأخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم. فالقرآن وأهل البيت صلوات الله عليهم، أمانتان ثقيلتان، استودعها رسول الله صلى الله عليه وآله عند أمّته، حيث قال: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
وأشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى الاعتقاد الخاطئ لبعض الناس الذين يقولون: (ما لنا والآخرين والبعيدين، فنحن يجب علينا أن نصلح مجتمعنا أولاً)، وقال: هذا اعتقاد غير صحيح أبداً، لأنه يخالف أوامر الإسلام وأوامر الله تعالى ونبيّه الكريم صلى الله عليه وآله. وراجعوا تاريخ الإسلام لكي يتّضح ذلك لكم. ففي زمن حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله كان في المدينة الكثير من المنافقين، وكانوا حتى حول النبيّ صلى الله عليه وآله، وكانوا لايسمعون كلامه ويخالفون أقواله صلى الله عليه وآله، وكانوا يسمّون أنفسهم بمسلمين، ومنهم الذين تركوا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من بعد استشهاد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله ولم يشهدوا للإمام صلوات الله عليه بما قاله النبيّ صلى الله عليه وآله في واقعة غدير خم، وقبلها، بحق الإمام عليّ صلوات الله عليه بأنه هو الخليفة من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وهو الوصي وهو الأولى بالمؤمنين من أنفسهم. ويعني ان اولئك المنافقين كانوا بالألوف والألوف. ومع وجود المنافقين داخل المجتمع المسلم في المدينة، نرى ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد بعث إلى ملك إيران وأفريقيا والروم ودعاهم إلى الإسلام، واهتدى بسبب ذلك الكثير منهم. فلم يقل النبيّ صلى الله عليه وآله بأن يجب أولاً هداية وإصلاح مجتمعي. ولذا على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، في عائلته وفي مدينته وفي المدن الأخرى. وهذه من المسؤولية الشرعية للرجل والمرأة. وأأكد وأقول بأنه يجب على المرأة أن تحصّن نفسها وتحفظ وقارها وعفّتها وحجابها، وأن تجتنب التبرّج.
وأكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في ختام كلمته القيّمة، بقوله: إذا لم يسعى أحد أو جماعة إلى تطبيق (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فالجميع سيكونون مكلّفون وعليهم وبعنوان الأمر الواجب أن يؤدّوا هذه الفريضة. ويجب أن لا ينسوا أو يغفلوا عن وصيّة مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حينما أوصى بقوله: (ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم).
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكنّ ويوفقّ المؤمنات كافّة للعمل بهذه المسؤولية الإلهية والوصية العلوية.
اضف تعليق