q
الحرب التي دارت بين إسرائيل وحركة حماس وانتهت بوقف إطلاق النار أثبتت قدرة الحركة الفلسطينية على بناء ترسانة من الصواريخ محلية الصنع باستخدام مواد مدنية وخبرات إيرانية إلى حد كبير. وهذا إنجاز من المرجح أن تتمكن الحركة من تكراره. ويخلق رخص ثمن هذه الأسلحة وضرورة إعادة إعمار...

لطالما أربكت صواريخ حركتي حماس والجهاد الإسلامي الجيش الإسرائيلي المتفوق من الناحية التكنولوجية. وتحمل تلك الصواريخ أسماء قادة إسلاميين راحلين وتُصنع في الغالب من مواد بدائية في ورش سرية بغزة. بحسب رويترز.

ويشهد القتال الحالي عبر الحدود أسلوبا جديدا من جانب الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، وهو إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ بهدف استغلال معدل الفشل الإحصائي للدفاعات الجوية الإسرائيلية وزيادة احتمالات التسبب في سقوط قتلى أو جرحى بمدن إسرائيل.

ويتسبب إطلاق الصواريخ في دوي شبه مستمر لصفارات الإنذار في التجمعات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة ويدفع عشرات آلاف السكان إلى البحث عن ملجأ وملاذ. وقُتل 12 في إسرائيل منذ اندلاع القتال في العاشر من مايو أيار.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن ترسانة غزة المكونة من نحو 29 ألف صاروخ أو قذيفة مورتر قبل بدء القتال تقلصت إلى النصف حاليا. ولم تؤكد حركتا حماس والجهاد الإسلامي ذلك.

وتظهر لقطات مصورة دعائية للفصائل الفلسطينية صواريخ محملة مسبقا في صوامع صغيرة خاصة بعمليات إطلاق عن بُعد، وهي وسيلة لحماية مشغليها من ضربات إسرائيلية مضادة.

وتقول إسرائيل إن الضربات المضادة قد تتأخر أو تُلغى ضد أطقم إطلاق الصواريخ في وسط المناطق السكنية.

وقال أوفير أكونيس، الوزير في مجلس الوزراء الإسرائيلي والمتحدث السابق باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لراديو الجيش الإسرائيلي إن إطلاق ما يصل إلى 140 صاروخا خلال بضع دقائق على تل أبيب وأماكن أخرى "شكل تحديا لأنظمتنا الاستثنائية".

وكان يشير إلى نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الذي تبين إحصاءات إسرائيلية أكدها مراقبون عسكريون أمريكيون أن فرصة إسقاطه الصواريخ التي تُظهر الرادارات أنها في مسارات تهدد مناطق مأهولة بالسكان تبلغ 90 في المئة.

وفي الأوقات الأهدأ، تتم برمجة نظام القبة الحديدية لإطلاق صاروخين من طراز تامير على صاروخ قادم مما يزيد فرصة اعتراضه إلى نحو 99 في المئة. لكن جنرالا في سلاح الجو الإسرائيلي قال إن القبة الحديدية أصبحت مقتصرة الآن، وفي الغالب، على إطلاق صاروخ اعتراضي واحد فقط من طراز تامير، وهو ما يعني أن 10 في المئة من الصواريخ القادمة قد تمر عبرها.

قال الجنرال للصحفيين في مقر القوات الجوية بتل أبيب "لن تعترض 140 صاروخا بعدد 280 صاروخ تامير. العدد كثير جدا". وأضاف أن إسرائيل كانت تزود الصواريخ، وقيمة كل منها 50 ألف دولار، ولا ترى أي مشاكل في الإمداد.

ومر 20 عاما منذ أطلق نشطاء غزة الصواريخ لأول مرة على إسرائيل. وكانت تلك الصواريخ، التي حملت اسم الداعية السوري عز الدين القسام الذي حارب البريطانيين في فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي، قصيرة المدى ولها رؤوس حربية تزن بضعة كيلوجرامات.

وسعت حماس والجهاد الإسلامي لتعزيز ترسانتيهما بصواريخ عالية الجودة يجري تهريبها عبر سيناء. وتسببت حملات شنتها القاهرة في تضييق الخناق على ذلك إلى حد بعيد.

وتقول مصادر إسرائيلية وفلسطينية الآن إن النشطاء يستخدمون تمويلا وتوجيهات من إيران لإنتاج صواريخ داخل غزة يصل مداها 200 كيلومتر أو أكثر، وبعضها مزود برؤوس حربية تحمل مئات الكيلوجرامات من مادة (تي.إن.تي) الشديدة الانفجار وشظايا.

ولا تكشف إيران علنا تفاصيل دعمها للجماعات المسلحة الفلسطينية واللبنانية المناهضة لإسرائيل. لكن قائد الحرس الثوري الإيراني الميجر جنرال حسين سلامي قال في كلمة بثها التلفزيون يوم الأربعاء إن إيران تدعم قتال الفلسطينيين ضد إسرائيل. وقال سلامي "الفلسطينيون ظهروا كأمة مجهزة بالصواريخ".

وغالبا ما تبدو الترسانة بدائية. ويُظهر مقطع مصور لحماس صواريخ مصنوعة من مواسير مياه مهملة. وأظهرت لقطات لكاميرات مراقبة أن صاروخا ضرب بئر السبع الواقعة على بعد 50 كيلومترا من غزة سقط على طريق بعدما لم ينفجر.

التحدي الصعب وقف تحويل الأنابيب إلى صواريخ

قال محللون ومسؤولون إن الحرب التي دارت بين إسرائيل وحركة حماس وانتهت بوقف إطلاق النار أثبتت قدرة الحركة الفلسطينية على بناء ترسانة من الصواريخ محلية الصنع باستخدام مواد مدنية وخبرات إيرانية إلى حد كبير. وهذا إنجاز من المرجح أن تتمكن الحركة من تكراره. بحسب رويترز.

ويخلق رخص ثمن هذه الأسلحة وضرورة إعادة إعمار غزة معضلة لإسرائيل والمجتمع الدولي تتمثل في كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة وفي الوقت نفسه منع توجيه سلع عادية مثل الأنابيب والسكر والخرسانة إلى استخدامات عسكرية.

ولا يرى مسؤولون حاليون وسابقون إجابات سهلة إذ يقولون إن من شبه المستحيل تطويق مساحة صغيرة نسبيا مثل غزة والحيلولة دون تحول السلع المخصصة لإعادة الإعمار إلى صواريخ محلية الصنع.

وقد عملت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان، اللتان تعتبرهما واشنطن من التنظيمات الإرهابية، على تعزيز صواريخهما كما وكيفا منذ حرب غزة السابقة مع إسرائيل في 2014.

قال مسؤول أوروبي كبير مشترطا الحفاظ على سرية هويته "اندهشنا أشد الدهشة لقدرات حماس هذه المرة. فقد امتلكوا صواريخ طويلة المدى لم تكن لديهم من قبل. وكل هذا يرجع إلى إيران".

وقالت إسرائيل إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الجماعات المسلحة أطلقت 4360 صاروخا من غزة خلال الحرب سقط منها 680 صاروخا داخل أراضي غزة نفسها. وقال الجيش إن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، التي تعمل عندما تهدد الصواريخ المراكز السكانية، نجحت في إسقاط حوالي 90 في المئة منها.

وأضافت أن ما بين 60 و70 صاروخا أصابت مراكز سكنية بما يشير إلى أن معدل الدقة يبلغ نحو 15 في المئة. وسقطت صواريخ أخرى في أرض فضاء لكنها أثارت الذعر ودفعت الإسرائيليين للتوجه على وجه السرعة إلى المخابئ.

وقال المحللون إن غالبية الصواريخ كانت قصيرة المدى ومحلية الصنع.

قال دانييل بنجامين المنسق السابق لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية "تصنيعها في غاية البساطة باستخدام أنابيب معدنية. وفي كثير من الأحيان ... تستخدم بقايا صواريخ إسرائيلية".

وأضاف بنجامين الرئيس الحالي للأكاديمية الأمريكية في برلين "من المستحيل فعليا أن تجعل مكانا ما محكم الغلق بالكامل".

وكان من أسباب الاشتباكات الأخيرة التي بدأت بين إسرائيل وحماس في العاشر من مايو أيار مداهمات الشرطة الإسرائيلية للحرم القدسي ومصادمات مع الفلسطينيين خلال شهر رمضان.

وقال سامي أبو زهري أحد مسؤولي حماس إن الحركة طورت خبراتها الخاصة في إنتاج الصواريخ وإنها لا تحتاج للمساعدة.

وقال لرويترز هاتفيا من موريتانيا التي كان في زيارة لها "بالتالي فإن أي محاولة لتشديد الحصار على غزة لتقييد قدرات المقاومة لا قيمة لها".

وتستخدم الجماعات الفلسطينية الصواريخ منذ سنوات. وقبل انسحاب إسرائيل من طرف واحد من قطاع غزة في 2005 كثيرا ما كانت مستوطناتها أهدافا لنيران قذائف مورتر وصواريخ قصيرة المدى من مدن فلسطينية قريبة منها.

ولم تصبح الصواريخ السلاح المفضل لدى حماس إلا بعد ظهور الجدار العازل الذي بدأت إسرائيل إقامته حول الضفة الغربية وعبرها في 2003 مما زاد من صعوبة عبور المفجرين الانتحاريين والمسلحين إلى إسرائيل وتنفيذ هجماتهم.

وهربت حماس والجهاد الإسلامي الصواريخ المتطورة عن طريق شبه جزيرة سيناء المصرية حتى الإطاحة عام 2013 بالرئيس الإسلامي محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب في انتخابات ديمقراطية.

وبعد تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عملت القاهرة إلى حد كبير على إغلاق هذا المسار من خلال تدمير الأنفاق المؤدية إلى غزة.

وأثارت حملة التضييق المصرية ما وصفه مسؤول إسرائيلي بأنه تحول إستراتيجي من جانب حماس لتطوير قدرات محلية لتصنيع الصواريخ بمساعدة إيرانية من خلال سفر إيرانيين إلى غزة وسفر أفراد من غزة إلى الخارج.

والآن تقول مصادر إسرائيلية وفلسطينية إن النشطاء يستخدمون تمويلا وإرشادات من إيران في تصنيع صواريخ داخل غزة يصل مداها إلى 200 كيلومتر أو أكثر وبعضها مزود برؤوس حربية تحمل 200 كيلوجرام أو أكثر من مادة تي.إن.تي المتفجرة والشظايا.

وقال مسؤول أمني إيراني إن حماس لديها الآن ثلاثة مصانع على الأقل تحت الأرض لإنتاج الصواريخ في غزة.

وفي الأيام الأخيرة من جولة الصراع الأخيرة تباهى زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي بقدرة الحركة على ابتكار أسلحة من مواد عادية تستخدم في الحياة اليومية.

وقال يوم الأربعاء الماضي إن على العالم أن يدرك أن الأسلحة التي يواجه بها الفلسطينيون ترسانة الأسلحة المتقدمة الأمريكية الصنع هي أنابيب المياه التي حولها المقاومون إلى صواريخ.

حقائب المال

لا يشكل المال مشكلة من أوجه عديدة.

فقد قدمت قطر، بموافقة إسرائيلية، تمويلا كبيرا لحركة حماس في السنوات الأخيرة بلغ وفقا لبعض التقديرات ملايين الدولارات شهريا لغرض أساسي هو سداد مرتبات العاملين الإداريين. ومن الممكن بعد ذلك أن يتم تحويل جانب منها لأغراض أخرى.

وقال المسؤول الأوروبي الكبير "الأمر ليس في غاية الصعوبة. إذ يأتي شخص من قطر كل شهر بحقائب المال مصحوبا بجنود إسرائيليين لدفع مرتبات العاملين الإداريين في حماس. ثم يختفي".

وأوضح دبلوماسي إيراني في المنطقة أن ملايين الدولارات سُلّمت لممثلين عن حركة حماس كل شهر تقريبا سواء بنقلها إلى غزة أو إلى دول مجاورة.

وقال المسؤول مشترطا إخفاء هويته "هذا لا يعني أن المال يأتي دائما من داخل إيران. فلنا (في المنطقة) أعمالنا التي تمول حماس وهذا ليس سرا".

وقال مسؤول غربي يتابع أنشطة حماس عن كثب إن الحركة قادرة على الاستفادة من محافظ استثمارية قيمتها مئات الملايين من الدولارات في شركات بمختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وأضاف المسؤول "هي تسيطر على 40 شركة في تركيا والإمارات والسودان والسعودية والجزائر تتعامل أساسا في العقارات والبنية التحتية".

وقال مسؤول ثان إن حماس قادرة أيضا على الحصول على موارد من جمعيات خيرية متعاطفة مع قضيتها في مختلف أنحاء أوروبا.

وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية إن واشنطن ستواصل العمل لتحديد ومعاقبة الأفراد والكيانات التي تدعم حماس بينما تستمر في الضغط على الشركاء الأجانب لتنفيذ عقوباتها واتخاذ إجراءات من جانبهم ضد الحركة.

ويوم الخميس الماضي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سيتم إرسال مساعدات على وجه السرعة إلى غزة لكن ذلك سيتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي يدعمها الغرب في الضفة الغربية "بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها العسكرية".

لكن القول أسهل من التنفيذ.

فهذا سيتطلب على الأرجح عمليات مراقبة على الأرض وليس من الواضح ما إذا كانت حماس ستسمح بذلك ومن هو الطرف الذي سيتولى المراقبة. وقال دينيس روس المسؤول الأمريكي السابق الذي قاد مساعي السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إن طرفا ما ربما يكون المصريين وغيرهم سيتعين أن يكون له وجود فعلي في غزة لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها.

وأضاف "إذا قالت حماس ’لا’ عندئذ تسلط الأضواء عليها" مضيفا أن من الممكن الضغط على المسلحين بالقول "نود أن نزود غزة بمواد لكن حماس لا تسمح لنا".

وقالها مسؤول إسرائيلي صراحة عن هذا التحدي.

قال المسؤول "لا بد أن يجد أحد وسيلة أفضل لمراقبة ما يدخل (القطاع) وكيفية الإشراف عليه وما يستخدم فيه".

اضف تعليق