لكل إنسان هدف وغاية من وجوده، فما هي أهدافنا وغاياتنا؟، ونعني بذلك المسلمين، لابد أن يعرف كل مسلم الغاية من وجوده، والهدف الذي يسعى إليه، ولا بأس من التذكير الدائم، بأن الله تعالى خلق الإنسان لهدف وغاية، ولهذا أرسل رسله إلى الأرض بمختلف الأقوام الذين سكنوها، توضيحا للغاية الإلهية...
(بتواضعنا للحقّ يتحقّق رضا الإمام عجّل الله فرجه الشريف عنّا)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
لكل إنسان هدف وغاية من وجوده، فما هي أهدافنا وغاياتنا؟، ونعني بذلك المسلمين، لابد أن يعرف كل مسلم الغاية من وجوده، والهدف الذي يسعى إليه، ولا بأس من التذكير الدائم، بأن الله تعالى خلق الإنسان لهدف وغاية، ولهذا أرسل رسله إلى الأرض بمختلف الأقوام الذين سكنوها، توضيحا للغاية الإلهية التي ترتبط بهدف الإنسان في الحياة، لهذا وجب على الإنسان المعرفة المزدوجة لهذه الغاية.
فما هي هذه المعرفة، وكيف يمكن تحقيقها، ثم ما هي النتائج التي تُجنى منها؟، إنها باختصار شديد، تتعلق بأهمية معرفة الإنسان لماهيّة خلق الله للإنسان، هذا هو الشق الأول من المعرفة، أما الثاني فيكمن في وجوب معرفة الإنسان لسبب وهدف خلقه، وبهذه المعرفة المزدوجة وإتقانها، تأتي النتائج ودرجة صحّتها.
المسلمون حصلوا على فرصة كبرى لتحقيق المعرفة المزدوجة، وتتمثل بالإمام المهدي المنتظر عجلّ الله فرجه الشريف، وكسب هذا النوع من المعرفة، له ارتباط وثيق بمعرفة الإمام المهدي (عج)، فالمطلوب من كل مسلم أن يسعى ويبحث ويبذل ما يكفي من الجهود النظرية والفكرية والإيمانية، وصولا إلى معرفة متقنة للإمام (عج)، ومن ثم تقديم الطاعة التامة للتنفيذ.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتاب (من عبق المرجعية): (معرفة الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف وطاعته، من أهم الواجبات الملقاة على عاتق جميع المسلمين).
إذاً يدرك المسلمون المؤمنون بأن الإمام المهدي (عجل) يمثل فرصة لهم، وهي فرصة لا يجوز هدرها، لأنها تساوي الفوز بالرضا الإلهي، فهل هناك مسلم مؤمن لا يرغب ببلوغ هذا الهدف؟، كلا، لذا من الأمور التي تقع خارج إطار النقاش، هي معرفة الإمام المهدي (عج)، ثم الانتقال من هذه المعرفة إلى التطبيق، سواء تعلق الأمر بالجانب النظري (الكلام)، أو الجانب العملي (التطبيق).
فلنفكّر بعمق، ماذا يريدُ منّا الإمام (عج)، فإذا عرفنا ذلك، وهي مهمة تحتاج إلى جهود مستمرة وحثيثة، سوف ننتقل من هذا الجانب إلى جانب لا يقلّ أهمية، وهو يتلخّص ببساطة بالعمل، إذ لا فائدة بمعرفة أو إيمان من دون تحويله إلى عمل ملموس ومرئي، بمعنى لا يكفي الإنسان الإبقاء على المعرفة في أدراج العقل، محجوبة عن الواقع الفعلي، ولا فائدة من إيمان يبقى حبيس الكلام.
أهمية تطابق المعرفة مع الأعمال
الإمام المهدي (عج)، يحب المسلم الذي تتطابق معرفته وإيمانه، مع أفعاله وأقواله ومنجزهِ، فالمسؤول أو القائد أو الموظف (وكل العناوين الأخرى)، لا تنقذه الألفاظ وحدها، لذا عليه أن يجعل من الحق معيارا لقراراته وأعماله وحتى أقواله، وبهذا تكون مسؤوليته تطابقت مع ما يقول ويؤمن به.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يؤكد قائلاً:
(إن أردنا ونحن في عصر الغيبة أن نكسب رضا مولانا الإمام المهديّ عجّل الله تعالي فرجه الشريف فعلينا أن نكون كما يحبّ صلوات الله عليه، وهذا الأمر يرتبط أولاً ارتباطاً وثيقاً بمدي معرفتنا لمسؤوليتنا والواجب الملقي علينا، وثانياً بتطبيقهما والعمل بهما).
لقد صِيغَتْ وكُتِبت و وُضِعتْ العقائد لصقل الإيمان، ومن ثم لتقوية إرادة الإنسان على التمسك بالحق، والنجاة مما أشارت إليه الآية القرآنية (أكثركم للحق كارهون/ الزخرف 78)، على كل إنسان مسؤولية، وأصعبها تلك التي تصدر من مركز حكومي أو وظيفي أو اجتماعي أكبر من سواه، فكلما تعاظم المركز عظمت المسؤولية، ومن يطمح بكسب الرضا الإلهي، عليه أن يمهّد لذلك بكسب رضا الإمام المهدي (عج)، وإتقان أداء المسؤولية بإحقاق الحق.
وطالما أن رضا الإمام (عج) من رضا الله تعالى، فبات من الواضح لجميع المسلمين، ما هو المطلوب منهم، وكيف يؤدون مسؤولياتهم، وعليهم جميعا أن يعرفوا بأن تطابق القول والقرار، مع الفعل والتطبيق، أمر لا مفرّ منه، ولا سبيل لقبول العكس، وبهذا يكسب المسؤول وكل إنسان رضا إمامه (عجل)، وهي الفرصة التي لا ينبغي أن يفرّط بها جميع المسلمين.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) القول:
(علينا أن نعمل بمسؤولياتنا وعقائدنا حتى نحصل علي رضا الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف, فإن رضاه صلوات الله عليه من رضا الله تعالي).
ولكي لا نقع في الوهم، أو قبول التبريرات الذاتية لأخطائنا، فإننا يجب أن نعرف بأن مكانة الإمام المهدي (عجل) عند الله، جعلت منه رائيا لنا بالمجمل، فهو صلوات الله عليه، يرى أجسامنا وحركاتنا، وفوق ذلك يعرف أفكارنا، ويستبطن نوايانا كلّها، فلا يُخفى عليه شيء مما نفكر به، أو نضمره، أو نخطط للقيام به.
ذكرى ولادة النور والعدل والأمل
لهذا لابد أن نفهم ونؤمن بأننا تحت مجهر رؤية الإمام المهدي (عج)، ليس لأشكالنا أو أجسامنا وحدها، وإنما لأعمالنا وكلامنا، بل حتى أفكارنا الخفية يعرفها، كونه يستمد ذلك من القدرة الإلهية والارتباط الربّاني، وهي مزايا إلهية وُهِبَتْ للإمام عجل الله فرجه الشريف، وصار لزاما علينا، أن نفهم هذه القدرة، وأن نعرف بأن ما ننوي القيام به وما نفكر لإجرائه، هو مرئي ومعروف للإمام المهدي (عجل).
فمن يؤمن من المسلمين بهذه القدرة، وهذه الميزة التي حباها الله تعالى لوليهِ، عليه أن يكسب رضا الإمام المهدي (عج)، وهذا الكسب لن يتحقق، حين نتنكّر للحق، أو حين نقول شيئا في العلن ونُضمر نقيضه، فيجب أن تكون نياتنا وأعمالنا وأفكارنا لله تعالى، وبهذا نكسب رضا الإمام الحجة المنتظر (عج)، ونفوز بفرصة الرضا الإلهي التي تنقذنا وتزكّينا يوم الحساب.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف, وكما في الروايات, مؤيّد بروح القدس، وبينه وبين الله عزّ وجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكل ما يحتاج إليه، فهو يرى كلامنا وأجسامنا وكل ما يظهر منّا، ويرى كذلك ما وراء الكلام والسطور، ويرى الفكر والنوايا، فهو يرى الشيء الذي نفكّر فيها عندما نتكلّم أو نكتب، وفيما إذا كانت نيّاتنا وأفكارنا لله؟).
كلّنا اليوم نقف أمام مهمة واضحة، لا يقترب منها الغموض، إننا مطالَبون بسلوك طريق الحق، وهو ما يريده إمامنا الحجة المنتظَر (عج)، واليوم ونحن نعيش ذكرى ولادته المعطّرة بالإيمان والانتصار ضد الظلم والانحراف، علينا المضيّ في طريق الحق، وإن كان شاقّا طويلا تملأه العقبات والمصاعب، فمن يريد الفوز برضا الله تعالى، عليه أن يشقى ويتعب بما يستحقهُ هذا الفوز.
ولعل الصعوبة تواجهنا من لحظة الشروع، ومن نقطة البداية، فالأهداف العظيمة ليست كغيرها من الأهداف، وكلّما صعب الهدف، وتعرّج الطريق، وتعددت المعوقات، جاءت الثمار أنضج وأغنى وألذّ، وهذا ما يستحقه المسلمون المؤمنون السائرون في طريق الإمام المهدي عجلّ الله فرجه الشريف.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يطالب المسلمين في ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج) قائلا:
(لنعاهد الله في ذكرى مولد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف على أن نبدأ بسلوك طريق الحقّ؛ فلعلنا نبلغ المقصود بعد زمان طال أو قصر، فإن من سلك الطريق لا بد وأن يصل).
إنها ذكرى ولادة النور، والعدل، وذكرى مناصرة الحق، ونشر بذور الخير والأمل في قلوب المسلمين، لتزهر في صدورهم ورود ورياحين العالم الأجمل الذي ينتفي فيه الظلم ويندحر فيه الباطل، ويعلو فيه العدل وينهزم فيه الشر إلى أبد الآبدين.
اضف تعليق