لماذا يخشى الحكام المستبدون والفاسدون من أصحاب العقول والخبرات، إنهم ببساطة يشكلون تهديدا للأشخاص الذين يحملون عقولا جامدة، عاجزة عن الابتكار، وهذا يعني أنها معرضة لاكتساح الكفاءات والعقول الراجحة والخبرات المتميزة، لكن حين تكون الحكومة بعيدة من الاستبداد، فإنها لا تخشى السقوط، ولا تخاف من العقول المتميزة...
(من المؤسف حقاً أن بعض الناس يبيع إيمانه بالتافه) سماحة المرجع الشيرازي
هل يهدد أصحاب الكفاءات الأنظمة المستبدة والفاسدة؟؟، سؤال يُطرَح ويُجاب عليه بالإيجاب، استنادا إلى المحصلة الناتجة عن طبيعة العلاقة بين العارف الكفؤ والجاهل المستبد، وقد يتساءل بعضهم، ألا يوجد أذكياء مستبدون؟، سؤال في غاية الأهمية، لكن الذكي سرعان ما يكتشف بأن نهايته تكمن في الاستبداد، لذلك لن يقترب إليه، أو على الأقل يحتاط منه، ولن يجعل منه أسلوباً لإدارة الأعمال المختلفة، أو إدارة الحياة برمّتها.
الأنظمة السياسية الناجحة، هي وحدها التي تحسب حسابا صحيحا للأذكياء من أصحاب الكفاءات والخبرات، وذلك لما يتميز به هؤلاء من قدرة على النهوض بالقطاعات المختلفة للدولة، وتنبّه الإسلام كمنهج حياة لرعاية العقول المتميزة، وفسح المجال لأصحاب الخبرات دونما معرقلات، كما يحدث مع الحكومات المستبدة والفاسدة حيث لا مكان للعقل المتميز في مؤسساتها.
لماذا يخشى الحكام المستبدون والفاسدون من أصحاب العقول والخبرات، إنهم ببساطة يشكلون تهديدا للأشخاص الذين يحملون عقولا جامدة، عاجزة عن الابتكار، وهذا يعني أنها معرضة لاكتساح الكفاءات والعقول الراجحة والخبرات المتميزة، لكن حين تكون الحكومة بعيدة من الاستبداد، فإنها لا تخشى السقوط، ولا تخاف من العقول المتميزة والخبرات المتفرّدة.
هنا يكمن سبب فتح الآفاق واسعة أمام الكفاءات في الحكومات التي تُدار وفق منهج التعددية والاستشارية، وهو ما تميزت به مبادئ الإسلام في التعامل مع الأذكياء، حيث يتاح لهؤلاء كامل الفرص وكل الدعم، حتى يكون لهم دورهم المحوري في النهوض بالدولة والمجتمع.
ما تشترطه الحكومة الناجحة في الكفاءات هو نوعية الإنتاج، وشرط الجودة والإتقان، والقدرة على تحويل الأفكار إلى منتجات وسلع ذات جودة عالية، ولا مكان للمحاباة أو المحسوبية، أو ما يسمى بالولاء للحزب والقائد والحكومة، كما هو معمول به في الحكومات المستبدة الفائدة، حيث يتم تهميش الكفاءات وأصحاب الخبرات، ليحل محلهم أصحاب الولاءات والتأييد حتى لو كانت خبراتهم وكفاءاتهم تقارب الصفر على الشمال.
ما هو معيار منح الفرص بالحكومة المستبدة؟
المعيار الأساس بالنسبة لفرص تبوُّء المنصب والمكانة الوظيفية في الحكومات الفاسدة، ليس الذكاء، ولا الكفاءة ولا الخبرات، بل طبيعة العلاقة التي تربط الأشخاص بالحكومة والأحزاب، ومؤسسات الدولة، حتى فرص التجارة الناجحة، لا تعتمد الكفاءة، بل تقوم على المحسوبية وعلاقات الأقارب، أو العلاقات الحزبية، حتى لو كان الحاصل على الفرصة غبيّا لا يفقه شيئا من وظيفته أو مهمته.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيمة:
(في الإسلام مَن يملك ذكاءً أكثر يمكنه أن يعمل أكثر. أمّا في الأنظمة الوضعية التي تدّعي الإسلام فالشرط الأساسي ليس الذكاء والخبرة بل الروابط والعلاقات مع الحاكم، فمَن حظي بشيء منها مُنح امتياز عشرين نوعاً من التجارة، وإن كان من أغبى الناس! فهل هذا من الإسلام؟).
لماذا ينظر بعض قادة الحكومات الإسلامية إلى الآخرين بمنظار التوجس والشك والقلق، ولماذا لا يكون معيار الكفاءة والخبرة والذكاء هو من يكون الحكم في منح الفرصة لهذا الشخص أو ذاك، التأييد مهم ومطلوب في دعم الحكومة، لكنه لا يجب أن يتم على حساب الكفاءة، ولا ينبغي أن يضرب قانون (الرجل المناسب في المكان المناسب)، لأن ضمان تأييد الحكومة دونما حق وإنصاف سوف يضر بالحكومة، ويسيء إلى سمعتها، ويظلم الكفاءات.
ليس صحيحا أن تعتمد الحكومة الإسلامية منهج العقوبات، وتطبيق الحدود ضد الكفاءات، ولا يصح أيضا أن تتساهل مع من يعلن تأييدها، ويساندها في جميع الحالات، حتى في المسيئة منها، فالإسلام فيه تشريعات تعاقب من يستحق وتُثيب من يستحق الثواب، لكنه يسمح بتطبيق كل حالة على انفراد، ويعطي كل ذي حق حقّه، ولا يطبّق الحدود والعقوبات وحدها، بل هناك عدالة في التطبيق، لابد للحكومات التي تصف وتسمي نفسها بالإسلامية أن تطبقها بإنصاف.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يشير إلى هذه النقطة بالقول:
(المؤسف أنّ بعض الناس يتصوّر أنّ الحكومة الإسلامية هي التي تطبّق الحدود والعقوبات فقط، مع أنّ هذا لا يشكّل إلاّ جزءاً ضئيلاً من أحكام الإسلام؛ ولو أنّ الإسلام طبّق بعضه دون بعض لارتسمت له صورة غير جميلة).
ومما يزيد الطين بلّة، أن الحكومات المستبدة الفاسدة، لا تكتفي باستبدال الكفاءات بالفاشلين من مؤيديها، ولا تتوقف عن مثل هذه الإجراءات المخالفة للعدالة والقانون، بل أنها لا تقرّ بأبسط الأخطاء التي ترتكبها مؤسساتها وموظفوها، وإن قام شخص أو جهة بانتقادها، ومحاولة تنبيهها على أخطائها، تُشمّر عن أذرعها الأمنية وسواها، وتكمم جميع الأفواه المعارضة لها.
على من تقع مهمة الإصلاح؟
هذه هي صفة الاستبداد التي تلتصق بالحكومات المستبدة، فهي لا تريد أن تصلح نفسها، بل هي عاجزة عن هذا الإصلاح كونها لا تريد ذلك أصلا، بالإضافة إلى أنها تقمع من يقدم لها رؤية التصحيح، بدلا من أن تمنحه مكافأة على مثل هذا العمل الذي يصب في صالحها، لأن استمرار منهج الاستبداد، يعني مواصلة مسلسل الظلم وانتهاك الحقوق، وهذا يقود الحكومة إلى السقوط كما يؤكد منطق التاريخ على مر العصور، إذ لم ينجُ طاغية واحد من السقوط بسبب طغيانه واستبداده.
وإيغالا في مستنقع الأخطاء، ومسلسل الانتهاك الاستبدادي المستمر، غالبا ما ترفع الحكومات المستبدة والفاسدة، شعارات منمقة ورنانة، في لافتات كبيرة عريضة، تنشرها على الملأ بكل الوسائل المتاحة، غاية هذه الشعارات تحسين وجه الحاكم وتلطيف سمعة الحكومة المستبدة، لكن الشعارات شيء والواقع شيء آخر.
فما تقوله الحكومة، ويصرّح به المسؤولون الحكوميون، لا يتطابق مع واقع ما يجري للناس وما يقدَّم لهم في الواقع، وتأتي الشعارات متناقضة تماما مع ما يحدث فعليا، بل ما تقوم به هذه الحكومات الفاسدة، لا يتطابق من قريب أو بعيد مع ما تحمله الشعارات الحكومية المخادعة، مما يزيد عزلتها عن الجماهير، وتتوسع الفجوة بينهما، بسبب الوعود الكاذبة والأداء الفاشل.
هذا يدفع الحكومات المستبدة أكثر نحو تقديم المغريات لمن يؤيدها من الأحزاب والأشخاص، وكل ظنها أنها بمثل هذه الأفعال سوف تنجو من السقوط، فتكيل الفرص بأكثر من مكيال، مما يزيد سرعة تدحرجها نحو مستنقع السقوط بصورة أكبر، وكل هذا يأتي بسبب الاختلاف الكبير بين ما تعد به الحكومات المستبدة، وتعلنه في شعاراتها، وبين ما يتحقق منه، وفي الحقيقة لا يتحقق أي شيء ولا أي وعد تعد به شعبها، ولهذا فإن الناس لا يكتفون بما يوعدون وإنما بما يتحقق لهم.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إنّنا لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع).
وحين يستمر منهج الاستبداد والفساد الحكومي، فإن النقيض يكون موجودا أيضا، فهناك رجال مؤمنون، يرفضون هذا المنهج، وهم مستعدون لتقديم ما يلزم للتصحيح، على صعيد الأفكار والأعمال معا، بالإضافة إلى استعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس، من أجل إحقاق الحق وإلحاق الهزيمة بالمنهج المستبد.
فـ (كلّما تصارع الحق والباطل وبرز من المؤمنين جماعة شجعان نذروا أنفسهم لله، فإنّ الله يكتب لهم النصر) كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).
لذا من غير المتوقّع ولا المنطقي أيضا، أن يتغيّر منهج الاستبداد، دون رادع، ودون استعدادات وتضحيات تغيّر البوصلة نحو الإصلاح، ولابد أن نقرّ بالمتلازمة التالية، أينما وُجِد الفساد وُجِد الاستبداد، أما مهمة القضاء عليهما، فتعود إلى المؤمنين الشجعان الذين نذروا أنفسهم على مرّ الأزمان، لإعادة الأمور إلى نصابها، بعون من الله عزّ وجل.
اضف تعليق