q
ستكون الانتخابات نقطة الفصل بين قوى الامر الواقع، وبين قوى التغيير، فاذا فازت قوى التغيير باغلبية مطلقة في البرلمان وال اليها حق تشكيل الحكومة الجديدة فعليها ان تعبد الطريق الى الدولة الحضارية الحديثة، واذا لم تتمكن من ذلك، عرفنا ان معركة الاصلاح مازالت تعاني من تحديات غير قادرة على مواجهتها والتغلب عليها...

يستطيع المراقب ان يشخص ان ازمة العراق اليوم تتألف من عدة عناصر اهمها: اولا، الطبقة السياسية التي تولت امور البلد منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم قد استنفدت قدرتها على العطاء ولم يعد بمقدورها تقديم الحلول للخروج من الازمة. والحكومة الحالية جزء من الطبقة السياسية، بل هي اضعف حلقاتها، ولا معنى لتعليق اية امال عليها.

ثانيا، التظاهرات الاحتجاجية التي اطلقت عليها المرجعية الدنيا العليا اسماء "الحراك الشعبي" و "الحركة الاصلاحية" تم اختراقها والمتاجرة بها وفقدت قدرتها على المساهمة باخراج البلد من ازمته الراهنة.

ثالثا، عامة الشعب مشغولون وربما مستهلكون بامور "اكثر اهمية" تصرفهم عن الاهتمام الجدي بشؤون البلد.

رابعا، الوضع المالي الصعب الذي يهدد شريحة اساسية من المواطنين، هم الموظفون الحكوميون (حوالي ٤ ملايين مواطن) برواتبهم التي تشكل المصدر المالي الوحيد لتوفير لقمة العيش لحوالي ٢٠ مليون انسان يشكلون العصب الرئيس للحياة الاقتصادية.

خامسا، احتمالية عودة احداث سنة ٢٠٠٦ التي اعقبت تفجير مرقد الاماميين العسكريين في سامراء في شباط من ذلك العام. وتحصل الان احداث تنذر بمثل هذا، وتؤشر الى احتمالية وجود محرّك متعمد لها لجر البلد الى فتنة جديدة قد لا تبقي ولا تذر هذه المرة.

غني عن القول ان هذه العوامل مجتمعةً قادرة على دفع البلد نحو كارثة تحرق الاخضر واليابس. وليس هذا تشاؤما، انما تعبير عن حقيقة ان العراق من الدول الهشة، حيث يحتل المرتبة ١٣ من بين ١٧٨ دولة في مؤشر الدول الهشة لعام ٢٠١٩. وهذه الدرجة المرتفعة تجعله معرضا vulnerable للانكسار والتحطم بسهولة. وهنا لا تنفع البلاغة الادبية في درء الخطر القائم.

وفي البحث عن مخرج وحل، لايبدو ان الاطراف المعنية (الطبقة السياسية ومن ضمنها الحكومة، عامة الشعب ومن ضمنهم المتظاهرون المحتجون) قادرة على تقديم الحل والحيلولة دون انزلاق البلد الى هاوية سحيقة.

في مثل هذه الاوضاع، تدلنا الخبرة التاريخية ان الانقاذ يأتي من "الاقلية المبدعة"، وهم الاشخاص الذين يملكون رؤية ثاقبة وافكارا علمية وتقدمية للحل، ويتمتع هؤلاء بالمعرفة والعلم والحكمة اللازمة وربما بدرجة من المقبولية الشعبية. ويدل الاستقراء على وجود الكثير من هؤلاء الاشخاص في المجتمع العراقي، وتظهر مساهماتهم وافكارهم في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والندوات الخاصة وغير ذلك. وتتنوع اختصاصات هؤلاء من السياسة الى الاقتصاد الى الاجتماع الى القانون الدستوري وغير ذلك مما يحتاج اليه البلد لوضع الستراتيجيات القابلة للتحقق والخطط الانقاذية، وتراودني اسماء الكثيرين من هؤلاء الافاضل الذين يُتاح لي متابعتهم في دوائر مختلفة. يمثل هؤلاء حبل النجاة وسفينة الانقاذ لبلدنا في هذا الظرف الحساس. لكن ذلك مشروط بعدة امور، منها:

الامر الاول، وحدة كلمتهم وصفوفهم ورؤيتهم للحل المستقبلي لمشكلات البلد. وعليهم ان يتجمعوا في اطار واحد جامع. واسوأ ما يمكن ان يحصل لهم ان يتفرقوا الى جماعات وكتل ومسميات لابد ان تكون صغيرة او صغيرة جدا او مجهرية لا تُرى بالعين السياسية المجردة.

الامر الثاني، ان يعقد هؤلاء العزم على التحرك الموحد الكبير.

الامر الثالث، ان يخططوا لخوض الانتخابات بطريقة تمكنهم من الفوز الساحق.

الامر الرابع، تثقيف الجمهور على ما تقدم في الفترة الفاصلة من اللحظة الراهنة الى موعد الانتخابات.

ستكون الانتخابات نقطة الفصل بين قوى الامر الواقع، وبين قوى التغيير، فاذا فازت قوى التغيير باغلبية مطلقة في البرلمان وال اليها حق تشكيل الحكومة الجديدة فعليها ان تعبد الطريق الى الدولة الحضارية الحديثة، واذا لم تتمكن من ذلك، عرفنا ان معركة الاصلاح مازالت تعاني من تحديات غير قادرة على مواجهتها والتغلب عليها.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق