تُعد الدولة مؤسسة عامة يفترض بها أن تقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها ومكونات مجتمعها، وأن تعمل من أجل المصلحة العامة بعيدًا عن التحيّز لأي أيديولوجيا أو عقيدة أو مذهب. لكن حين تقع الدولة في فخ "الأدلجة"، فإن هذا الحياد يختل، وتتزعزع قدرتها على تحقيق العدالة والتنمية بشكل متوازن وشامل...

تُعد الدولة مؤسسة عامة يفترض بها أن تقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها ومكونات مجتمعها، وأن تعمل من أجل المصلحة العامة بعيدًا عن التحيّز لأي أيديولوجيا أو عقيدة أو مذهب. لكن حين تقع الدولة في فخ "الأدلجة"، فإن هذا الحياد يختل، وتتزعزع قدرتها على تحقيق العدالة والتنمية بشكل متوازن وشامل.

أدلجة الدولة تعني تحويل الدولة إلى أداة لخدمة أيديولوجيا محددة، سواء كانت دينية، قومية، حزبية، أو غيرها. وفي هذا السياق، تُوظّف مؤسسات الدولة وسلطاتها، بل حتى قوانينها، لخدمة تلك الأيديولوجيا، مما يؤدي إلى تهميش المواطنين الذين لا ينتمون لها أو يختلفون عنها. وهنا تفقد الدولة صفتها الجامعة وتتحول إلى أداة لفرض رؤية ضيقة على المجتمع بأسره.

حيادية الدولة أمر أساسي لتحقيق العدالة بين المواطنين، حيث تضمن أن تُعامل جميع الأطراف على قدم المساواة، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية أو الدينية أو العرقية. وعندما تتخلى الدولة عن حيادها وتتبنى فكرًا معينًا، فإنها تضعف قدرتها على فرض القانون بعدالة، لأن القانون يُعاد تفسيره وتطبيقه بما يخدم الأيديولوجيا المهيمنة، لا بما يحقق المصلحة العامة.

في بيئة مؤدلجة، يتم تعيين المسؤولين بناءً على ولائهم الأيديولوجي لا على كفاءتهم، ويتم توجيه الاستثمارات والسياسات الاقتصادية بطريقة تخدم الفئة المسيطرة لا المجتمع كله. كما أن المشاريع التنموية قد تُقيّد أو تُعاد توجيهها إذا لم تنسجم مع العقيدة الرسمية، مما يؤدي إلى عرقلة التقدم والتنمية.

الدولة الحضارية الحديثة هي النموذج الذي يضمن حيادية الدولة، ويقوم على المواطنة، التعدد، وسيادة القانون، والتخطيط العلمي، والتكافؤ في الحقوق والفرص. هي الدولة التي لا تعادي الدين أو الفكر، ولكنها لا تختزل المجتمع في أيديولوجيا واحدة. إنها دولة العقل والعلم والإنسان، تنطلق من مركب حضاري متكامل، قوامه: الإنسان، الأرض، الزمن، العلم، والعمل. إن أدلجة الدولة تُقوّض العدالة وتعطل التنمية، بينما تُعد الدولة الحضارية الحديثة هي الإطار الأمثل لبناء مجتمع عادل، مزدهر، ومتنوع.

خلاصة القول، أدلجة الدولة تُقحمها في صراعات الهوية وتُقوّض أُسس التعايش والتقدم. وحدها الدولة الحضارية الحديثة،الحيادية، قادرة على ضمان السلم الاجتماعي وتحقيق التنمية العادلة والشاملة.

اضف تعليق