اللاعنف يعدّ أقصر الطرق وأسرعها للتقدّم، فهو يرسّخ السلم والاستقرار، ويدعم التعايش السلمي بقوة، ويجعل الحوار ثقافة تسود على سواها، فيتفرغ الفرد والمجتمع إلى القيام بتطوير ذاته ومحيطه بشكل متبادَل، ولكن دائما يقف الإنسان إزاء مشكلة (العنف) الذي يسعى إلى تقويض مكتسبات اللاعنف، وإقصاء ثقافة الحوار...
اللاعنف يعدّ أقصر الطرق وأسرعها للتقدّم، فهو يرسّخ السلم والاستقرار، ويدعم التعايش السلمي بقوة، ويجعل الحوار ثقافة تسود على سواها، فيتفرغ الفرد والمجتمع إلى القيام بتطوير ذاته ومحيطه بشكل متبادَل، ولكن دائما يقف الإنسان إزاء مشكلة (العنف) الذي يسعى إلى تقويض مكتسبات اللاعنف، وإقصاء ثقافة الحوار، لذا علينا البحث عن الوسائل والسبل والخطوات التي تطفئ نيران العنف بكل أشكالها، فما السبيلُ إلى ذلك؟
لدينا تاريخ وتجارب أمم وأفراد، جعلوا من اللاعنف طريقا لهم، سواءً على مستوى فردي أو جمعي، فهناك أفراد آمنوا بأسلوب السلم ورجّحوه على سواه وقد قطفوا ثمار دأبهم هذا لتصبح حياتهم أكثر غنى وثراءً فكريا ومعنويا وإنسانيا وماديا أيضا، بمعنى أن من يذهب إلى اللاعنف، سوف يحصل على فوائد معنوية ومادية في وقتٍ واحد، وهذا ما يجعل السعادة مصاحبة له على الدوام.
على المستوى الجمعي، عندما يجعل المجتمع من اللاعنف والحوار أسلوبا مستقرا لحياته، فإنه بذلك يتجنّب الفتن والاحتراب والحروب، وينشغل بما يستحق الانشغال، وهو كيف يطوّر حياته ودولته ومحيطه واقتصاده، وتبقى لدينا نحن العراقيين مشكلة كيفية ترسيخ اللاعنف في فكرنا وسلوكنا، أي أننا مطالبون بالبحث عن تجارب ومعالجات تساعدنا على الإيمان بأن اللاعنف هو سبيلنا للخلاص من كل المشاكل التي تعيق تطورنا وتلوّث حياتنا بالعنف.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقرِّب لنا الحلول ويقترح علينا أن نكافح العنف بالإطلاع على تاريخنا المشرق والاقتراب من ثقافتنا الإسلامية، فيقول سماحتهُ:
(من عوامل انتهاج بعض المسلمين منهج العنف هو الابتعاد عن الثقافة الإسلامية، والجهل بتاريخ النبي الأعظم والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين).
ولا تنتهي مهمة الفرد عند هذا الحد، فهو مطالَب ومسؤول عن توصيل ثقافة اللاعنف إلى محيطه ونشره وترسيخه بدءاً بمحيطه الأصغر (أسرته)، صعودا إلى مدرسته ومحيط عمله، وتقع على الفرد أيضا مهمة بيان الفرق الكبير بين مخاطر وأضرار العنف في مقابل النتائج الباهر للاعنف، فالعنف يطول الجميع بأذاه ولا يستثني أحدا، حتى أولئك الذين يؤمنون بالعنف حلاً تجدهم أول من يحترقون بنيرانه، لهذا يجب اعتماد اللاعنف في إدارة علاقتنا المختلفة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يقول حول هذه النقطة: (يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً).
العنف ومضارّه المعنوية والمادية
لا تقتصر أضرار العنف على الخسائر الملموسة، فهناك مضار كثيرة تشوّه نفسية الإنسان، وتصيبه بأمراض مركبة، كما تظهر مشكلات اجتماعية عصيبة نتيجة العنف، كما يحدث مع العنف الأسري وتهديم أركان العائلة وأسسها، وإذا تحدثنا عن المشكلات النفسية التي تنتج عن أساليب العنف، فإننا سنقف على أعتاب مشكلة يمكنها تدمير المجتمع وتشل قدراته، وتجعله على هامش المجتمعات، بل سيحتل المرتبة الأدنى من بين المجتمعات الأخرى.
علينا أن نتجنّب العنف، وندرأ خطر التسلّط وقضم الحريات، ونرفض الاستبداد بكل أنواعه ومستوياته، لاسيما السلطات الحكومية التي يجعل منها الاستبداد العدوّ الأول للمجتمع والدولة، كما علينا رفض أساليب الكبت، والحذر كل الحذر من عودة الدكتاتورية التي تشوّه المجتمعات وتستعبد قدراتها، وتشجّع التطرّف وتنشر الأغلال في كل مكان، مما يؤدي إلى نشوء حركات عنيفة تتأسس كرد فعل على سياسة قضم الحريات، وتكميم الأفواه، ومنع الحريات وخصوصا حرية الرأي.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه):
من الأمور المهمة (بيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحريّة للمجتمع، فإنه في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرّفة والحركات التدميرية).
من لوازم مكافحة العنف، أن يتمّ العمل بجديّة على إرساء مرتكزات العدالة الاجتماعية في المجتمع، فحين يشعر الناس بأنهم سواسية أمام الإجراءات الحكومية، وأن فرص العمل متكافئة فيما بينهم، وأن المحسوبية والحزبية والنفعية غير المشروعة، لا وجود لها في قرارات الدولة والحكومة، فإن مثل هذه الأجواء تساعد بقوة على درأ خطر العنف، وتشجّع سيادة اللاعنف في العلاقات الاجتماعية المختلفة.
كما أنها تساعد على بناء نظام سياسي مستقر قوي عادل مؤسساتي، يدعم العدالة ويعمل بها ويشجع إرساء وتنشيط الأنظمة العامة التي تضبط إيقاع حركة المجتمع، في إطار العدالة التي سوف تقضي على قادة العنف والمشجعين له، وسوف يكون الحوار هو البديل الأهم والأكثر نضوجا وفعالية، وسيعطي النتائج الطيبة فيما لو تم استثماره على النحو المطلوب، وهذه خطوات تمس الواقع العراقي الراهن الذي يحتاج إلى تشجيع اللاعنف بالاستناد إلى خطوات رسمية فعلية تطفئ نيران العنف.
لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قولهُ: لابدّ من (إرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، بالرقابة الاجتماعية، وقيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف، وفتح قنوات الحوار البنّاء بين الأفراد والمجتمعات).
فوائد مطالعة التجارب المشرقة للّاعنف
من أسباب العنف الخطيرة، العصبية الجوفاء التي لا تعتمد العقل ولا المنطق بسبب الجهل، فمن يجهل فوائد الحوار، ولا يعبأ بحقوق الآخرين، ولا تعنيه سوى مصالحه، ولا علاقة له في قضية حقوق الناس والشعور بهم، إنما هو جاهل ومتعصّب لنفسه ولذويه أولا، مفضلا نفسه ومصالحه حتى لو داهم الخطر الآخرين، وهي صفات لا يحمله إلا حاملي لواء العنف الذين تولّدوا في أجواء الاستبداد ولابد أن الحرمان له دور في إثارة العنف وتحريكه بقوة.
أجواء القمع وتقييد الحريات ومصادرة آراء الآخرين، تتم في ظل الأنظمة الدكتاتورية، وتكون نتائجها خطيرة، حيث تؤدي إلى التصادم المتبادَل بين الحكومات وأصحاب الحقوق، وسوف تقود بالنتيجة إلى انتشار دوّامة العنف المتبادَل، الذي يعمل بدوره على تدمير ثقافة الحوار وغلق أبواب التفاهم أو جعل فرص الحوار ضئيلة في مقابل انغلاق العقول التي تجهل أو تهزأ بأهمية اللاعنف في حياة الأفراد والشعوب.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): يرى أنّ (جذور العنف تكمن في الجهل والعصبية، والفهم الخاطئ للدين، والاستبداد والديكتاتورية والحرمان الاجتماعي، والظلم من قبل الحكومات والأفراد الذي يولّد العنف المضاد، وغلق قنوات الحوار البنّاء، أو ضيق هذه القنوات).
لهذا لابد من اعتماد اللاعنف كطريق للعلاقات السياسية والاجتماعية المختلفة، لأن هذا الأسلوب المتحضّر يشجّع ويساعد على تثبيت أركان التعايش بين الناس بعضهم مع بعض، وحتى بينهم وبين النظام الحاكم، من هنا مطلوب أن نذهب جميعا إلى اعتماد اللاعنف في حياتنا، وفي علاقاتنا مع القادة السياسيين، أملا في بناء نظام ديمقراطي استشاري يفي بالحقوق ويضمن الواجبات.
كما في قول سماحتهِ: (للاّعنف دور كبير في إقرار حالة التعايش بين أفراد الأمة، مما يشكّل قاعدة رصينة لبناء النظام الاستشاري عليها).
وفي العودة إلى الاستهلال في هذه الكلمة، ومطالعة السؤال الأهم، كيف نطوّر اللاعنف ونرسّخه في مجتمعنا، فهذا يتطلّب نشر ثقافة اللاعنف بكل الوسائل المتاحة، بعد الإطّلاع الجمعي الرصين على التجارب الخلاقة التي نجدها في تاريخنا الإسلامي وتحديدا عبر الاقتداء بالسيرة النبوية الشريفة وامتدادها من خلال أئمتنا عليهم السلام.
كما في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (نجد في تاريخ الأمة الإسلامية نماذج مشرقة للاعنف، اقتداء بسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين).
وهكذا سوف نضمن تغليب اللاعنف والحوار على العنف والانغلاق في مجتمعاتنا التي هي أحوج ما تكون إلى ذلك اليوم.
اضف تعليق