ناقش مركز المستقبل التنمية الشاملة وهي عملية واسعة يتم من خلالها تحديد جميع مكامن الضعف في الدولة، في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة، من أجل معالجتها والعمل على تقويتها وتنميتها وتطويرها، كما تسعى التنمية الشاملة إلى تفجير الطاقات الكامنة لدى الأفراد بفتح أفق...

ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية في ملتقى النبأ الأسبوعي ضمن سلسلة معوقات بناء الدولة في العراق (قراءة في إشكالات التنمية الشاملة) الذي عُقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الأكاديمية والحقوقية والإعلامية.

أعد الورقة البحثية الدكتور قحطان حسين، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، قائلا: التنمية الشاملة هي عملية واسعة يتم من خلالها تحديد جميع مكامن الضعف في الدولة، في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة، من أجل معالجتها والعمل على تقويتها وتنميتها وتطويرها، كما تسعى التنمية الشاملة إلى تفجير الطاقات الكامنة لدى الأفراد بفتح أفق الإبداع والابتكار أمامهم، وسُميّت بالتنمية الشاملة نظراً لتركيزها على جميع جوانب حياة الأفراد والمجتمع في الدولة.

ويمكن القول، أن التنمية الشاملة هي عبارة عن عملية مخطط لها ذات بعد إداري تهدف إلى إيجاد مجموعة من التحوّلات الهيكلية وذلك بتوجيه جهود الأفراد الواعية وتسخيرها من خلال تحفيز الطاقة الإنتاجية لديهم، وتتولى الحكومة تنفيذ هذه العملية بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة.

أهداف التنمية الشاملة

تهدف التنمية الشاملة إلى تحقيق مجموعة أهداف في قطاعات متعددة، ففي القطاع الاقتصادي تأتي التنمية الشاملة للتخلص من الفقر ومعالجته، والتخلص من البطالة بتوفير فرص العمل، كما تهتم بضرورة تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الثروة القومية، وتسعى التنمية الشاملة لزيادة الإنتاج، ورفع مستوى المعيشة، وذلك بإيجاد الحلول المناسبة لزيادة الاستثمارات وضمان حق المواطن في الحصول على حياة كريمة، وعلى الصعيد الاجتماعي تحاول التنمية الشاملة تنمية العنصر البشري وزيادة قدراته ومهاراته وتحقيق الرفاهية، وزيادة الوعي والثقافة لدى المواطنين، ومحو الأمية، وذلك بنشر المعرفة، والحرص على زيادة الخبراء والعلماء وأصحاب الكفاءات، أمّا على الصعيد السياسي فتهدف التنمية الشاملة إلى المحافظة على كيان الدولة، وزيادة قوتها والحفاظ على استقلاليتها، وذلك حتى تكون قادرة على مواجهة كافة التحديات سواء كانت على الصعيد الداخلي أو الخارجي، بالإضافة إلى منح الأفراد حقوقهم في التعبير عن الرأي وتمكينهم من المشاركة في صنع القرار.

سبل تحقيق التنمية الشاملة:

أولا: على مستوى الفرد والمجتمع: يتوجب العمل على الآتي:

أ- ضمان التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة على مستوى الأسرة، المدرسة، الإعلام، بما يتوافق مع القيم الأصيلة التي تخدم الفرد والمجتمع.

ب- رفع المستوى العلمي والمعرفي لأفراد المجتمع.

ج- ترسيخ قيم وروح المواطنة لدى أبناء المجتمع.

د- تشجيع ودعم المبادرات الفردية المنتجة والنافعة، فضلا عن الاهتمام بالعمل الجماعي والتحفيز عليه.

ثانيا: على مستوى المؤسسات: يتطلب السعي لتحقيق ما يأتي:

أ- إصلاح النظام السياسي العام واستكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية ليكون مقدمة لإصلاح الأنظمة الأخرى.

ب- إقامة أسس دولة القانون (منظومة قانونية حديثة تسهم في خلق بيئة مناسبة لتحقيق التنمية الشاملة، سيادة القانون، فصل السلطات، استقلالية القضاء..).

ج- وضع السياسات العامة بإتقان والعمل على تنفيذها بدقة وبأساليب ناجحة.

د- تنمية الكفاءات وبناء قدرات موظفي الدولة و تأهيل الموارد البشرية في جميع القطاعات.

حققت بلدان كثيرة تقدما كبيرا في مجال التنمية الشاملة، إذ تفوقت فـي إنجازاتها، ولـم تكتف برفع مسـتوى الدخل القومي فحسب، بل حققت تحسنا في الأداء في المؤشـرات الاجتماعية كالصحة والتعليم والخدمات العامة وحقوق الإنسان، ومن البلدان الكبيرة التي تفوقت في أدائها عن طريق اعتماد أسس تنمية شاملة البرازيل والصين والهند، إضافة إلى بلدان أخرى صغيرة مثل إندونيسيا وأوغندا وتايلند وتركيا وشيلي وغانا وفيتنام وكوريا الجنوبية وماليزيا والمكسيك.

أهم متطلبات تحقيق التنمية الشاملة

1. توافر الإرادة السياسية على تحقيق التنمية الشاملة، لدى الحكومة سواء لدى القادة أو من يشترك معهم في إدارة الدولة وتسيير شؤونها، لأن الإرادة السياسية هي الحافز والدافع الأساسي باتجاه العمل الجاد نحو تغيير الواقع السيئ إلى آخر مزدهر، فبدون الإرادة والعزم والتصميم لا يمكن تحقيق النجاح المطلوب.

2. وضع خطة: يجب أن تقوم الحكومة بوضع خطة للتنمية تستند إلى إستراتيجية واقعية وقابلة للتحقيق وتأخذ بنظر الاعتبار قدرات الدولة المتاحة من موارد مالية وبشرية، وأن تكون الخطة شاملة لجميع مناحي الحياة وليست القضايا ذات الأولية فقط، وأن يكون تنفيذها محدد بمواعيد وجداول تفصيلية، وأي تخطيط إستراتيجي للمستقبل لابد أن يكون راصداً لكل الصعوبات والتحديات التي تواجه هذه الخطة. وإذا كانت الخطة طويلة الأمد فيجب أن تراعي ما قد يحدث من تغيير على مستوى السياسات والحكومات خاصة إذا كان الدستور يؤمن بفكرة تداول السلطة.

ولا بد أن تكون الخطة ملبية لحاجات حقيقية للمجتمع وليس مجرد شعارات، وأي خطة تتجاهل التحديات القائمة وكيفية التصدي له بخطط تفصيلية وببدائل ناجحة، سيكون مصيرها الفشل.

والخطة التي تتجاهل الحريات العامة وحقوق الإنسان بمفهومها الشامل السياسي والمدني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تكون خطة غير مكتملة الأركان لأن التنمية الاقتصادية لا تتم في مجتمع مغلق ومقيد ويفتقد للحريات الأساسية.

فالعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والمرض والجهل لن تتم إلا بإطلاق وحماية الحريات وحقوق الإنسان وتمكين المواطنين وخاصة الفئات الأكثر ضعفا من ممارسة حقوقهم، ونجاح أي خطة مرهون بقدرة القائمين على تنفيذها من المسئولين والموظفين في الدولة ومدى إيمانهم بأهمية تنفيذها وإخلاصهم في العمل.

3. ضمان توفير رأس المال الكافي لتمويل جميع نشاطات وعمليات تحقيق التنمية، فبلا ميزانية وتمويل ستبقى خطة التنمية حبرا على ورق ومن الاستحالة أن ترى النور، بالإضافة إلى رأس المال يجب توافر الموارد البشرية من كفاءات وأيدي عاملة ماهرة تنهض بالمسؤولية وتتبنى القيام بالمهام التنموية بنجاح.

4. مجتمع مدني حقيقي فاعل ومؤثر وقادر على متابعة وتقييم أداء الحكومة التنفيذية بل والمساهمة معها في تحقيق التنمية الشاملة، مجتمع مدني له القدرة على توعية المواطنين بحقوقهم وكيفية المشاركة في عمليات التقييم الدورية للخطة التنموية وتحقيق مبدأ المساءلة الاجتماعية لجميع الأطراف المشاركة في تنفيذها.

5. قطاع خاص وطني وقوي يتمتع باستقلالية مالية ويعمل من أجل تحقيق مصالح الدولة والشعب وليس قطاعاً خاصاً انتهازياً لا يهمه سوى الربح فقط.. فأي خطة تنمية لا يتحقق لها النجاح إلا إذا كان القطاع الخاص يؤمن بمسئوليته الاجتماعية عن تنمية المجتمع الذي يعمل فيه. والمشاركة في مشاريع تنموية حقيقية.

6. توافر الدعم الدولي غير المشروط من الدول والمنظمات الدولية، لأن غياب هذا الدعم ربما يزيد من التحديات التي قد تعرقل عملية التنمية الشاملة وذلك بسبب تشابك وتداخل المصالح الدولية وخصوصا في مجال التجارة وحركة رأس المال والتخطيط الاقتصادي، ومن شأن هذا الدعم الدولي أن يمهد لحالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة المخططة للتنمية الشاملة وبالخصوص عندما لا يكون هذا الدعم مشروطا ويضمن احترام الاستقلال السياسي وعدم تدخل الدول والمنظمات الداعمة في الشؤون الداخلية للدولة الساعية نحو التنمية.

7. يرى البعض أن صعوبة تحقيق التنمية الشاملة على دفعة واحدة يتطلب تجزئتها من خلال البدء بتنمية القطاعات من الأهم إلى المهم وبشكل متتابع وصولا إلى تنمية جميع القطاعات، وذلك لصعوبة توافر رأس المال والموارد الأخرى اللازمة لتحقيق التنمية في جميع القطاعات في آن واحد.

وختام القول، أن غياب التنمية الشاملة وخصوصا في بعديها الاجتماعي والاقتصادي يؤدي إلى ضعف وأحيانا فشل عملية بناء الدولة ويسهم في تكريس المشكلات بشكل عام ويضعف علاقة الحكومة بالمواطن وتسود الكثير من السلوكيات المتمردة على الواقع، ويفقد القانون هيبته واحترامه بين المواطنين.

ولإغناء الموضوع بالمزيد من الأفكار نطرح السؤالين الآتيين:

السؤال الأول/ هل يشكل غياب التنمية الاجتماعية والاقتصادية عائقا في بناء الدولة؟

فصل القرار السياسي عن القرار الاقتصادي

- الدكتور حسين السرحان باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية قال: إن كل السلطات وكل الدول في العالم تعمل على تحقيق موضوع التنمية الشاملة، وبالتالي هي تضع سياسات اقتصادية وسياسات اجتماعية عامة وذلك من أجل الاتجاه نحو التنمية الشاملة، لذلك فإن عدم الاستقرار هو أساس البلاء في جميع قطاعات الحياة الأخرى، فمن هذا المنطلق تمكنت الدول الغربية من تحقيق نسبة نمو جيدة بسبب البيئة الجيدة والخصبة لموضوع النمو الاقتصادي الجيد، فوجود الإخفاق في المؤشرات الاقتصادية تؤثر على بناء الدولة، لذلك لابد من فصل القرار السياسي عن القرار الاقتصادي.

الاستثمار في الإنسان

- الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام يعتقد: إن التنمية هي المسؤولية الاجتماعية والسياسية والانسانية المترتبة على الاقتصاد، لذلك عندما يكون الاقتصاد ليس فيه مسؤولية يصبح خطرا كبيرا، سواء كان رأسماليا أو بيد أصحاب السلطة، لذا فإن مشكلات العالم وبروز الانشطارات الاجتماعية الكبيرة والثورات المتصاعدة في مختلف دول العالم، وصعود الشعبوية هو بسبب التفاوت ما بين الطبقات، واهمال التنمية الشاملة التي تحقق العدالة الطبقية.

وهذا ما حصل فعلا في العراق، وهو عنوان حقيقي لوجود الخلل السياسي، فإذا كان السياسي رجل دولة تكون غايته تحقيق الاستقرار والاستثمار والعيش بكرامة، أما إذا كان مجرد رجل سلطة فغايته تتركز حول الاستعباد والاستئثار، فبناء الدولة يتحقق عبر الاستثمار في رأس المال البشري، وهذا هو العنوان الأساسي والحقيقي للتنمية الشاملة، لأنها تؤسس لفكرة تأهيل المواطن باتجاه المواطنة وتجعله قادرا على أن يكون مستقلا اقتصاديا وماهرا في وظيفته ومنتجا في عمله.

وهذا هو عنوان التنمية الشاملة، وما عدا ذلك فإن التعليم والصحة وكافة القضايا الأخرى هي مدخلات ووسائل لتأهيل المواطن، ولكن مع ذلك نرى أن صانع القرار السياسي في العراق لا يفكر في عملية الاستثمار في رأس المال البشري، بل يهدف لإيجاد مجموعة من المواطنين الغائبين عن التأهيل حتى يكونوا عبيدا له وأصواتا انتخابية، فكانت النتيجة ان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي، وهذا عكس النظرية الاقتصادية الناجحة التي تقوم على فكرة أن رأس المال الحقيقي هو الاستثمار في الإنسان، وهذا ما تحقق في الدول المتقدمة اقتصاديا.

بالتالي المواطن الريعي عندما لا يكون مستقلا لا توجد لديه مشاركة وفاعلية وحرية، ويكون مستعبدا لرغبات السلطة، بالنتيجة نحن اليوم نفتقد للحرية وللديمقراطية، فالمواطن اليوم لديه خوف من الحرية ومن الديمقراطية كي لا يعلو صوته فوق صوت السلطات، لذلك من أجل تحقيق الديمقراطية السليمة ودولة المواطنة لابد من التركيز على الاستثمار في رأس المال البشري وفي جميع الاتجاهات.

دول الشرق الأوسط تميل إلى الدول القانونية

- الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يؤكد على أن مفردة الدولة هي مفردة مطاطية، خاصة وأن المشكلة في العراق لا تتركز حول بناء الدولة لأنه قائم، بل المشكلة تتمحور حول بناء الدولة المدنية، فالتنمية على سبيل المثال، أمامها معوقات كثيرة من أجل بناء الدولة المدنية في العراق، وهذه المفردة هي التي تخيف صانع القرار السياسي في العراق، فهذه البلدان سواء في العراق أو في الشرق الأوسط لا تريد بناء دولة مدنية، بل تريد الدولة القانونية القائمة ووفق مقاسات النخبة السياسية ووفق مقاسات صانع القرار، لذلك عندما تطالبهم بالدولة المدنية عندها تكون متهما بجميع أنواع التهم، أما الشيء الآخر، لا يمكن بناء الدولة المدنية مع وجود خلل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

التنمية تجعل من الإنسان بمعزل عن السلطة

- الحقوقي أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات يعتقد: إن جميع مقومات التنمية في العراق موجودة، فهناك الموارد بمختلف أشكالها ويوجد رأس المال البشري وبجميع التخصصات، بالتالي ما يعوق هذه التنمية هو العقلية التي يفكر بها صاحب القرار السياسي في العراق، فالتنمية تقوم على مجموعة خطط واستراتيجيات متسلسلة، وهذا خلاف المنطق السائد اليوم عندنا فالدولة تريد من الإنسان أن يكون تابعا للسلطة ومستعبدا، بالتالي فإن التنمية تجعل من الإنسان يكون بمعزل عن السلطة.

فالمعوق الأهم في العراق هو عدم وجود النوايا الصادقة والقرار الصحيح لأحداث تنمية شاملة ومستدامة، وهذا الأمر بطبيعة الحال يخدم أهداف القابض على السلطة في العراق.

الإرادة هي التي تسبق القرار

- عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يجيب قائلا: لا يوجد شيء اسمه بناء الدولة ما لم يكون هناك تنمية شاملة في الجوانب الاقتصادية والبشرية والاجتماعية، ولكن يبقى السؤال قائما هل هناك إرادة لبناء تنمية بشرية واجتماعية في العراق وفي الدول القريبة؟، الجواب كلا لا توجد إرادة، والسبب هناك صنفان من الدول في الشرق الأوسط وفي المجتمع العربي، فهناك دول مهيمنة بشكل دكتاتوري، وهناك صنف آخر كالعراق يتعامل مع المواطن على أنه صوت انتخابي، بالنتيجة لا يراد لهذا الإنسان أن يتطور فكريا، بالتالي فإن الإرادة هي التي تسبق القرار.

الإبتعاد عن مفهوم التنمية

- علي حسين عبيد كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى: إن المشكلة الأساسية تكمن في ذهنية الفرد العراقي والمجتمع بشكل عام وبعدهم عن مفهوم التنمية، لذلك على الجهات المعنية بهذا الجانب تطوير تلك الذهنية من أجل العمل على تلاشي كل تلك الإشكاليات.

أساس التنمية نجاح القطاع المنتج

- كمال عبيد مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية، يركز على فكرة أن القانون الحديث والمتقدم هو من أساسيات التنمية الاجتماعية، وهي غير موجودة في العراق، أيضا من القضايا الأساسية الأخرى هي القطاع المنتج، وما تحقق في العراق على النحو الإيجابي هي المبادرات الفردية.

الاهتمام بالقطاعات الحيوية

- حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية يرى: إن مؤشرات التنمية الشاملة وحسب مقررات الأمم المتحدة هي (التعليم، الصحة والدخل)، لذلك على الدولة العراقية زيادة الاهتمام بالقطاعات الحيوية، ويبقى السؤال قائما إذا كانت مقومات التنمية البشرية في العراق موجودة فمن هو المسؤول عن عملية الإصلاح وبناء الدولة؟.

التنمية أساس الوصول إلى الدولة العصرية

- الدكتور علاء الحسيني الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قال: من البديهي أن غياب التنمية الاجتماعية والاقتصادية سيكون عائقا أمام التنمية الشاملة في العراق، فنحن عندما نريد أن نبني دولة عصرية لابد أن تكتمل عناصر بناء تلك الدولة، فالدولة لها أركان تتمثل بـ(الشعب، السلطة السياسية والإقليم)، لكن نحن لا نبحث عن الأركان بقدر ما نبحث عن العناصر التي تؤدي إلى نجاح هذه الدولة، بمعنى الدول التي تهتم بالإنسانية ورفاهية الإنسان ورفع كرامته، فعندما نصل لهذه النقطة عندها نقول أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هما شرطان أساسيان للوصول لتلك الدولة.

السؤال الثاني/ ماهي العناصر اللازمة في التنمية الشاملة التي تساهم في بناء الدولة في العراق؟

- الدكتور حسين السرحان، يعتقد أن الإرادة السياسية هي العنصر الأهم لبناء الدولة وبناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

- الشيخ مرتضى معاش، يتصور أن التنمية الشاملة هي هدف مطلوب وإلا سوف نقع في الكارثة، وسيكون لدينا عوق في المواطنة وخلل في بناء المواطن، وفشل في بناء الدولة المتماسكة والمستقرة والمستقلة، وإذا لم يكن لدينا إصلاح قيمي لا نستطيع تحقيق التنمية الشاملة.

- الدكتور خالد العرداوي، يرى أن المعرفة الحقيقية هي التي تطبق على الأرض وليست تلك التي توضع على الرفوف، إلى جانب ذلك في العراق هناك استبداد في الرأي، خصوصا وأن النخبة السياسية غير مستعدة للانفتاح على الرأي الآخر حتى تبني الدولة في العراق، فبدون توفر هذا العنصر سيبقى كل شيء معطل في العراق.

- الحقوقي أحمد جويد، يقترح سد جميع المنافذ الخارجية ودعم المنتج المحلي والوطني، عندها سيكون لدينا تنمية شاملة في جميع القطاعات.

- عدنان الصالحي، يرى أن العراق يحتاج إلى قيادة شجاعة وحكيمة كي تتلافى أسباب فشل التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العراق.

- علي حسين عبيد، يؤكد على أن ذهنية الإنسان العراقي تميل نحو التصنع.

- كمال عبيد، يعتقد أن الإرادة الشعبية والاجتماعية هي عنصر مهم من عناصر تحقيق التنمية الشاملة، كذلك فإن التحول السياسي الحاصل في العراق هو تحول شكلي وظاهري فقط.

- حامد الجبوري، يدعو لثورة فكرية لإنضاج الوعي الشعبي والاجتماعي، وبالمحصلة ستكون النتائج مثمرة باتجاه البناء.

- الدكتور علاء الحسيني، يتوقع الوصول للتنمية الشاملة يحتاج للتجزئة وإلى التركيز على بعض القطاعات، التي تكون مقدمة للتنمية الشاملة في العراق وهي التعليم والصحة، فإن استطعنا رفع مستوى التربية والتعليم من رياض الأطفال إلى الجامعات، وتحصين التعليم من التدخلات السياسية، ناهيك عن الصحة والارتقاء بالواقع الصحي العراقي إلى مرقى يعتد به، وحينئذ يمكن أن نتحدث عن تنمية شاملة، بالتالي عندما نحرز تلك المضامين يمكن أن ننتقل إلى أفق أعلى وأوسع للتفكير بباقي القطاعات، فنحن نحتاج لمنظومة ولإرادة شاملة، فإذا أردنا على سبيل المثال إصلاح القطاع الصناعي، عندها نحتاج إلى إعادة النظر بقانون الشركات وبقانون التجارة، لذا نحن نحتاج لدراسة شاملة للحالة العراقية وإصلاح المنظومة القانونية إصلاحا شاملا.

شروط التنمية الشاملة

- الدكتور أحمد الميالي الباحث في مركز المستقبل، يصف مقومات وشروط بناء الدولة هي التنمية الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وفي حالة العراق لابد من الآتي:

أولا/ التنمية السياسية تبدأ من الأساس التنظيمي السيادي (إلغاء النظام السياسي الطائفي المكوناتي المحاصصاتي عبر الدستور، إحراز الهوية والمواطنة، التوازن الوطني والتعددية المفتوحة)، وتمر من خلال الفصل بين السلطات الثلاث، أي إنجاز الضبط الإداري (إلغاء البيروقراطية)، والأمني (السلاح بيد الدولة)، ثم الأساس القانوني أي قوة القانون ونفاذه على الجميع.

ثانيا/ التنمية الاقتصادية تبدأ بالتوزيع العادل للثروة، اقتصاد حر مخطط له، تنظيم للتجارة، ونظام ضريبي معقول وسياسة مالية فعالة، عبر تحديث مؤسساتي، وإطلاق دور الطبقة الوسطى (التكنوقراط)، محاربة الفساد السياسي والمالي والإداري وفك الارتباط والاندماج السياسي بالاقتصادي، وإلغاء الطابع الاحتكاري للاقتصاد من قبل الطبقة السياسية ورجال أعمالها، بإحلال طبقات رأسمالية استثمارية حديثة مع استثمار القطاع السياحي.

أما التنمية الاجتماعية الثقافية فهي تبدأ بالاستقلالية المؤسساتية الرسمية عن المؤسسات غير الرسمية (الدين والقبيلة)، مع الحفاظ على الأبعاد الثقافية لهما وتوظيفهما بما يخدم قوة الدولة لا إضعافها، أي تحديث وتحضر وتمدين المجتمع مع الحفاظ على خصوصياتهم الهوياتية والمكانية، ثم تمر بتقوية وجود الفضاء المعرفي الواسع عبر تمكين المجال التعليمي الهادف وتطويره بما يعزز الترابط الاجتماعي ويقوي الهوية الوطنية وتوفير الوحدة الثقافية للمجتمع.

- الدكتور حيدر آل طعمه، يطرح الاستفسار التالي: هل الدولة هي التي تصنع التنمية أم التنمية هي التي تصنع الدولة؟، فقد تكون العلاقة تبادلية في ذهن الكثيرين، ولكن في الحقيقة وطبقا لتجارب العديد من الدول الناجحة تنمويا كالصين، فإن الدولة القوية هي التي تحقق تنمية شاملة نظرا لكون عملية التنمية، هي بحاجة لمؤسسات حكومية قوية قائمة على الكفاءة والنزاهة والشفافية، كما أن عملية التنمية هي صناعة حكومية بامتياز، وتعكس تماما مدى رصانة وكفاءة الدولة بمؤسساتها المتنوعة.

- حيدر الاجودي، يرى أن العوامل السياسية والتحديات الأمنية، بالإضافة إلى التركة الثقيلة التي ورثتها الدولة العراقية بعد عقود من الحروب والتي آخرها الحرب مع داعش، ما زالت تترك آثارها السلبية على أي خطوة باتجاه التنمية الشاملة، فكيف يمكن بناء دولة مواطنها يعيش حالة القلق والخوف اليومي وعدم الاستقرار الاقتصادي؟. المواطن العراقي يعيش حالة الإرهاق والانكسار، فهو بحاجة إلى تأهيل اجتماعي واقتصادي وسياسي يعزز شعوره الوطني بعيدا عن الخلافات السياسية، المواطن العراقي بطبعه يقبل بأبسط الخدمات الأساسية والأمنية التي تهيأ الأجواء أمامه لبناء مجتمع يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع فيكون مجتمعا قادرا على إنتاج شخصيات تتمكن من بناء الدولة الحقيقية القائمة على المواطنة واللاعنف لا على المحاصصة الفئوية والعسكر لأن الدول هي نتاج مجتمعاتها. إذن فالتنمية الشاملة في العراق أمام امتحان صعب يتطلب من الجميع (سياسيين ودينيين ومدنيين) تهيئة الإنسان، وتأهيله وتخليصه قبل كل شيء من أزماته المجتمعية والتوجه بعدها نحو بناء دولة المواطنة.

واختتم مدير الجلسة الحوار: إن أهم ركن من أركان الدولة هو الحكومة، والحكومة من الناحية القانونية هي من تقع عليها مسؤولية وضع الخطط التنموية وتنفيذها على أرض الواقع، وذلك من خلال قوانين شرعية ومن خلال تأييد جماهيري، لذلك فإن أهم متطلبات تحقيق التنمية الشاملة تكاد تتركز بثلاثة نقاط وهي:

أولا: الإرادة السياسية.

ثانيا: دولة المجتمع المدني.

ثالثا: استقلالية القرار السياسي.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

......................................
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ

 

اضف تعليق