العزم كلمة مشتقّة من العزيمة، وهي مرتبطة بالإرادة القوية، وأي إنسان يتحلّى بهاتين الصفتين، فإنه يضمن النجاح والتوفيق في حياته، وسينعكس ذلك على فوزه بالدار الأخرى، فأمرٌ طبيعي أن الله تعالى يكافئ الإنسان الذي يعزم على التميّز في حياته، شرط أن يتجسّد ذلك في مسالك الخير حصرا...
العزم كلمة مشتقّة من العزيمة، وهي مرتبطة بالإرادة القوية، وأي إنسان يتحلّى بهاتين الصفتين، فإنه يضمن النجاح والتوفيق في حياته، وسينعكس ذلك على فوزه بالدار الأخرى، فأمرٌ طبيعي أن الله تعالى يكافئ الإنسان الذي يعزم على التميّز في حياته، شرط أن يتجسّد ذلك في مسالك الخير حصرا، لأن العزم على الشرّ هو أيضا ضرب من ضروب أعمال بعض الناس، فهناك من ينجح في إطار الخير وهناك النقيض أيضا.
هذا الشرط يتعلق بشخصية الإنسان نفسه، والبيئة الاجتماعية والثقافية التي ينشأ ويترعرع فيها، لكن تبقى عزيمة الإنسان وقوة إرادته هما المحفّز الأول على التميّز والتفرّد والوصول إلى مرتبة الكبار، راحلين أو حاضرين، فطالب العلم ورجل الدين وجميع الساعين إلى العُلا، يمكنهم بلوغ ما يهدفون إليه من مكانة علمية مرموقة، على أن يضعوا في سعيهم هذا النموذج الذي يسيرون على خطاه العلمية والدينية والفكرية والثقافية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، الشيرازي (دام ظله)، يوجِّه في إحدى كلماته القيّمة طلاب العلم والساعين إلى المجد، بقوله:
(حاولوا أن تكونوا ممن عندما يرحل من الدنيا يكون أمثال أولئك العلماء الكبار).
فحتى يكون الإنسان مخلَّدا بعد رحيله، عليه أن يبذل قصارى جهوده، ويحفر في الصخر كي يضع بصْمته الخاصة في هذه الحياة، فيجدُّ ويبتكر ويُبدع، لأن مفتاح النجاح موجود في ذات الإنسان أصلاً، فحتى لو اجتمعت الإمكانيات وتوافرت المحفّزات كلّها للإنسان، لا يمكنه التميّز والنجاح، إذا لم يكن مهيّأً ذاتيا لبلوغ مرتبة التفوّق، بمعنى ما لم تعزّم على الأمر، وتتحلّى بإرادة قوية، لا يمكنك الاصطفاف إلى جانب العظماء الخالدين، وعليك أن تفهم وتؤمن بأن مفتاح النجاح في يدك أنتَ!.
وقد أوضح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذا الأمر بقوله:
(إنّ مفتاح – النجاح- بيدكم أنتم).
ويؤكّد سماحتهُ على أهمية التصميم والعزم والإرادة، لبلوغ منزلة العلماء الأتقياء، ويكرر هذه الشروط نظرا لأهميتها، كي ترسخ في أذهاننا ونعتمدها في أفكارنا وأعمالنا وحياتنا، فجميع الناجحين تاريخيا أو في الواقع الحالي، لم يصلوا إلى مكانتهم العظيمة بيسر وسهولة، وقديما قال الشاعر: (منْ رامَ وصلْ الشمس حاكَ خيوطها) في صورة بلاغية مجازية متفردة.
لذا أكدَ سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) في كلمته على أن النجاح: (بحاجة إلى عزم وتصميم وإرادة. فأيّ واحد منكم، في هذا الوقت، وهذا الزمان، عزم وصمّم بإرادة قويّة على أن يكون من كبار العلماء الأتقياء، يوفَّق).
النجاح قرين العزم والإرادة القويّة
لا يمكن بلوغ المراتب العليا بالأحلام وحدها أو بالأماني الفارغة، الناجحون هم أولئك الذين صبروا على الشدائد، وقاوموا المشاكل بشراسة، واحتملوا الجوع والحرّ والبرد، وتركوا جميع الملذّات خلف ظهورهم، وعاشوا حياة الكفاف بصبر لا يلين، وكان الوقت بالنسبة لهم أثمن من كل شيء، فلمْ يفرّطوا بلحظة واحدة لتذهب سدىً.
من طبيعة الإنسان إنه يرغب بنيل الدرجات العالية، ويتمنى ذلك ويسعى إليه، لكن بين نقطة الانطلاق الأولى ولحظة الوصول إلى القمة طريق شاق وطويل ومليء بالمصاعب الجمّة، يوجد نوعان من البشر، الأول هو الذي يقطع المسافة بين القاعدة والقمة بنجاح بوسائل العزيمة وقوة الإرادة والصبر وتجاوز المشاكل بعد حلّها ومعالجتها، الثاني هم أولئك الذين عجزوا عن بلوغ القمة، وهم غالبية في عالمنا للأسف، والقلّة النادرة هم الذين قطعوا الطريق إلى القمة بنجاح بعد أن وضعوا النموذج الكبير أمامهم، وتسلّحوا بكل أدوات ووسائل وأساليب النجاح الذي لا يمكن أن يتحقق في لحظة أو يوم أو سنة.
إنها رحلةُ عمْرٍ كاملة، يقطعها الإنسان من لحظة الولادة حتى لحظة الرحيل، هذه الرحلة الشاقة هي مسافة الاختبار الطويلة، منهم من يعدّ نفسهُ لقطعها وعبورها بنجاح لأنهُ وفَّر أسباب النجاح في ذاته ونفسه أولا، وهذا ما أوصى به سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، الجميع، وطالبهم بقطع الطريق وامتصاص الصدمات وترويض المشكلات بصبر وعزم وتصميم.
مليارات من البشر جاءوا ورحلوا، وغيرهم سيجيء ويرحل، منهم من عزم وصمم ونجح، ومنهم من حاول ولم يفلح، لماذا؟، الإجابة واضحة، أن تتمنى الشيء ولا تسعى إليه، هذا يعني إنك لا يمكن أن تصل أو تحصل عليه، فالنجاح في الحياة ليس لعبة ولا نوع من اللهو والسهو، ولا يمكن أن يكون طوع اليد العاجزة والإرادة الضامرة، أو بغياب التصميم والعزم الشديد.
كلّ الخيارات متاحة أمام الإنسان!
كما قيل أنَّ هذه الحياة تعطيك بقدر ما تعطيها، وانطلاقا من هذه المعادلة، جاء الآلاف ومضوا، منهم من مرّ دون أن يترك أثراً أو بصمة فضاع بين الضائعين الذين نسيَهم حتى أهلهم، ومنهم من حفرَ اسمه في جدار التاريخ الصخري، فلو يمحوه حتى الزمن، هؤلاء هم العلماء العظماء الذين عبروا طريق الحياة الشاق العصيب بقوة إرادتهم وعزمهم وتصميمهم على ملامسة مراتب العظماء والوقوف إلى جانبهم بفخر واستحقاق.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في كلمته التوجيهية المثمرة:
(الألوف والألوف في الماضي، أرادوا أن يكونوا أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيّد بحر العلوم، ولكن لم يعزموا العزم الأكيد، فلم يوفّقوا. ولذا، في مستقبل الدنيا، بعد عشرات السنوات، وفي الآخرة، حاولوا أن تكونوا مثل كبار العلماء الماضين).
كل شيء واضح أمام الإنسان، والخيارات كلّها متاحة له، وهذه نعمة عظيمة وضعها الله تحت تصرّفنا، ليس هناك قسر أو إجبار إلهي على ما يريده ويفضّلهُ الإنسان، ولكن الغريب في الأمر أنّ النسبة الغالبة من البشر تُخطئ في خياراتها، لسبب مفهوم بسيط وواضح، إنه البحث عن الراحة، وتفضيل اللذة على حساب الكدّ والسعيّ والعمل من أجل التميّز، فأي نجاح يحتاج إلى تعب ومن طبيعة النفس إنها لا تحب التعب بل تفضّل الدِعة واللذة، وهذا يعني إلهاء صاحبها عن بلوغ قمة النجاح.
ينصحنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، بأن نحاسب أنفسنا في كلّ يوم، ونراجع ما حققناه من منجزات نحو بلوغ القمة، ومعرفة أين أخطأنا في أي محطة أو مكان، وهل سنعالج هفواتنا وكبواتنا وكيف؟ ويقول عليه السلام، (ليس منّا من لم يحاسب نفسه)، تُرى كم منّا يؤدي هذه النصيحة ويعمل بها، وهل جرَّب أحدنا نتائج تطبيقها؟، حتما هناك عظماء طبقّوا هذه النصيحة العظيمة وبلغوا من خلالها مراتب القمم العليا، ولكن هناك أيضا منْ لم يطبّقها، فهل سأل الذين لم يطبقوا نصيحة الإمام علي عليه السلام أنفسهم، لماذا أخفقوا في التطبيق الذي يفصلهم ويعزلهم عن صحْبة ورفقة وملازمة العظيم الخالد الإمام علي وليّ الله؟
من يروم بلوغ القمم، والمساواة بالعظماء الخالدين، عليه أن يواجه المشاكل والمتاعب بصبر الحكماء، ويعزم ويصمم على بلوغ القمة كما بلغها الكبار الخالدون.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذا عزمتم، فعليكم أن تتحمّلوا المشاكل، وتتحمّلوا المتاعب، بمختلف أنواعها. فاعزموا من الآن حتى توفّقوا، ومفتاح هذه العزيمة هو قول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنْ عَمِلَ خَيْراً حَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَزَادَهُ وَإِنْ عَمِلَ سُوءاً اسْتَغْفَرَ اللَّهَ).
الخلاصة ليس هناك إنسان لا يرغب الخلود والتميّز وبلوغ القمة، لكن هناك من يتمنى وينجح ويصل لأنه أعدّ وسائل وأدوات الصعود إلى القمة، وهناك من يتمنى ثم يعجز في توفير اشتراطات التسلّق العسير إلى العُلا، هذا هو الفارق بين من يتمنى الخلود ويهيّئ الطريق إليه، وبين من يتمناه ويفشل في تهيئة وسائل ارتقاء القمة!.
اضف تعليق