إرشاد الشباب، ليس أمرا هيّنا، لكنه ليس مستحيلا، فطالما أن التطور والتقدم ومواكبة روح العصر تتعلق بتنوير عقول الشباب، وصقل مهاراتهم وتطويرها، فإننا جميعا ملزمون بهذا التوجّه، عبر آلية مخطّط لها وفق ضوابط وإرشادات علمية عملية مسبوكة، وقابلة للتطبيق، على أن يرافق هذه التهيئة وهذا التخطيط العلمي الدقيق...
التركيز على الشباب، رعايةً وتطويرا واهتماما، لا يأتي من فرغ، أو بلا دواعٍ موجِبة، فالشباب هم نسغ الحياة، وهم نبضها الذي يديم تألّقها وتطورها وتناميها، ولا جديد في قولنا أن الشعوب الممتلئة هي تلك التي تعجّ بالشباب حضورا وحماسا وذكاءً وحيوية، والشعوب الضامرة هي تلك التي جفَّ ضرعها فهزل شبابها وضاعت أو تخلّفت في آخر الركب.
لماذا تمتلئ الأمم، ولماذا تضمر، هل نقول أن حضور الشباب وغيابهم أو ضعفهم هو السبب؟، قطعا هذا هو الجواب الصحيح، فلا أمة متقدمة بلا شباب متطور، ولا مجتمع مزدهر بلا شباب فاعل وناجح، وانطلاقا من هذه القاعدة التي اتفق عليها جميع علماء الاجتماع، تأتي التأكيدات المتكرّرة بل والأبدية على وجوب الاهتمام بالشباب بشكل حاسم، ومن يتخلى عن هذه القاعدة سوف يغامر في فناء أمته أو شعبه، وفي أفضل الأحوال إصابة الأمة والمجتمع بالهزال والضعف في غياب شريحة الشباب أو إهمالها أو إدارة الظهور النخبوية والرسمية لها!.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(إرشاد الشباب، بحاجة إلى الهمّة من الجميع).
هذا العمل الكبير، إرشاد الشباب، ليس أمرا هيّنا، لكنه ليس مستحيلا، فطالما أن التطور والتقدم ومواكبة روح العصر تتعلق بتنوير عقول الشباب، وصقل مهاراتهم وتطويرها، فإننا جميعا ملزمون بهذا التوجّه، عبر آلية مخطّط لها وفق ضوابط وإرشادات علمية عملية مسبوكة، وقابلة للتطبيق، على أن يرافق هذه التهيئة وهذا التخطيط العلمي الدقيق، إرادة تنفيذ عالية الهمّة، تحكمها اشتراطات عديدة منها رغبة الكبار من علماء وخبراء في تعليم الشباب، يُضاف إلى الرغبة وضع تشريعات التطوير اللازمة وإدخال القوانين وتطبيقها في قضية تطوير الشباب.
العراق في المرحلة الراهنة يعاني من أزمات مترابطة، كأنها سلسلة لا فكاك منها، والشباب ورعايتهم وتطوير مهاراتهم جزء كبير من تفتيت هذه السلسلة المترابطة من الأزمات، لذلك على العاملين في هذا الميدان، كائن ما يكون عنوانهم العلمي أو الاجتماعي أو التربوي، عليهم أن يتوقعوا الكثير من المتاعب والمعوقات، ولابد من أن التهيّؤ لهذه المعوقات وتهشيمها، فلا يمكن مواصلة إرشاد الشباب بلا متاعب، ولا يمكن إنجاز الأهداف التي ترتقي بالأمة والمجتمع من دون متاعب بعضها قد يقارب المستحيل، ومع ذلك من غير المقبول الهزيمة أو التراجع أو الكسل أمام المعوقات بغض النظر عن حجمها أو قوَّتها.
لا تراجع عن مهمة الإرشاد
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) انطلاقا من هذه الرؤية الثاقبة والحاسمة، يوجّه الجميع بقوله الواضح:
(عليكم بالشباب، بنين وبنات، في كل مكان بالعراق، وفي كل المجالات، واسعوا إلى إرشادهم وهدايتهم. واعلموا انّه رغم كل السلبيات التي تواجهونها في هذا العمل، يلزم مواصلة الطريق، فهكذا كان يفعل الأنبياء).
في ظل الظروف الحالية التي يمر بها العراق، باتت مشاكل الشباب واضحة للعيان، حتى الحلول أيضا ليست غامضة أو مجهولة، لكن المشكلة تكمن في كيفية مواصلة الإرشاد والخطوات اللازمة لذلك، وماذا وكيف يهيّئ المعنيون القاعدة التمهيدية لإرشاد الشباب وتطويرهم، لذلك من المتوقَّع أن يواجه المرشدون مشاكل ومصاعب مختلفة، فهل عليهم التراجع والكف عن أداء رسالتهم الإرشادية؟
هل عليهم أن يعتزلوا المجتمع لأنهم غير قادرين لسبب أو آخر، على تأدية عمليات الإرشاد الشبابي كما يجب؟، كلا طبعا، بل الإصرار على قيامهم بواجبهم الإرشادي هو الإجابة الصحيحة على المعوّقات أيّاً كان نوعها أو حجمها أو درجة تعقيدها، فالعزلة عن الشباب أو المجتمع لا تجدي نفعا، بل التشبث بالعمل الإصلاحي والإصرار عليه، هو الهدف الأهم للعاملين المواظبين في إرشاد الشباب وتطويرهم، وذلك من خلال إيجاد روابط وأماكن مشتركة لتقديم المعلومات اللازمة لتمكين الشباب من دخول العلم من أو سع أبوابه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه)، يوجّه بالقول:
(لا يمكن للإنسان أن ينقطع عن المجتمع، وإذا حدثت ووقعت مشكلة لأهل العلم في إرشادهم للشباب، ومنها في دخول الجامعات والكليات للإرشاد والاهتمام بالشباب، مثلاً، فليحاول أهل العلم أن لا يتركوا العمل، ويعملوا على إرشاد الشباب في العائلة، وفي الجيران، وفي الأقارب، والمعارف، ويجلسوا معهم ويفتحوا الأحاديث والكلام معهم).
هل ينتظر المعلّم أن يأتيه الطالب كي يتعلم منه، أو يطلب التطوير والتمكين من معلّمه، وكما هو معتاد في واقعنا، أن الطبيب ينتظر المريض يأتيه إلى داره أو عيادته أو مكان تواجده، كي يقدّم له العلاج، ولكن الصحيح أيضا، هو ما قام به رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) حين كان يدور بنفسه على الناس ليمنحهم من علومه وتجاربه.
طبيبٌ دوّارٌ بطبّهِ
من بين الإجراءات العملية المهمة لمواصلة إرشاد الشباب، أن يذهب المعلمون والخبراء إليهم ويمنحوهم العلم والخبرة والقدرة على إتقان المهارات بأفضل درجة ممكنة، وأن لا ينتظروا الشباب ليطرقوا أبوابهم، فمهمة المعلم ومسؤولياته الكبيرة تحتّم عليه المبادرة والسعي لتطوير مهارات وقدرات ومواهب ومؤهلات الشباب.
جاء في الكلمة التوجيهية القيمة لسماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه):
(قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بحقّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: طبيب دوّار بطبّه. فنحن في حياتنا نرى إنّ الطبيب يجلس في عيادته أو في غيرها من الأماكن، ويأتيه الناس ليداويهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله، كان هو بنفسه يذهب إلى الناس).
بالنتيجة حول موضوعنا هذا نستنتج أن واجب الإرشاد الشبابي مهمة لا يمكن تأجيلها، أو التراجع عنها، لأنها تتعلق بمصير أمة وشعب كامل، يمر اليوم بحالة من الضبابية وشيء من اليأس، وإبقاء طاقات الشباب مجمَّدة تزيد من المشهد الضبابي في العراق، نعم هناك مشاكل كثيرة تتناسل في كل يوم، لكن يجب أن تكون هناك إرادة تخطيط وتنفيذ تضاهي قوة وتنوّع المعوّقات.
كما أن الناس قد يظهرون العداء لمن يسعى لتعديل مساراتهم، وحثهم على السير في السكة الصحيحة، هذا ما كان يحدث حتى مع الأنبياء، ولكن هل هذا السلوك العدائي مبرر لترك واجبات الإرشاد الشبابي في بلد مثل العراق، يحتاج اليوم إلى جميع الخبرات والكفاءات الشبابية لكي يتجاوز محنة المراوحة في المكان نفسه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(لا شكّ أنّ العمل يواجه إيجابيات وسلبيات ومشاكل، ولكن يجب العمل. فقد اتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا يكذبون عليه. وكذلك اتهموا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أيّام حكومته، وقالوا عليه (كافراً ما أفقهه) والعياذ بالله، وقالوها وجهاً لوجه).
وهكذا نخلص إلى أن المعوّقات لا تنحصر في عصر أو زمن محدد، ولا تخلو منها الأمم والمجتمعات في أي مكان كان، هي ظاهرة زمكانية، بدأت بظهور الأنبياء وشروعهم بعمليات الإرشاد التي واجهت الرفض، وإعلان المعاداة والمحاربة حتى للأنبياء، ولكن هذا ليس مبررا للقادرين على الإرشاد كي يتوقّفوا، أو يترددوا، أو يبرّروا عدم مواصلتهم لهذه المهمة العظيمة، خصوصا في العراق الذي يتميز بشريحة شبابية واسعة، لديها من الذكاء ما يجعلها قادرة على نقل البلاد من حال إلى حال، فيما لو أحسنَ المرشدون القيام بمهامهم وأدوارهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إذن، كانت السلبيات، ولا تزال، وعلى الإنسان أن يواصل طريق الأنبياء، رغم كل السلبيات).
وفي الخلاصة، تبقى المعوقات موجودة، وإن تجاوزنا بعضها أو نسبة كبيرة منها، فطالما الحياة مستمرة، أيضا المشكلات والعقبات مستمرة، والمجتمع الناجح هو الذي يستطيع تفتيت المشكلات وجعلها دافعا يشحنه بطاقة رد الفعل الإيجابية التي تدفعه إلى الأمام دائما.
اضف تعليق