شرطان لا يمكن تجاهلهما إذا أردنا النجاح في الوصول إلى أهدافنا، الشرط الأول التخطيط، ويتّضح منه أن لا ننجز عملنا ومشاريعنا بشكل عشوائي، والشرط الثاني، هو السعي الحثيث نحو الأهداف مع تهيئة مستلزمات الإنجاز، فإذا توافر التخطيط واقترن بالسعي المتقن، تبقى مسألة الإنجاز مرهونة بالتوقيتات لا أكثر...
شرطان لا يمكن تجاهلهما إذا أردنا النجاح في الوصول إلى أهدافنا، الشرط الأول التخطيط، ويتّضح منه أن لا ننجز عملنا ومشاريعنا بشكل عشوائي، والشرط الثاني، هو السعي الحثيث نحو الأهداف مع تهيئة مستلزمات الإنجاز، فإذا توافر التخطيط واقترن بالسعي المتقن، تبقى مسألة الإنجاز مرهونة بالتوقيتات لا أكثر ولكن المهم هو ضمان المنجز عبر تخطيط يحدد السقف الزمني والوسائل والمتطلبات الأخرى.
في تركيبة الخلْق، توجد نقائض واتساقات، والذكي هو من يروّض النقائض ويحدد مساراتها، ويوظف ما ينسجم منها لصالح الإنجاز، فالإنسان كما هو معروف عنه كيان قائم بذاته، عالم متفرّد مٌصاغ من قرائن وتناقضات، قد تجتمع فيه غرائب وعجائب، إنه كتلة من المشاعر والأفكار والآمال والانكسارات، مزيج هائل من التطلّع والقنوط، ثورة وسكون، بركان، وخمود، كل هذه النقائض نجدها في عالم الإنسان الفرد، وربما غيرها الكثير، والحياة أيضا شبيهة بالإنسان، يحيط بها الغموض والأسرار والمفاجآت، والمشكلة أن الإنسان لا ملاذ له سوى الحياة حينما يغادر رحم أمه، والحياة أيضا لا قيمة لها بلا إنسان.
هذه الغرائب والتناقضات، توجب على الإنسان أن ينظّم حياته، وأن لا يترك الحبل على الغارب، فيسوء عيشه، وتتضخم العوائق المختلفة في وجهه، وبعضهم ربما يصحو على هذا الخطأ (خطأ عدم التخطيط والتنظيم)، متأخرا أو بعد فوات الأوان، ليجد نفسه وقد خسر نفسه لأنه لم يكن يعبأ بأهمية التخطيط لحياته، والتصرف المنظّم وفق التخطيط السليم لحياته.
لذلك جميع الناجحين في حياتهم، هم أولئك الذين خططوا لها جيدا، ووضعوا الأهداف التي يطمحون لها، بما يتناسب ومؤهلاتهم وظروفهم، فالمهم أولا أن تبدأ بالتخطيط لحياتك في خريطة عمل جادة وسليمة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ لا يكفي التخطيط وحده، فالركن الآخر للتخطيط هو التنفيذ الدقيق الذي يذهب بالإنسان إلى أهدافه بأقصر الطرق وأسرعها.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقولُ في إحدى توجيهاته القيّمة:
(هناك أشخاص يعيشون من دون تخطيط ومن دون هدف، ويقولون أن كل ما يأتي أو سيأتي فهو خير، ولكن الصحيح: عليهم أن يخطّطوا ثم يعزموا السير على ما خطّطوا له).
وهناك فرص تساعد على دقة العمل وسرعة إتمامه، تتلخّص في معرفة الفرد لمؤهلاته وحدود قدراه، فمعرفة الإنسان لنفسه تجعله قادرا على تحديد أهدافه المهمة، ومتمكنا من وضع الخطوات العملية لتحقيقها، فلا فائدة من رسم آمال عريضة وطموحات كبيرة من دون توافر القواعد الصحيحة والسليمة للانطلاق نحو تلك الأهداف، أي أنك إذا ترسم ما يفوق طاقاتك، فإنك سوف تعجز عن الوصول إليها، بسبب قصر ذات اليد، أو قلة الإمكانيات، وضعف المؤهلات، لذلك لابد أن يكون الهدف المرتقب مناسبا لما يحمله الإنسان في ذاته من قدرات على المستويين (المادي والمعنوي)، بغير هذه الشروط من المحال أن يصل الإنسان إلى أهدافه إذا قصرت مؤهلاته، وضعفت طاقاته، فإنها سوف تخذله ولن تقوده إلى ما يبتغي ويريد من أهداف وحياة.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على: أن الإنسان يجب أن يعرف الهدف الذي يخطّط له).
النجاح يكفلهُ شرطان: السعيّ والتخطيط
كثير من البشر مروا في رحاب الأرض ومضوا إلى دار حقهم، لكنوا لم يتركوا ما يمكن أن يشير لهم بالبنان، أي أنهم رحلوا مثلما يرحل الإنسان العادي، ذلك الذي لم يترك وراءه ما يجعله راسخا في ذاكرة الأرض وساكنيها، فيمضي كأي إنسان مرّ بالحياة مرور الكرام، ترى لماذا يرحل الإنسان عن عالمنا هذا، وما أن يُصبح تحت التراب حتى تنساه الذاكرة الجمعية والمحيط الاجتماعي؟، بل حتى أقرب الناس إليه ينسونه أيضا، السبب طبعا لم يكن يعرف من الحياة سوى الأكل والنوم والسفر وما شابه ذلك من أمور تمنحه الراحة وتحقق له رغبات النفس، فيهدر وقته الثمين بنفسه، وينسى أن الله تعالى خلق الإنسان في هذه الدار ليس للأكل والنوم والتمتع بمزايا الدنيا التي سرعان ما تزول في لحظة موت الإنسان، وإنما هنالك أهداف أعظم بكثير من هذه المتع الدنيوية الزائلة.
لذلك ينبّه سماحة المرجع الشيرازي على أن الحياة لها هدف واضح حين يقول سماحته:
(إنّ الهدف من الحياة ليس الأكل والنوم والسفر وما شابه، فهذه الأمور تنتهي بالموت، يقول الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (ما خلق الله يقيناً لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه من الموت).
ولعلنا نعلم أن تميّز الإنسان ووجوده الجيد في الحياة، وجعله صاحب منجز يُشار له بالبنان لا يمكن أن يتحقق من دون شروط، أهمها أن يتحلى بالقيم العظيمة، خاصة المنظومة الأخلاقية التي تحميه من الشطط والزلل في أفكاره وأفعاله وأعماله، فالأخلاق الحسنة، هي التي تصون الإنسان من الانحراف، وتحميه من ارتكاب المحرمات، وتمنعه من التجاوز على حقوق الآخرين، بل على العكس من ذلك تماما، حيث تجعل من حياته ذات جدوى وتميّز وفائدة له ولذويه في حياته، وتصنع له تأريخا من الصنيع المستحسَن، فتبقى ذكره في الحياة حتى بعد مماته، لهذا وُصفت الأخلاق بأنها نعمة إلهية كبرى، لأنها تمنح الإنسان قدرة لا متناهية على النجاح والتميز في حياته.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(ينبغي لكلّ مؤمن ومؤمنة، أن يلتزما بـ (حسن الخلق مع الجميع)، وهذا الأمر بحاجة إلى عزم وتصميم، فالأخلاق نعمة إلهية كبرى).
ظواهر مادية تنتشر في عصرنا
ولكي يكون الوجود الإنساني في هذه الدنيا ذا جدوى، لابد أن تكون نفسية الإنسان متوازنة سليمة، ولا يصح أن يكون مصابا بعاهة نفسية قد تدفع به إلى الانتحار، ولعل أفضل طريقة للخلاص من ظاهرة الانتحار والمرض العقلي، هو الإيمان، فهذه الظاهرة انتشرت في عصرنا هذا بطريقة تثير مخاوف البشرية، بسبب الإقدام على قتل الإنسان لنفسه، والأسباب واضحة بالطبع وتكثر في المجتمعات الأقل إيمانا من غيرها، لأن الإيمان هو صمام الأمان ضد هذه الظاهرة.
لهذا السبب فإننا لا يمكن أن نعثر من بين المنتحرين على إنسان واحد ممن إيمانهم راسخ وعميق، لأن الإيمان يحرس الإنسان من هذه الظاهرة الخطيرة، ويحميه من هذا المرض النفسي المعقّد، وهكذا نلاحظ نوعا من الترابط بين بين الانتحار والمرض العقلي، وغالبا ما يُصاب به ممن يكون إيمانهم معدوما أو ضعيفا.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي: (هناك خصلتان هما من أسوأ المظاهر: الانتحار والأمراض العقلية، وإذا بحثتم لن تجدوا حتى مؤمناً حقيقياً واحداً ذا أخلاق حميدة أصيب بواحدة من هاتين الخصلتين).
ومن عوامل زيادة الإيمان وسعادته، عندما يكون متأهبا على الدوام لمساعدة الآخرين ممن يستحقون المساعدة، فقد ثبت علميا من خلال علماء النفس، والاستبيانات الدقيقة، أن الإنسان المعطاء هو الذي يتحلى بالإيمان، وهو الذي يتمتع بأوضاع نفسية مستقرة ومتوازنة، لذلك تجده مستعدا على الدوام لمساعدة الآخرين وقضاء ما يحتاجون إليه من حاجيات تذلل مصاعب الحياة أمامهم.
لذلك على الناس جميعا أن يستفيدوا من هذه النعمة الكبيرة، وهي نعمة قضاء حوائج الناس، حيث يصبح الإنسان المؤمن مبادرا لفعل الخير ومجبولا على العطاء، لذلك سوف تلازمه السعادة والرضا الدائم، لسبب واضح أنه إنسان مؤمن ومستقر ومعطاء، وقد وصل إلى هذه النتائج الباهرة، لأنه إنسان خطط لحياته بدقة وعلمية ومهارة، ومن ثم نجح في تنفيذ تخطيطه السليم، فتضاعف إيمانه، وأقبل بقوة على مساعدة الناس، وجعل من قضاء حوائجهم هدفا مباشرا في حياته، يمنحه السعادة، ويضاعف من إيمانه، ويصبح من الناس الناجحين في اختبار الحياة الصعب.
لهذا ينصح سماحة المرجع الشيرازي الرجال على السير في هذا المسار، وينصح النساء للمشاركة في مساعدة النساء المحتاجات للمساعدة.. قائلا سماحته:
(كل من تمكّن فليستفد من النِعَمْ في قضاء حوائج الناس، وحبذا لو تُشكل لجان لهذا الغرض، تعمل فيها مجموعة من النساء، لحلّ مشكلات النساء).
اضف تعليق