يلطّف شهر رمضان المبارك المشاعر والأحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، الذي يجعل الإنسان يشعر بآلام الفقر ويعيش، ولو بنسبة، مآسي المحرومين، لذا ينبغي للمؤمنين الكرام الاهتمام أكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين في كل بلاد العالم، وخاصة في بلدهم، فقد استشرى الحرمان والفقر في كثير من البلاد من جرّاء المناهج الوضعية الناقصة...
حين يضمر الحاكم الكراهية لأمتهِ، سوف يستحدث ألف تبرير وتبرير لكي يعاقبها، والحكام الذين يضمرون الشر في قلوبهم وأنفسهم لديهم أساليبهم المبتكَرة في إلحاق الأذى بالشعب، فمثل هؤلاء الحكام فاشلون في كل شيء، إلا في عدائهم لأمتهم، ففي هذه الناحية تجدهم بارعين وقادرين على ابتكار أحدث وأقوى أساليب التجويع والحرمان وإذلال الشعب، وأول سلاح للحاكم الشرير هو الإفقار، ثم الجهل، وسيأتي المرض كتحصيل حاصل لهذه الأساليب الحكومية الخبيثة.
ولكن كيف يستطيع الحاكم صنع الفقر وكيف يبرع في صناعة الحرمان، حتى في أغنى البلدان بالثروات الطبيعية والبشرية، إنه سوف يعتمد على معاونين فاسدين فاقدين للذمة والضمير، لا يفقهون من هذه الدنيا سوى بطونهم وملذاتهم ومراكمة أموالهم وثرواتهم، كأنهم يعيشون أبدا، فإذا وجد الحاكم من يعاونه على إذلال الناس سوف يقربهم ويمنحهم العطايا ليضمن ولاءهم، ودائما لمثل هؤلاء الحكام حجج يقنعون بها الآخرين زورا وبهتانا، وهؤلاء الآخرون يختارهم الحاكم من ذوي ضعاف النفوس، بحيث يصبح عبدا للعطايا الأموال.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يحذر من ضعف النفس، وتركها على هواها، فالمشكلة الأولى في تدمير القيم، والاستعداد لخدمة الحاكم الظالم، هي ضعف النفس وانقياد صاحبها لها، وبالتالي ضعاف النفاس هم من يصنع الحكام الطغاة، فيذهب الحاكم إلى تجويع الأكثرية ويغدق بالأموال والامتيازات على الأقلية، حيث يمثلون أقل نسبة قد تصل إلى 5% من الشعب، لكنهم يتحولون إلى فراعين زمانهم بالمال والوجاهة الفارغة والمناصب التي لا يراعون فيها حق الله والبشر.
فكيف يحاذر المرء كي لا يصبح من ضمن هذه الأقلية الخانعة التي تبحث عن الثراء مقابل المساهمة في إذلال الأكثرية من الشعب إرضاءً للحاكم الجائر، المطلوب باختصار أن يحكم الإنسان نفسه، وشهر رمضان هو أنسب الأوقات وأفضل الفرص للسيطرة على النفس وقيادتها بالاتجاه السليم.
لذا يطلب سماحة المرجع الشيرازي في إحدى كلماته القيمة من الإنسان أن: (يخصّص في كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرّف مع زوجته وأصدقائه وزملائه؟).
فعلى الإنسان أن يدرس أساليب المسؤولين الذين لا يراعون الله في الناس الفقراء، وعليه أن لا ينحدر الى القعر تحت ضغط المال والمناصب، لذا علينا أن ندقق في أفعالنا وحتى أقوالنا، وكيف نصرف أوقاتنا وفي خدمة من وكيف، ولابد أن يصمم الناس على زيادة تقربهم الى الله في هذا الشهر الكريم، وتوجد ألف طريقة وطريقة في هذا الشأن، منها مساعدة الفقراء وشد أزرهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(ليدقّق المرء مع نفسه فيم صرف وقته؟ وليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته).
الخصائص العظيمة لشهر رمضان
تُرى هل تريد حقا أن تعيد حساباتك، وتعلن توبتك، ولا تشارك في إذلال الناس وإفقارهم؟، نعم توجد فرصة، وهي لا تزال سانحة، لم يفت الوقت بعد، يمكنك أن تتراجع عن إلحاق الأذى بالفقراء، يمكنك أن لا تمد يدك للمال العام، ويمكنك أن تتجنب السحت الحرام، ويمكنك أيضا استغلال الفرصة العظيمة للتوبة في شهر رمضان، فهو شهر الله، وهو شهر الفرص الكبيرة التي يمنحها الخالق لعباده من دون استثناء، حتى من ارتكب تجاوزا يمكنه التوبة وتصحيح الخطايا مهما كبر حجمها، لكن الشرط الأساس وربما هو الوحيد عدم إعادة الكرّة بارتكاب الذنوب التي تسهم بإفقار الناس.
لهذا الشهر خصائص كبيرة، وهي لا تأتي إلا مرة في السنة، فعلينا جميعا استثمار هذه الخصائص، والكف عن العبث بحقوق الفقراء، فما كان للفقر والحرمان أن يستشري إلى هذه الدرجة، لو كان الحكام والمسؤولين يخافون الله واليوم والآخر. يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(لقد خصّ الله عزّ وجلّ شهر رمضان الفضيل بالخصائص العظيمة دون سائر الشهور، لذا فهو فرصة مهيّأة من أجل الاهتداء والهداية).
ولا يصح أن يقنط المذنبون من رحمة الله، فشهر رمضان يفتح الأبواب كلها لمن آذى الناس، وساهم في نشر الفقر وضاعف من حرمانهم، ومهما بلغ الإنسان في تجاوزه، ومهما اعتادت نفسه على ارتكاب الذنب، تبقى قدره على العودة إلى رشده ممكنة، وشهر رمضان خُصّص لمثل هذه العودة الى جادة الصواب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(مهما كان الإنسان بعيداً عن الخير والصلاح والتقوى، يمكنه أن يستفيد من أجواء شهر رمضان المبارك لتغيير نفسه، فإن الله تعالى أودع هذه القدرة في الإنسان، وشهر رمضان فرصة مناسبة جدّاً لهذا الأمر).
حاجتنا إلى الترويض والانتباه
يندر أن تجد إنسان لا يحتاج إلى ترويض نفسه، فطالما أننا بشر فنحن معرضون للوقوع في الخطأ، لهذا ينبغي أن نحاذر جيدا، وعلينا أيضا أن نستغل فرصة شهر الصيام، فلا يصح أن ندخل في شهر رمضان ونخرج منه بمثل ما دخلنا، علينا أن نحصل على درجة من التغيير مهما كانت ضئيلة، أما أن ندخل هذا الشهر ونخرج منه بخفيّ حنين، فهذا أمر غير صحيح، ويدل على عدم اهتمام بالذات، وعدم رغبة بالتغيير، وحين يترك الإنسان الفرصة تمر من فوق رأسه من دون يستظل بها ويستفيد منها، فسوف يكون خاسرا قطعا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن:
(نحن، جميعاً، بحاجة إلى ترويض وانتباه بحيث إذا دخل أحدنا شهر رمضان وخرج منه يكون قد تغيّر ولو قليلاً).
ولأن هذا الشهر الكريم، يمنح الناس محاسن لا تحصى، فما عليهم إلا استثمارها، وقد يكون من الغباء أو الضعف تجاه النفس، أن يمر هذا الشهر ولا نستفيد من عطاياه وهداياه الكثيرة، فشهر رمضان له القابلية على صقل النفس وإعادتها إلى بياضها وبراءتها، لأنه قادر على تلطيف المشاعر والأحاسيس، فيغدو الإنسان في هذا الشهر رقيقا لطيفا مستعدا لفعل الخير والتعاون بلا كلل ولا ملل.
كذلك مطلوب منا جميعا، أن نعيش ما يعيشه الفقراء ونشعر بهم وأن نقف إلى جانبهم، فإذا كان الحاكم والمسؤول قد خذلهم، فإن الله تعالى والإسلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام، يطلبون منا أن نقف مع الفقراء، نعيش مأساتهم، نساعدهم ماديا ومعنويا بأقصى ما نستطيع، إن عالمنا هذا يغصّ بالمحرومين ونسبة الفقر من سكانه هي النسبة الأكبر عالميا، لهذا يتوجب علينا وكل حسب استطاعته أن نقف مع الفقير، وأن ننبّه المسؤول أن يكف عن التلاعب بمصائر الناس، وأن يكف عن التجاوز على حقوقهم، ولهذا استشرى الفقر والحرمان، وعلينا أن نعمل بما يريده الله والإسلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام منا، إننا يجب أن نتآزر ضد الظلم ونفضح الظالمين، ونعاون الفقراء بأقصى ما نتمكن، يدفعنا شهر رمضان الكريم نحو هذا الهدف ويسدد خطانا ويلطّف أحاسيسنا بالآخرين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(يلطّف شهر رمضان المبارك المشاعر والأحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، الذي يجعل الإنسان يشعر بآلام الفقر ويعيش، ولو بنسبة، مآسي المحرومين، لذا ينبغي للمؤمنين الكرام الاهتمام أكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين في كل بلاد العالم، وخاصة في بلدهم، فقد استشرى الحرمان والفقر في كثير من البلاد من جرّاء المناهج الوضعية الناقصة).
اضف تعليق