قد لا نبالغ إذا قلنا، ليس هناك شعب عانى ما عاناه الشعب العراقي من تعسّف الحكام النرجسيين الفرديين المرضى، عبر تأريخه السياسي المليء بالقمع والاستبداد، وقد آن الأوان لكي يحصل هذا الشعب الصابر على قسط من التعويض من حكوماته الديمقراطية التي لم تعطه حقّه حتى الآن، فلقد عانى العراقيون كثيرا من الحكومات القمعية التي تعاقبت على حكمهم، فمع الخيرات الكبيرة والوفيرة والمتنوعة التي تزخر بها أرضهم وطبيعة بلدهم، إلا أن الفقر والقهر والحرمان، غالبا ما يشكل الطبقات الأوسع من شعبه، ومع أكداس الظلم التي حاقت بغالبية الشعب العراقي، نجد أن النسبة الأقل قد حصلت على أكثر من حقوقها عشرات المرات، في طرق وأساليب أقل ما يُقال عنها بأنها خارجة على القيم والأصول والقانون الشرعي والوضعي على حد سواء.
وقد تصوّر معظم الشعب العراقي بأن حكومات ما بعد نيسان 2003 سوف تنصفهم، وهذا هو حقّهم المرتقب، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث إلا ما ندر، حتى بعد التغييرات الكبرى على المستوى السياسي والاقتصادي لم يحظ العراقيون بالاهتمام المطلوب بل بالعكس هناك شحة في الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والشوارع وخدمات الصرف الصحي، فضلا عن استهداف المدنيين والضعفاء من لدن أرباب العنف والإرهاب، حتى بدت منشآت البلد كالركام الذي يحتاج الى إزالة لتعلو من جديد المدارس والجامعات والمستشفيات والمجمعات السكنية في ظل نظام حكم منتخب ينبغي ان يخدم الناس لا أن يسلبهم حقوقهم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يذكر بوضوح في إحدى محاضراته القيمة حول الأمر قائلا: إن (المسؤولية هي تشريعٌ وحكمٌ وإحساس، كما يُفهم من الحديث النبوي الشريف؛ فأما كون المسؤولية تشريعاً وحكماً، فهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما كونها إحساساً فهذا يرتبط بنا نحن؛ فبأي قدر يحسُّ كل واحد منّا بهذا التشريع وبهذا الحكم؟).
والحقيقة ليس المسؤول وحده مطالب بالبناء وتعويض العراقيين، فهذه المهمة ذات طابع جمعي، إذ ليس هناك من هو مستثنى من هذه المسؤولية الجماعية، ولكن يبقى القائد والرئيس والمدير هو صاحب الصلاحيات والقدرة على تقديم الخدمات الأفضل للجميع، علما لابد من تعاون جماعي متواصل، حيث الجميع يقدم ما يتمكن عليه في الجانبين المعنوي والمادي.
ويؤكد سماحة على هذا الجانب بقوله: إن (هذه المسؤولية، هي مسؤولية عامة الناس، ولكن في الوقت الحالي هي مسؤولية خاصة، وقسمٌ منها مسؤولية عامة بالنسبة لعراق اليوم والمستقبل)
ويضيف سماحته: أن (الجميع يعلم سواءٌ عن طريق وسائل الإعلام العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمر بأوضاع معقدة جداً، لا يعلم مداها ومنتهاها إلا الله).
إرث الأخطاء الإدارية السابقة
ثمة أخطاء إستراتيجية ارتكبتها الحكومات الفردية العسكرية، وأسهمت في هذه الأخطاء الجسيمة حماقات الحكام وأمراضهم النفسية المعقدة، فقد تم إهمال البناء والخدمات وانصبّ الاهتمام على الحروب الطائشة وحماية الكرسي، وبعد التغييرات الهائلة على المستوى السياسي لم نلحظ تغييرا جذريا في أوضاع العراقيين، لذلك على الرغم من مرور زمن طويل على الإهمال والنواقص الخدمية وغيرها التي يعاني منها العراقيون، إلا أن الأزمة لا تزال تتفاقم بسبب ارث الأخطاء الإدارية المتوارثة من حكومة الى أخرى، لاسيما الحكومات التسلطية التي ظلمت الشعب العراقي وزجت به في السجون والزنازين والإعدامات والتشريد، وسامت الشعب العراقي الصبور أقسى أصناف التعذيب النفسي والبدني ومارست ضده أكبر الحملات لقمع الحريات المدنية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (الذين تحرروا من معتقلات النظام الديكتاتوري، تحدثوا عن المصائب العظيمة التي لاقوها في الأقبية والطوامير المرعبة، وأحياناً تخرج امرأة من المعتقل وتكتب، بعد مرور عدة سنوات، قصصاً عما جرى لها ولنساء أخريات على أيدي جلاوزة النظام الغاشم. في الواقع أنها قصص فضيعة ومهولة).
وهذه أدلّة قاطعة على تجبّر وعنجهية الحكام البؤساء، فبات على العراقيين أن يتعلموا الدروس من أئمة أهل البيت عليهم السلام وصبرهم على المآسي، لاسيما أن مأساة العراقيين تتضاعف باستمرار، فالقيم التي يحتاجها العراقيون موجودة في فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام وما على العراقيين سوى الإطلاع المستدام على هذا الفكر الخلاق.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب فيقول: (لقد تضاعفت مأساة الشعب العراقي، وفي الحقيقة أن هذه المأساة لها نظير في تاريخ الأئمة المعصومين سلام الله عليهم ؛ ولذا يجب علينا أن نأخذ الدرس من أئمتنا سلام الله عليهم، ونتعلم منهم، ماذا علينا أن نفعل؟ وما هو طريق الخلاص؟). ويحتاج العراقيون الى الثقة بالله وبأنفسهم، حتى يكون بمقدورهم معالجة أكبر المشكلات التي يعانون منها.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن الإنسان الذي يكون مع الله تعالى (سيكون الله سبحانه معه، ولديه التصميم والجدية، ولا بد أنه سيوفق؛ إذ - ما كان لله ينمو-. وبالطبع، ليس معنى ذلك أن الطريق معبد، وأنه لا وجود لمشكلات ومتاعب).
أبشع دكتاتوريات العالم في العراق
تعرضّت أرض العراق في تأريخه بأبعاده كافة، ولاسيما المعاصر الى هجمات سلطوية طاحنة، عانى منها الشعب العراقي كثيرا، ومعروف للجميع ماذا يحدث للبلد والشعب الذي يتم حكمه بالحديد والنار، كما كان حال العراقيين، لا شك أن أبشع الجرائم سوف تُرتكب بحق أبنائه وهذا ما حدث بالضبط في ظل الحكومة الصدّامية المنحرفة، لذلك بقي العراقيون الى الآن يعانون الكثير من النواقص الخطيرة في حياتهم.
نلحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي وهو يتساءل: (كيف ببلد مثل العراق عانى عقوداً طويلة من العزل والإرهاب والبطش والتجهيل وما إلى ذلك، في ظل أعتى ديكتاتورية في العالم؛ فعندئذٍ، من البديهي القول بأن العراقي الذي عاش سنين متمادية في ظلام حالك، تطوقه الاحتياجات الكثيرة من كل الجهات).
ولعل الحاجة الفكرية والثقافية تمثل أشد حاجات العراقيين، ولاشك ان التجهيل المقصود وتدمير الثقافة وقلة وعي الناس، لها دور كبير فيما يتعرض له العراقيون من سلب للحقوق، ومن نهب لثرواتهم من لدن الفاسدين والعصابات التي تهيمن على مقدرات البلد، لذا لابد من زيادة وعي الناس بإطلاق الوعي ومضاعفة الصوت المنصف الوعي الذي ينطلق من أساس ثقافي واعي يحصل عليه العراقيون من وسائل تقديم الثقافة المعاصرة.
إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: أن (عراق المستقبل يحتاج إلى الملايين من الكتب والمجلات الدينية، وإلى المدارس والحوزات العلمية، والخطباء والوعّاظ والمربين للعمل في هذا المجال. كما أن العراق بحاجة إلى المئات والمئات من المستشفيات والمراكز الصحية).
وحتما توجد هناك نواقص أكبر منها على سبيل المثال التمويل المادي لإقامة المشاريع المهمة التي يحتاجها العراقيون لأنها تطور حياتهم، وهذا يتطلّب دعما ماليا من خلال صناديق التبرعات بشتى الطرق الشرعية الممكنة.
وهذا بالضبط ما ركَّز عليه سماحة المرجع الشيرازي حين قال: إن (العراق يحتاج إلى المئات من صناديق القرض الحسن لإسعاف الملايين من المعوزين، الأمر الذي يحتاج إلى تخطيط وعمل سريع جداً).
اضف تعليق