تعريب: علاء الكاظمي
على أعتاب حلول شهر محرم الحرام 1439للهجرة، وكالسنوات السابقة، شهد بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في مدينة قم المقدّسة، شهد مراسيم التجمع السنوي الكبير للخطباء والمبلّغين الحسينيين، في مساء يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1438للهجرة (17/9/2017م).
بدأت هذه المراسيم بقراءة المراثي والأبيات الشجية في مصائب أهل البيت صلوات الله عليهم.
ثم القى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة حول النهضة والشعائر الحسينيتين المقدّستين، وحول سيرة نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.
استهلّ سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمته القيّمة، بعبارة من إحدى الزيارات الشريفة لمولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، وهي: (والسبيل الذي لا يختلج دونك)، وقال:
بالتدبّر والتأمّل في هذه العبارة من الزيارة الشريفة، يتبيّن هذا المعنى لنا، وهو: إلهي اجعلني في مأمن من الشكّ والترديد في الطريق الذي بيّنه لي الإمام الحسين صلوات الله عليه. فقد شهدت القضية الحسينية المقدّسة، الشكّ والترديد من قبل الكثيرين على طول التاريخ. وهذا الشكّ والترديد بدأ من ليلة ويوم عاشوراء، بتزلزل قلوب بعض الذين جاؤوا مع الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى كربلاء، واستمر في العقود من بعد واقعة عاشوراء، وفي زمن الغيبة الشريفة الصغرى، وحيرة الناس، وتكالب الشبهات، وإلى يومك هذا، ولا يزال جارياً وسارياً. فالكثير من الناس، باتباعهم للإمام الحسين صلوات الله عليه نالوا جنّة النعيم. والكثير منهم، وبالأخصّ ممن كان زمن واقعة كربلاء، صار عاقبتهم الهلاك والنار، لأنهم ولّوا وجوههم مدبرين. وفي العبارة التي استهلنا بها الحديث من الزيارة الشريفة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا في مأمن ممن لا يصيبه الشكّ والترديد في اتّباع الإمام الحسين صلوات الله عليه.
جذور الانحراف
ثم بيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله أهميّة شهري محرم وصفر، وتأثيرهما الخاص في بقاء الدين والمذهب، وقال: في هذين الشهرين تقع علينا مسؤوليتين مهمّتين، أكثر من باقي الشهور، وهما:
الأولى: أن نعرف لأجل ماذا استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ ويمكن معرفة الجواب عبر رجوعنا للأحاديث والروايات والزيارات والأدعية الشريفة المروية عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، وبالبحث فيها. ومما يُعرف من الروايات الشريفة حول ذلك، هو القول المعروف لشاعر: (إن كان دين محمّد لم يستقم إلاّ بقتلي ياسيوف خذيني). وذلك لكي يقام الدين، ويقام الإسلام. ففي عالم اليوم أين تجدون قيام الدين والإسلام؟
وأضاف سماحته: لقد التقى بي العديد من مراجع التقليد، وبعضهم قد توفي، وبعضهم لازالوا أحياء. وقد عرضت لهم في لقاءاتي معهم، أحد كتب قوانين العقوبات لإحدى الدول الإسلامية الذي طبعوا منه الألوف، فعرضته لهم، حين لقائي بهم على انفراد، وقلتم له انظروا ماذا كتبوا في مقدّمة هذا الكتاب. لقد كتبوا في مقدّمة كتاب قانون العقوبات لتلك الدولة الإسلامية الذي كتبوه في ألف صفحة، كتبوا أنّهم أخذوا هذه القوانين من إحدى الدول الغربية! فقال لي أحدهم: ليت هذا يختصّ بقانون العقوبات فقط، بل أي شيء تجده صحيحاً؟! وجاءني مرجعاً آخر ممن التقيت بهم وذكرت له الأمر المذكور، وهو الآن على قيد الحياة ومن كبار مراجع التقليد، وكان قد عمل على إحياء قضية من غير القضايا التي ذكرتها لها، وقال لي: هل سمعت بما قمت به أنا لحفظ الإسلام؟ قلت له: بلى سمعت، وشكر الله سعيكم. ولكن أقول لكم، مع الاعتذار: هل انّ قدرتكم انحصرت في هذه القضية فقط، أم يمكنكم القيام بأكثر مما قمتم به؟ فلم يقل شيئاً.
وعقّب سماحته: إنّ جذور الكثير من الاعوجاج والفتن الموجودة في الدول الإسلامية، هو الابتعاد عن القوانين الإسلامية، وقد نبّه الإمام الحسين صلوات الله عليه لهذا الأمر، حيث قال: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب) صلوات الله عليهما وآلهما. فقد أكّد الإمام الحسين صلوات الله عليه في قوله، تأكيداً خاصّاً على طريقة وأسلوب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. ففي حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي امتدت إلى شمال أفريقيا وأعماق أوروبا، لم يك سجيناً سياسياً واحداً. وفي حكومته صلوات الله عليه تم القضاء على الفقر. فبفضل عدالة الإمام عليّ صلوات الله عليه زمن حكومته الفريدة، زال الفقر وقُضي عليه.
لكن، لماذا قال الإمام الحسين صلوات الله عليه: (أبي عليّ بن أبي طالب)؟ ففي زمن واقعة كربلاء، لم يك معاوية وكان ميّتاً؟ للجواب نقول: لقد ذكر الإمام الحسين صلوات الله عليه اسم الإمام (عليّ) صلوات الله عليه وذكر (بن أبي طالب)، حتى لا يحرّفون قوله من بعده، ويقولوا المقصود ليس بن أبي طالب سلام الله عليه.
وقال سماحته: إلى جانب الحكومة الفريدة الكبيرة للإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، كانت هناك حكومة صغيرة في أرض صغيرة وهي الشام، وكانت غير مطيعة للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكانت تحت سيطرة داعشي وهو معاوية. وفي حكومة معاوية التي طالت عشرين سنة، وفي يوم واحد، وحادثة واحدة، قتلت حكومة معاوية الألوف من المسلمين المصلّين والصائمين، بقطع رؤوسهم، وهدم بيوت المعارضين على ساكنيها، وكانوا بعشرات الألوف. ونقلوا عما حدث في فترة حكومة معاوية، أنه حصلت مشكلة في الشام، وعجز القضاة كلّهم عن حلّها، فاضطر معاوية بمكاتبة أبي موسى الأشعري، وذكر له المشكلة، وطلب منه أن يأخذ حلّها من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وكانت المشكلة هي: «إنّ رجلاً وجد رجلاً على زوجته» فما هو الحلّ؟ وقد طرح أبو موسى الأشعري هذا السؤال على الإمام، دون أن يذكر اسم معاوية. فقال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الجواب: «إنّ هذا ليس بأرضنا». فكلمة (بأرضنا) التي ذكرها الإمام صلوات الله عليه، تدلّ على نزاهة حكومة الإمام صلوات الله عليه وسلامتها من الظلم والفساد، اللذين كانا شائعا ومتفشيا في حكومة الشام، المجاورة لحكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه.
وأوضح سماحته: ولهذا أكّد مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه كثيراً، على سيره بسيرة وطريقة أبيه مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وهذا التأكيد من الإمام الحسين صلوات الله عليه هو في رأس قائمة المسؤوليات الملقاة على الحكومات كافّة ولكل عصور التاريخ.
إذن، أليس من الجدير أن يتعرّف العالم على مثل حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ليصل للسعادة. فمن إحدى قوانين الإسلام وحكومتي النبيّ الكريم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما هي قاعدة لاضرر ولا حرج. فراجعوا قوانين الدول الإسلامية، هل تجدون مثل هذه القاعدة فيها؟ فابحثوا بهذا الخصوص لكي تعرفوا حجم وكبر مسؤولية التبليغ.
إذن، ألا يجدر أن ينعم العالمين وينتفعون من هذه الحقيقة؟ ولا شكّ هذه مسؤولية تقع علينا جميعاً.
ربيع الشعائر
وقال سماحته، أيضاً:
المسؤولية الثانية: هي الشعائر الحسينية المقدّسة. وشهري محرم وصفر هما ربيع هذه الشعائر. والمسؤولية الشرعية على الجميع هي إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة كلّها في كل مكان من العالم. فالقرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وآله خاطبا الناس كلّهم في خصوص تبليغ الدين. وعليه فإنّ الواجب الكفائي والمسؤولية العامة هما تعريف العالم كلّه بالشعائر الحسينية المقدّسة.
وأردف سماحته: إنّ شهري محرّم وصفر، هما فرصة تبليغ الإسلام، أي الإسلام الذي بيّنه الإمام الحسين صلوات الله عليه بقوله: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب). فحذار من أن تفوتنا هذه الفرصة، وأن لا نسعى لتبليغ الدين. فالعالم كلّه اليوم قد غطّ بالفساد والضلالة، وعلينا أن نستفيد من القنوات الفضائية التي لها القدرة على نشر وتعميم معارف الدين، استفادة بأحسن وجه، ولا شكّ، بها يمكننا إيصال الحقائق إلى البشرية جمعاء، في كل ناحية وطرف من نواحي وأطراف الأرض.
ثم أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، إلى مساعي الأكابر من علماء التشيّع من السلف الصالح، في نشر معارف الدين، وفي دفاعهم عن الدين، خصّ بالذكر منهم قائد نهضة التبغ في إيران المجدّد الشيرازي الكبير الميرزا حسن، وقائد ثورة العشرين المجيدة في العراق الميرزا محمد تقي الشيرازي قدّس سرّهما الشريف، اللذين وقفا بشجاعة وتصدّيا للاستعمار البريطاني، وقال: كانت ثورة المجدّد الشيرازي قدّس سرّه الشريف نهضة ثقافية، قلّ فيها عدد الضحايا. وأما الثانية، اي ثورة العشرين، فقد كانت حرباً، وأريقت فيها الكثير من الدماء. ولكن كان التوفيق نصيب العلمين المجدّد الشيرازي والإمام الثائر الشيرازي قدّس سرّهما، واستطاعا، بفضل إصرارهما على التمسّك بالعقائد والقيم الدينية، أن يهديا للمسلمين نتائج باهرة.
في ختام كلمته القيّمة، دعا سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، الجميع إلى حماية الشعائر الحسينية المقدّسة، وقال: تقبّلوا المصاعب كلها في سبيل إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، وحتى لو اضطررتم للدَين والقرض فلا تقصّروا، بل من الجدير واللائق أن تقتدوا بالأئمة الأطهار صلوات الله عليهم وبعلماء الدين في هذا المجال. فبأمثال هذه المحاولات والمساعي يمكن إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة في العالم كلّه وتعميمها وعولمتها.
إذن، علينا أن لا نقصّر في هذا المجال، وعلينا أن نبذل قصارى جهودنا ونسعى كثيراً إلى تحقيق الهدف الذي نهض من أجله مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه. فإذا لم يتحقّق هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه في زمانه صلوات الله عليه، لنسع نحن جميعاً إلى تحقيقه في زماننا الحاضر الذي يحظى بالكثير من الظروف السهلة والمساعدة، وبإمكانات أكثر.
اضف تعليق